الفصل الثاني
كان السبب أن هالة خانقة كانت تشدّ على عنقي بقوة.
ومع ذلك، لم أستطع إلا أن أتفهم ردّة فعله الحادة.
فليس غريبًا، إذ إن الجسد الذي استحوذت عليه كان…
في القصة الأصلية، كانت واحدة من أسوأ الشخصيات وأكثرهن شغبًا وإزعاجًا.
كاسيا سوريتس دل أسترِد.
هوايتها المفضلة كانت التعلّق بالبطل الذكر وإزعاجه كلما سنحت لها الفرصة.
أما موهبتها الخاصة فهي تحطيم كل ما لا يعجبها.
كاسيا ذات الدماغ المفرط في السذاجة كانت وراء عبارات مشهورة كثيرة، مثل:
“أليس الفرسان الذين يحتاجون إلى إكسير التطهير ليقاتلوا… مجرد كسالى عاجزين؟”
وبسبب هذه الكلمة وحدها، تهاوت سمعة فرسان المملكة.
أما العائلة الإمبراطورية، التي كانت في الخفاء تكره تكاليف صنع إكسير التطهير، فقد استقبلت كلمات كاسيا بذراعين مفتوحتين.
ونتيجة لذلك، بدأ جيسكارد يعامل كاسيا كأنها حشرة تافهة…
لكنني أنا تلك الكاسيا، يا للكارثة!
في داخلي كنت أبكي دمًا.
أما وجه غيسكار، فقد كان يزداد قسوة لحظة بعد لحظة.
حسنًا، أفهم أنك لا تعرف أنني لستُ هي. لكنني لستُ هي بالفعل!
آه، فقط لو تستمع لي لمرة واحدة.
بلعت ريقي الجاف ورفعت ذقني قليلًا.
“هل تحتاجون إلى إكسير التطهير؟”
ثم ابتسمت بابتسامة عابرة، خفيفة كأنها لا تعني شيئًا.
“يسعدني أن أساعدكم في ذلك.”
“……”
وكما توقعت، جيسكار الذي كان ليتجاهلني كما يتجاهل الحشرات… توقّف لأول مرة في مكانه.
ثم قال:
“ماذا… قلتِ الآن؟”
ابتسمت أعمق، متشبثة بصوته المليء بالريبة.
“ما قلته تمامًا. دعمٌ لفِرقة الفجر اللازوردي.”
ثبتّ بصري في عيني غيسكار وقلت بكل ثقة:
“سأفعل ذلك.”
حدّق بي جيسكار مطولًا وكأنه يحاول سبر أغواري.
يا له من متعجرف… إنه لا يخفي شكّه ولو قليلًا.
تماسكتُ وواجهت نظرته الحادة بثبات.
وبعد لحظة طويلة، تنفّس ساخرًا، وضحك بضحكة قصيرة وقال بصوت جاف:
“لقد عشت طويلًا ورأيت الكثير… لكنني لم أسمع يومًا شيئًا مضحكًا كهذا.”
“……”
أيها الوغد.
ومع ذلك، ألا تعلم أنني أميرة؟!
هل تجرؤ على السخرية مني علنًا هكذا؟!
جمّدت ابتسامتي الواثقة على وجهي، غير عابئة.
لكن جيسكار أعاد تسديد نظرة لاذعة نحوي.
“أتعنين أن الأميرة هي من ستدعم فرسان الفجر اللازوردي؟ لا أحد سواها؟”
حسنًا، أنا أتفهّم تمامًا سبب عدم ثقته بي مئة مرة.
فالنسخة الأصلية من كاسيا كانت كارثة حقيقية.
هواياتها: مطاردة البطل الذكر بجنون، الانفجار بغضب كلما لم تحصل على ما تريد، والتنعّم بالترف بلا أي وعي.
وليس ذلك فحسب.
بل لعلها السبب المباشر في أن أوضاع فرسان الفجر اللازوردي ساءت إلى هذا الحد!
إليك ملخصًا سريعًا لما فعلته كاسيا في القصة الأصلية:
بعد عام تقريبًا، ولشدة هوسها بالبطل، سافرت إلى الشمال في عطلة فقط لترى وجهه.
ثم، باستخدام صفتها كأميرة، أصرت على دخول منطقة أحد البوابات المغلقة.
وفي تلك اللحظة تحديدًا، خرج وحش وقتلها في الحال.
وبفضلها، اضطر جيسكار لتحمّل كامل اللوم.
لكن تلك كانت كاسيا الأصلية.
أما أنا… فلا نية لي لأكون مثلها.
لذلك ابتسمت ابتسامة عريضة وقلت بثقة:
“نعم، أنا.”
عبس غيسكار، لكن لم يهمني الأمر.
رفعت كتفي بلا مبالاة وقلت:
“ما رأيك أن نتحرك إلى مكان آخر أولًا؟ أعتقد أننا بحاجة إلى نقاش أعمق.”
“أووه، نقاش أعمق؟”
“إن كنت لا تحتاج حقًا إلى مساعدتي… فلن أُلحّ، طبعًا.”
أطرقت برأسي قليلًا، ثم أضفت:
“لكنني أظن أن أحدًا ما يحتاج مساعدتي… وبشدة.”
“……”
عضّ جيسكار شفته حتى أدماها.
تبا، ليتني صغت عباراتي بشكل أفضل.
مهما كنتُ أفهم وضع جيسكار وأردت مساعدته، إلا أنني لا أطيق هذا النوع من الوقاحة.
استدرت دون أن أنتظر ردًا.
وبعد لحظة قصيرة، سمعت خلفي تنهيدة طويلة ممزوجة بلعنة:
“تبا… اللعنة.”
ثم تردّد صوت خطوات مترددة يلحق بي.
إنه يتبعني.
جيسكار، على الأرجح، يظن أن كلامي محض هراء.
ومع ذلك، لم يستطع أن يرفض عرضي بشكل قاطع.
وهذا وحده دليل على أن جيسكار وفرسان الفجر اللازوردي قد بلغوا حدّ اليأس، وأنهم في أمسّ الحاجة إلى دعم.
“……”
لم أستطع منع نفسي من الشعور ببعض الرضا.
***
انتقلتُ أنا وجيسكار إلى الشرفة الخالية.
كانت أزهار الربيع قد ذبلت منذ زمن بعيد.
أما الحديقة، وقد دخلت لتوها بدايات الصيف، فقد امتلأت بحيوية متألقة.
لكن، سيأتي يوم…
تشبثتُ بالسياج بقوة لأخفي اضطرابي.
كل هذا سيسحقه سيل الوحوش عاجلًا أم آجلًا.
أشجار الحديقة المشذبة بعناية، والعشب النضر اللامع، وضوء القمر الهادئ.
و… حتى الناس الذين يضحكون ويتسامرون ويحيون يومهم في سلام.
سوف يختفون بلا أثر منذ البداية.
لأن…
بطل هذا العالم، في النهاية، سيفشل…
“والآن، تفضلي بالحديث.”
قطع صوتٌ صافٍ فجأة شرودي.
“بماذا تفكرين بحق السماء؟”
آه، حقًا…
زفرتُ بارتياح، ونظرتُ إلى جيسكار دون أي ضغينة.
أحاول أن أكون جادة للحظة واحدة فقط…
لكن جيسكار ظل يحدجني بوجهٍ عابس كالمعتاد.
“اشرحي لي بسرعة موضوع الدعم الذي تحدثتِ عنه.”
حسنًا، حسنًا.
و ما الذي يعرفه هذا البطل المسكين أصلًا؟
هززتُ رأسي داخليًا، ثم فتحت فمي:
“أولًا، أريد أن أعتذر منك. أنا آسفة.”
إن أردنا بناء علاقة جديدة، علينا أن نُصفّي الحسابات القديمة أولًا.
صحيح أن من كانت مهووسة بجيسكار لم أكن أنا، بل “كاسيا” الأصلية،
لكن… في داخلي، الغضب يعصف بي لدرجة أنني أرغب في الانفجار!
نعم… عليّ الآن أن أعيش بصفتي كاسيا…
كنتُ أنوي الاعتذار عن أخطاء كاسيا الحقيقية، ثم أمضي قدمًا.
“لقد كنت ألاحقك طوال الوقت… لا بد أن الأمر كان مزعجًا للغاية بالنسبة لك، أليس كذلك؟”
“….”
في تلك اللحظة، ضاقت عينا جيسكار بريبة.
يبدو وكأنه يفكر: هل فقدت هذه الأميرة عقلها؟
ارتسمت على شفتي ابتسامة جريئة.
“أنا أعنيها حقًا… .”
ولأن لساني تعثر قليلًا، اتسعت عينا جيسكار قليلًا بدهشة.
ثم أجاب بلا مبالاة:
“يبدو أن جلالتك تحاولين تطبيق نوج جديد من المقالب معي…”
ضحك ضحكة قصيرة، وأضاف:
“لقد فوجئت قليلًا، لكنه أمر منعش.”
…هاه؟
تطلعتُ إليه وأنا أرتجف.
أيها الوقح! هل نسيت أنني أميرة؟
لقد قالها بلطف، لكنه كان يقصد بوضوح: لا يمكنني أن أثق بك أبدًا!
وبالطبع… كانت كاسيا الأصلية تملك سجلًا حافلًا بمطاردته، وهي تهتف بجنون:
“سير رومانوف يكرهني! يا له من شعور رائع! يا له من إثارة!”
…أجل، أظن أنه من الطبيعي أن لا يثق بي.
وبينما كنت على وشك الانغماس في جلد الذات، فتح جيسكار فمه بحدة:
“على أي حال… أنا بحاجة إلى المؤن وجرعات التطهير لأوزعها على فرساننا أكثر بكثير من حاجتي إلى اعتذار رخيص من فمك… انتظري لحظة.”
ثم رمقني بنظرة حادة…
مهلًا! لمَ تحدق بي هكذا؟!
ولمَ هذا الوجه المليء بالريبة؟!
تمتم جيسكار بنبرة متشككة:
“أيمكن أن يكون… هذه المرة أيضًا؟”
وفي تلك اللحظة، دوّى في عقلي صوت كاسيا الأصلية المتعجرفة:
“لكن إن لم أفعل هذا، فلن ينظر إليّ السير أبدًا…!”
أ-أ-أأنتِ مجنونة؟!
ولماذا عليّ أن أشعر بالخزي نيابةً عن كاسيا تلك، التي صنعت كل هذا الماضي الفاضح؟!
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات