في تلك اللحظة، سمعت أصوات الموظفين عند الباب وهم يرحبون باحترامٍ بالغ.
توقفت عن السير والتفتت إلى الخلف.
هناك، عند مدخل النادي، كان تشين زيمينغ ببدلته الأنيقة، طويل القامة ووسيمًا، يبتسم بابتسامةٍ تشبه نسيم الربيع، شفتيه منحنية بخفة في مزيجٍ من الودّ واللامبالاة.
وبعده بخطوات قليلة، كان هوو يانشياو بقميصه الداكن، إحدى يديه في جيبه وهو يتقدّم بخطى واثقة نحو الداخل.
ملامحه لم تفصح عن أي مشاعر، لكن تحت الضوء الخافت خارج القاعة، بدت عيناه وحاجباه أكثر حدة وعمقًا، وهالته الباردة جعلته يبدو بعيد المنال تمامًا.
أخي هو الأفضل! ارتسمت ابتسامة رقيقة على وجه نيه آن آن وهي تستدير متجهة نحو الباب لاستقباله.
ما رآه تشين زيمينغ هو أن الفتاة التي لفتت انتباهه قبل قليل كانت الآن تمشي نحوه بابتسامة مشرقة، مفعمة بالحيوية، مثل حملٍ صغيرٍ لطيف يسير بخطواتٍ خفيفة.
ارتفع حاجباه قليلًا، وقد قرّر بالفعل كيف سيرفضها.
هي ليست سيئة، لكن لديه حبيبة بالفعل.
ومع اقتراب الفتاة منه أكثر فأكثر، نظر إليها تشين زيمينغ مباشرةً، منتظرًا منها أن تتعمّد الاصطدام به.
لكن…
بعد ثانيتين فقط، مشت الفتاة أمامه مباشرةً دون حتى أن تلتفت إليه.
تجمّد في مكانه بدهشة، ثم استدار ليراها تمشي نحو هوو يانشياو، ترفع رأسها نحوه، تقول له شيئًا، ثم تمسك بذراعه برقة.
خلال كل ذلك، لم تلحظ حتى وجوده، هو تشين زيمينغ، وكأنه لم يكن هناك أصلًا!
وبما أن هوو يانشياو وتشين زيمينغ وصلا تقريبًا في الوقت نفسه، أحدهما يتبع الآخر بخطوات قليلة، فقد تحوّلا فورًا إلى محور الأنظار.
لكن من هي الفتاة التي بجانب هوو يانشياو؟
منذ متى أصبح لديه حبيبة؟
تحت أنظار الجميع المليئة بالفضول، دخلت نيه آن آن مع هوو يانشياو بخطوات هادئة وواثقة حتى وصلا إلى نيه تشنغفنغ.
قال هوو يانشياو وهو يمد يده للمصافحة
“مرحبًا، السيد نيه، شكرًا على دعوتكم.”
ابتسم نيه تشنغفنغ مجيبًا
“أنا سعيد حقًا بحضورك يا سيد هوو، الشرف لي!”
ثم نظر إلى نيه آن آن بابتسامة لطيفة وسأله
“وهذه الشابة الجميلة؟”
أجاب هوو يانشياو بهدوء
“أختي، آن آن.”
قال نيه تشنغفنغ مبتسمًا
“آه، إذًا هذه الآنسة آن آن، سعيد بلقائك.”
ارتفعت عيناه بلطف، دون أن يُظهر أنهما التقيا في اليوم السابق.
بعدها، تابع هوو يانشياو التقدّم داخل القاعة برفقة نيه آن آن، يقدّمها للآخرين.
وعلى الرغم من أنه عرّفها على أنها شقيقته، إلا أن أحدًا لم يتمكن من ربطها بتلك نيه آن آن العنيفة التي تحدّث عنها الإنترنت سابقًا.
وبعد تبادل بعض المجاملات، انشغل هوو يانشياو ببعض الأحاديث العملية، فذهبت نيه آن آن إلى منطقة الاستراحة وجلست.
ما إن جلست حتى بدأ هاتفها داخل حقيبتها بالاهتزاز المتواصل.
كانت الرسائل من شيا شياوون
“آن آن، لماذا لم تأتي اليوم؟ ومنذ متى لدى أخيك حبيبة؟”
ثم رسالة أخرى
“آن آن، عليك الانتباه لهؤلاء اللواتي يحاولن التقرب من أخيك! لقد أحضر اليوم امرأة تبدو متصنعة الإغراء.
كانا يمسكان أيدي بعضهما طوال الوقت ويبدوان على معرفة وثيقة.
لا نعرف من هي حتى. هذه أول مرة يحضر فيها أخوك مناسبة ومعه امرأة!”
ثم تابعت:
“أنا متأكدة أنها ليست نواياها طيبة. تبدو هشة لدرجة أن نسمة هواء قد تسقطها. لا بد أنها تطمع في ماله. لا تدعيها تستغل أخاك!”
نظرت نيه آن آن إلى انعكاس وجهها في شاشة الهاتف وتساءلت بدهشة
‘أي جزء من ملامحي البريئة جعل شيا شياوون تصفني بـالمثيرة؟’
لكن، هل يُعقل أن أحدًا لم يتعرف عليها؟
رغم أن أغلب الحاضرين اليوم كانوا من أبناء العائلات الثرية في العاصمة، إلا أن أجواء الحفل كانت مفعمة بالحيوية بسبب كونهم جميعًا من الجيل الشاب.
وبينما كانت نيه آن آن تفكر إن كانت ستتناول قطعة حلوى أم لا، إذا بصوت الميكروفون يرتفع من المنصة.
رفعت رأسها لتنظر، فرأت شيا شياوون واقفة على المنصة.
كانت شيا شياوون ابنة عائلة شيا، ورغم أن عائلتها لم تكن بقوة عائلتي تشين أو نيه، إلا أنها ما زالت من الأسر الثرية القديمة في العاصمة.
وقفت هناك إلى جانب تشين زييي، شقيقة تشين زيمينغ، وقالت بابتسامة أمام الجميع
“مرحبًا جميعًا، فلنلعب لعبة اليوم!”
تابعت شيا شياوون حديثها وهي تبتسم قائلة
“اللعبة بسيطة سنطفئ الأنوار لمدة دقيقة واحدة فقط.
وخلال هذه الدقيقة، يمكنكم فعل أي شيء لا تجرؤون على فعله والنور مضاء!”
وبجوارها، أضافت تشين زيي بنبرة ماكرة
“أوافق تمامًا!” ثم ألقت نظرة جانبية خفيفة نحو نيه تشنغفنغ القريب منها.
كان جميع الحاضرين من الشباب، وبما أن الفتاتين لم تعترضا، فلم يجد أحد سببًا للرفض. وهكذا، تم الاتفاق على اللعبة بسرعة.
في تلك اللحظة، شعرت نيه آن آن أن الحظ يبتسم لها أخيرًا.
فقد كانت تفكر للتو كيف يمكنها الحصول على شعرة من نيه تشنغفنغ دون أن يلاحظ أحد، وإذا بالإعلان عن إطفاء الأنوار لدقيقة يأتي كهدية من القدر كما يقول المثل تأتيك الوسادة عندما يغلبك النعاس.
بدأت تتحرك بخفة نحو نيه تشنغفنغ، مطمئنةً أن هذا الجسد الذي تسكنه الآن أقوى بكثير من جسدها السابق، لذا لن تواجه مشكلة.
في الظلام الدامس، قفزت نيه آن آن مثل نمرٍ صغير في اتجاه نيه تشنغفنغ. لم تعرف من اصطدمت به في البداية، لكنها سمعت صرخة أنثوية خافتة.
لم يكن الوقت مناسبًا للقلق. مدت يدها لتضعها على كتفه، وبالأخرى أمسكت وسحبت بقوة.
نجحت!
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها، لكن قبل أن تستعيد توازنها، عاد الضوء فجأة إلى القاعة.
كانت في يدها ثلاث شعرات من رأس نيه تشنغفنغ، كاملة بالجذور، بينما كانت يدها الأخرى لا تزال ممسكة بكتفه. مشهد واضح لا لبس فيه تم القبض عليها متلبسة تمامًا!
تحت نظرات نيه تشنغفنغ المذهولة، سارعت نيه آن آن إلى إخفاء الشعر في قبضتها خلف ظهرها، وتحول تعبيرها في ثانية واحدة من الفخر إلى البراءة البائسة وهي تقول بصوت خافت ناعم
“آسفة جدًا، سيد نيه! كنت أحاول أن أمزح مع أخي، لكن يبدو أنني أخطأت الشخص…”
كان صوتها رقيقًا إلى حد لا يوصف، ومع ملامحها البريئة، بدت كطفلة صغيرة ارتكبت خطأ وتنتظر عقابها بخوف.
شعر نيه تشنغفنغ بألم خفيف فقط، فلم يحمل أي ضغينة تجاهها.
بل، وتحت إضاءة القاعة الدافئة، بدا له وجهها مألوفًا بطريقة غريبة.
مد يده وربت برفق على رأسها قائلاً بابتسامة متسامحة
“لا بأس، لا تقلقي.”
تنفست نيه آن آن الصعداء، لكن سرعان ما لاحظت تشين زيي التي كانت قد سقطت على الأرض بعد أن اصطدمت بها، تحدق فيها بعينين دامعتين.
كانت على وشك أن تعتذر لها، لولا أن صوت شيا شياوون عاد من جديد عبر الميكروفون
“آسفة جميعًا، كانت تلك تجربة خاطئة! الآن تبدأ الدقيقة الرسمية!”
وغُمرت القاعة بالظلام مجددًا.
كانت نيه آن آن على وشك أن تُخفي الشعرات بأمان عندما شعرت فجأة بيد تمسك معصمها من الخلف.
كانت اليد خشنة قليلًا، لامست بشرتها برفقٍ أربكها، وأثار ملمسها إحساسًا غريبًا عند رسغها.
وفي اللحظة التالية، اصطدم ظهرها بجسدٍ قويٍّ صلبٍ من خلفها.
انحنى الشخص نحو أذنها، وهمس بصوتٍ عميقٍ دافئٍ يحمل نغمة سخرية خفيفة:
“آن آن، ألم تقولي لي على مائدة العشاء البارحة أنك لم تعودي مهتمة بتشين زيمينغ؟ إذًا… لماذا تحتاجين إلى شعر نيه تشنغفنغ؟”
~انتهى الفصل ~
_____________________
لا تنسو تخلولي تعليقاتكم لاعرف رايكم واستمر و تصويتاتكم للتشجيع .
وللمزيد من معلومات اكثر زورو صفحتي على الانستغرام @luna.aj7
التعليقات لهذا الفصل " 6"