“يا إلهي، أيها القائد.”
انعقدت عيناي على شكل هلالين بابتسامة ماكرة.
“أنا كاسيا، الأميرة الأكثر أنانية في الإمبراطورية.”
ضغط جيسكار شفتيه معًا، ناظرًا إليّ بوجه مرتبك. رفعت كتفيّ بخفة وسألته بالمقابل:
“أتظن أن شخصًا مثلي لا يُفكّر في سلامته الشخصية؟”
“إذن…”
“حسنًا، أنت موجود هنا، أليس كذلك يا قائد؟”
صرحت بثبات، ونبرتي ملؤها الثقة:
“إن أصبحتُ طُعمًا لاستدراج الوحوش الشيطانية…”
اتسعت ابتسامتي قليلًا.
“فأنت ستحميني، صحيح أيها القائد؟”
“……”
عاد النور ببطء إلى عينيه الزرقاوين اللتين غشيهما الارتباك لحظة. ثم أومأ بثبات.
طبعًا.
وبعد أن أجاب، ارتسمت على شفتي جيسكار ابتسامة واثقة.
“لا تقلقي. ما دمتُ هنا…”
كان صوته حاسمًا، وكأنه يقرر حقيقة لا جدال فيها.
كما تشرق الشمس من الشرق وتغيب في الغرب، وكما ينهمر المطر من السماء إلى الأرض، وكما تجري الأنهار نحو البحر.
“فلن يُمسّ شعرة واحدة من رأس الموظفة الإدارية أستريد.”
“جيد.”
أجبت برضا.
وفي تلك اللحظة، مدّ جيسكار ذراعيه نحوي.
“إذن، أرجو أن تعذريني للحظة.”
“هاه؟”
رمشت بدهشة أمام حركته غير المتوقعة.
وفجأة، ارتفع بصري إلى الأعلى.
لقد حملني جيسكار بين ذراعيه!
انتظر لحظة… أليس هذا…؟!
وضعية الأميرة!
“ق-قائد! ما هذا؟!”
حدّقت فيه بذهول.
وعلى عكسي تمامًا، رد جيسكار ببرود تام، دون أن يطرف له جفن:
“أنوي أن أتحرك بسرعة أكبر من الآن فصاعدًا.”
“ماذا؟!”
“من غير الواقعي أن تتمكني من مجاراتي، يا موظفة إدارية. لذا من الأفضل أن أحملك وأتحرك.”
“ماذا؟!”
“أرجو أن تتحملي الأمر، حتى لو كان غير مريح قليلًا.”
“ماذا؟!”
لا يهم كم مرة تمتمت بـ”ماذا؟!” فقد واصل شرح الأمر بجدية، كأنه مفتش سلامة يراجع القواعد الأخيرة قبل تشغيل لعبة.
“على سبيل الاحتياط، أنصحك أن تغمضي عينيك. بما أننا سنتحرك بسرعة، قد تشعرين بدوار، و…”
هبط صوته فجأة إلى نبرة جليدية:
“…قد ترين مناظر دموية بشعة.”
وفي تلك اللحظة، ركل جيسكار الأرض بقوة وقفز عاليًا.
بوووم!
ارتجّ المكان بصوت هائل، لا يمكن أن يصدر عن مجرد بشر دفع بجسده من الأرض.
“كياااه!”
عانقت عنقه بغريزة بحتة، وفي الوقت نفسه أصابني الذهول.
لقد قفز جيسكار فوق سطح مبنى فرسان مكوّن من طابقين وأنا بين ذراعيه!
“انتظر لحظة… لحظة واحدة فقط!”
كيف يمكن لجسد بشري أن يقفز بهذه السهولة إلى هذا العلو؟! هل هذا حقيقي أصلًا؟
في الأثناء، كان جيسكار يمسح الأفق بعينيه الحادتين.
ضيّق عينيه الساحرتين فجأة، وتحدق في نقطة بعيدة.
“ها هم هناك.”
تمتم بصوت منخفض.
“ها؟ ماذا؟”
أملت رأسي في حيرة.
يبدو أنه أبصر شيئًا ما.
أما أنا، كبشرية عادية، فلم أرَ شيئًا مهما أرهقت بصري…
“آه، لحظة.”
في أقصى نقطة يصلها بصري، بدا وكأن شيئًا داكنًا يتحرك…
وفي اللحظة نفسها، اجتاحني قشعريرة.
لأن تلك “الأشياء” بدت وكأنها تتجه نحونا!
“هذا ليس وهمًا… أليس كذلك؟”
بلعت ريقي بصعوبة.
حسنًا، صحيح أنني أنا من تطوعت لأكون الطُعم.
ولم أغيّر رأيي في ذلك.
لكن…
حين رأيت تلك الوحوش الشيطانية تندفع نحوي بلا هوادة…
‘إنه… مخيف!’
خفق قلبي بجنون.
ولكأن جيسكار استشعر خوفي، همس بصوت ناعم:
“سيكون كل شيء على ما يرام.”
“…نعم.”
هدوء صوته أعاد إليّ بعض رباطة الجأش.
ثم أضاف:
“تشبّثي جيدًا.”
ضمّني جيسكار بقوة أكبر.
ثم قفز فجأة وهبط ليبدأ بالركض، مندفعًا على الأرض بقوة هائلة.
اندفعنا بسرعة دوّخت رأسي، وصيحة فرت من حلقي بلا وعي:
“كيااااه!”
تشبثت بعنقه بجنون.
المشاهد أمامي اندفعت في غشاوة باهتة.
شعري تمايل بعنف خلفي.
‘كيف يمكن لبشر أن يكون بهذه السرعة؟!’
وفيما أنا أترنح على وشك الإغماء، شدّد جيسكار قبضته عليّ ووبخني بصرامة:
“ستُفجرين طبلة أذنيكِ يا موظفة أستريد.”
أيها البطل المحترم…
لقد أجبرتني على ركوب هذه الأفعوانية البشرية، أليس من الطبيعي أن أصرخ قليلًا؟!
حتى وأنا أكاد أفقد الوعي، شعرت ببعض الاستياء.
لكن حينها…
أضاف جيسكار بنبرة هادئة:
“لقد وعدت، أليس كذلك؟ لن يتمكنوا من مسِّ شعرة منك بأذى.”
“…ها؟”
بسبب الرياح العاصفة التي صفعت وجهي وشعري، بالكاد استطعت أن أفتح عيني.
لكنني فتحت عيني على وسعهما، متشبثة بأنفاسي، ونظرت إليه بيأس.
“أنا لا أقطع وعودًا لا أستطيع الوفاء بها. لذا…”
التقت عيناه الزرقاوان الجليديتان بعيني.
“ثقي بي.”
وفي اللحظة التي سمعت فيها تلك الكلمات…
…خمد ارتجافي تمامًا.
وجيسكار أوفى بوعده حرفيًا.
خطوات الوحوش الشيطانية كانت تدوي خلفنا.
عداؤها الأعمى لم ينصبّ إلا عليّ وحدي.
“لا تفتحي عينيك.”
كما أوصاني جيسكار، أبقيت عيني مطبقتين بقوة.
لكنني شعرت بكل ما يفعله… من خلال بشرتي.
برودة جليدية لامست وجنتي.
بووم! كرااش!
دوّى الانفجار المدوّي حين تحطّم الجليد.
“كياااااااه!”
صرخات مرعبة صدرت عن الوحوش الشيطانية التي التهمتها هالة جيسكار.
تدهدُد… تدهدُد…
كانت شظايا أجسادها المتفتتة تتساقط على الأرض.
جيسكار كان طاغيًا بكل ما للكلمة من معنى.
من دون أن يتدخل أي فارس آخر، هو وحده أسقط جميع الوحوش الشيطانية.
***
وأخيرًا…
“انتهى الأمر.”
قالها بهدوء وهو يضعني برفق على الأرض.
ببطء رفعت جفنيَّ اللذين كنت أشدد إغلاقهما.
وجدت نفسي في ساحة الحامية الأمامية.
كنت قد أعددت قلبي لمشهد بشع، دماء في كل مكان وجثث وحوش متناثرة.
لكن… يا للدهشة، المكان كان نظيفًا نسبيًا.
وفي تلك اللحظة، شعرت بشيء يلمس قلبي.
لقد كان يفكر بي.
يبدو أنه اختار مكانًا خاليًا من الجثث حتى لا أضطر لرؤية مشهد مقزز.
لكن فجأة…
انتظري، هذا يعني أن جيسكار الآن…
خيم عليّ شعور بالقلق، فرفعت بصري نحوه بسرعة.
“أيها القائد، هل أنت بخير؟”
“نعم؟ ماذا تقصدين…؟”
“أعني إكسير التطهير! لم تتناوله، أليس كذلك؟”
للحظة، ارتبك جيسكار وبدت عليه الدهشة.
تذكرتُ الأعراض الجانبية لاستخدام الهالة كما وصفتها القصة الأصلية.
أولها: ارتعاش اليدين والقدمين، وتشوش البصر.
ثم… يفقد المستخدم وعيه ويشعر وكأن جسده كله يحترق بألم مروع.
تفقد جيسكار حالته بسرعة، ثم تمتم بشرود:
“نعم… أنا بخير. أشعر أنني بخير تمامًا.”
أجاب بنبرة غريبة، وكأنه هو نفسه مستغرب.
“هذا غريب. مع هذا القدر من استهلاك الهالة، من المفترض أن أحتاج إلى إكسير التطهير بالتأكيد…”
“هل من الممكن أنك ضغطت على نفسك أكثر من اللازم… فلازلت لا تشعر بالألم بعد؟”
“كلا.”
هزّ جيسكار رأسه فورًا ردًا على قلقي.
“بل على العكس، أشعر براحة تامة.”
كلماته تلك هدّأت قلبي بعض الشيء.
ثم بعد أن راقبته بعناية…
بالفعل، يبدو بخير تمامًا.
*حسب خبرتي الرواياتية كالعادة مثل ما متعودة أخبركم أنا أقرا معكم و أتوقع، البطلة تجذب الوحوش و اذا لمسها فارس مستعمل للهالة ما يحتاج اكسير تطهير*
حتى بعينيّ أنا، لم تظهر أي علامات للأعراض الجانبية.
إلا في حالة فقدان السيطرة…
فعادةً ما يهبط المزاج فجأة وتغشى العقول الضبابية، لكن…
هذا غريب… هل يمكن أن تختفي الأعراض الجانبية للهالة من دون إكسير التطهير؟
أملت رأسي قليلاً ثم ضيّقت عينيّ.
بما أن حالة جيسكار تبدو طبيعية، فالأولوية الآن هي إيجاد سبب ما يحدث.
أما شعور عدم الارتياح هذا… فلنؤجل التحقيق فيه إلى وقت لاحق.
بحزم فتحت فمي:
“لا توجد مشكلة في جسدك على الإطلاق، صحيح؟”
“نعم، هذا صحيح.”
“إذن، المسألة الأكثر إلحاحًا الآن هي…”
نطقت بجديّة حاسمة:
“أن نعرف لماذا حدثت هذه المشكلة.”
“…….”
في تلك اللحظة، لمع ضوء غريب في عيني جيسكار.
لكن عندها…
“أيها القائد!”
دوّى صوت جهوري ينادينا.
“الموظفة الإدارية أستريد!”
ذلك الصوت… كان مألوفًا جدًا في أذني.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
باقي الفصول لغاية الفصل 55 على قناتي بتلغرام، الرابط بصفحة الرواية
التعليقات لهذا الفصل " 40"