الفصل التاسع عشر
“واو، الأميرة تلك قالت ذلك حقًا؟!”
“هذا أمر مذهل بالفعل!”
هتف فرساننا بحماس.
وبهذا التشجيع، سخر السير رودريغو وقال:
“إذن، أليس من المفترض أن يكون فرسان الفيلق الرابع هم الذين عليهم أن يعرفوا مكانتهم ويبتعدوا بهدوء؟”
ارتجفت شفتا أحد فرسان الفيلق الرابع.
ثم، محاولًا أن يبدو متماسكًا، رفع ذقنه ورد بتحدٍ:
“فـ-فقط لأنها حفظت أسماءكم فهذا لا يخولكم التصرف وكأنكم عظماء!”
“يا إلهي، يبدو أنك لا تفهم شيئًا.”
هز السير رودريغو رأسه ببطء وباستعلاء.
ثم شبك ذراعيه بفخر وأعلن:
“الأميرة ترى كل الناس مجرد حشرات باستثناء قائدنا! أراهن أنها حتى لا تعرف اسم القائد الأعلى للشمال!”
… عذرًا؟! إلى أي مدى تعتقدون أنني أحتقر البشر؟!
أنا أعرف اسم القائد الأعلى للشمال! أعرفه حقًا!
لم أستطع أن أحتمل الإحراج، فارتجفت كتفاي من الخجل.
يا ترى، أي حياة كانت تعيشها كاسيا حتى تهاوت سمعتها إلى هذا الحد؟!
“مجرد أنها تذكرت أسماءنا فهذا يعني أننا أصبحنا أشخاصًا مهمين بالنسبة للأميرة، أليس كذلك؟!”
“نعم، هذا صحيح!”
“ذلك الأحمق يتكلم بحكمة لأول مرة!”
وعلى هذا الهتاف، أجاب فرسان فيلق الفجر اللازوردي بحماس.
“لقد جددت لنا مقراتنا هذه المرة أيضًا!”
“وهل هذا كل شيء؟ حتى الأثاث الجديد أُحضِر لنا!”
ومع ازدياد حماس فرساننا، ازدادت وجوه فرسان الفيلق الرابع تشوهًا بالغضب.
“أااه…”
شعرت أنني لم أعد أحتمل المشهد، فدفنت وجهي الأحمر خجلًا بين يدي.
هذا غريب.
المفترض أن أكون راضية لأن فرساننا لم يتراجعوا.
لكن لماذا أشعر بأن هذا محرج للغاية؟!
في تلك اللحظة،
“ما كل هذه الضوضاء؟”
انطلق صوت جاد.
فاستدار كل من فرسان الفيلق الرابع وفرسان فجر اللازورد، الذين كانوا يزمجرون كالقطط والكلاب، في نفس الوقت.
كان رجل ينظر إليهم ببرود، لكن ملامحه بدت مألوفة.
“آه، أليس هذا…؟” اتسعت عيناي.
“أليس هو نائب قائد الفيلق الرابع الذي رأيته من قبل؟”
*ظني يقول لي أنه هو البطل الثاني بالغلاف*
وبينما تم تبادل النظر بين الجانبين المتنازعين، أطلق تنهيدة عميقة.
“كفى، عودوا جميعًا إلى غرفكم.”
وبمجرد أن أعطى أوامره بصوت منخفض، انسحب فرسان فجر اللازورد فورًا.
فحتى وإن كان من فيلق مختلف، إلا أنه لا يزال ضابطًا أعلى في القيادة الشمالية، وهذا أمر طبيعي.
غير أن…
“…”
“…”
ما هذا؟
لم أستطع إخفاء دهشتي.
ففرسان الفيلق الرابع بقوا واقفين متصلبين وأفواههم مغلقة بإحكام، وكأنهم لم يسمعوا أوامر نائب القائد أصلًا.
“أيها الفرسان، ألا تسمعونني؟”
“…”
“هيه!”
ناداهم نائب القائد عدة مرات، لكنهم لم يتحركوا قيد أنملة.
بل بدا وكأنهم يتجاهلونه عمدًا، كأنه مجرد شبح.
فالتوت ملامحه من شدة الإهانة.
عندها عقدت حاجبي قليلًا.
‘أليس هذا نوعًا من “العزل” داخل الوحدة؟’
العزل…
بكلمات أبسط: شكل من أشكال التنمر الجماعي في الجيش.
حيث يتم تجاهل التسلسل القيادي ومعاملة الضابط الأعلى كأنه مجرد تابع.
عادة يكون عبر تجاهل أوامره، أو التقليل من احترامه، وأحيانًا يصل الأمر إلى التنمر عليه.
وبالطبع، بالنسبة لشخص بمنصب نائب القائد – أي الرجل الثاني في الفيلق – فلن يصل الأمر عادةً إلى حد الإيذاء المباشر…
‘يا للعجب.’
نقرت بلساني في داخلي وخرجت من وراء الجدار.
لم أكن أنوي التدخل، لكن…
‘من الأفضل أن أساعد نائب القائد الآن.’
فمهما كانت الخلافات الداخلية بين فرسان الفيلق الرابع، فلن يرغبوا في أن يظهروا عزلتهم هذه أمام فيلق آخر.
وبما أن كرامة نائب القائد تُداس بهذا الشكل، كان من الأفضل إنهاء الوضع سريعًا.
“ما الذي يجري هنا يا جماعة؟”
سرت بخطوات واثقة بين الفرسان وابتسمت ابتسامة مشرقة.
“أتمرحون وتتبادلون الأحاديث من دوني؟”
“أ-أميرة؟!”
بمجرد أن رأوني، شحب وجه السير رودريغو.
وأنا أتفهم ذلك جيدًا.
فهو، على الرغم من أنه قد وضع حدودًا واضحة بيننا سابقًا، إلا أنه الآن يستغل صداقتنا المزعومة لصالحه في غيابي.
لا بد أن ذلك محرج له للغاية.
“أنا لست الأميرة، بل أستريد، الضابطة الإدارية، يا سير رودريغو.”
بهذا الكلام، أوضحت لهم إلى أي وحدة أنتمي.
ثم وجهت نظري إلى فرسان الفيلق الرابع الواقفين.
“على أي حال، كان سير رودريغو محقًا.”
“هـه؟”
فتح السير رودريغو عينيه بدهشة، مثل أرنب فزع، ثم سارع لإغلاق فمه.
‘هل الأميرة تقف في صفي حقًا؟’… كان واضحًا أنه يفكر بهذا.
‘أوه يا إلهي.’
نقرت بلساني داخليًا وتحدثت بلا مبالاة:
“أولًا، أنتم تتحدثون عني بشكل مبالغ فيه.”
فحاول أحد فرسان الفيلق الرابع التبرير على عجل:
“أ-أميرة، هذا، في الواقع…”
“هل تعانون من الشيخوخة المبكرة بطريقة ما؟ ألهذا تجدون صعوبة في السمع؟”
قاطعته بحدة. نبرة الدفء التي استخدمتها مع السير رودريغو اختفت.
وبدَت نبرتي في التوبيخ باردة حتى في أذني أنا.
ارتبك الفارس من الفيلق الرابع، ودار بعينيه يمنة ويسرة.
“ماذا؟ أنا… أنا…”
“أظن أنني طلبت منكم قبل لحظة أن تنادوني أستريد، الضابطة الإدارية.”
قاطعته مرة أخرى بلهجة حادة.
فارتجف فارس الفيلق الرابع وصحح كلامه بسرعة:
“آه، نعم… أستريد، الضابطة الإدارية!”
لكن لم تكن لدي أي نية لمنحه فرصة لقول المزيد من الأعذار.
حدّقت بهم بنظرة باردة.
“أول ما يجب أن تعرفوه… أنني انضممت طوعًا إلى فرسان الفجر اللازوردي.”
عندها خيّم الصمت على الفرقة الرابعة من الفرسان.
وبدا عليهم جليًا أنهم فقدوا القدرة على الرد.
“إذن، لو أردنا أن نكون دقيقين… فالمسألة ليست أنني أرفع من شأنهم.”
رفعت كتفيّ بخفة.
“بل أن فرساننا أرفع مني شأنًا.”
“……”
“……”
وبينما كنت أدافع عن فرسان الفجر اللازوردي بوقاحة واضحة، التوت وجوه الفرقة الرابعة بالامتعاض.
أما فرساننا، فقد نظروا إليّ بتعابير معقدة…
في أعينهم رأيت الشك والقلق تجاهي… ومع ذلك كان هناك بريق خافت من الأمل.
وفي تلك اللحظة، فكرت:
‘حسنًا، ينبغي أن أكون على قدر توقعاتهم، أليس كذلك؟’
ثم أشرت بذقني نحو أحد فرسان الفرقة الرابعة، الذي كان يتفادى النظر إليّ بارتباك واضح.
كان هو نفسه من اصطدم بكتف السير دانيال قبل قليل.
“على أي حال، أنت هناك.”
اعتدل الفارس الذي أشرت إليه، وهو يبتلع ريقه باضطراب.
“مك… مكغ…”
“أوه، لست بحاجة إلى أن تعرّف بنفسك. لست مهتمة أصلًا.”
ردّي البارد جعل وجهه يتجمد من الإهانة.
لكنني واصلت ببرود:
“أنت، صحيح؟ من كان يتحدث قبل قليل عنا و يشبهنا بالمتسولين و الأشياء من هذا القبيل؟”
“……”
“……”
الجو برمّته تجمّد فجأة، كما لو سُكب عليه ماء مثلج.
عقدت ذراعيّ وتابعت:
“ما الأمر؟ هل لديك مشكلة مع قيامي بتنظيف وصقل فرساننا؟”
“ج-جلالتك…”
“يا للعجب، لقد كنت فقط أقوم بواجبي كضابطة إدارية.”
أملت رأسي قليلًا.
ثم حدّقت بهم بعينين خاليتين من أي تعبير.
“لم أتخيل قط أن قيامي بواجبي سيتسبب في مشكلة لفرساننا.”
ومع نبرتي المتراخية، شحب وجه فرسان الفرقة الرابعة حتى صار رماديًا.
“لكن، كما تعلمون… لو كانت لديكم مشكلة فعلًا، لكان عليكم أن تواجهوني بها مباشرة.”
“ل-لا، نحن…”
“وأيضًا.”
قاطعته بحدّة.
“تجرأتم على اختيار اللحظة التي لم يكن فيها قائد فرساننا ولا أنا موجودين… كي تفتعلوا شجارًا؟”
رفعت طرف شفتي بابتسامة، لكن عيني بقيتا جليديتين.
ابتسامة حادّة كالنصل المسنون.
“هاه، كم أنتم صغار عقول و ضيقوا تفكير.”
تمتمت بصوت عالٍ يكفي ليصل إلى آذانهم، فاحمرّت وجوه فرسان الفرقة الرابعة حتى بلغ الاحمرار أعناقهم من شدة العار.
لكن، وهل اهتممت؟
بصراحة، كنت أرغب بانتزاع شعر رؤوسهم شعره شعره… إلا أنني تمالكت نفسي.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات