الفصل العشرون
‘كان الأمر واضحًا.’
لا بد أن فرسان الكتيبة الرابعة قد أثاروهم مرارًا وتكرارًا حتى الآن.
‘وفرساننا… لماذا لا يغضبون؟’
أطبقتُ أسناني بشدة.
لابد أنهم كانوا أكثر ضيقًا مني، حتى بلغ بهم الأمر حدّ الجنون.
ومع ذلك، ظل فرسان فجر اللازورد يتحمّلون بصبر تلك الاستفزازات المتكرّرة.
لم يريدوا أن يزيدوا أعباءً فوق كاهل جيسكار الذي كان يعاني أصلًا.
لم يرغبوا في أن يتركوا وراءهم فوضى جديدة للتنظيف، مهما حدث…
“الآنسة أستريد، الضابطة الإداري/.”
في تلك اللحظة، ناداني صوت هادئ.
إنه نائب قائد الكتيبة الرابعة.
“أقدم اعتذاري.”
انحنى نائب القائد بانحناءة مهذبة لي ولي فرسان فجر اللازورد.
“فلنضع غضبنا جانبًا الآن، من فضلكم.”
“سيدي نائب القائد.”
“كل هذا خطأي، لأني لم أدرّب فرساني كما يجب.”
…همم.
ضيّقتُ عينيّ.
لأكون صريحة، كان يغويني أن أقلب الأمور رأسًا على عقب.
لكن،
“على الكتيبة الرابعة أن تكون شاكرة لك، يا سيدي نائب القائد.”
قررتُ أن أتنازل.
وليس لأنني سامحت تلك الكتيبة البائسة،
بل مراعاةً لكرامة نائب القائد.
فباستثناء مكانتي كأميرة إمبراطورية، كنتُ أدنى رتبةً منه من الناحية الرسمية.
ومع ذلك، ها هو شخص بمكانته المرموقة، نائب قائد كتيبة كاملة،
يُذل نفسه ويطلب الصفح.
فلو واصلتُ النيل من الكتيبة الرابعة، ماذا سيبقى من ماء وجهه؟
تراجعتُ جانبًا، وأشرتُ لفرساني بلمحة من ذقني.
“فلنذهب، يا سادة.”
“ن-نعم؟ آه، نعم.”
سار فرسان فجر اللازورد خلفي بوجوه حائرة.
ثم،
“آه، صحيح. أمر أخير.”
توقفتُ، وأدرتُ رأسي بخفة.
فارتجف أعضاء الكتيبة الرابعة، وشدّوا أكتافهم بتوتر.
“من الآن فصاعدًا، أرجو أن تكفوا عن نشر الأحاديث عني من وراء ظهري.”
أنهيتُ كلامي بنبرة لطيفة، لكن مشبعة بعدم الرضا.
“فلن أحتملها مرتين.”
كان المكان المخصص لفرسان فجر اللازورد في الطابق الثالث من المقر الرسمي.
وفي الطريق، ظلّ الفرسان صامتين… أو بالأحرى يرمقونني خلسة وكأنهم لا يعرفون ما يجب فعله.
‘هيه، ماذا سنفعل الآن؟’
‘الأميرة… أقصد الضابطة الإدارية، تبدو غاضبة.’
واصل الفرسان الهمس فيما بينهم.
وأخيرًا، تقدّم السير رودريغو، الذي كان المتسبب في الاشتباك مع الكتيبة الرابعة.
“أم… الأميرة، أعني، الآنسة الضابطة الإدارية.”
تلعثم رودريغو وهو يكلمني.
“بشأن ما حدث قبل قليل… أشعر أن عليّ الاعتذار.”
“هاه؟ عن ماذا تتحدث؟”
أملتُ رأسي ببلاهة متعمدة.
“ليس لديّ أدنى فكرة عما يتحدث عنه السير رودريغو.”
“ماذا؟”
“اعتذار؟ هل ارتكبتَ خطأً بحقي؟”
“……”
عضّ رودريغو شفته السفلى.
وبابتسامة ماكرة، التفتُّ نحو الفرسان.
“لقد بذلتم جهدًا كبيرًا في تحمل هذا التدريب المجحف حتى الآن.”
“…الآنسة أستريد، الضابطة الإدارية.”
“أليس كذلك؟ أنتم فرسان الهالة، ومع ذلك لم تتمكنوا من استخدام هالاتكم في التدريب لغياب جرعات التنقية.”
وكان ذلك صحيحًا.
فقد اضطروا لمراعاة الكتيبة الرابعة المدعومة من القائد العام الشمالي.
وفوق ذلك، لم يكن لديهم ما يكفي من جرعات التنقية حتى لإظهار قدراتهم الحقيقية.
فالجرعات التي وصلتهم كانت بالكاد تكفي للمعارك، لا للتدريب.
‘أي منطق هذا؟ أن يُمنع فرسان، سلاحهم الأساسي هو الهالة، من استخدامها؟’
تمتمتُ في داخلي، ثم أعلنتُ بثقة:
“أنتم تعلمون أننا الآن لدينا وفرة من جرعات التنقية، صحيح؟”
رفع الفرسان رؤوسهم جميعًا في آن واحد.
وأعلنتُ ببهجة:
“في هذا التدريب، لا تقلقوا على أي شيء. افعلوا ما يحلو لكم، وأنا سأتولى أمر العواقب.”
عند سماع كلماتي، أشرقت وجوه الفرسان كما لو أن نورًا أُشعل فيها.
ابتسمتُ بمكر.
فما دمتُ أملك تلك السمعة السيئة كـ الأميرة المشاكسة، فلماذا لا أستغلها في مواقف كهذه؟
ألا توافقونني؟
***
انتهى أخيرًا الاجتماع مع المقيم وقائد الكتيبة الرابعة.
“آه…”
تنهد جيسكار في داخله.
فالإرهاق النفسي كان لا يُحتمل.
المقيّم، الذي كان يتلهّف لإرضاء القائد العام الشمالي.
وقائد الكتيبة الرابعة، المدعوم من خاله، الذي كان يترصد أي فرصة لسحق فرسان فجر اللازورد.
التعامل مع أحدهما وحده كان مرهقًا، فكيف بهما معًا في يوم واحد؟
‘أريد أن أعود سريعًا وأرتاح.’
أسرع جيسكار في خطواته،
لكن صوّتا ناداه:
“قائد فرسان فجر اللازورد.”
التفت جيسكار نحو أحد الضباط من ميدان التدريب المشترك، بعينين متسائلتين.
“ما الأمر؟”
“هناك… تقرير أود تقديمه.”
“لي أنا؟”
أمال جيسكار رأسه باستغراب.
تابع الضابط بحذر:
“لقد وقع خلاف بين الكتيبة الرابعة وفرسان فجر اللازورد…”
فتجمّد وجه جيسكار عند سماع ذلك.
فالكتيبة الرابعة كانت تتمتع برعاية القائد العام.
ولو ازدادت الأمور فوضى، فلن يهم من كان على صواب أو خطأ، إذ ستنحاز القيادة العليا حتمًا للكتيبة الرابعة.
وبالتالي، ستزداد معاناة فرسان فجر اللازورد…
“لكن، تدخلت الأميرة وقامت بفض النزاع.”
ماذا؟
لم يصدق جيسكار ما سمعه.
غير أن تقرير الضابط المذهل لم يتوقف عند ذلك.
“بل إن نائب قائد الكتيبة الرابعة وبّخ فرسانه واعتذر للأميرة مباشرة.”
أي أن الرجل الثاني في الكتيبة الرابعة اعتذر لضابط إداري تابع لفجر اللازورد.
وهذا يعني عمليًا أن فرسان فجر اللازورد خرجوا منتصرين في صراع مع الكتيبة الرابعة.
وهو أمر لم يحدث قط من قبل.
وفي أعين الناس، سيُعتبر ذلك معجزة.
“…هل هذا صحيح؟”
سأل جيسكار مجددًا.
فأومأ الضابط برأسه.
“نعم، هذا صحيح.”
لم يكن هناك سبب ليكذب.
عضّ جيسكار شفته برفق.
“مرة أخرى… لقد أصبحتُ مَدينًا لضابطة الإدارة أستريد.”
على الرغم من محاولات جيسكار في كبح الفرقة الرابعة، لم يتمكّن من منعهم تمامًا من استفزاز فرسانه في غيابه.
وكان ذلك دائمًا ما يترك في قلبه شعورًا بعدم الارتياح.
“من كان يتوقع أنها ستكون مفيدة بهذا القدر؟”
بصراحة، منذ أن أصبحت كاسيا ضابطة الإدارة، تغيّرت ظروف معيشة الفرسان بشكل كبير للأفضل.
وفوق ذلك، كانت تلتزم بصرامة ببنود الحظر التي أضافها هو بنفسه إلى طلب الالتحاق.
ذلك اليوم، شعر جيسكارد أن كاسيا أصبحت حقًا واحدة من رجاله.
ابتسم بخفة دون أن يشعر.
“يجب أن أشكرها.”
***
في تلك الليلة
ذهبت لرؤية جيسكار.
طق، طق.
طرقت الباب وانتظرت قليلًا، قبل أن يصلني صوت من الداخل.
كليك.
“من هناك…؟”
ظهر جيسكارد من خلال شق الباب.
شعره الأسود كان لا يزال رطبًا، وكأنه خرج لتوّه من الحمام.
ارتجفت كتفا جيسكارد حين التقت عيناه بعيني.
“… ضابطة الإدارة، أستريد؟”
في لحظة، بهت وجهه الوسيم بالكامل.
ثم… أغلق الباب في وجهي!
بام!!
“ماذا بحق…؟”
حدّقت في الباب المغلق بذهول.
ثم طرقت مرة أخرى.
طق، طق.
“……”
ظل الطرف الآخر صامتًا.
رمقت الباب بنظرة غاضبة.
“ما هذا البطل الحقير؟”
لم يكتفِ فقط باغلاق الباب في وجهي، بل إنه الآن يتجاهلني وأنا أطرق؟!
ازداد غضبي وبدأت أطرق بقوة أكبر.
طق، طق، طق.
“……”
طق، طق، طق.
“……”
طق، طق، طق، طق!
“لترَ من سينتصر.”
واصلت الطرق بعناد، كطائر نقّار خشب يضرب الباب بلا هوادة.
حتى…
دَوووم!!
انفتح الباب أخيرًا.
لكن،
“سيدي قائد الفرسان، هل تنوي الخروج في مثل هذه الساعة المتأخرة؟”
سألت بذهول وأنا أحدّق فيه.
ولسبب وجيه، فقد كان جيسكار الآن أنيقًا بكامل ملابسه.
وخاصة قميصه الذي أُغلق حتى آخر زر عند عنقه، وهو ما لفت انتباهي.
“لا، لا يمكنك.”
صرّح جيسكار بجدّية، ووجهه مملوء بالعزم.
“هاه؟”
ما الذي تعنيه بقولك “لا يمكنك”؟
حدّقت به فارغة النظرات.
التقت عيناه بعيني على الفور، ثم شدّ قامته وصاح:
“لا يمكنك مطلقًا، وبأي شكل من الأشكال، لا يمكنك التسلّل إلى سريري!!”
…آه، لم يكن هذا ما جئت من أجله أصلًا!!!
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات