“…….”
“…….”
التقت عينا كاسيا وعينا جيسكار.
ثم—
“لا، أيها القائد!”
“الضابطة الإدارية لم تلمسنا قط!”
ارتفعت أصوات الفرسان بلهفة، وكأنهم يدافعون عنها بكل قلوبهم.
يا إلهي، ماذا أفعل الآن؟
حتى وسط ارتباكها، شعرت كاسيا بانقباض شديد في صدرها.
الفرسان صاروا يقفون إلى جانبها بلا تردّد.
هذا حقًا… مؤثر جدا!
وفي تلك الأثناء، كان جيسكار يرمقها تارة، ويرمق الفرسان تارة أخرى، بتعبير متشابك ومعقد.
ثم أطلق تنهيدة عميقة، وأومأ إيماءة صغيرة.
“صحيح. الضابطة الإدارية أستريد لا تعاقب الجنود دون سبب وجيه.”
عذرًا؟!
ممتنة للثقة، نعم… لكنني لم أعاقب أحدًا أصلًا!
حدجته كاسيا بعينين مثلثتي الشكل من الغضب، ثم أمسكت بكمّه وسحبته ليجلس.
“تفضّل، اجلس أولًا.”
وجد جيسكار نفسه جالسًا قبل أن يستوعب حتى، فأشار بيده نحو المائدة الممتلئة بالطعام.
“إذن، ما كل هذه الكمية الهائلة من الطعام؟”
“الضابطة الإدارية تنظم لنا حفلة احتفال.”
“بما أن مساكننا أُعيد ترميمها، ومشكلة أحجار الحاجز قد حُلّت، فالأمر أشبه باحتفال مشترك.”
اشتعل حماس الفرسان وبدأوا يتحدثون بحماس واحدًا تلو الآخر.
أما كاسيا فالتفتت نحو جيسكار وقالت بوجه متجهم قليلًا:
“بالمناسبة، عندما انضممت أول مرة… لم تأكل من الحلويات، صحيح؟”
…هل فعلت؟
بدت على جيسكار لمحة حرج.
ففي ذلك الوقت، كان حذرًا منها تمامًا.
بالتأكيد رفض كل بادرة لطف منها.
عاودت كاسيا الكلام هذه المرة بنبرة أكثر حزمًا:
“لكن هذه المرة، لا تتملص. كل معنا.”
“إنها محقة، أيها القائد!”
“ألا يبدو ذلك الكعك رائعًا؟!”
كانت عيون الفرسان تتلألأ كالنجوم وهم يتطلعون إليه.
وفي النهاية، استسلم جيسكار بتعبير مستسلم، وعدّل جلسته على الكرسي.
“حسنًا، انتباه أيها الجميع!”
نادَت كاسيا، وهي تمسك بسكين الخبز بحيوية.
“سنبدأ الآن مراسم تقطيع الكعكة!”
“وووووووو!”
تصفيق! تصفيق!
صفق الفرسان بحماس شديد حتى احمرت أكفهم، يصفرون ويهتفون في غاية الانشراح.
قطعت كاسيا الكعكة بدقة متناهية، دون أن تخطئ في حركة واحدة.
فبعد سنوات من كونها الزهرة الأبهى والأكثر كبرياء في المجتمع الراقي، معتلية عرش الحفلات…
كانت يداها تتحركان بثبات وكأنها قطعت عشرات الكعكات الاحتفالية من قبل.
***
ثم—
همم؟
ارتفع حاجب جيسكار قليلًا.
وكان ذلك مبررًا: فقد وضعت كاسيا أول قطعة كعك أمامه مباشرة.
“هذه لك، أيها القائد. لقد عملت بجد.”
ثم ابتسمت ابتسامة مشرقة.
“وسأعطيك أيضًا قطعة الشوكولا المزخرفة.”
“لا حاجة لي بها—”
“حقًا؟! هل ستظل ترفض حتى الآن؟”
وبنبرة رقيقة لكنها صارمة، وبّخته كاسيا من غير قسوة.
“إنها لفتة صادقة من تابعة تود أن تتقارب مع قائدها. ألن تقبلها؟”
“……”
خفق.
للحظة، خفق قلب جيسكار بقوة، بحدة.
هاه؟
ارتسمت على وجهه نظرة مبهمة.
لكن كاسيا كانت قد انشغلت أصلًا.
أسرعت تضع قطع الكعك في الصحون وتوزعها على الفرسان.
ظل جيسكار يحدّق بصمت في قطعة الكعك الموضوعة أمامه.
كعكة ناعمة منفوشة، مغطاة بالكريمة البيضاء كالثلج.
وعليها فراولة حمراء شهية كبيرة، بل وحتى قطعة شوكولا على شكل قلب وردي، كما تباهت كاسيا.
رائحة الزبدة الغنية وعبير الفراولة الحلو يتسللان إلى أنفه.
تردّد جيسكار قليلًا،
“تفضل بسرعة، أيها القائد!”
“لن نتذوقها إلا إذا بدأت أنت أولًا!”
وتحت إلحاح نظرات الفرسان المتلهفة، التقط الشوكة أخيرًا.
قطع قطعة كبيرة من الكعك ورفعها إلى فمه.
تفكك الكعك الحلو برفق في فمه.
وسرعان ما ألقت كاسيا عليه سؤالًا:
“كيف هو الطعم؟ لذيذ، أليس كذلك؟”
“……”
وبعد لحظة من الصمت، ارتسمت على وجه جيسكار ابتسامة باهتة بعينيه.
“نعم، إنه لذيذ جدًا.”
“الحمد لله.”
أومأت كاسيا برضا.
ثم رفع جيسكار نظره نحوها.
“وأنتِ، أيتها الضابطة أستريد؟”
“أنا بخير.”
كانت تراقب الفرسان وهم يستمتعون بالطعام بحماسة، وتشعر بالامتلاء لمجرد رؤيتهم.
آه، هل هذا ما يشعر به الوالد حين يُطعم طفله وجبة خفيفة؟
لكن عند سماع ردها، ضاق جيسكار عينيه قليلًا، ونهض ليسحب لها كرسيًا.
“تفضلي بالجلوس.”
“ماذا؟ لكن…”
“أيتها الضابطة، إلى متى ستبقين بعيدة عن فوجنا؟”
وأجلسها بنفسه، ثم وضع شوكة بين يديها.
“يجب أن نستمتع معًا.”
“صحيح، أيتها الضابطة!”
“هل تودين تذوق هذا الدجاج؟ إنه رائع!”
“إن عطشتِ، لدينا عصير هنا أيضًا!”
بدأ كل فارس يضع طعامًا على الأطباق ويقدمه لها.
ارتبكت كاسيا وراحت تلوّح بيديها بسرعة.
“انتظروا لحظة، لا أستطيع أن آكل كل هذا!”
لكنها غُمِرت بما وضعوه أمامها.
أما الفرسان، فقد ابتسموا لها ابتسامات مشرقة.
وذلك المنظر جعل ابتسامة جيسكار تعمق أكثر.
ابتسامة دافئة، كابتسامة الربيع.
***
بعد بضعة أيام.
عاد الفرسان، بعد أن أنهوا تدريبهم، إلى ثكناتهم.
أما أنا، التي كنت مدفونة في المكتب أصارع الأوراق والمعاملات، فقد انطلقت إلى الخارج مثل السهم.
“لقد عملتم بجد اليوم!”
حيّيتهم بمرح وبصوت عالٍ.
وبما أن الفرسان قد فتحوا لي قلوبهم، فقد اعتقدت أن بإمكاني أن أصبح أقرب منهم عن طريق الظهور أمامهم كثيراً.
وربما بفضل جهودي المستمرة، كان الفرسان يردون عليّ أيضاً بوجوه مشرقة وباسمة.
“أوه، أيتها الضابطة الإدارية !”
“لابد أنك تعملين بجد أيضاً، أيتها الضابط الإداري.”
هيهي، هيهيهي، هيهيهيهي……
لن تصدق كم من الوقت والصبر تطلب الأمر حتى صار فرساننا يردون عليّ بهذه اللطافة!
يا إلهي، لقد تأثرت لدرجة أنني أكاد أبكي……
ولكن، عندها.
“هاه؟”
عبست حاجبي فجأة.
أليس ذاك… سنجاب فجرنا الأزرق الصغير…؟ أو بالأحرى، أليس ذاك فارسنا اللطيف، السير دانيال… وهو يعرج؟!
“السير دانيال!”
كدت أُصدم حتى الإغماء وأنا أناديه.
“ما الذي جرى لساقك؟!”
“آه، هذه؟”
التفت إليّ السير دانيال بابتسامة مشرقة وأجاب بلا مبالاة:
“لقد التوت قليلاً أثناء التدريب في وقت سابق.”
“ماذا؟! إذن عليك أن تتلقى العلاج على الفور…!”
لكنني وأنا أرفع صوتي من غير أن أشعر، تجمدت في مكاني فجأة.
صحيح. الآن فقط تذكرت.
فإن فرقتنا لم يكن لديها طبيب عسكري بعد…
“آه، لا بأس.”
وفي تلك الأثناء، ضحك السير دانيال ضحكة محرجة.
“إنه مجرد التواء بسيط. ستشفى إذا ارتحت قليلاً.”
“لا، مع ذلك!”
اشتعلت غضباً للحظة، ثم سرعان ما تنهدت بعمق وأومأت.
“حسناً. لكن على الأقل إلى أن تلتئم ساقك تماماً، يجب أن تأخذ استراحة من التدريب. مفهوم؟”
“نعم!”
ظل السير دانيال يبتسم ببراءة، غير مدرك كم كنت قلقة عليه.
يا إلهي، حقاً.
كيف لشخص بهذه الطيبة أن ينجو في هذا العالم القاسي؟!
***
وهكذا، في الحاضر.
“هــمم.”
كنت جالسة في مكتبي، غارقة بعمق في التفكير.
“لماذا لم يخطر ببالي قط أن يكون لدينا طبيب عسكري؟”
وكان هذا صحيحاً.
ففرساننا مسؤولون عن حراسة البوابات.
بعبارة أخرى، هم متمركزون في أخطر المواقع في الإمبراطورية كلها.
وبفضل مهارات فرساننا الاستثنائية، لم نتعرض حتى الآن لإصابات خطيرة تستدعي وجود طبيب عسكري.
“لكن، لا أحد يعلم ما الذي قد يحدث.”
في النهاية، لم أستطع كبح غضبي، فأمسكت بالقلم بإحكام.
“لا، ولكن بجدية… عندما أفكر في الأمر—أليس هذا مستفزاً فعلاً؟!”
كيف يمكن لفرقة فرسان ألا يكون لديها طبيب عسكري واحد؟!
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات لهذا الفصل " 48"