حدقتُ في طبق التوست الموضوع أمامي بعينين حائرتين.
لم أستطع أن أستوعب الموقف تمامًا في تلك اللحظة.
إذن،
هو، جيسكار، الذي كان دائمًا عدائيًّا نحوي، لدرجة أنه أضاف بندًا إضافيًا في استمارة التجنيد ليمنعني من الاقتراب…
كان الآن يقدّم لي توستًا على الفطور؟
“هل… أنت قلق بشأني؟”
خرج السؤال من فمي قبل أن يمر بعقلي.
حينها بدا أن جيسكار ضمّ شفتيه للحظة.
“القائد مُلزَم بأن يكون منتبهًا لصحة مرؤوسيه وأن يهتم بهم.”
أجاب بوجه صارم.
“آه، نعم. فهمت…”
أعني، ليس من الضروري أن تتحدث عن الأمر بصفة واجب.
أنا لستُ متوهّمة إلى درجة أظن فيها أن بطل الرواية مهتم بي عاطفيًّا.
هززت كتفيّ وتناولت قضمة من التوست.
لكنني عبست تلقائيًا.
‘آخ، حلو جدًا.’
لا عجب، فقد كان التوست مدهونًا بطبقة سميكة من مربى الفراولة.
لم أستطع أن أمنع نفسي من إلقاء نظرة جانبية خفية على جيسكار.
‘بطلنا … يحب الحلويات على غير المتوقع، أليس كذلك؟’
الشاب البارد القلب الذي لا يذرف دمعة حتى لو طُعن بإبرة، يفضّل الطعام الحلو في الحقيقة.
شعرت برغبة في الضحك، فعضضتُ داخل خدي.
في الوقت نفسه، سألني جيسكار بصوت حاد:
“ما قصة ذلك التعبير على وجهك؟”
“وما به وجهي؟”
أجبته بوجه جامد.
حدّق بي جيسكار بملامح خاوية لبعض الوقت، ثم قال:
“… لا بأس. فقط كلي التوست.”
وأدار وجهه بعيدًا ببرود.
لكن المشكلة الوحيدة كانت أن شحمتي أذنيه قد احمرّتا الآن.
‘مستحيل.’
اتسعت عيناي.
هل يشعر بالحرج؟
‘جيسكار، أنت… لطيف على نحو غير متوقع.’
ربما السبب الذي جعل كاسيا الأصلية تقع في حب جيسكار هو هذا الجانب الخفي منه؟
ذوقه في الطعام الذي لا يتناسب إطلاقًا مع شخصيته الصارمة.
أو حقيقة أنه خجول على نحو مفاجئ…
قهقهتُ في داخلي، وبدأت ألتهم التوست ببطء.
حلو، ومقرمش، ولذيذ.
أحسستُ بدفء يسري في داخلي.
بعد تناول الفطور مع الفرسان، ركبت أنا والفرسان وجيسكار معًا في عربة متجهين إلى ساحة التدريب المشتركة.
كانت ساحة التدريب المشتركة تقع على أرض مستوية في منحدر جبلي بعيد قليل عن المقر.
كانت هناك مرافق تدريب عند الجرف الصخري وبحيرة صغيرة بجوارها، وإلى جانبها مساحة واسعة يمكن استخدامها كأرض تدريب.
وعندما اجتمع كل الفرسان، كان المنظر مبهرًا بحق.
“لنقدّم أفضل ما لدينا!”
أغلقت قبضتي وهتفت مشجعةً الفرسان.
كان الفرسان يشعرون ببعض الحرج، لكنهم لم يُظهروا العداء الصريح تجاهي كما في السابق.
بل حتى انحنوا لي باحترام.
‘واو، فرساننا قد نضجوا!’
لم أستطع أن أخفي فخري وابتسمت ابتسامة مشرقة.
كما شجّع جيسكار الفرسان بدوره:
“كونوا حذرين، لا تُصابوا بجروح.”
“نعم، أيها القائد!”
“سنقوم بأفضل ما لدينا!”
أجاب الفرسان بوجوه مفعمة بالحيوية.
لقد كان الأمر مختلفًا تمامًا عن الطريقة التي كانوا يتذللون بها حين يكونون معي.
‘تشش.’
تمتمتُ لنفسي بانزعاج.
أليسوا يعاملونني أنا وجيسكار بطريقة مختلفة تمامًا؟!
على أي حال، يُقال إن جيسكار غالبًا ما يتغيب عن التدريبات المشتركة.
ذلك لأنه بقوته الهائلة يعادل تقريبًا كتيبة كاملة بمفرده، ولهذا فهو يتحرك منفردًا في الغالب بدلاً من الاندماج مع الوحدة.
“إذن، سننطلق الآن.”
بعد أن ودّعونا وداعًا أخيرًا، توجه الفرسان إلى ميادين تدريبهم الخاصة.
***
أما أنا فقد أخذتُ أتأمل ساحة التدريب بعينين متألقتين.
“واو، إنها ضخمة.”
“ساحة التدريب المشتركة هي واحدة من أكبر ثلاث ساحات تدريب في الشمال.”
أوضح جيسكار، الذي كان يقف بجانبي، بخفة.
“كما أن المرافق التدريبية هي الأكثر تنوعًا، ويمكنها استيعاب أكثر من مئتي فارس.”
“آها.”
أومأت برأسي.
لكن فجأة.
“تحياتي، سموّك.”
تقدم نحوي رجل في منتصف العمر وقال ذلك.
‘ما قصة هذا الشارب؟’
كان يرتدي زي القيادة الشمالية بشكل أنيق، وعلى ذراعه شارة حمراء.
يبدو أن هذا الرجل هو المُقيّم الذي أُرسل لتقييم تدريب اليوم المشترك.
فكرتُ لبرهة وضيقتُ عينيّ.
‘آها، إذن هو ذلك المقيّم؟’
لقد وجدته. العدو اللدود لفرساننا.
السبب في أن فرساننا ظلّوا يُهزمون شرّ هزيمة على يد فيلق الفرسان الرابع في التدريبات المشتركة حتى الآن…
بالطبع، فإنّ بطش الفيلق الرابع، المدعوم من القائد الأعلى لشمال الإمبراطورية، هو السبب الأكبر.
لكن أيضًا، كان المُقيِّم ـ الذي كان من المفترض أن يوقف هذه التجاوزات ـ يتغاضى عن التمييز الفاضح وكأنه لا يرى شيئًا.
قال الرجل معرفًا بنفسه:
“اسمي مايزر. لقد جئت لأتولّى مهام التقييم هذه المرة.”
وبدأ السيّد مايزر، المُقيِّم، يحاول جاهدًا أن يترك لديّ انطباعًا حسنًا.
“إذا كانت لديك أي أسئلة بخصوص التدريب، فلا تترددي في طرحها.”
أو يحاول محادثتي بلا سبب وجيه:
“هل هناك ما أستطيع فعله لأجلكم؟”
أو يظل واقفًا بالقرب من مقعدي يضحك بلا داعٍ.
‘هُمم.’
رمقته بنظرة فاحصة من أعلى لأسفل، ثم فتحت فمي فجأة.
“المُقيِّم… الدور الذي تتولاه بالغ الأهمية.”
عند كلماتي، أشرق وجه السيّد مايزر فرحًا.
لكن ابتسامته لم تدم طويلًا.
“غير أنّ الأمر… مخيّب قليلًا للآمال.”
“ن-نعم؟”
تصلّبت كتفا السيّد مايزر.
وبينما أحدّق فيه بتركيز، أغمضت جفني بعدها برهة.
حسنًا، إن كان يريد أن أُكوِّن عنه انطباعًا، فليكن.
لكن… الانطباعات ليست دومًا إيجابية، أليس كذلك؟
“أنت تعلم أن الجيش يقوم على التسلسل الهرمي والانضباط الواضح.”
هززت كتفي بخفّة.
“ومع ذلك، ها أنت عاجز عن إدراك هذا، فتقوم بتحية أحد التابعين قبل أن تُقرّ أولًا بوجود قائده؟”
“م-ماذا؟”
ارتبك السيّد مايزر. عندها عقدت ذراعيّ على صدري ورفعت ذقني بغطرسة، متقمّصة دور الأميرة المتعجرفة المدللة.
“هل تُراك… تعاني من ضعف في البصر؟ هل أُعرّفك على طبيب؟”
نعم، هذا الرجل كان يتجاهل جيسكار الواقف إلى جواري طوال الوقت. بدلًا من التركيز على واجبه كمُقيِّم، كان يتملّقني بشكل مثير للاشمئزاز.
‘مقزّز.’
قلت له بنبرة ناعمة، لكن كلماتي كانت كالسياط على وجهه الذي شحب فجأة:
“أليس هذا ميدان التدريب المشترك لجيش الإمبراطورية الشمالي؟”
“صاحبة… صاحبة السمو؟”
“على الأقل هنا، لا ينبغي لك أن تضع الرتب والمناصب الخارجية في الاعتبار. فإلى متى ستظل تُناديني بـ صاحبة السمو؟”
شهق الرجل مذهولًا. فتنهّدت بعمق ووبّخته من جديد:
“بمثل هذا الحكم المتدنّي، كيف يُمكنك أن تُقيِّم الفرسان؟ إنني قلقة جدًا.”
“ل-لا، أعني…”
رمقته حينها بنظرة حادة باردة جعلته يتجمّد في مكانه.
“إذن… هل ستؤدّي التحية كما ينبغي؟”
“ن-نعم؟”
“أعني إلى قائد فرساننا.”
فقط حينها أدرك المُقيِّم خطأه، فالتفت بسرعة إلى جيسكار وقال:
“ص-صباح الخير، قائد فرسان الفجر اللازوردي!”
“هل كانت أحلامك سعيدة، يا سيّد مايزر؟”
أجابه جيسكار بوجه بارد خالٍ من أي تعبير.
وفي تلك اللحظة، تجعّدت ملامحي بغضب.
‘تمهّلوا…’
ذلك المُقيِّم الوقح كان قد تجاهل جيسكار بوضوح.
لكن لماذا لم يغضب جيسكار؟
لقد تصرّف وكأنّ مثل هذا الاستخفاف معتاد عليه، مكتفيًا بموقفه المتجرّد الهادئ.
غير أن رؤيتي له على هذه الحال جعلت الدم يغلي في عروقي.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات