الفصل التاسع والعشرون
تواجه الرجلان، كلّ منهما ممسك بسيفه الخشبي.
على عكس قائد الفرسان من الفيلق الرابع الذي بدا متوتراً بشدة، كان جيسكار هادئًا تمامًا.
“حتى أنا بدأت أشعر ببعض القلق.”
في تلك الأثناء، كانت كاسيا تحدق بعينيها المتسعتين نحو ساحة التدريب بتركيز شديد.
في الحقيقة، قائد فرسان الفيلق الرابع لم يكن ضعيفًا، فهو في النهاية قائد وحدة كاملة من الفرسان.
لكن، جيسكار هو البطل المعترف به في القصة الأصلية، والمقاتل الأقوى في هذا العالم.
كان واضحًا أنه سيلعب بالقائد كما يشاء، ثم يهزمه بسهولة.
وفجأة، ضاقت عينا كاسيا.
فقائد الفيلق الرابع، الذي ظل يراقب جيسكار للحظة، قبض على سيفه الخشبي بشدة وانقض بسرعة.
طرف السيف انطلق مباشرة نحو عنق جيسكار.
هســس!
شق السيف الخشبي الهواء محدثًا صفيرًا حادًا، لكن رغم سرعته وقوته لم يُصِب جيسكار.
فقط خصلات شعره الأسود تمايلت بفعل الريح الناتجة عن الضربة.
بميلة بسيطة من رأسه، تفادى جيسكار الضربة بسهولة.
ثم بحركة خفيفة للغاية، وجّه سيفه نحو الفراغ حيث كان خصر القائد قبل لحظة.
“آه!”
أدرك القائد خطأه متأخرًا جدًا، فحاول بسرعة تدوير جسده ليتجنب الطعنة.
لكن الثمن كان باهظًا.
دمدم!
وبدون أي اعتبار لمكانته كقائد فرسان، تدحرج على الأرض بشكل غير لائق.
“أوه!”
خرج أنين مكتوم من فمه.
ومع ذلك، وبما أنه قائد، فقد وقف على قدميه فورًا، وهو ما يستحق بعض الثناء.
لكن وجهه احمرّ من شدة الإحراج.
“تبا!”
زمجر غاضبًا ولوّح بسيفه الخشبي بعنف، وكأن الغضب أعطاه قوة إضافية.
في المقابل، رفع جيسكار سيفه برفق لمواجهة الضربة.
طنين!
ارتطم السيفان الخشبيان، محدثَين صوتًا حادًا غير متوقع.
“انتظر… أليست هذه مجرد سيوف خشبية؟!”
اتسعت عينا كاسيا بدهشة.
كيف يمكن أن يصدر هذا الصوت المعدني من اصطدام سيفين خشبيين؟!
ثم…
طنين… طنين… طنين—
انزلق سيف القائد على السطح المائل لسيف جيسكار المرفوع، قبل أن ينحرف بعيدًا.
دمدم!
فقد القائد توازنه وتراجع للخلف، والذهول مرتسم على وجهه.
“ماذا…؟ كيف؟!”
كان الأمر أشبه بجذب مغناطيسي، وكأن سيفه انجذب إلى سيف جيسكار من تلقاء نفسه.
وذلك وحده كان كافيًا لإظهار الفارق الهائل في المهارة بينهما.
“تبا!”
اشتعلت عيناه غضبًا، وبدأ يلوّح بسيفه مرة أخرى بجنون.
طنين! طنين! طنين!
ترددت أصوات اصطدامات عنيفة لا يُصدَّق أنها صادرة عن سيوف خشبية.
لكن جيسكار واجهه ببرود تام، دون أن يتغير تعبير وجهه قيد أنملة.
وفجأة…
“هاه؟”
رمش القائد بدهشة. لقد بدا له أن صورة جيسكار أمامه تماوجت فجأة ثم اختفت.
وفي اللحظة التالية، ظهر جيسكار أمامه مباشرة ولوّح بسيفه.
ضربة!
اصطدم سيف جيسكار بقوة بسيف القائد.
حاول الأخير أن يكتم صرخة الألم.
“آخ!”
كانت الضربة قوية جدًا لدرجة أن معصمه تألم بشدة.
لكن جيسكار لم يتوقف هناك.
دمدم! طنين!
في لحظة، دفع القائد إلى الزاوية.
شدّ القائد أسنانه بقوة.
“هل يحاول إخراجي خارج حدود الساحة؟!”
لم يكن مستعدًا ليخسر بهذه السهولة.
ثبت قدميه بكل قوته، محاولًا صد ضربات جيسكار المستمرة.
لكن لم يدم الأمر طويلًا.
هوووش!
طار سيف القائد في الهواء، راسمًا قوسًا واسعًا.
وفقد توازنه تمامًا، ليسقط أرضًا.
“……”
ساد الصمت.
كانت عيون فرسان الفجر الأزرق تتلألأ حماسًا ونشوة، بينما خفض فرسان الفيلق الرابع رؤوسهم واحدًا تلو الآخر، غارقين في الخزي والعار.
انتشر جو ثقيل خانق كالسّم في البئر.
وبين هذا التناقض الصارخ، رفع جيسكار سيفه الخشبي ووجهه إلى عنق القائد.
الحد غير الحاد من السيف لامس شريان رقبته النابض.
“هل تعترف بالهزيمة؟”
بوجه مشوّه من الغضب والعار، رفع القائد رأسه ونظر إلى جيسكار بعينين ملطختين بالألم والكبرياء الجريح.
لكن جيسكار أعاد السؤال ببرود:
“هل تعترف بالهزيمة؟”
“سألتك، عما إن كنت تعترف بالهزيمة؟”
“……”
أطبق قائد فرسان الفيلق الرابع شفتيه بقوة.
كان آخر ما تبقّى من كبريائه يتمزق شر تمزيق.
شعور ثقيل باليأس سحق جسده كله.
رمق جيسكار بعينين محمرتين بالدم، لكن جيسكار قابل نظرته ببرود، ثم هز كتفيه بلا مبالاة.
“لو كنت مكانك، لأعلنت هزيمتي بسرعة… وذهبت لأعالج كاحلي.”
في تلك اللحظة، اتسعت عينا القائد.
“أيمكن أنه لاحظ؟!”
فخلال المناوشة الأخيرة، كان يضغط بكل قوته على ساقيه حتى لا يُطرد خارج حدود الساحة.
لكن في اللحظة التي طار فيها سيفه، التوى كاحله بقسوة.
“تبا…!”
احمرّ وجه القائد كقطعة طماطم.
في تلك اللحظة، تقدمت كاسيا وقالت بنبرة حادة:
“هل علينا أن نرى المزيد؟ النتيجة واضحة منذ الآن…”
ثم نظرت بعينيها الحمراوين الباردتين إلى القائد بازدراء.
“الأهم الآن أن نأخذ قائد الفيلق الرابع إلى المشفى فورًا.”
“……”
عضّ القائد شفتيه حتى سال منها الدم.
مشفى.
بمجرد سماعه تلك الكلمة، عاد الألم ليشتعل في كاحله المصاب.
التفتت كاسيا نحو المقيم وسألته:
“ما رأيك، أيها المُقيّم؟”
“كلام المسؤولة الإدارية أستريد صحيح.”
أجاب المقيم بسرعة:
“أليس قائد الفيلق الرابع ثروةً ثمينةً للإمبراطورية؟ لو تفاقمت إصابته، سيكون الأمر خطيرًا. يجب أن نرسله إلى المشفى حالًا.”
“سمعت بنفسك، أيها القائد.”
أضافت كاسيا بسخرية لاذعة.
“كيف آل بي الحال إلى هذا؟”
شعر القائد أن الظلام يبتلع بصره.
لطالما كان فرسان الفجر الأزرق مجرد تابعين وديعين أمام الفيلق الرابع.
لكن منذ أن ظهرت تلك الأميرة المجنونة، انقلبت الموازين رأسًا على عقب.
‘لو لم تكن تلك الأميرة هنا…!’
صرّ القائد على أسنانه بغيظ.
ومع ذلك، كان سيف جيسكار الخشبي لا يزال ثابتًا عند رقبته.
لم يتبقَّ أمامه سوى خيار واحد.
“أنا…”
تردد للحظة، ثم قال بصوت خافت متحشرج:
“أعترف بالهزيمة.”
“واااو! ووووواه!!!”
فور صدور إعلان الهزيمة، علت هتافات فرسان الفجر الأزرق، يقبضون على قبضاتهم فرحًا.
“قائدنا انتصر!”
“لا يُصدّق!”
“لم أشك لحظة في فوز قائدنا!”
“وووووه!!”
قفز الفرسان فرحين، بعضهم ضرب الهواء بقبضته، وبعضهم عانق رفاقه بقوة.
كانوا مغمورين بالسعادة.
أما فرسان الفيلق الرابع، فقد غرقوا في الحداد.
“……”
“……”
حاولوا السيطرة على وجوههم، لكن الصدمة والخزي بدت واضحة في ملامحهم.
“تبا…”
لم يجرؤ قائد الفيلق الرابع على رفع رأسه.
عشرات العيون المثقلة بخيبة الأمل كانت مسلطة عليه بلا رحمة.
خيبة أمل لاذعة لدرجة أنه شعر بوخزها في جلده.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات لهذا الفصل " 29"