“مرض؟”
“نعم، إنه مرض يجعلني إن لم أرَ وجهًا وسيماً مرة واحدة على الأقل في اليوم، فسأصاب بطفح جلدي وبالدوار…”
يا للهراء هذا!
القائد الرابع، والمُقيِّم، وحتى جيسكار، نظروا إليّ بدهشة ووجوههم متجمدة.
لكنني تابعت حديثي بصوت متحسر:
“أشعر أنني لو انتقلت إلى الفيلق الرابع، فسوف تسوء حالتي. أنتم تفهمون قصدي، صحيح؟”
احمرّ وجه قائد الفيلق الرابع من الإحراج.
نعم، بالطبع أقصدك أنت.
*و ولدي البطل الثاني ما ملأ عينك؟*
لكنني لم أتوقف عند هذا الحد.
“بالمناسبة يا قائد الفيلق الرابع…”
رفعت بصري إليه بعينين بريئتين.
“هناك أمر يحيرني… لماذا أنت هنا بالأساس؟”
“ماذا؟”
“صحيح أن قائد فيلقنا لا يشارك في التدريب المشترك، لكن هذا الاستثناء لا ينطبق عليك، أليس كذلك؟”
ارتبك القائد وأطبق فمه بصعوبة.
واصلتُ ببراءة مصطنعة:
“أنت مَن يفترض أن يقود الفيلق الرابع، أليس من المفترض أن تشارك في التدريب المشترك؟”
“……”
تحت ضربتي المزدوجة، ارتجفت عيناه كما لو كان زلزالًا يضرب داخله.
والحقيقة واضحة:
السبب الذي يجعله لا يشارك في التدريب بسيط.
التدريب متعب، مليء بالعرق والغبار.
‘وفوق ذلك… هناك نائب القائد، أليس كذلك؟’
ذلك النائب الذي تم تهميشه ولا يستطيع الاعتراض على أوامر قائده.
من السهل جدًا على القائد أن يُلقي كل المهام المملة والمتعبة على عاتقه.
“ه-هذا لأن…”
احمرّ وجه قائد الفيلق الرابع وازرقّ في آن واحد، محرجًا أمام سؤالي.
راقبته برضا، وأضفتُ بسخرية خفيفة:
“لابد أنك تملك كفاءة استثنائية مثل قائدنا، ما دمت تتغيب عن التدريب المشترك، صحيح؟”
“……”
صرّ قائد الفيلق الرابع على أسنانه بغيظ.
‘أوه، هل شعرت بالضربة؟’
بالطبع.
السبب الذي يجعل جيسكار لا يحضر التدريب مختلف تمامًا:
فهو يتمتع بقدرات فردية مذهلة، ومن الأفضل له أداء المهام منفردًا من أن يضيع وقته في قيادة الجميع.
إنها وسيلة لجعل التدريبات أقرب ما يكون إلى معارك حقيقية.
أما قائد الفيلق الرابع…
“أهم… عذرًا، أحتاج للحظة.”
يبدو أنه أدرك أنه لن يربح شيئًا من استمرار الحديث، فسعل مفتعلًا وغيّر الموضوع بابتسامة متكلفة.
“الآن وأنا أفكر… لقد تركت شيئًا في العربة.”
“شيئًا؟ وما هو؟”
“هـ… شيء ما فقط. سأذهب لأحضره. وفي هذه الأثناء، يمكن للموظفة الإدارية الاستمرار في متابعة التدريب.”
وبهذا العذر السخيف، انسحب مسرعًا وهو يبدو مثيرًا للشفقة.
‘أرأيت؟ من طلب منك أن تتفوه بمثل هذا الكلام الفارغ؟’
راقبت ظهره وهو يبتعد ثم هززت كتفي بخفة والتفت إلى جيسكار.
“يا قائد.”
عندما ناديته، بدا وكأنه يستفيق فجأة من شروده.
سألته بعينين متلألئتين من الترقب:
“إذن، كيف سيُجرى التدريب المشترك؟”
بعد كل الإهانات التي وُجهت لفيلقنا، كنت أحتاج إلى نتيجة مشرفة تشفي الغليل.
لا يمكن أن نخسر أمام الفيلق الرابع مجددًا، أليس كذلك؟
لقد وعدتهم بدعم كامل بإكسير التطهير.
كنت حقًا أرغب في أن أرى فرساننا يسحقون أولئك المتغطرسين حتى يزحفوا على الأرض.
لكن جيسكار أجاب دون أن يطرف له جفن:
“سنبدأ أولًا باختبار اللياقة البدنية الأساسية.”
“هاه؟”
لم أستطع إخفاء دهشتي.
اختبار لياقة بدنية؟
ألم يكن من المفترض أن يبدأ رجالنا مباشرة في سحق فرسان الفيلق الرابع؟
أم أنني أطلب النتائج بسرعة شديدة؟
*** “تبا لها!”
زمجر قائد فرسان الفيلق الرابع وهو يخطو مبتعدًا بعصبية، يكاد يضرب الأرض بقدميه من شدة الغيظ.
‘من غير تلك الفتاة المدللة المتعجرفة يجرؤ على التحدث بمثل هذا التعالي والجرأة؟!’
كانت العيون الحمراء التي تلاحق خطواته خالية تمامًا من أي توقّع.
لقد كان جليًا أنّها لا ترى فيه أدنى قدر من الكفاءة، ولا تمنحه ذرة من ثقة، بل تعتبره أقل بكثير من جيسكار.
وفوق ذلك كلّه…
“إن كنتَ تتخلف عن التدريب المشترك، فلا بدّ أنك تملك كفاءة تضاهي قائدنا، أليس كذلك؟”
ذلك الصوت الحادّ الذي وبّخه صراحة على كسله، وأحرجه أمام الجميع.
‘اللعينة!’
صرّ القائد على أسنانه بشدّة، عاجزًا عن كبح الغضب الذي يتأجج داخله.
والأدهى من ذلك، أنّه لم يستطع حتى دحض كلمات الأميرة.
فالأمر واضح: الفارق في الكفاءة بين جيسكار وبينه كالفرق بين السماء والأرض.
‘هاه… تتباهى عليّ فقط لأنها أميرة…’
ارتفع بصره بحدة، وكأنّ نيران الغضب تشتعل في عينيه.
لقد شكّلت هذه الحادثة حجر عثرة خطيرًا في طريق مخططه.
ذلك المخطط الطموح الذي رسمه: أن يكسب ودّ الأميرة الساذجة ليحصل على موطئ قدم داخل العائلة الإمبراطورية.
كان يعلم جيدًا أنّ هذه الأميرة المتهورة قد أثارت العديد من الفضائح بسبب ولعها الأعمى بجيسكار.
ومع ذلك، كان واثقًا أنّها حين تختبر قسوة الظروف في فيلق “فجر اللازورد”، فسوف ستغيّر رأيها سريعًا.
وفوق كل ذلك، لمَ لا؟
‘ألستُ خيارًا أفضل ؟’
كان يؤمن بأن مكانته الاجتماعية ومظهره اللائق يجعلان منه عريسًا أفضل بكثير من ذلك الرجل ذي الوجه الجميل فحسب!
لكن الأميرة مع ذلك، ظلّت مفتونة بجيسكار.
ولو لم تكن واقعة في هواه، لما أصرت بهذا العناد على الانحياز له دومًا.
‘حقًا، عليها أن تكفّ عن هذه الألعاب العاطفية السخيفة.’
قطّب القائد حاجبيه لبرهة، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة مريرة.
‘لكن إلى متى سيدوم هذا الافتتان أصلًا؟’
ففرسان “فجر اللازورد” يعانون على الدوام من نقص مزمن في الموارد.
وبالأخص في ما يتعلق باستخدام الهالة، حيث أن جرعات التنقية أمر لا غنى عنه.
صحيح أنّ الأميرة جلبت معهم بعض جرعات التنقية هذه المرة، لكن…
‘على الأرجح هي مجرد كمية ضئيلة، لا أكثر.’
فالناس يبالغون في الشائعات.
ورغم أنّ الخبر انتشر بأن الأميرة أحضرت كمية وافرة من الجرعات، إلا أنّ مثل هذه الأخبار في الغالب تكون مبالغًا فيها عمدًا.
وفي النهاية، تلك “المكرمة” ستُحسب في سجلات الإمبراطورية، لا فضلًا شخصيًا لها.
‘وعندما لا تكفي جرعات التنقية خلال هذا التدريب… سيتلقى فرسان “فجر اللازورد” هزيمة ساحقة كالمعتاد.’
وحين ترى الأميرة ذلك بعينيها، ستنكسر أوهامها، وتعود إلى رشدها.
اتسعت ابتسامته الساخرة أكثر، وبدا وكأن شيئًا من الطمأنينة تسلل أخيرًا إلى قلبه.
***
في تلك الأثناء، وفي مكان آخر.
‘آه… سواء في “الدولة ك” من حياتي السابقة، أو في إمبراطورية روايات الخيال هذه… دائما ما بيدأ التدريب العسكري بالركض.’
تأملتُ هذا بخدر في عقلي، وأنا أراقب المشهد أمامي.
كان الفرسان يركضون حول المضمار الهائل الممتد في ساحة التدريب.
ورغم قلقي السابق، إلا أنّ كلا الفيلقين بديا متماسكين، يؤدّيان اختبار اللياقة البدنية الأساسي ببراعة تليق بلقب “فرسان”.
“الأقوى!”
“الرابع!”
كان شعار فرسان الفيلق الرابع هو: الأقوى.
‘أليس في هذا بعض المبالغة؟’
تمتمت ساخرًة، ثم أدرت بصري نحو فرسان “فجر اللازورد”.
كانت وجوههم التي اعتدت أن أراها خالية من الحماسة، متعبة ومرهقة… والآن تراها متجهمة بجدية، تركض بإصرار صلب حول المضمار الواسع.
وهتافهم الذي ملأ الأرجاء كان:
“البقاء!”
“الفجر!”
… البقاء.
في تلك اللحظة، غاص بصري بعمق، وارتجف شيء في داخلي.
أعلم أنّ فرسان الإمبراطورية يستخدمون هتافات متعددة:
النصر، الأقوى، الاندفاع…
هتافات تُبث الحماسة في القلوب وتتوعد الأعداء بالهلاك.
لكن فرسان “فجر اللازورد”، الذين خاضوا العدد الأكبر من المعارك في كل الإمبراطورية… اختاروا أن يكون شعارهم: البقاء.
كم من المرات، يا تُرى، واجه هؤلاء الفرسان لحظاتٍ بين الحياة والموت، حتى أصبح شعارهم الأسمى ليس النصر، بل النجاة نفسها؟
وفي غمرة هذه الأفكار العميقة، قاطعني صوت هادئ يناديني:
“أستريد، أيتها الضابطة الإدارية.”
انتفضت قليلًا، واستدرت نحو مصدر الصوت.
كان جيسكار يحدق بي بنظرة قلقة، ملامحه صارمة ولكن مشوبة بالاهتمام.
“هل أنت بخير؟”
“هَه؟ ماذا؟”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات لهذا الفصل " 24"