حتى أنه، بعد أن غادرت مكانها، لم يتمالك نفسه فأخذ ملعقة وتذوّق الحساء المغذّي الذي أعدّته بنفسه.
وما إن تذوّق الطعم حتى اتسعت عيناه دهشة لقد كان المذاق رائعًا إلى درجة لن ينساها ما دام حيًّا.
ترك الملعقة وهرع خارج القاعة يحاول اللحاق بها، لكنها كانت قد غادرت منذ فترة.
ولحسن الحظ، كان بحوزته معلومات الاتصال الخاصة بها، فقرر الاتصال بها فورًا.
في تلك اللحظة، كانت نيه آن آن قد وصلت إلى مرآب السيارات، عندما رنّ هاتفها برقم مجهول.
تردّدت قليلًا، ثم أجابت: “مرحبًا؟”
جاءها صوت رجل بدا متحمّسًا بعض الشيء:
“هل أنتِ الآنسة نيه آن آن؟ أنا المشرف على اختبار اعتماد اختصاصيي التغذية اليوم، وأرغب في مناقشة أمرٍ معك. هل يمكنك المرور إلى مكتبي بعد قليل؟”
تفاجأت نيه آن آن للحظة، لكنها ردّت سريعًا بنبرة محترمة
“بالطبع، أستاذ.”
بعد أن استدارت نيه آن آن واتجهت إلى المكتب الإداري وانتظرت قليلًا، لاحظت أن الممتحِن لم يدخل وحده.
قال الممتحِن بابتسامة ودودة:
“الآنسة نيه، هذا هو المخرج تشنغ لين، نائب مدير برنامج نُزل الميدالية الذهبية.
لقد صادف أنه يزورنا اليوم، وبعد أن شاهد أداءك المميز أثناء الاختبار وتذوّق الحساء المغذّي الذي أعددته، اتفقنا جميعًا على أن عملك كان رائعًا بالفعل.
لذا، يرغب المخرج تشنغ في معرفة ما إذا كنتِ مهتمة بالانضمام إلى طاقم عمل البرنامج.”
كانت نيه آن آن قد سمعت من قبل عن برنامج نُزل الميدالية الذهبية.
فهو البرنامج الذي اشتهرت من خلاله لي مانغِ حبيبة تشين زيمينغ والتي بفضله، ومع الدعم الذي تلقّته منه، تحوّلت من نجمة مغمورة من الدرجة الثامنة عشرة إلى نجمة من الصف الثاني خلال ستة أشهر فقط، وهو تقدّم مذهل.
لم تكن نيه آن آن تعلم أثناء قراءتها للرواية الأصلية أن البرنامج يوظّف اختصاصية تغذية خاصة به.
فقد كان هناك في العرض بعض الشخصيات التي تؤدي دور الطهاة، لكنهم في الحقيقة ممثلون أيضًا، ومستواهم في الطهي متوسّط على أحسن تقدير، إذ لم يُذكروا في النص الأصلي إلا بشكل هامشي.
وبينما كانت نيه آن آن تفكّر بالأمر، أضاف المخرج تشنغ قائلًا
“ربما تودّ الآنسة نيه إلقاء نظرة على العقد أولًا؟”
ثم أجرى اتصالًا سريعًا، وطلب من أحد مساعديه إرسال نسخة إلكترونية من العقد إلى هاتفه.
تناولت نيه آن آن الهاتف وبدأت تقرأ البنود بعناية.
استطاعت فهم الشروط الأساسية، لكنها كانت تدرك أن مراجعة قانونية احترافية ستكون ضرورية قبل التوقيع.
مع ذلك، لم تستطع إخفاء دهشتها حين وصلت إلى بند الأجر.
فالمقابل المالي المعروض كان عشرة آلاف دولار مقابل أسبوع واحد فقط من التصوير لموسم كامل من البرنامج، إضافة إلى توفير السكن والطعام على نفقة الإنتاج أي أنها لن تقلق بشأن أي مصاريف معيشية.
واصل المخرج تشنغ حديثه قائلًا
“ولا داعي لأن تقلقي بشأن المكونات الغذائية، فهناك طاقم مخصص لشرائها، والتكاليف ستُغطّى من عائدات المزادات التي ينظمها الفنانون المشاركون في البرنامج.”
أومأت نيه آن آن موافقة وقالت بابتسامة
“حسنًا يا مخرج تشنغ، لماذا لا ترسل لي نسخة من العقد عبر البريد الإلكتروني؟ سأطبعها وأراجعها بدقة.
لديّ سؤال آخر فقط لقد أنهيت اختبار الاعتماد لتوّي ولم أحصل بعد على الشهادة الرسمية، فهل سيكون ذلك عائقًا؟”
تدخّل الممتحِن قائلًا
“لا داعي للقلق، آنسة نيه.
نتائجك لا خلاف عليها، وسنقدّم طلب تسريع لإصدار الشهادة. التصوير سيبدأ بعد أسبوعين، وهذا وقت كافٍ لإتمام كل الإجراءات.”
أجابته نيه آن آن بنبرة لطيفة مليئة بالامتنان
“شكرًا جزيلًا لك، أستاذ.”
في الوقت نفسه، كان المخرج تشنغ قد بدأ بتعديل بعض البنود البسيطة في العقد لجعله أكثر إنصافًا، ما أوحى بوضوح أنه يرغب حقًا في انضمامها إلى فريق العمل.
قرأت نيه آن آن العقد كاملًا مرة أخرى، ولم تجد فيه أي بند مجحف.
فهي لن تظهر إلا كاختصاصية تغذية خلف الكواليس، وربما تظهر في مشاهد قليلة أثناء الطهي أي لا شيء يدعو للقلق.
كان أجر الموسم الواحد عشرة آلاف دولار، وهو مبلغ كافٍ لتتمكن نيه آن آن من استئجار منزلها الخاص فورًا، ريثما تجد وظيفة دائمة وتبدأ رحلتها نحو الاستقلال المالي.
وبعد أن وصلت إلى هذا القرار، التقطت القلم ووقّعت العقد بخط يدها الناعم والجميل، الذي يعكس شخصيتها الهادئة والرقيقة.
ابتسم المخرج تشنغ برضا وقال
“ليس معي الختم الرسمي الآن، لكني سأختم العقد فور عودتي إلى المكتب، وسأرسل لكِ نسخة مختومة لاحقًا.”
أومأت نيه آن آن بابتسامة صادقة وقالت
“شكرًا على هذه الفرصة يا مخرج تشنغ. سأبذل قصارى جهدي.”
كانت في مزاج رائع بعد توقيع العقد، حتى إنها أعدّت لنفسها وجبة فاخرة تلك الليلة احتفالًا بالمناسبة.
أما هوو يانشياو، فلم يعد إلى المنزل مطلقًا، ولم تكن تعرف أين ذهب.
ومنذ ذلك اليوم الذي قررت فيه التخلي عنه، لم تعد تبالي بموقفه أو بروده.
اكتفت بالاعتناء بشؤونها الخاصة، ثم بحثت عن المواسم السابقة من برنامج نُزل الميدالية الذهبية وبدأت مشاهدتها.
في تلك الأثناء، كان هوو يانشياو في رحلة عمل خارج المدينة للتفاوض على صفقة استثمارية كبيرة.
فبعد أن انتهت المرحلة التمهيدية من المفاوضات، بقيت بعض التفاصيل الصغيرة التي تحتاج إلى تسوية قبل توقيع الشراكة بين الشركتين.
وبمجرد أن تم الاتفاق النهائي وتنظيم جميع الإجراءات، كان قد مرّ أسبوعان كاملان.
وبما أن الشراكة اكتملت بنجاح، دعا الطرف المضيف هوو يانشياو وفريقه إلى مأدبة من المأكولات المحلية الشهيرة.
جلس الجميع في مطعم ذي إطلالة خلابة على الجبال والمياه، وكانت الأطباق مصنوعة بعناية فائقة.
لكن بعد أن تناول هوو يانشياو لقمة واحدة فقط، شعر وكأنه يمضغ الشمع لم يكن للطعام طعم.
في تلك اللحظة، تذكّر العصيدة التي أعدّتها له نيه آن آن في ذلك اليوم.
كانت أبسط وجبة يمكن تخيلها، لكنها حملت طعمًا لا يُنسى، طعمًا لم يستطع أي طبق فاخر أن يعوّضه.
هوو يانشياو لم يكن يومًا مهتمًا بالطعام، لكن هذه المرة، وجد نفسه يفتقد مذاق طبخها كثيرًا.
وبينما كان غارقًا في أفكاره، التفت إلى مساعده التنفيذي وسأله فجأة
“هل سمعت أي أخبار عن عائلة نيه مؤخرًا؟”
تجمّد المساعد للحظة قبل أن يجيب مترددًا
“هل تقصد أنهم يريدون توسيع أعمالهم إلى مدينة نان، يا سيد هوو؟”
هزّ هوو يانشياو رأسه وقال
“لا، أعني أمورهم العائلية.”
ازداد ارتباك المساعد، فأجاب بعد لحظة صمت
“لا، لم أسمع شيئًا من هذا القبيل. نيه تشينغفنغ لم يوافق بعد على التحالف مع تشين زيي.”
أومأ هوو يانشياو بخفة.
هل يعني ذلك أن نيه آن آن لم تستخدم نتيجة اختبار الحمض النووي لتتواصل مع عائلة نيه؟
وهل يمكن أنه قد أساء فهمها حينها؟
بعد انتهاء العشاء، استقلّ الطائرة عائدًا إلى العاصمة.
كان عليه أن يسافر خارج البلاد في صباح اليوم التالي.
وحين وصل إلى القصر، كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل.
صعد الدرج بخطوات بطيئة، لكنه توقف فجأة عندما مرّ أمام غرفة نيه آن آن.
كان الباب مفتوحًا قليلًا، والداخل مظلم وخالٍ من الحركة.
بدا واضحًا أن الغرفة فارغة.
دفع الباب برفق ودخل ليتأكد وفعلًا، لم يكن هناك أحد.
كانت الملاءات مطوية بدقة متناهية، كأنها قطع مربعة في معسكر عسكري.
كل شيء على الطاولة الجانبية مرتب بشكل مثالي. حتى الخناجر المعلّقة على الجدار أعادت ترتيبها حسب الحجم، تصطفّ بانضباط كجنود في صفّ واحد.
نظر حول الغرفة بتمعّن، ثم ألقى نظرة طويلة نحو السرير الفارغ.
التعليقات لهذا الفصل " 8"