“ودَبِّر لِي أمري كله، وبَلِّغني ما أدعوك به يا الله.”
~استمتعوا ~
🦋——————🦋
تجمّدت نيه آن آن للحظة تحت وقع كلمات هوو يانشياو.
كانت متأكدة أنه حين سحبت يدها للتو، ما زالت تمسك ببعض من شعر نيه تشينغفنغ بين أصابعها.
الجانب الإيجابي الوحيد في الموقف هو أن هوو يانشياو لم يتمكن من رؤية تعابير وجهها المذعورة في الظلام.
في الحقيقة، ما إن انتهى هوو يانشياو من طرح سؤاله حتى تركها وشأنها تقريبًا.
رغم أنها لم تكن تراه بوضوح، إلا أنها استطاعت أن تشعر بأن هالته القوية كانت تتلاشى بسرعة.
تنهدت نيه آن آن في سرّها.
بدا أن كل الجهد الذي بذلته خلال الأيام القليلة الماضية لتحسين صورتها أمامه قد ذهب هباءً.
لكنها لم تسمح لنفسها بالغرق في الحزن إلا للحظة قصيرة قبل أن تستعيد هدوءها.
ففي حياتها السابقة، كانت قد لقيت حتفها في حادث تحطم طائرة.
من المحتمل أنه لم يتبق من جسدها شيء أصلًا.
وحتى لو استطاعت بطريقة ما أن تعود إلى عالمها الأصلي، فربما لم تكن لتعود سوى كروح هائمة.
أما هنا، فحتى وإن كانت تعيش داخل رواية، إلا أن مجريات الأحداث لا تسير تمامًا كما وردت في الأصل.
صحيح أن الشخصية الأصلية التي حلت مكانها قد انتهى بها الأمر إلى ميتة مأساوية، لكنها فكّرت، يمكنني ببساطة أن أكون أكثر حذرًا وأتجنب أي طريق يقود إلى تلك النهاية، أليس كذلك؟
بعد أن استوعبت ذلك، أدركت نيه آن آن أن أول ما يجب عليها فعله هو أن تصبح اخصائية تغذية معتمدة، وتحصل على وظيفة مستقلة، وتؤمّن مصدر دخلها الخاص.
أما هويتها الحقيقية، فلم تكن مضطرة بالضرورة للبحث عن عائلتها الحقيقية، لكنها كانت ترغب بمعرفة الحقيقة بطريقة أو بأخرى.
وضعت خصلة الشعر بعناية، وقررت أن أفضل ما يمكنها فعله الآن هو التظاهر وكأن شيئًا لم يحدث والانتظار حتى تمر الدقيقة المتبقية.
في تلك اللحظة، بدا أن هوو يانشياو تحرك خلفها قليلًا، وقبل أن تتمكن من استيعاب ما يحدث، اصطدم بها جسد ناعم فجأة.
وفي الوقت نفسه، التفّ ذراع حول عنقها، وطبع أحدهم قبلة على جبينها.
يبدو أن الشخص قد أخطأ في تقدير طولها قليلًا، فبدلًا من شفتيها، أصابت القبلة جبينها.
ارتجفت نيه آن آن على الفور، واعتراها شعور بالقشعريرة، فأرادت أن تدفع الشخص بعيدًا عنها، لكن الآخر تدارك الموقف بسرعة وأبعد شفتيه فورًا.
عندها بالضبط، عادت الأنوار لتضيء المكان.
حدّقت نيه آن آن مذهولة في تشين زيي التي كانت ما تزال متشبثة بعنقها، ولم تعرف ماذا تقول.
كانت تظن أن هدف تشين زيي هو نيه تشينغفنغ، فكيف بدا الأمر وكأنها كانت تحاول تقبيل هوو يانشياو؟
وبدا أن تشين زيي محرجة هي الأخرى، فتركت نيه آن آن وهي تتذمر بصوت منخفض
“لماذا أجد نفسي دائمًا أقبل الشخص الخطأ كل مرة؟”
كان صوتها خافتًا لدرجة أن نيه آن آن لم تستطع تمييز كلماتها تمامًا، وحين حاولت الاقتراب لتسمعها بوضوح، رأت تشين زيمينغ يقترب نحوهما.
توقف أمام تشين زيي، وابتسم قائلًا
“ما الأمر يا شياويي؟”
أجابته تشين زيي وهي تبدو متضايقة قليلًا
“لا شيء… فقط أنا وهي دائمًا نتعارض بطريقة غريبة…”
ابتسم تشين زيمينغ بخفة، ثم التفت نحو نيه آن آن قائلًا
“آنسة، هناك أثر أحمر من أحمر الشفاه على جبينك.”
تجمدت نيه آن آن في مكانها.
كانت تلك أول مرة يُترك فيها على وجهها أثر قبلة من امرأة، وأدركت أن لا خير يُرجى من الاقتراب من هذين الشقيقين الغريبين.
عادت بخطواتها نحو هوو يانشياو، لكنها أحست بوضوح أنه لا يريد التحدث معها.
بل إن نظراته كانت تنم عن شيء من النفور والانزعاج.
هل كان يظن أنها أرادت الحصول على شعر نيه تشينغفنغ لإجراء اختبار DNA، لتثبت أنها تنتمي لعائلة نيه وتتمكن من الزواج بتشين زيمينغ من أجل تحالف العائلتين؟
لم تستطع نيه آن آن أن تجد تفسيرًا آخر، لكنها في الوقت نفسه لم تستطع تجاهل شكٍ صغير بدأ يتسلل إلى ذهنها
‘هل يعني ذلك أن هوو يانشياو كان يشك منذ البداية بأنها قد تكون شقيقة نيه تشينغفنغ؟’
تمكّن هوو يانشياو خلال الوليمة الصغيرة من إبرام صفقتين تجاريتين منفصلتين، وحين غادرا المكان، كان الليل قد أرخى سدوله بالفعل.
جلست نيه آن آن وهوو يانشياو في المقعد الخلفي للسيارة، وبينهما مسافة نصف متر تقريبًا.
ساد الصمت أجواء السيارة، ولم ينطق أيٌّ منهما بكلمة واحدة.
حتى حين توقّفت السيارة أمام المنزل، وفتح هوو يانشياو الباب ونزل منها، لم يوجّه إليها أي حديث.
نظرت نيه آن آن إلى الرجل الذي كان يسير بخطوات باردة توحي بالمسافة الفاصلة بينهما، فعبست قليلًا.
لقد جاءت إلى هذا العالم الغريب دون أن تعرف أحدًا فيه، كما أنها لم تكن متأكدة من علاقة نيه آن آن (التي جسدت شخصيتها من الرواية) بعائلة تشين زيمينغ وأفرادها.
هوو يانشياو كان الشخص الوحيد الذي يمكنها الاتكال عليه.
ولهذا السبب حاولت جاهدة أن تقترب منه، وأكدت له مرارًا أنها لم تعد تهتم بتشين زيمينغ، لكنه لم يصدقها.
وخصوصًا بعد ما حدث تلك الليلة، بدا أن علاقتهما قد عادت إلى درجة التجمد.
لا، بل يمكن القول إن الأمور أصبحت أسوأ مما كانت عليه عندما انتقلت إلى هذا العالم للمرة الأولى.
شعرت بالظلم، لكنها تماسكت بعناد.
أخذت نفسًا عميقًا وحسمت أمرها في صمت.
إن لم يرد التحدث إليها، فليكن.
ستتحمل الوضع لبعض الوقت، وما داما يعيشان تحت سقف واحد دون تواصل، فلن يضيرها الأمر.
وما إن تحصل على شهادة اختصاص التغذية وتجد وظيفة، ستغادر المنزل ببساطة!
بعد أن اتخذت قرارها، أمضت الأيام التالية في البحث والدراسة حول المهنة.
واكتشفت أن الحصول على وظيفة اختصاصية تغذية متقدمة ليس بالأمر الصعب.
فمراكز اللياقة، ومراكز الأمومة، والفنادق الفخمة، وصناعة الأغذية، بل وحتى بعض العائلات الثرية، جميعها توظّف اختصاصيين في التغذية بشكل دائم.
كانت نيه آن آن واثقة تمامًا من مهاراتها المهنية.
لم يتبقَّ سوى انتظار موعد اختبار الاعتماد الرسمي.
كانت قد خضعت مسبقًا لتقييم إلكتروني، وحققت فيه نتائج ممتازة، ولهذا حصلت سريعًا على تصريح دخول الامتحان الرسمي.
تم تحديد موعد الاختبار بعد أسبوعين، واعتبرت نيه آن آن أن توقيت انتقالها إلى هذا العالم كان مثاليًا.
فهناك اختباران فقط في السنة، وستتمكن من اجتياز المستوى المبتدئ الآن ثم التقدّم للمستوى المتقدّم قبل نهاية العام، لتوسع فرصها الوظيفية لاحقًا.
وفي تلك الأثناء، وصلها أيضًا تقرير فحص الحمض النووي، وقد أكّد فعلاً أنها على صلة قرابة بعائلة نيه.
ومع ذلك، لم يكن في نيتها البحث عن والديها أو التواصل مع العائلة، رغم أن الحقيقة باتت واضحة أمامها.
مرّ الوقت سريعًا، ولم يتبقَّ سوى يومين على موعد الامتحان.
لم ترَ نيه آن آن هوو يانشياو سوى مرتين خلال الأيام العشرة الماضية.
في المرة الأولى، كانت تخرج من المطبخ حين عاد هو إلى المنزل.
نادته قائلة “جيجي” لكنه مرّ بجانبها وصعد الدرج دون أن يردّ عليها.
أما المرة الثانية، فكانت حين نزلت متجهة إلى المتجر، وتصادف أنه كان يغادر المنزل في الوقت نفسه.
وبما أنه تجاهلها سابقًا، فقد قررت هذه المرة أن تفعل الشيء نفسه، فلم تنظر حتى إلى جهته.
في تلك الليلة، وبعد أن أنهت نيه آن آن استحمامها وجففت شعرها، سمعت صوت حركة قادمًا من الطابق السفلي.
لابد أنه هوو يانشياو قد عاد أخيرًا.
فقد كان في الآونة الأخيرة يخرج باكرًا ويعود متأخرًا، ولم يلمس حتى الطعام الذي كانت تتركه له في الثلاجة.
من خلال الأخبار المالية، علمت نيه آن آن أن هوو يانشياو كان يتعاون مؤخرًا بشكل وثيق مع عائلة تشين، وفي الوقت نفسه يفاوض عائلة نيه على صفقة تجارية جديدة.
كانت أعماله في توسّع مستمر، لكن نيه آن آن لاحظت أن أسلوبه تغيّر.
فقد أصبح أكثر تحفظًا وهدوءًا مما وُصف عنه في الرواية الأصلية.
بعد أن خرجت من الحمّام، ألقت نيه آن آن نظرة نحو الطابق السفلي، فرأت أن هوو يانشياو لم يصعد إلى غرفته، بل جلس بلا حراك على الأريكة في غرفة المعيشة.
استغربت الأمر، فأمعنت النظر قليلًا، لتلاحظ أن وجهه محمرّ، وكأنه شرب الكثير من الكحول.
وبعد لحظة، نهض فجأة وسار بخطى سريعة نحو حمّام الطابق السفلي.
وسُمع صوت تقيؤ واضح بعد ذلك.
وقفت نيه آن آن تنصت لفترة قصيرة، حتى خيّم الصمت مجددًا على الطابق السفلي.
بعد قليل، عاد هوو يانشياو إلى الأريكة وانهار فوقها دون أن يتحرك مجددًا.
تنهدت نيه آن آن بخفة وقالت في نفسها “آه…”، ثم قررت النزول لتطمئن عليه.
فهي، في النهاية، كانت تعيش في بيته وتستخدم جسد شقيقته، وحتى لو كان سلوكه معها مزعجًا مؤخرًا، إلا أنه في حالته هذه بدا وكأنه يحتاج بعض العناية، فلا ضير أن تساعده قليلًا.
نزلت نيه آن آن بهدوء، ونظرت إليه أولًا.
بدا أنه يغمض عينيه نصف إغماضة، وكأنه بين النوم واليقظة، ويبدو عليه الإرهاق الشديد.
توجهت إلى المطبخ وبدأت بالعمل.
تحضير حساء لعلاج آثار الكحول لم يكن أمرًا صعبًا بالنسبة لها.
إلى جانب الحساء، أعدّت أيضًا قدرًا صغيرًا من العصيدة (الكونجي).
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا.
ثم أحضرت الحساء بعدما أصبح بدرجة حرارة مناسبة، وأضافت إليه قشة للشرب، واقتربت من الأريكة.
قالت بنبرة لطيفة
“جيجي ، تناول بعض الحساء ليزول عنك الصداع.”
وضعت القشة بالقرب من شفتيه.
كان ما يزال شبه غافٍ، لكنه استطاع أن يجد القشة وبدأ بالشرب.
شرب نصف الوعاء تقريبًا بسرعة، وبدأ عطشه يهدأ، كما أن ملامحه بدت أكثر استرخاءً.
كانت نيه آن آن تعرف جيدًا أن هوو يانشياو رجل منشغل جدًا، وغالبًا سيذهب إلى العمل باكرًا في الصباح التالي.
ومع أنه تناول الحساء، إلا أن آثار الصداع بالتأكيد لن تزول تمامًا.
لذا، انتقلت إلى خلف الأريكة وبدأت بتدليك رأسه بلطف.
فالمهارات الطبية الأساسية والتدليك كانت من المعارف الضرورية لاختصاصية التغذية.
كانت حركات أصابعها دقيقة ومنتظمة، تخفف صداعه تدريجيًا وتبعث فيه ارتخاءً مريحًا.
وفي حالته شبه النائمة، شعر هوو يانشياو بلمسات أصابعها الرقيقة على صدغيه وجبينه، ناعمة لكنها ثابتة.
بدأ الألم يتراجع شيئًا فشيئًا، وغرقت حواسه في سكينة هادئة، فأصبح النوم أسهل عليه.
ثم وصل إلى أذنيه صوت ناعم خافت، بدا وكأنه يحمل في طياته كثيرًا من الحزن المكبوت
“أنا حقًا لم أعد أحب تشين زيمينغ بعد الآن. لا بأس إن لم تصدقني… سأنتقل من هنا حالما أجد وظيفة، ولن أزعجك بوجودي بعد ذلك…”
أراد هوو يانشياو أن يصغي أكثر لكلماتها، لكن رأسه ازداد ثقلًا بفعل الراحة التي بثّها التدليك في جسده.
وأخيرًا، استسلم للنوم دون أن يدرك متى غفا.
وفي الصباح التالي، عندما استيقظ هوو يانشياو، وجد نفسه مغطى ببطانية خفيفة.
وعلى البطانية، وُضعت ورقة صغيرة كُتب عليها بخط أنثوي رقيق
“هناك عصيدة في المطبخ.”
لم يكن هناك تحية أو توقيع، لكنه عرف فورًا أن الخط بخطها هي.
~انتهى الفصل ~
_____________________
لا تنسو تخلولي تعليقاتكم لاعرف رايكم واستمر و تصويتاتكم للتشجيع .
وللمزيد من معلومات اكثر زورو صفحتي على الانستغرام @luna.aj7
التعليقات لهذا الفصل " 7"