وفي هذه اللحظة تحديدًا، كانت نِي آن آن قد وصلت إلى موقع التصوير.
كان برنامج نزل الميدالية الذهبية يصور في المنطقة الشمالية الغربية من البلاد، حيث يلتقي الصحراء بالمدينة، وهي منطقة سياحية ناشئة.
كانت عائلة نِي الراعية الرسمية للبرنامج، وهي أيضًا المطوِّر الرئيسي للموقع السياحي الذي يجري فيه التصوير.
فكرة البرنامج كانت بسيطة جدًا هناك نُزلان محليان الأول يُدعى نُزُل يُون لاي، والآخر نُزل يُوِه لاي، والمسافة بينهما لا تتجاوز عشرة أمتار.
كان أسلوب الديكور في كليهما متشابهًا، بطابعٍ عتيقٍ تقليدي.
لذلك، قُسّم الضيوف المشاركون في البرنامج إلى فريقين، كل فريق يقيم في أحد النُزلين، وفي النهاية يفوز النُزل الذي يحقق أرباحًا أعلى أثناء فترة التصوير.
بلغ عدد الضيوف اثني عشر شخصًا ستة في كل نُزل.
وترددت شائعة عن وجود ضيف سري سيظهر في اليوم قبل الأخير من البرنامج.
يتولّى الضيوف إدارة النُزل بأنفسهم من استقبال الزبائن، وتنظيم الأنشطة اليومية، إلى إعداد الوجبات، بينما يتكفل طاقم التنظيف الأصلي بأعمال الغرف والغسيل.
ولتجنب تحيز المعجبين ورفع أرباح نزل نجومهم المفضلين، نصت القواعد على أن يُحدد نُزل إقامة كل ضيف عن طريق القرعة بعد الوصول.
كما أن أسماء النزل تخفى عند عرض الحلقات، إذ أن تشابه ديكور المكانين يجعل التفريق بينهما صعبا من دون رؤية اللافتة على الباب الرئيسي.
لم يكن على نِي آن آن الكثير من المهام في اليوم الأول، ولم تكن من محبي النجوم، لذا كانت حرة في وقتها.
بعد أن استراحت قليلا، أخبرت طاقم التصوير بأنها ستخرج، ثم توجهت إلى السوق المحلي.
فالمكان لم يكن العاصمة، ولم تكن كل المواد متوفرة فيه، لذا تجولت بين الأسواق المختلفة وسجّلت ملاحظات حول ما يتوفر فيها، قبل أن تذهب إلى أكبر متجر للبقالة في المدينة.
وعندما عادت، كان جميع الضيوف قد وصلوا بالفعل إلى نزل يُون لاي.
بصفتها خبيرة التغذية، شاركت أيضًا في القرعة، فاختيرت لتكون ضمن طاقم يُون لاي إن، بينما ذهب الممثل الكوميدي إلى النُزل الآخر كما توقعت.
كانت نِي آن آن تحمل بعض الفواكه في يديها، فتقدّمت بخطوات خفيفة، وابتسمت قائلة بلُطف
“مرحبًا بالجميع، أحضرت بعض الفاكهة من السوبرماركت، الجو حار اليوم، تفضلوا وتناولوا بعضًا منها!”
كانت صغيرة القامة، ترتدي فستانًا أبيض، وقد رفعت شعرها على شكل كعكة فوق رأسها. كانت عيناها الكبيرتان تلمعان كالبلور، وصوتها رقيقًا كالنسيم بدت للجميع مثل حمل صغير لطيف.
قالت تشن يانشو، وهي نجمة صاعدة في أفلام الفنون القتالية، بابتسامة ودودة وهي تتسلم الفاكهة
“أنتِ إذن آن آن، خبيرة التغذية الخاصة بنُزلنا؟ كم عمرك يا أختي الصغيرة؟”
أجابت نِي آنآن بخضوعٍ مهذب
“لقد أتممت العشرين لتوي.”
قالت أخرى مازحة
“يا إلهي! ما زلتِ صغيرة جدًا! وجهك ناعم لدرجة أننا لو ضغطناه قليلًا لانهمر منه الماء!”
وانفجر الجميع بالضحك.
أما نِي آن آن، فاكتفت بابتسامة خجولة، وقد بدت على ملامحها مسحة حياءٍ رقيق.
ذهب بعض أفراد الفريق لغسل الفاكهة في الجزء الخلفي من النُزل، وفي تلك اللحظة تحديدًا اقتربت منها فتاتان.
رفعت نِي آن آن رأسها، لتُفاجأ بأنهما تشين زِي يي ولي مانغِه.
بدت الدهشة واضحة على وجه تشين زِي يي عندما رأت نِي آن آن هناك، فسألتها فورًا بنبرة حادة
“ماذا تفعلين هنا؟”
كانت هي ولي مانغِه قد وصلتا في رحلة لاحقة، ولم تعرفا حتى الآن أن نِي آن آن تشارك في البرنامج.
أما نِي آن آن، فقد سجّلت اسمها فقط باسم آن آن عند التحاقها بطاقم التصوير، ولم يكن مطلوبًا منها كتابة اسمها الكامل لأنها ليست من المشاهير ولأسباب تتعلق بالخصوصية.
ابتسمت نِي آن آن بهدوء وقالت
“يا لها من صدفة جميلة يا آنسة تشين.”
سارعت تشين زِي يي بالرد، وعبست وهي تقول
“فقط لا تزعجيني هذه المرة.”
كانت قد سمعت إشاعة تفيد بأن نِي تشينغ فِينغ سيكون أحد الضيوف السريين في هذا الموسم من البرنامج، وقد أُرسلت له الدعوة بالفعل، لكنها لم تكن تعلم إن كان قد وافق على المشاركة.
ولهذا السبب تحديدًا وافقت هي على الانضمام إلى هذا البرنامج الممل كما كانت تسميه.
سألتها لي مانغِه وهي تنظر بين الاثنتين باهتمام
“هل تعرفان بعضكما؟”
ترددت تشين زِي يي قليلًا، ولم تعرف كيف تقدّم نِي آن آن، ثم قالت أخيرًا
“إنها كانت… رفيقة السيد هوو يانشياو في إحدى المناسبات.”
كانت لي مانغِه قد سمعت بالفعل عن تلك الحادثة الشائعة التي قالت إن هوو يانشياو حضر حفل عائلة نِي مصطحبًا فتاة غامضة.
لكن طالما أن الأمر لا يتعلق بـتشين زيمينغ، حبيبها، فلم تهتم كثيرًا بوجود زهرة بيضاء صغيرة جديدة.
ابتسمت بخفة لآن آن وردّت التحية بأدب.
وفجأة، دوّى صوت حماسٍ من حول طاولة الطعام
“يا إلهي! هذه الفاكهة لذيذة جدًا!”
وقال آخر ضاحكًا
“أعلم! مقرمشة وحلوة! مناسبة تمامًا لهذا الحرّ! حتى اختيار آن آن للفواكه يبدو لطيفًا مثلها!”
احمرّ وجه نِي آن آن خجلًا، وقالت بخفوت
“لقد اخترتها عشوائيًا فقط…”
وبعد أن تناولت بعض القطع، حاولت أن تقلل من ظهورها، فانسلت بهدوء من المكان دون أن يلاحظها أحد.
في الغد سيبدأ تشغيل النُزل رسميًا، وهذه كانت أول وظيفة حقيقية لها في هذا العالم، لذا كانت مصمّمة على أن تبذل قصارى جهدها لتنجح.
في تلك الليلة، رتّبت الملاحظات التي دوّنتها من السوق، وأعدّت قائمة المشتريات لليوم التالي.
كانت ميزانية اليوم الأول مقدَّمة من طاقم البرنامج، أمّا بعد ذلك فسيُقتطع كل شيء من أرباح النُزل، بما في ذلك كلفة المشتريات الأولى.
لذلك، اختارت نِي آن آن مكونات بسيطة وغير مكلفة، ووضعت خططًا لعدة أطباق سهلة التنفيذ.
بعد نومٍ مريح، استيقظت نِي آن آن في الصباح الباكر وتوجهت إلى المطبخ في الطابق السفلي.
كان الجميع لا يزالون نائمين بعد سهرتهم الطويلة في الليلة السابقة، ولم يكن مستيقظًا سوى مصور البرنامج، الذي تبعها إلى المطبخ وشغّل الكاميرا بمجرد أن رآها تبدأ العمل.
لم يكن في فريق نُزلها طاهٍ ضيف، لذا كانت نِي آن آن المسؤولة عن الطبخ بالكامل، وظهورها أمام الكاميرا كان جزءًا من الحلقة.
بدأت تغسل الأرز، وتعجن العجين، وتحضّر الحشوات، وبمجرد أن شرعت في العمل، انغمسَت تمامًا في عالمها الخاص عالم المذاقات والروائح الهادئة التي لا يشاركها فيه أحد.
بسبب ضيق الوقت في اليوم الأول، لم تتمكن نِي آن آن من تحضير سوى نوعٍ واحد من الحشوات البيض مع الكرنب.
لم يمضِ وقت طويل حتى بدأ حساء الأرز في الغليان، وكان العجين قد تخمّر تمامًا، فبدأت نِي آن آن بتشكيل الكعكات المحشوة (الباو) بيديها بخفةٍ ورشاقة.
في البداية كان المصوّر يتثاءب بملل، لكنه سرعان ما فتح عينيه على اتساعهما عندما رأى أن كل كعكة في يدها متطابقة تمامًا نفس الشكل، نفس عدد الطيات، بنفس الجمال والدقة.
أُصيب بالذهول.
‘هل هذه الفتاة طاهية تنفيذية من فندق خمس نجوم؟’
ثم تذكّر ‘ أليست هي خبيرة التغذية؟ ظننت أن خبراء التغذية يقدّمون النصائح فقط، لا أنهم يبرعون في الطهي بهذا الشكل!’
وبينما كان مذهولًا يراقب حركاتها الدقيقة، كانت نِي آن آن قد وضعت الكعكات برفق داخل القدر البخاري، ثم قطّعت بعض الخضروات وأضافتها إلى الحساء برشاقةٍ وهدوء.
شمّ المصوّر الرائحة الشهية التي ملأت المطبخ، وشعر بأن معدته بدأت تعزف موسيقى الجوع.
كانت الشمس قد أشرقت تمامًا الآن، وبدأ الضيوف يستيقظون واحدًا تلو الآخر.
أُعيد تشغيل الكاميرات داخل النُزل، وافتُتحت قنوات البث المباشر.
أصبح الفطور جاهزًا ولو لم يكن المصوّر مشغولًا بعمله، لكان أول من جلس بجانبها ليتناول الكعكات الساخنة.
قالت تشن يانشو بحماسٍ وهي تدخل المطبخ
“واو! جهز الفطور بالفعل؟”
ثم جلست على المائدة، وهي تدعو بقية الضيوف للحضور.
دخلت تشين زِي يي مع لي مانغِه وهما تتثاءبان، لكن ما إن رفعتا غطاء القدر البخاري حتى انقطعت التثاؤبة في منتصفها.
تجمّدت تشين زِي يي لحظة وهي تحدق بالكعكات التي تلمع سطحها الناعم، وكل واحدةٍ منها تحمل ثماني عشرة طيّة مثالية، فقالت بدهشة:
“ألم يقولوا إن طعام النُزل عادي؟! أليست هذه هي كعكات الثماني عشرة طيّة المشهورة في العاصمة؟!”
قال الممثل الشاب فِـنغ وي وهو يلتهم واحدة بسرعة
“يا إلهي! هذه مذهلة! هل آنآن هي التي صنعتها؟! لذيذة جدًا!”
قاطعته تشانغ تشويو، وهي ممثلة مخضرمة عادت حديثًا من التقاعد، وقالت
التعليقات لهذا الفصل " 9"