”مَن اعتمدَ على الله؛ لا مَلّ ولا قَلّ ولا ضَلّ ولا ذُلّ.”
~استمتعوا ~
وضع هو يان شياو كأس النبيذ جانبًا، وكانت عيناه العميقتان غامضتين إلى درجة يستحيل معها معرفة ما يدور في ذهنه. لم يقل شيئًا، واكتفى بإطلاق همهمة خفيفة تعبيرًا عن استماعه لكلمات نيه آن آن اللطيفة.
أصابتها ردة فعله بالحيرة.
فبحسب أحداث الرواية الأصلية، لم يكن من المفترض أن تتدهور العلاقة بين صاحبة الجسد الأصلية و هو يان شياو في هذا الجزء من القصة بعد.
فحتى هذه المرحلة، كانت نيه آن آن مشغولة فقط بملاحقة تشين زي مينغ، ولم تكن قد سبّبت أي ضرر لمصالح هو يان شياو التجارية، كما أنها لم تخنه بعد.
بل في الواقع، كان من المفترض أن تكون علاقتهما لا تزال جيدة جدًا، بل وأن يقضيا عيد ميلاده السادس والعشرين معا في جو مفعم بالدفء والتفاهم!
إذن، ما الذي جعل الأحداث تنحرف عن مسارها؟
وبينما كانت غارقة في التفكير، وقف هو يان شياو فجأة وقال بنبرة هادئة وحازمة
“السيد تشين، آمل أن تفكر في عرضي جيدًا. لدي أمر آخر علي الاهتمام به الآن.
إلى اللقاء.”
ثم استدار وسار بخطوات ثابتة وسريعة نحو الباب.
فسارعت نيه آن آن للحاق به.
خرج الاثنان من الغرفة الخاصة واحدًا تلو الآخر، تاركين الحاضرين خلفهم في ذهولٍ تام.
قال أحدهم
“هل غادرت نيه آن آن بالفعل؟ ألهذا الحد لم تعد تريد تشين غي؟”
ورد آخر ساخرًا
“ربما خافت من شقيقها.
الجميع يعرف من هو هو يان شياو وكيف يتعامل مع الناس!”
وأضاف ثالث ضاحكا
“بالتأكيد! وإلا، وبالطريقة التي كانت تتودّد بها لتشين، لو اتسخت حذاؤه لربما ركعت ولعقته بنفسها!”
“صحيح! لو لم يكن هو يان شياو هنا، من يدري إلى أي درجة كانت ستنحدر في تصرفاتها!”
تعالت الضحكات والثرثرة، بينما اكتفى تشين زي مينغ الذي ظل صامتًا حتى اللحظة بإطلاق ضحكة عالية ساخرة.
أما في الخارج، فكانت نيه آن آن تقف بجانب هو يان شياو تنتظر المصعد.
التفتت إليه بخفة، وبدأت تقيسه بنظراتها وتقدّر الأرقام في ذهنها
كتفاه عريضتان، خصره نحيف، وساقاه طويلتان. طوله يقارب 187 سنتيمترًا (بهامش خطأ نصف سنتيمتر تقريبًا)، ووزنه قرابة 76 كيلوجرامًا (±2 كغ).
ومن خلال ذراعيه وساقيه اللتين كان يغطيهما القميص والبنطال، بدت عضلاته متناسقة ونسبة الكتلة العضلية عالية من الواضح أنه يخضع لتدريبات منتظمة منذ زمن.
ومن حركة عضلاته، استطاعت أن تستنتج أن قوته الانفجارية تفوق قدرته على التحمل.
ومع ذلك، حتى لو لم يكن قويًا، فذلك لا بأس به إطلاقًا…
لم تكن تتوقع أن يكون زعيم الأشرار الكبير وسيمًا إلى هذا الحد، وبجسد جذاب بهذا الشكل.
شعرت نيه آن آن بالعجز عن الكلام.
كيف تجاهلت صاحبة الجسد الأصلية هذا الرجل من الدرجة الأولى، لتذهب وتركض خلف تشين زي مينغ، ذلك الوسيم الفارغ من الداخل؟
أيعقل أن السبب هو هالة البطل التي تحيط به؟
حينها وصل المصعد، ودخلا معًا الواحد تلو الآخر.
لكن ما إن دخلت نيه آن آن حتى تجمّدت في مكانها.
انعكاس صورتها في المرآة المصقولة داخل المصعد أظهر وجهها بوضوح
جبينها العريض والناصع تتوسّطه وشمة لنسرٍ أسود مرسومة بإتقانٍ مذهل لدرجة أنها بدت حيةً تكاد ترفرف من على جلدها.
وعلى خديها، كانت هناك نقوش سوداء ملتوية لم ترَ مثلها إلا على وجوه الشياطين في مسلسلات الـشيانشيا.
كانت كثيرة ومعقدة لدرجة أن ملامح وجهها الأصلية بالكاد يمكن تمييزها.
شهقت نيه آن آن في صدمة، ورفعت يديها تحاول مسح تلك الرسومات، لكنها لم تتحرك قيد أنملة.
شعرت بالهزيمة. هل هذه… أوشام حقيقية؟!
لم تكن تعرف حتى أن أحدًا يمكنه أن يوشم وجهه بهذا الشكل!
لا عجب أن أصدقاء تشين زي مينغ قالوا إن وشومها تتناسب مع فستانها تمامًا في وقتٍ سابق!
لم تستطع حتى وصف مشاعرها في تلك اللحظة خليط من الإحراج، والذهول، والندم.
لكنها حسمت أمرها
‘أول ما سأفعله غدا صباحا هو الذهاب لإزالة هذه الأوشام اللعينة بالكامل.’
وصل الاثنان إلى الطابق الأول بسرعة، وتجاهل هو يان شياو نيه آن آن التي كانت تقف إلى جواره وسار خارجًا بمفرده.
كانت خطواته سريعة وثابتة، بينما كانت نيه آن آن، بحذائها ذي الكعب العالي، تكافح للحاق به. ولما شعرت أنها على وشك أن تفقده من نظرها، مدّت يدها المرتجفة وأمسكت بطرف قميصه قائلة بصوتٍ خافت
“جيجي…”
توقّف هو يان شياو فجأة، واستدار ليلقي نظرة باردة على الفتاة الواقفة نصف خطوة خلفه.
قالت نيه آن آن بصوت ناعم كصوت حمل صغير
“جيجي، هل يمكنك أن تُبطئ قليلًا من فضلك؟ لم أعد أستطيع اللحاق بك…”
ورغم أنه لم يجبها، فإن خطواته تباطأت بوضوح.
وصلا إلى مدخل النادي، حيث كانت السيارة تنتظرهما بالفعل.
(م/م: كيو كمبر هو خيار قررت اكتب اسمو بنفس نطق اللغة الانحلزية على الاقل يبان اسم لانو اسم خيار غريب و مافيه ولا هيبة وانتو ايش رايكم اخليه خيار و لا كيوكمبر )
تفاجأ كيوكمبر قليلًا عندما رأى نيه آن آن تخرج برفقة هو يان شياو، لكنه أسرع بالانحناء قائلًا
“السيد هو، بما أنك هنا، فلن أحتاج إلى إيصال الآنسة إلى المنزل…”
ردّ هو يان شياو بصوت منخفض عميق يحمل قوة لا تحتمل النقاش
“لن أعود إلى المنزل. أوصلها أنت.”
أومأ كيوكَمبَر بسرعة وقال باحترام
“آنستي، تفضلي بالصعود إلى السيارة.”
رفعت نيه آن آن رأسها لتنظر إلى هو يان شياو.
هل كان إحساسها يخدعها؟ أم أنه يتعمّد ألا يركب معها نفس السيارة؟
تذكّرت أن عليها، من أجل سلامتها، تحسين علاقتها مع شقيقها البارد والقاسي، لكن الالتصاق المفرط به لن يكون تصرّفا حكيما.
وبعد أن وصلت إلى تلك القناعة، تركت طرف قميصه وركبت السيارة بهدوء.
وخلال الرحلة، وهي تحدّق في مشهد الشارع خارج النافذة، قالت بصوتٍ خافتٍ كهمسة
“كيوكَمبَر، أريد إزالة الأوشام عن وجهي غدًا. هل يمكنك حجز موعدٍ لي؟ كلما كان أبكر كان أفضل.”
لم يبد كيوكَمبَر أي دهشة، واكتفى بالقول
“آنستي، هل أعجبتك تصاميم أكثر جرأة؟ ألم تنسي أن لديك فنان الوشوم الخاص بك في استوديو SO؟ لا حاجة لحجز موعد.”
تظاهرت نيه آن آن بالتثاؤب وقالت بصوت أكثر نعومة من ذي قبل
“حسنا، إذا تعال خذني غدًا في التاسعة صباحًا، وسنذهب إلى هناك.”
عندما وصلا إلى القصر، حاولت نيه آن آن فتح الباب ببصمة إصبعها، فانفتح على الفور.
دخلت المنزل، وكان هذا أول وقت تتفرغ فيه لتأمل المكان جيدًا.
غرفة المعيشة الفسيحة كانت تعتمد ألوان الأسود والأبيض والرمادي، بطرازٍ بسيطٍ صارم يعكس شخصية هو يان شياو المنضبطة.
النظام يسود المكان، وكل شيء في موضعه الصحيح.
الطابق الثاني يضم غرفتين للنوم ومكتبًا للدراسة، أما الطابق العلوي فبه غرفة تدريب بدني ومسبح داخلي.
كانت غرفة نيه آن آن مفتوحة قليلًا، بينما كانت غرفة هو يان شياو مغلقة بإحكام. تساءلت كيف يبدو داخلها.
بحسب ما ورد في الرواية، كانت المالكة الأصلية للجسد تهوى جمع السكاكين، ولهذا وجدت نيه آن آن أكثر من عشر سكاكين مختلفة الأحجام معلقة على جدران غرفتها.
تجولت في الغرفة تبحث عن أي دلائل قد تساعدها على فهم حياتها الجديدة، لكنها لم تجد شيئًا ذا قيمة.
وبعد فترة، بدأ الجوع يطرق معدتها، فنزلت إلى المطبخ.
ويبدو أن هو يان شياو، لكثرة أعدائه، لا يثق في وجود خدم دائمين في المنزل.
حتى في هذا القصر الكبير، لم يكن لديه سوى عاملين يأتون دوريًا للتنظيف دون أن يقيموا فيه.
فور أن فتحت نيه آن آن الثلاجة، عبست على الفور لم تجد بداخلها سوى نودلز فورية ومشروبات غازية.
هل هذا ما يأكله في البيت؟!
قبل أن تنتقل إلى هذا العالم، كانت نيه آن آن خبيرة تغذية نشأت في عائلة تهتم بالطعام الصحي.
منذ سن الرابعة عشرة، كانت مهارتها في الطهو قد تفوّقت على طهاة ميشلان، كما كانت دقيقة للغاية في توازن المكونات والقيم الغذائية.
وعند بلوغها الثامنة عشرة، تم اختيارها لتمثيل عائلتها في مسابقة عالمية لخبراء التغذية.
لكن لسوء الحظ، تعرّضت لحادث في طريقها إلى المسابقة
واستيقظت… هنا.
كانت نيه آن آن تعاني من وسواسٍ شديد فيما يتعلق بكل ما يدخل فمها فهي لا تطلب طعامًا جاهزًا أبدًا، ولا تسمح لأي شخصٍ آخر بإعداد طعامها.
لكن، مهما بلغت مهارتها، فإنها لا تستطيع أن تبدع وهي خالية اليدين.
لذا عادت إلى غرفتها، أخذت مفتاح السيارة، وخرجت لتشتري بعض المكونات بنفسها.
كانت المالكة الأصلية للجسد تملك سيارتها الخاصة، لكنها بعد حادثٍ مرّت به أصيبت بصدمة نفسية ولم تعد تقود أبدا، بل كانت تعتمد على كيوكَمبَر ليقلها أينما أرادت.
إلا أن الوقت كان متأخرًا، ولم ترغب نيه آن آن في الانتظار، فذهبت إلى المرآب بنفسها.
حددت عبر نظام الملاحة موقع متجرٍ قريب للبقالة، وفي طريق خروجها من القصر مرّت بسيارة مايباخ سوداء.
رفع هو يان شياو نظره نحو لوحة السيارة المألوفة، ونظر إليها بدهشةٍ خفيفة.
أما نيه آن آن فلم تكن تعلم شيئًا عن ذلك اللقاء العابر، فقد كانت قد وصلت بالفعل إلى المتجر وبدأت بشراء الكثير من المكونات
الأرز، والمعكرونة، والتوابل، والخضروات، واللحوم، وبعض أدوات الطبخ.
خرجت بثلاث أكياس كبيرة مليئة عن آخرها.
وأثناء دفعها للعربة نحو موقف السيارات، عبست بخفة لقد اشتريت أكثر مما أستطيع حمله… ماذا لو لم أقدر على رفعها بعد أن أركن السيارة؟
لكنها فوجئت عندما حملت الأكياس الثلاث بسهولةٍ مذهلة!
كان ذلك صادما لفتاة نشأت على أن تكون هادئة، رقيقة، وهشة كالدمية.
أسرعت بوضع الأكياس في الصندوق الخلفي وانطلقت عائدةً إلى القصر.
وما إن وصلت حتى توجهت مباشرة إلى المطبخ.
بدأت بفرز كل شيء فوسواسها القهري في التنظيم فرض عليها أن ترتّب المكونات بدقةٍ شديدة قبل أن تبدأ الطهي.
ولأن الوقت كان متأخرًا، لم تشأ أن تطهو شيئًا ثقيلا قد يسبب عسر هضم، فاكتفت بثلاثة أطباق بسيطة وشهية
بروكلي مقلي بالثوم، فطر طازج مع بازلاء مقلية، وحساء الجمبري مع قرع الشتاء.
انتهى الأرز في الوقت نفسه الذي اكتملت فيه أطباقها.
وبينما كانت تحمل الصحون من المطبخ إلى غرفة الطعام، لاحظت أن أحد الغرف في الطابق العلوي أضيئت أنوارها.
تذكّرت بوضوح أن جميع الأضواء كانت مطفأة عندما خرجت من القصر.
هل عاد هو يان شياو؟
كانت تخطط لتناول طعامها وحدها، لكنها رأت أن ذلك لن يكون لائقًا الآن.
وضعت الأطباق على المائدة وصعدت إلى الطابق العلوي، ثم طرقت باب غرفة هو يان شياو.
“ادخلي”، قال بصوتٍ مقتضب من الداخل.
أدارت مقبض الباب ودخلت، فرأت الرجل جالسًا خلف مكتبه يتصفح بعض الأوراق.
قالت بابتسامةٍ هادئة
“جيجي، لقد أعددت بعض الطعام، هل أنت جائع؟ هل تود أن تنضم إلي؟”
رفع هو يان شياو رأسه قليلًا عن أوراقه وقال بنبرةٍ باردة
“لا حاجة.”
سألته نيه آن آن بلطف
“لكن… ألا تشعر بالجوع؟”
فهو كان في النادي منذ فترة طويلة، ومن الواضح أن الرجال في اجتماعات العمل لا يتناولون طعامًا حقيقيًا.
لكن هذه المرة، لم يرفع حتى رأسه وهو يقول ببرودٍ تام:
“لست جائعا.”
أومأت نيه آن آن بخفة وقالت
“حسنا”
ثم استدارت وخرجت بهدوء، وأغلقت الباب خلفها بلطف متناه.
وبمجرد أن أُغلق الباب، رفع الرجل الذي كان غارقًا في أوراقه نظره فجأة نحو الباب المغلق، ولمع في عينيه بريق غامض غير قابل للتفسير.
أما نيه آن آن، فبما أنها أدت واجبها ودعته للعشاء، شعرت براحة ضمير وجلست لتتناول طعامها بهدوء.
ملأت وعاءً صغيرًا بالأرز، وبدأت تأكل بسعادة.
كان الطعم لذيذًا بالفعل.
ومع ذلك، وبينما كانت تتأمل نكهة الأطباق، أخذت تنتقد نفسها بهدوء فالجمبري لم يكن طريًا كما اعتادت، والبازلاء طهيت أكثر قليلًا مما ينبغي، وبعض قطع الثوم في البروكلي كانت أكبر من البقية ولم تفرم جيدًا.
وبينما كانت غارقة في تقييمها الذاتي…
لم تلحظ الظلّ الطويل الذي انحدر بهدوءٍ من أعلى الدرج نحوها.
~انتهى الفصل ~
____________
لا تنسو تخلولي تعليقاتكم لاعرف رايكم واستمر و تصويتاتكم للتشجيع .
وللمزيد من معلومات اكثر زورو صفحتي على الانستغرام @luna.aj7
التعليقات لهذا الفصل " 2"