ظهر بريق في عينيه المفقودتين وكأن بصيصاً من الحياة عاد إليه.
تألق الضوء الأزرق فجأة.
“إيزين، إيزين.”
لمس وجهه حيث بقيت آثار الدموع التي حاولت مسحها. ثم تحسس الفراغ حوله، كما لو كان يعرف أنني واقفة هناك. لكن نظرته لم تكن موجهة إليّ.
“إيزين، لقد عدتِ، أليس كذلك؟”
همس لنفسه. كان الأمر وكأنه لم يتغير شيء عما نسيه في وقت ما.
لا، بل كان أكثر قسوة من ذي قبل. نهض فجأة وبدأ يبحث بجنون في القبو.
“أنت هنا، أليس كذلك؟”
أصوات تحطم الزجاج وتكسر الأشياء ملأت المكان.
وقع فوق الزجاج المكسور، وكان ما يزال يبحث في الفراغ.
“أنت هنا، أليس كذلك؟ تريني، أليس كذلك؟”
صوته بدا وكأنه يتوسل. أو ربما كان مجنونا. لقد كان ينبش القبو بجنون.
“سيدي!”
“أبي!”
الذين نزلوا بعد سماع الضجيج وقفوا مصدومين. لم يلقِ زوجي نظرة واحدة عليهم، واستمر في البحث المجنون في الفراغ. كان يمد ذراعيه ويحركهما وهو يحاول الإمساك بي.
“أبي، ماذا تفعل؟”
أمسك به الطفل بصعوبة بعد أن كاد يسقط بسبب الزجاج مرة أخرى.
“أيزين، أيزين عادت.”
“ما هذا الهراء؟”
“إنها هنا، أيزين هنا. جاءت لرؤيتي.”
“أمي ماتت!”
صرخ الطفل. لم أستطع إلا أن أشعر بالألم في صوته المملوء بالحزن.
“إنها حية، هنا.”
كان يصرخ أيضاً. لم أرَ هذا الوجه من قبل. الحرارة التي كانت تنبعث منه كانت قوية جداً.
الشخص الذي كان بهذا اليأس لم يكن هو الشخص الذي أعرفه. لم يكن هو. لم أستطع أن أزيح عيني عن هذا الشخص الغريب الذي أصبح مألوفاً لي.
بدا أن زوجي كان يحاول بكل قوته ألا يفوت اللحظة التي مرّت بسرعة. لا، في الواقع، لم أكن أعرف حتى ماذا كان يرى. كان قد بدأ يطلق ما كان يكبته داخله طوال هذه السنوات من السلام الظاهري.
” الا تستطيع مسامحتي؟ أيزين، هل هذا سبب بقاء روحك هنا؟”
“أبي!”
“أنتِ، هل هذا سبب عدم رحيلك؟ هل أنتِ غاضبة جداً لدرجة أنكِ لم تستطيعي الصعود إلى السماء وتظلّين تهيمين حولي؟”
استمر في الهمس بلا توقف. تلك الكلمات التي كانت مكبوتة لسنوات طويلة بدأت تتدفق مثل السيل الجارف.
لم أستطع استيعاب كل ما كان يقوله. كنت فقط ألاحظ عينيه الحمراوين، وأنفاسه المتقطعة، وصوته المتألم وهو يناديني مراراً وتكراراً:
“أيزين.”
في كل مرة كان يناديني، كنت أشعر بضغط مؤلم في صدري يمنعني من التنفس.
“أبي فقد عقله!”
عندما أدرك وجودي مرة أخرى، خرج جنونه الذي كان قد خمد تحت السطح إلى العلن بالكامل.
وكان ينعزل شيئاً فشيئاً.
طفلي كان أول من غادر القصر، ثم تبعهم الخدم واحداً تلو الآخر. الآن، لم يعد في القصر سوى هو.
“انظر، في النهاية أنت تدفع الجميع بعيداً عنك.”
قلت بسخرية، متجاهلة الرياح الباردة التي تعصف في داخلي.
“أيزين.”
تمتم وكأنه يرد على كلامي. لقد كان الآن مقتنعاً تماماً بوجودي بجانبه، والناس كانوا يرون أنه قد جن تماماً.
“الآن، حقاً، لم يتبق سوى أنا وأنت.”
قبّل كف يده. كنت أعرف أن هناك شيئاً كان يمسك به دائماً في يده المتشققة والخشنة.
حتى وهو يُعامل كالمجنون، بدا أن كليف مور كان سعيداً بوجوده مع شبح زوجته الراحلة فقط.
كم من الوقت قد مر؟
عندما توقفت رسائل الطفل التي كانت تحمل أنباء قليلة عن نجاته، جاء شخص ما ليطرق باب القصر الفارغ.
كانت ليلة مظلمة وعاصفة مع أمطار غزيرة ورياح عاتية.
“هل من أحد هنا؟!”
كان هناك رجل في منتصف العمر يطرق الباب بعنف، وهو يرتدي معطفاً وقبعة مبللين تماماً، يغطي وجهه بهما.
“هل من أحد؟ أرجوكم، ساعدوني! طفلي مريض!”
من خلال نافذة الباب الأمامي، كان يمكن رؤية الرجل، الذي بدا أنيقاً في ملابسه لكنها كانت مبللة تماماً، وهو يحمل مراهقاً على ظهره.
بعد فترة طويلة من طرقه الباب بعنف، رأيت كليف يأتي أخيراً إلى الباب ليفتحه.
“شكراً جزيلاً، شكراً من كل قلبي.”
عندما فتح الباب أخيراً، انحنى الرجل مراراً تعبيراً عن امتنانه. وعندما رفع رأسه مرة أخرى، التقت عينيه بنظرة كليف، الذي كان ينظر إليه بهدوء من أعلى إلى أسفل، فتراجع الرجل بخوف.
“هل أنت… صاحب هذا المكان؟”
“…”
لم يرد كليف بشيء، لكن الرجل بدا وكأنه وجد الإجابة في صمته.
“اسمي كولين لوكوود. نحن من مملكة سينيب، ونتنقل في هذا المكان. لقد سُرق منا كل شيء، من النقود إلى الأمتعة، وزاد الطين بلة أن طفلي مريض ولا يوجد مكان نأوي إليه. لهذا اضطررت لطرق بابك. في هذا الطقس، لم يقبلنا أحد بسبب أننا غرباء.”
نظرة كليف تحولت إلى الصبي الذي كان يحمله الرجل. لاحظ الرجل هذه النظرة فأنزل طفله من على كتفيه ووضعه أمام كليف. كان يراقب رد فعله بح ذر.
أو ربما كان ينظر إلى وجهه، فالرجل كان يلقي نظرات خاطفة إلى كليف من رأسه إلى قدميه، وكأنه يبحث عن شيء ما.
“إذا سمحت لنا بقضاء الليلة هنا فقط، سأرد لك هذا الجميل. رغم أنني أشعر بالخجل، إلا أنني أدير ثالث أكبر شركة تجارية في سينيب. غداً، بمجرد أن يحل الصباح، سأتواصل مع أصدقاء المملكة…”
“عندما يستعيد الطفل وعيه، اخرج.”
ارتعش الرجل عندما سمع الصوت المنخفض. ربما لأنه أدرك بشكل غريزي ما كان ينبعث من زوجي من بقايا الخطر، بالإضافة إلى أثر الجنون الدقيق.
“لا يوجد خدم هنا، لذا ابحث عن أي غرفة وادخلها بنفسك. باستثناء الغرفة الوسطى في الطابق الثاني من الجناح الجانبي.”
مر الرجل الذي كان يعبر عن امتنانه بشكل متكرر بينما كان زوجي يسير مسرعاً متجهاً إلى القبو.
“هاه، الحمد لله.”
واصل الرجل تقديم شكره بحماس مبالغ فيه، وعندما غاب زوجي عن الأنظار، قام بتقويم ظهره. من عينيه اللامعتين بالخداع شعرت بعدم الارتياح.
“لنصعد.”
دعم الرجل الصبي وبدأ بالصعود إلى الطابق العلوي. هذه المرة، لم يحمله على كتفه كما فعل من قبل.
“آه…”
كان الطفل يتكئ على والده ويخطو خطوات بطيئة، متأوهاً في كل خطوة.
“…!”
ثم فجأة بدأ يمشي بمفرده.
أصبح مدخل القصر ضبابياً واختفى عن الأنظار.
“هذا غريب.”
شعرت بالقلق من ظهور هؤلاء الضيوف المشبوهين. عدت إلى الممر المظلم كما كنت دائماً، لكن لم أتمكن من التخلص من القشعريرة التي اجتاحت صدري. ركضت بسرعة نحو الغرفة التالية لإشعال النور. كنت أرغب في التأكد من حالته في القبو بأسرع وقت ممكن.
فتحت الباب بعنف.
“قالوا إنه مجنون، لكنه يبدو في حالة جيدة.”
“بالطبع، الأسد الأسود ليس سهلاً بهذا الشكل.”
“لكن الأمر لم يكن يبدو كذلك. إدخالنا إلى هنا بهذه السهولة كان شيئاً غبياً.”
كان هناك رجال يرتدون ملابس سوداء مجتمعين في الغرفة. استطعت تمييز الوجه الذي رأيته قبل قليل بين خمسة أو ستة رجال.
“أحسنت، جيمي.”
قام رجل في منتصف العمر بالربت على كتف الصبي.
“بفضلك، سارت الأمور بسلاسة. كنت متأكداً أنه سيتزعزع.”
“آه، قالوا إن ابنه مفقود، أليس كذلك؟”
“لا، قالوا إنه فقد الاتصال به. سمعنا أنه كان بالقرب من الحدود الشمالية، لكنهم لم يتواصلوا منذ فترة…”
ضحك الرجل بشكل مريب، وارتفع زاوية فمه ليكشف عن أسنانه الصفراء.
“لا أعرف إذا كان قد حجز مقبرة جيدة لوالده، لكنه سيحتاجها قريباً.”
فجأة، سطع سيف حاد كان قد أخرجه من جيبه. حينها فقط أدركت السبب الحقيقي للقلق الذي شعرت به منذ لحظة فتح الباب.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
شكرا على الترجمة 🥰