عند كلمات راجييل، وضع يوهان كوب الشاي على الطاولة وقال:
“ذلك لأن سموّك ما زال…”
“صغيرًا؟ غريب، فشقيقي كان يرغب أن يصبح إمبراطورًا وهو أصغر مني بكثير.”
“حين تقع السلطة بين يدي الإنسان، يتغيّر. تلك هي غريزة البشر.”
“هل تعني أنه إن امتلكتُ سلطة تضاهي سلطة شقيقي، فقد أطمع أنا أيضًا بعرش الإمبراطور؟”
“ليس الأمر طمعًا، بل إنك ستجد نفسك في وضعٍ يُحتّم عليك أن تصبح إمبراطورًا. لم أعتقد يومًا أن الدماء هي ما يصنع المرء. إنما ما يصنعنا نحن، سموّك راجييل وسموّ الأمير إلين وأنا، هو الإحساس بالمسؤولية والواجب النبيل الذي غُرس فينا منذ الصغر كأبناء النبلاء والإمبراطورية.”
بجانبي، كان إليا يصغي بصمتٍ لكلمات يوهان، ثم همس لي قائلاً:
“أنا حقًا أحب هذا الجانب في الدوق الصغير يوهان. لا يُجامل أحدًا أبدًا. إن أردنا قولها بلطف، فهو صريح، وإن أردنا قولها بصدق، فهو لا يعرف للّباقة معنى، أليس كذلك؟”
“إليا، أظن ما قلته أقرب إلى الإهانة منه إلى المديح. حسنًا، لا أنكر أن أخي الكبير لديه عادة سيئة أحيانًا، إذ لا يعرف كيف يفرّق بين الزمان والمكان المناسبين للكلام.”
عندما همست أنا وإليا بهذا، تنفّس راجييل بعمق وأطلق تنهيدة.
حتى في القصة الأصلية، كان يوهان وراجييل منسجمين تمامًا.
فيوهان بطبيعته يكره التملق والنفاق.
وكلامه صحيح في الغالب، لكنه لم يكن دائمًا الصواب بعينه لكل الناس.
أما راجييل، فكان من أولئك القادرين على الإصغاء للنقد والنصيحة، حتى إن لم تعجبه.
لكن طبعًا، قبول النصيحة لا يعني بالضرورة أن يكون راضيًا عنها.
“هاه، فلنترك الحديث عند هذا الحد. إذًا، لا مشكلة في أن تزور شارون مدينة سييرن، أليس كذلك؟”
“لا مفرّ من ذلك، لكن كما قلتُ سابقًا، يجب ألا يُعرف أبدًا أن العائلة الإمبراطورية تدخلت في الأمر…”
“علمت. ما دمت لا أقول إنني أمير، فلن تكون هناك مشكلة، أليس كذلك؟”
“وشارون! إياكِ أن تتصرفي بتهور أو تتسببي بأي مشكلة!”
“حسنًا.”
“أجيبي بجدية أكبر!”
“حاضر، أعدك ألا أتسبب بأي مشكلة وسأتصرف بهدوء تام. هيهي.”
كنت متحمسة جدًا، ليس فقط لزيارة سييرن، بل لأنني سأغادر القصر إلى الخارج بعد فترة طويلة.
***
في أحد القصور بمدينة سييرن.
كان رجال ونساء يجلسون مختلطين في غرفة امتلأت بزجاجات الخمر المرمية هنا وهناك.
في وسط الأريكة الكبيرة جلس رجل يحيط بذراعيه امرأتين وهو يثرثر قائلاً:
“تخيلوا، ذلك الفلاح جاء يطلب مني تخفيض الضرائب بحجة أن الجفاف دمّر محاصيل القمح! هل يُعقل هذا؟ خرجت لأرى ما الأمر، فجرؤ على خدش هذا الوجه الوسيم! لكن ما أثار اهتمامي أكثر أن أخته كانت حقًا…”
“سيدي آبل! ح، حصل أمر خطير!”
“ما هذا؟ كم مرة قلتُ ألا تُقاطعني وأنا أشرب؟ هل مللت حياتك؟ ها؟”
صرخ آبل، الشاب ذو الشعر البني المجعد، في وجه خادمه الذي دخل مسرعًا وهو يلهث.
قال الخادم بصوتٍ مرتجف وهو مطأطئ الرأس ويداه متشابكتان:
“إنها، إنها دعوة من السيد اللورد.”
“هاه؟ والدي؟ وماذا يريد الآن؟ ألا يكفّ عن إزعاجي؟”
“وصلت رسالة من دوقية كرينسيا، تُخبر أنهم سيزورون مدينة سييرن.”
“ماذا قلت؟ من؟”
“من دوقية كرينسيا يا سيدي. قيل إنهم سيزوروننا ضمن جولة تفقدية في الأراضي التابعة لهم، لكنني لا أعرف التفاصيل. وقد طلب مني اللورد أن أحضرك فورًا.”
في الأراضي الكبيرة، تُقسَّم الدوقيات إلى مناطق خاضعة مباشرة لإدارة الدوق ومناطق غير خاضعة.
والتابع ليس نبيلاً تمامًا، لكنه يُمنح نوعًا من الحكم الذاتي داخل أراضي الدوقية.
وكانت عائلة سترافين تتولى منصب التابع في مدينة سييرن منذ أربعة أجيال.
“هممم، للأسف يبدو أن علينا إنهاء الحفل اليوم.”
“هاها، لا تقلق يا صديقي، اذهب لشأنك.”
“نعم، بالطبع.”
“إذن، نتمنى لك أمسية سعيدة.”
انحنى آبل قليلًا، ثم خرج على عجل من القصر.
عاد بسرعة إلى منزل التابع، ودخل مباشرة إلى مكتب والده كارون سترافين، تابع سييرن.
“أبي! ما الذي يجري؟ د، دوقية كرينسيا ستزورنا؟!”
كانت دوقية كرينسيا من أعظم بيوت النبلاء في الإمبراطورية، واحدة من العائلات الثلاث الكبرى، ومن أكثرها نفوذًا بعد العائلة الإمبراطورية نفسها.
آبل، الذي كان سيخلف والده قريبًا في منصب التابع، كان يحمل إعجابًا عظيمًا بدوقية كرينسيا. لكن بسبب اتساع أراضي الدوقية، نادرًا ما كان أحد من أفرادها يزورهم شخصيًا.
عادةً ما يرسل الدوق مندوبًا فقط، وقد رأى آبل مندوب الدوقية مرتين في حياته لا أكثر.
“هل الأمر مثل المرة السابقة؟ مجرد مندوب من الدوقية؟ عن أي غرضٍ هذه المرة؟”
“ليس كذلك.”
“ماذا؟”
“هذه المرة سيأتي السيد الصغير، وريث الدوقية القادم، ومعه الأميرة الصغيرة للدوقية.”
أن يزور مدينة سييرن شخصيًا كلٌّ من وريث دوقية كرينسيا والأميرة الصغيرة نفسها، كان حدثًا جللاً بكل معنى الكلمة.
“كما تعلم، بعد أن أتمّ السيد الصغير مراسم بلوغه، بدأ يتلقى تدريبًا ليخلف والده في منصب الدوق. وقد قرر أن يقوم بجولة تفقدية في أراضي الدوقية بنفسه، وسيبدأ بزيارتنا في سييرن أولًا.”
“أها… إذًا هذا السبب. لكن، لماذا تأتي الأميرة الصغيرة أيضًا؟”
“الأميرة الصغيرة تستعد لدخول الأكاديمية، لكنها قالت إنها ترغب في توسيع مداركها قبل ذلك، فقررت مرافقة شقيقها.”
تغيّر تعبير آبل قليلًا عند سماع ذلك.
ففتاة من مكانة الأميرة الصغيرة لدوقية كرينسيا لا بد أن تحيط بها كوكبة من أساتذة الخصوصيين استعدادًا لدخول الأكاديمية.
ثم إنها الآن في فترة امتحاناتٍ تقريبًا… فهل يُعقل أن تزور الأراضي لمجرد “توسيع آفاقها” في هذا التوقيت؟
لا أحد يعلم ما الذي يدور في ذهن من يُدعى بالدوق الصغير، لكن ما في داخل ابنة الدوق شارون كان واضحاً حتى دون أن يُرى.
مدينة سييرن، وإن لم تكن بحجم العاصمة، كانت مكاناً يمكن الحصول فيه بسهولة على شتى السلع النفيسة من أرجاء الإمبراطورية.
ولذلك لم يكن من الغريب أن يزور بعض النبلاء المدينة للتسوق، تجنباً لعناء الذهاب إلى العاصمة.
“يبدو أنها جات للتنزه. كما هو متوقع من بنات النبلاء.”
“استمع جيداً. الدوق الصغير سأهتم بأمره بنفسي، فلا تشغل بالك به. ما داموا يقولون إن الغرض من الزيارة هو التعليم، فلن تكون هناك مشكلة تُذكر في سييرن. المهم هو ابنة الدوق. تفهم ما أعنيه؟”
حتى في بيت دوق كرينسيا الكامل الذي لا يشوبه نقص، وُجدت ثغرة واحدة يمكن اعتبارها الوحيدة، وهي ابنتهم الوحيدة، الآنسة شارون.
تشير الشائعات إلى أن ابنة دوق كرينسيا بدينة، تحب الأكل، وتستمتع بالبذخ والإسراف.
ويُقال إنها رُفضت من قِبَل خطيبها، الأمير إلين، وبعد ذلك أُهينت من قِبَل فتيات النبلاء الأخريات في حفل حديقة الورود، وهو التجمع الممهد للمجتمع الراقي، فهربت من المكان. ومنذ تلك الحادثة وحتى حفل الرقص الليلي، لم تُدعَ إلى أي حفل شاي.
بل وقيل إنه أثناء الحفل نفسه لم يرها أحد على الإطلاق.
الانتماء إلى أسرة دوق كرينسيا يعني بلوغ منزلة لا تقل عن منزلة العائلة الإمبراطورية من حيث الشرف.
فإذا كان النبلاء أنفسهم يتجنبونها، فيمكن للمرء أن يتخيل مدى سوء سلوكها دون أن يراها.
وفوق ذلك، أن تفكر في الذهاب للتسوق أثناء فترة الامتحانات لمجرد الترف، مرافقةً لوريث الدوق المستقبلي، فذلك قمة الطيش.
‘يبدو أن الأمر سيكون سهلاً.’
لو كان خطيب الآنسة شارون هو الأمير إلين، لما تمكن حتى آبل من الاقتراب منها بسهولة.
لكن بعد أن تخلّى عنها الأمير، لم تُسمع أي شائعة عن ارتباطها أو خطوبتها من جديد.
“اسمعني جيداً يا آبل. لطالما تغاضيت عن كل الحماقات التي ارتكبتها، لكن هذه المرة يجب أن يكون الأمر مختلفاً. تفهم ما أقوله؟”
كانت عائلة سترافين طموحة.
فمجرد أن تُقدّمها أسرة كرينسيا إلى البلاط الإمبراطوري ليُعترف بها كعائلة نبيلة، لن يكون ذلك أمراً صعباً على الإطلاق.
بل كانت أمامها الآن فرصة أسرع بكثير للصعود، فرصة تتجه نحو سييرن.
“بالطبع، سأكسب قلب الآنسة شارون من عائلة كرينسيا، وأجعل والدي يصير حما الدوق!”
وضع آبل يده على صدره وانحنى قليلاً.
أن يصير والده حماً لعائلة كرينسيا؟
مجرد التفكير في ذلك كان كافياً ليملأ صدره حماسة.
“يجب أن نُسرع في التحضير لاستقبال الضيفين.”
أومأ آبل موافقاً لكلام كارون.
***
كانت سييرن تبعد عن قصر دوق كرينسيا مسيرة عشرة أيام بالعربة.
وقد دخلت عربتنا للتو شوارعها.
“إذن ما رأيك؟ أنادي سمو راجييل بـ رايل! أليس لطيفاً؟”
“يبدو كالاسم فتاة! لا أريد!”
“هيه، إنه اسم مستعار على أي حال، ما المشكلة؟ أليس كذلك يا آنسة؟”
“أراه جميلاً. إنه لطيف فعلاً.”
“أه، هكذا؟ إن كانت شارون تقول إنه لطيف، فلا بأس بذلك ربما…”
“ولِمَ تردّ عند كلمة لطيف تحديداً؟ ثم إن سماع كلمة ‘لطيف’ من وجهك ذاك يجعل الأمر غريباً بعض الشيء!”
“…أنتِ! كلامكِ صار وقحاً!”
رمق راجييل إليا بنظرة حادة بعدما تغيّر أسلوب كلامه فجأة.
لكن إليا، المستند إلى ظهر مقعد العربة، أدار وجهه وصفر متجاهلاً.
“هيه، في النهاية سموّك مجرد فارس حارس مثلي الآن. عليك أن تعتاد على هذا الوضع.”
“لا يحق لك أن تكلّمني بهذه اللهجة! أنت! ثم إني أقل شهرة من أخي، لذلك طالما لم أُفصح عن كوني أميراً، فلن ينتبه أحد!”
إليا بدا مرتاحاً، إذ كان معتاداً على مثل هذه المهام، أما راجييل فالوضع لم يناسبه أبداً.
وحين لم تحتمل سيركا ملامح التذمر على وجهه، قالت له:
“سموك، لا داعي للقلق، سأعتني بكل الأمور بنفسي.”
“هيه، آنسة سيركا! إذن ماذا سيفعل سموه؟ فرصة كهذه، أن أجعل أميراً يعمل، لا تأتي كل يوم! يجب أن أستغلها في الطلبات الصغيرة… أليس كذلك؟!”
“ألا تعرف معنى التطور البشري؟ ألا تتطور أبداً؟!”
“على أي حال يا سمو الأمير، أن تتبعنا بصمت فحسب أمر غير وارد.”
“ولمَ لا؟”
نظر راجييل إلى إليا بنظرة حائرة تميل إلى الضجر.
لكن إليا وسيركا تبادلا النظرات قبل أن يجيبا معاً:
“لأنك…”
“تبدو من أول نظرة شخصاً يقول: أنا نبيل باهظ الثمن. مظهرك وحده يفضحك بأنك لا تعرف شيئاً عن العالم!”
“آسف حقاً لأني أبدو مثل نبيل لا يعرف شيئاً عن العالم! ومع ذلك، من الذي اقترح فكرة أن أتنكر كفارس حارس؟!”
“الآنسة شارون.”
“نعم، كانت فكرتها.”
تجمدت ملامح راجييل في الحال.
ثم التفت إليّ ببطء شديد.
كنت أرى أن الفكرة عملية جداً، لكن لم أتوقع أن يكرهها إلى هذا الحد.
“هل تكره حقاً أن تكون فارسي الحارس؟”
“…”
“إن كنت لا تريد، فلا بأس، لن أُجبرك.”
“…”
“حقاً! لست أفرض عليك شيئاً!”
لوّحت له بيدي مشيرةً إلى أنه لا داعي لأن يُجهد نفسه.
“ليس الأمر أني أكره ذلك…”
“لكن وجودك كفارسي الحارس يجعلنا نتحرك بحرية أكبر، ونتمكن من الخروج معاً دون لفت الأنظار. كنت أتطلع لذلك كثيراً، لكن إن لم ترغب، فلا حيلة لي… فأنت أمير في النهاية، ولست في موضع يمكنني أن أطلب منك أكثر من اللازم، أليس كذلك يا سيركا؟”
“لا تحزني يا آنستي.”
“لا، لست حزينة. إن كان راجييل لا يريد، فماذا يمكنني أن أفعل؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 53"