الفصل التاسع
“ما الذي…!”
الإمبراطورة حدقت بي، وعيناها محمرّتان بالدم.
وبالحكم من ارتجاف يديها، بدا وكأنها كانت ترغب في أن تمسكني من شعري في تلك اللحظة.
‘بالطبع، ذلك من شأنه أن يشوّه صورتها كأم رؤوفة ومحبّة.’
فالإمبراطورة، حتى الآن، كانت تُظهر نفسها كأم مسكينة تعاني بسبب ابنتها الضالة.
وأخيرًا، بعد أن لهثت وغضبت لبرهة، استدارت فجأة مبتعدة.
بانغ!
صوت الباب وهو يُصفق دوّى كأنه سينكسر.
“آه، أخيرًا صار المكان هادئًا الآن.”
تسللتُ إلى الفراش مجددًا بوجه راضٍ.
لقد أرهقني الإصغاء إلى هراء الإمبراطورة.
كل ما أردته الآن هو أن أتمدد وآخذ قيلولة.
بعد بضعة أيام.
وصلتني رسالة من معهد الإمبراطورية لأبحاث القدرات الخارقة.
وبعد إزالة مختلف التحيات والاستفسارات، كان مضمونها يُلخَّص في سطر واحد كما يلي:
[جرعات التنقية قد اكتملت وسيتم إرسالها إلى الشمال.]
أوه، هذا غريب.
لقد كنت أنتظر هذه اللحظة طوال هذا الوقت.
لماذا تستمر عيناي بالترقرق بالدموع؟
“هااااااه…”
زفرتُ تنهيدة عميقة ومليئة بالحزن من أعماق قلبي.
الآن، لم يتبق سوى أن أُكابد المشقة في الشمال للسنوات الخمس القادمة.
وداعًا لحياة الدفء والرفاهية كأميرة… آآه.
كانت أسرة أستريد الإمبراطورية في فوضى عارمة. عادةً، 80% من أسباب الاضطراب داخل العائلة الإمبراطورية، تكون بسبب الأميرة المشاكسة.
وهذه المرة لم تكن استثناءً.
“كاسيا اختفت؟!”
الإمبراطور كان يشعر بألم شديد كما لو كانت أمعاؤه ملتوية منذ الصباح، كعقوبة لإنجابه ابنة مشاكسة.
يبدو أنه سيتعين عليه أن يطلب من الطبيب الإمبراطوري بعضا من دواء للمعدة قريبًا…
اقترب حاجب من الإمبراطور، الذي كان يقطّب جبينه، وانحنى بانتباه.
“جلالتك، وُجدت رسالة في غرفة الأميرة. يبدو أنها كُتبت بخط الأميرة نفسها…”
“أعطني إياها!”
خطف الإمبراطور الرسالة من يد الحاجب.
ثم، بعينين متسعتين، قرأ بسرعة محتواها وهو بين يديه.
“مـ-ما هذا بحق الجحيم؟!”
في الوقت نفسه، بدأت اليد التي تمسك الرسالة ترتجف.
[إلى والدي الجليل،
مرحبًا، أنا كاسيا.
لقد كنتَ دائمًا تخبرني أن أنضج وأتصرف بمسؤولية.
وأنا متأثرة جدًا بسبب أنني أخيرًا أستطيع أن أحقق كلماتك.
للتخفيف من معاناة فرساننا، قررت أن أذهب بنفسي إلى فرسان فجر اللازورد كموظفة إدارية لهم.
أعلم أنه كانت هناك شائعات كثيرة بيني وبين السير رومانوف، لكن لا تقلق.
أنا مكرّسة فقط لوطني.
و،
إلى والدتي الإمبراطورة،
لقد أخبرتِني جلالتك أن أتزوج شخصًا سيكون مفيدًا للعائلة الإمبراطورية ليسهم في خدمة البلاد.
بصراحة، لقد كنت مصدومة جدًا حين اقترحتِ الزواج أول مرة، ولكن…
عند التفكير مليًا، أتساءل كم مرة كان الناس يتحدثون عني من وراء ظهري لدرجة أنك اضطررتِ لقول ذلك.
لقد وصلتِ حتى لاختيار قائمة من الخطّاب وألححتِ عليَّ بالزواج بإخلاص شديد.
لقد فكرتُ أيضًا في الكثير من الأمور.
ولحسن الحظ، أنا سعيدة جدًا أنني أستطيع أن أُسهم في خدمة البلاد كموظفة إدارية، حتى لو لم يكن ذلك عبر الزواج.
أشعر بالفخر الشديد لأنني أخيرًا أكون بارة بكما بعد كل هذا الوقت!
كما أنني أتساءل لماذا لم أفعل هذا في وقت أبكر، بالنظر إلى مقدار ما سببته لكما من متاعب.
حسنًا، اعتنيا بصحتكما حتى نلتقي مجددًا.
بإخلاص، كاسيا.]
“كاسيا، تلك الفتاة اللعينة!”
دوّى زئير الإمبراطور في أرجاء القصر.
الإمبراطورة بجانبه هرعت محاولة تهدئته.
“جلالتك، إن الغضب بهذا الشكل سيكون سيئًا على صحتك. أرجوك اهدأ قليلًا و…”
ولكن حينها.
استدار الإمبراطور فجأة وحدّق بالإمبراطورة بحدة.
“إمبراطورة، كيف بحق السماء تعاملتِ مع هذه الطفلة؟!”
اندلعت النيران فجأة متجهة نحو الإمبراطورة.
نظرت الإمبراطورة إلى الإمبراطور بذهول.
“جلالة الإمبراطور؟”
“بالتأكيد لم تزعجي كاسيا بشأن الزواج؟!”
…ماذا؟
بدأ العرق البارد يتساقط من ظهر الإمبراطورة.
رفع الإمبراطور صوته مجددًا.
“لهذا السبب هربت، أليس كذلك؟!”
“جـ، جلالة الإمبراطور. هذا…”
طع!
برمية عصبية، ألقى الإمبراطور الرسالة على صدر الإمبراطورة.
“قلت لكِ أن تعتني بكاسيا جيدًا حتى لا تقع في ورطة كهذه!”
مرة أخرى، دوّى زئير الإمبراطور في أرجاء القاعة.
الإمبراطورة، ووجهها مليء بالحرج، التقطت الرسالة التي سقطت على الأرض.
كانت محتويات الرسالة كفيلة بجعل المعدة تنقلب، لكن الجملة التي لفتت الانتباه أكثر كانت…
[بصراحة، لقد تفاجأت كثيرًا عندما اقترحتِ الزواج أول مرة، ولكن…
عندما أفكر بالأمر، أتساءل كم من الكلام قيل عني من وراء ظهري حتى تقولي ذلك.
لقد ذهبتِ إلى حد اختيار قائمة من الخطّاب وأصررتِ عليّ بالزواج بإخلاص.]
‘تلك الحقيرة… كتبت هذا عن قصد’.
عضّت الإمبراطورة على أسنانها.
‘إنها تحاول أن تجعل الأمر يبدو وكأنني السبب في هروبها!’.
كيف تجرؤ تلك الحقيرة أن تطعنني في الظهر هكذا!
لكن غضب الإمبراطورة لم يدم طويلًا.
لأن الإمبراطور واصل تفريغ إحباطه.
“موظفة إدارية، من بين كل الوظائف على وجه الأرض!”
تابع الإمبراطور ثورته.
“وماذا كنتِ تفعلين طوال هذا الوقت، أيتها الإمبراطورة، بينما كانت تثير كل هذه الفوضى؟!”
“جـ، جلالة الإمبراطور، أنا…”
“الدوق دياز سيقيم الدنيا و لن يقعدها. كيف سأتعامل مع ذلك الموقف مرة أخرى؟!”
الإمبراطور، يستخدم الإمبراطورة ككيس ملاكمة ليفرغ غضبه.
الإمبراطورة، عاجزة أمام الإمبراطور.
كان مظهرهما أقرب إلى رئيس وموظفة تابعة له، لا زوجين على قدم المساواة.
‘أنت لم تعامل الإمبراطورة الراحلة هكذا أبدًا’.
مليئة بالسعور بالنقص، عضّت الإمبراطورة شفتيها حتى نزفت.
الإمبراطورة السابقة التي كانت دائمًا متكبرة.
صورة الإمبراطورة السابقة وهي تعبّر عن رأيها بلا خوف حتى أمام الإمبراطور، عادت إلى ذهنها.
‘حقًا، كانت الأم مصدر إزعاج… وابنتها نسخة طبق الأصل عنها!’.
لكن الإمبراطورة كبحت نفسها مرة بعد أخرى.
عقدة النقص القديمة تجاه الإمبراطورة الراحلة.
ولكي تتغلب على ذلك الشعور الآسن، كان عليها أن تجعل ابنها، فرناندو، إمبراطورًا.
ولأجل ذلك…
‘أحتاج إلى أن يدعم جلالة الإمبراطور فرناندو’.
إذن.
“أعتذر، جلالة الإمبراطور. لقد كنتُ قصيرة النظر، أليس كذلك؟”
قضت الإمبراطورة وقتًا طويلًا تتملّق الإمبراطور بابتسامة على وجهها.
إلى أن هدأ غضب الإمبراطور أخيرًا.
بعد عدة أيام.
كان جيسكارد متحصّنًا في مكتب قائد الفرسان، غارقًا في التفكير.
كاسيا سوريتس دل أستريد.
امرأة اقتحمت حياة جيسكارد فجأة كالكارثة.
حينما كانت الحياة مرهقة بالفعل، كانت كاسيا تضيف من حين لآخر أعباءً جديدة.
لقد سئم جيسكارد من مجرد سماع اسمها. لكن مؤخرًا…
‘ما الذي تخطط له بحق؟’
ظهر على وجهه المنحوت عبوس عميق من التأمل.
استرجع جيسكارد صورة كاسيا في الحفل مجددًا.
“تمامًا كما قلت. الدعم لفيلق الفجر اللازوردي.”
“سأفعل ذلك.”
وهي تحدق مباشرة في عيني جيسكار، أعلنت كاسيا بثقة.
ورغم أن جيسكار اعتبر كلماتها هراء وغادر، لم تتراجع كاسيا وصاحت مجددًا.
“انتظر وحسب، يا سير رومانوف!”
“سأجعل فرسان فجر اللازوردي أغنى فرسان في المملكة!”
بصراحة، حتى ذلك الحين، لم يكن لدى جيسكار أي توقعات.
لقد كان متعبًا جدًا ليُساق وراء مثل تلك الكلمات.
اعتبر الجميع تضحيات الفجر الأزرق أمرًا مفروغًا منه.
لقد كانوا من نسل مملكة ساقطة.
لكي يحصل لاجئوا رومانوف على قطعة أرض بالكاد للبقاء، اضطر جيسكارد وفرسانه إلى الانحناء حد الانكسار…
…حتى مع أن السبب في سقوط مملكة رومانوف بالأساس كان دفاعهم المستميت عن البوابات لحماية البشرية.
“اللعنة.”
تمتم جيسكارد بشتمة تحت أنفاسه.
كان اليأس أشبه بمستنقع.
يضيق حول عنقه في كل لحظة، ولم يرَ أي مخرج.
‘إلى متى عليّ أن أتحمل هذا وأنا أضحّي بفرساني هكذا؟’
بينما يتغذى نبلاء وإمبراطورية العرش كالخنازير على تضحياتنا…
ثم في أحد الأيام، بدأ شائعة غير متوقعة بالانتشار.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات