حين نزلتُ أنا ويوهان من العربة ووطئت أقدامنا السجادة الحمراء، تغيّر جو الساحة الخارجية للحفل بشكل خفيّ.
“أهي إذاً الآنسة من دوقية كرينسيا التي لم نسمع عنها سوى في الشائعات؟ سمعت أنها سمينة، لكن الأمر أسوأ بكثير مما توقعت.”
“لكن، ألا ترون أن الفستان والإكسسوارات تناسبها جداً؟ أليس هذا تاج كوردليا الملكي…؟”
“سمعت أن دوق كرينسيا لم يتخذ محظية. لا أفهم بأي منطق يرفعون من شأن ابنه، ويعاملونه كدوق صغير وهو بالكاد بلغ سن الرشد.”
“بحسب الشائعات، فقد كان الأول على دفعته في الأكاديمية طوال أربع سنوات. يقال إنه شديد الذكاء، كما أنه بارع في المبارزة.”
“هاه، حتى وإن كان كذلك، فما زال مجرد صبي. إن كان يفكر في اللعب بدمى الأطفال مع أخته، فليذهب إلى مكان آخر.”
لم تكن الشائعات السيئة تطالني أنا فقط، بل أيضاً يوهان.
شعبيته اقتصرت على مَن هم في سنه أو أصغر من النبلاء، أما بالنسبة للكبار، فلم يكن سوى شوكة في أعينهم.
ضغط يوهان قليلاً على يدي التي كان يمسك بها.
ثم رمقني بطرف عينه وابتسم بأقصى ما يمكن من طبيعية.
“لا تقلقي. كنت أتوقع مثل هذا.”
كان صوته دافئاً، لكنني شعرت أن في أعماقه أشواكاً خفية.
‘آه، فهمت الآن.’
أدركت أن أبي لم يُرسل يوهان إلى القصر الإمبراطوري فقط لأنه يكره اجتماعات النبلاء (رغم أن هذا سبب بحد ذاته)، بل لأنه أراد له أن يختبر ولو جزءاً بسيطاً مما رآه وشعر به هو نفسه عندما أصبح دوق كرينسيا في مثل عمره.
ومع ذلك، وبفضل مكانة الدوقية، بدأ بعض النبلاء المترددين يتقدمون نحونا لتحيتنا واحداً تلو الآخر.
وبصراحة، كانوا يتوجهون إلى يوهان أكثر مما كانوا يتوجهون إليّ.
“يا إلهي، كم مرّ من الوقت! هل كان آخر لقاء لنا في الأكاديمية؟ كيف حالك طوال تلك الفترة؟”
“أنا بخير كالعادة. لكنك أنتِ يا آنسة لوشيا، تبدين وكأنك بخير أكثر مني.”
“لقد كنت مشغولة جداً بالإعداد لمعرض جديد. آه، وهذه التي بجانبك هي أختك الصغيرة على ما يبدو.”
“نعم. هذه شارون، وقد حضرت هذا الاجتماع التحضيري للمجتمع المخملي.”
وجدت نفسي واقفة بينهما، فرفعت طرف فستاني قليلاً كما يليق بالتحية.
‘يا للحرج… كم هذا مزعج!’
صحيح أنني حضرت بعض الفعاليات في الدوقية، لكنها لا تُقارن أبداً بأجواء حفل القصر الإمبراطوري.
“يسعدني أن أقدم نفسي: شارون أنجيليني كرينسيا.”
فتحت الأخرى مروحتها بخفة، وأخفضت بصرها قليلاً وهي تحني رأسها بخفة.
أكانت من بنات الماركيز؟ بصراحة لا أذكر.
لكنني لمحت ارتجافة خفيفة في عضلات شفتيها خلف المروحة.
ثم أغلقت المروحة وتقدمت نحوي بخطوة، مطأطئة رأسها قليلاً.
“سمعت أنك استعدت التاج. أهو من تصميم كوردليا الجديد على ما يبدو؟”
“آه، صحيح. كنت في حيرة لأن عندي تاجين الآن، لكني لم أستطع أن أردّ الهدية التي قُدّمت لي بمشقة.”
“في النهاية، لقد دفعتِ ثمنه. لا داعي لأن تشعري بالحرج. على أي حال، التاج يليق بك أكثر مما توقعت مع الفستان.”
وفي هذه اللحظة، جاء آخرون ليسلموا على يوهان.
وانشغل بالتحية، فلم يلتفت كثيراً إلينا، واكتفى بهز رأسه.
استغلت الآنسة تلك اللحظة، وانحنت نحوي لتهمس في أذني:
“آنسة ابنة الدوق، ينبغي أن تُنقصي وزنك قليلاً. فحتى مع الفستان، الأمر ظاهر جداً. ومن عساه أن يُعجب بك هكذا؟ هوهو.”
كانت ملامحها قد تشوّهت من شدة العبوس، لكنها سرعان ما رفعت رأسها لتعود بابتسامة متصنعة وكأن شيئاً لم يكن.
‘مجرّد شخصية ثانوية تجرؤ على هذا…!’
شدت يدي قبضتها، وكدت أن أرد عليها، لكن فجأة ظهر خلفها إلين.
“قبل أن تهمسي لشارون بضرورة إنقاص وزنها، لماذا لا تخبريها بالطريقة التي اتبعتِها أولاً يا آنسة داريان؟”
“مَن…! آه، ألتقي بسمو الأمير الثالث، صاحب السمو الأمير إلين، وريث الشمس!”
أدركت الآنسة داريان هويته متأخرة، فانحنت بسرعة وهي ترفع طرف فستانها.
لكن إلين لم يلقِ عليها نظرة واحدة، بل أبقى بصره مثبتاً عليّ.
“على ما سمعت، فقد أنقصتِ وزنك كثيراً من قبل. أليس كذلك؟ إذن، بما أنك جربتِ الأمر بنفسك، فلا بد أنك تعرفين جيداً الطريقة.”
“هاها، بالطبع. إن رغبتِ آنسة شارون في ذلك، فسأخبرها بالتفصيل. فأنا إنسانة كريمة بطبعي.”
لكن على الرغم من محاولتها إصلاح الموقف، بدأ الحاضرون يتهامسون.
“أليست داريان ابنة أسرة الكونت فليرينا؟ آه، أليست هي التي يُقال إنها استخدمت العقاقير لإنقاص وزنها؟”
“قيل إن شعرها تساقط كثيراً بسبب الآثار الجانبية…”
“والآن أنظروا جيداً، بالفعل شعرها خفيف.”
“الآنسة شارون لا تزال صغيرة. في فترة النمو، من الطبيعي أن يزداد الوزن قليلاً. حتى أنا كنت أسمع كثيراً أنني سمينة في مثل عمرها.”
“وأنا لست نحيفة أيضاً. لكن من العيب حقاً أن تهاجم فتاة صغيرة بهذا الشكل. كم هو أمر مثير للشفقة.”
احمرّ وجه داريان تماماً، ثم استدارت بعنف وغادرت المكان مسرعة.
“ليلة سعيدة، يا شارون.”
حياني إلين، فانحنيت له قليلاً وأنا أرفع طرف فستاني.
وبعده مباشرة، اقترب راجييل وإليا معاً.
فما إن رأيتهما حتى أمسكت طرف فستاني بسرعة من جديد لتحيّتهما كما يليق.
بعد رحيل إلين، جلست مع الأميرة أرييل، وجربنا معاً الفساتين والإكسسوارات التي جلبناها.
كم من مرة غيّرت ملابسي في ذلك اليوم؟ لا أرغب أبداً بتكرار ذلك ثانية.
‘لتغطية قوامك، لا ترتدي فستاناً ضيقاً أبداً! يجب أن يكون واسعاً من الأسفل!’
‘صحيح أنك ممتلئة بعض الشيء، لكن بشرتك صافية بشكل لافت! جربي الألوان الفاتحة أكثر!’
وأشياء أخرى مثل: سأجعل منك أفضل كعكة على الإطلاق… وما شابه ذلك.
لقد ساعدتني أرييل في اختيار الملابس بحماس أكبر من اختيارها لملابسها هي نفسها.
‘كل شيء رائع، لكن هذا الفستان واسع وثقيل جداً… من الصعب حتى أن أحيي الناس بشكل لائق.’
انحناءة خفيفة لا بأس بها، لكن لو اضطررت لأداء مثل هذا النوع من التحية مرتين أو ثلاثاً إضافية، فربما ينكسر ظهري.
كنت على وشك أن أنحني لتحية راجييل حينها.
“أنتِ… لم أعرفك للوهلة الأولى. تبدين جميلة.”
“آه…”
لم أتوقع هذا الكلام، فانفلتت يدي من على طرف الفستان.
ومع اهتزاز جسدي إلى الجانب، أسرعت سيركا خلفي لتسندني.
“يا! هذا ما كنت أنوي قوله أنا! لا تسرق كلماتي!”
“لا، سموّك لا يحق لك قول ذلك. ولا يجب أن تقول مثل هذه الكلمات أبداً.”
“أنا… أنا…”
عند توبيخ راجييل، أخرج إلين شفتَيه متذمراً وكأنه مظلوم.
وبمساعدة سيركا استعدت توازني، فتدخلت بسرعة لأوقف الشجار بينهما.
“ليس هناك داعٍ للمبالغة إلى هذا الحد…”
“ألم يُفسخ خطوبة سمو الأمير إلين والآنسة شارون؟ قيل إن الأمير إلين هو من تخلّى عنها.”
“لا، بل يقال إنها هي من تخلّت عنه.”
“لكن ألا يبدوان متقاربين جداً؟ سمعت أن التاج الذي ترتديه الآنسة شارون هدية من الأمير إلين. ولو كانت هي حقاً من تخلّت عنه، لما حضرت مرتدية التاج الذي أهداه لها.”
كما توقعت، حين رآني النبلاء واقفة إلى جوار إلين، وتعرّفوا على التاج، أخذوا يتهامسون فيما بينهم.
لم يكن بالإمكان إيقاف انتشار الشائعات، لكنني أردت على الأقل أن أوضح بنفسي حقيقة هذا الأمر مرة واحدة.
“صحيح أنني أنا من طلبت فسخ الخطوبة مع سمو الأمير إلين. لكن ليس لأنه ارتكب خطأ.”
“إن لم يكن قد أخطأ، فلماذا طلبتِ أنتِ فسخ الخطوبة؟”
“هذا لأنني…”
“لأنني شعرت أنني لا أليق بأن أكون إلى جواره. هذا كل ما في الأمر.”
كان إلين على وشك قول شيء، لكنه أطبق شفتيه بصمت عند سماع جوابي.
صحيح أن مسار القصة الأصلية والشخصيات أمر مهم، لكن لم يكن لازماً أن أمضي أنا أو إلين وفق ما كُتب في الأصل.
“يا للعجب! أن تُفسخي الخطوبة لمثل هذا السبب… لا بد أنه قرار صعب على فتاة صغيرة.”
“وأنا أظن أن تقديم التاج كهدية تعبيراً عن أسفه أمر مفهوم تماماً.”
“يبدو أن الآنسة شارون أعمق تفكيراً بكثير من عمرها.”
رغم أن بعض النبلاء نظروا إليّ بنظرات استياء، فإن معظمهم تقبّل الأمر وراحوا يتحدثون فيما بينهم وكأنهم تفهّموا موقفي.
“شارون، فلندخل إلى الداخل.”
قال يوهان، الذي أنهى تقريباً تحية معظم من أتى إليه، وهو يتنهد متجهاً إلى الداخل.
وما إن دخلنا حتى بدا أن قاعة الحفل الداخلية لا تقل فخامة عن الساحة الخارجية، بل كانت أكبر وأوسع بشكل يكاد لا يُصدق.
بفضل السقف العالي والنوافذ الضخمة، بالكاد شعرت أنني في الداخل.
كانت قاعة الحفل مكونة من ثلاث طبقات، تتوزع حول درج مركزي عريض.
الطابق الثاني كان مخصصاً للنبلاء الذين لهم صلة مباشرة بالسياسة المركزية أو بعائلات ذات روابط بالعائلة الإمبراطورية، إضافة إلى بعض أفراد العائلة المالكة.
أما الطابق الثالث، فلم يُسمح بالصعود إليه إلا للإمبراطور والإمبراطورة، وقلة قليلة جداً من النبلاء والملوك.
لم يكن هناك من يمنع أحداً صراحة من الصعود، لكن النبلاء جميعاً كانوا يتصرفون وكأنهم يعرفون حدودهم ومكانهم الطبيعي.
توجهنا نحو السلم المؤدي إلى الطابق الثاني.
‘آه…’
عندما رأيت الدرج الملتوي الممتد حتى الطابق الثالث، شعرت بدوار يداهمني.
يا إلهي، كم أنا بحاجة إلى مصعد الآن!
تمتمت سيركا خلفي، وهي ترتدي الثوب الجديد الذي ابتعته لها.
“يبدو أن أحداً يجب أن يمسك بيدك ليساعدك.”
لم يكن من المعيب أن تستند الفتاة إلى يد أحدهم عند الصعود إلى الطابق الثاني.
لكن كان هناك عرف غير مكتوب: يجب أن يكون رجلاً، وألا يكون من العائلة.
ففي المجتمع النبيل، كثير من هذه التقاليد لم يكن إلزامياً، لكن مخالفتها كانت كفيلة بجلب شائعات مزعجة وانتقادات لا تنتهي.
وبالرغم من أن معظم النبلاء لا يلتزمون بكل التفاصيل، إلا أن هذا الحفل يقام في القصر الإمبراطوري نفسه، وهو واحد من أضخم ثلاثة حفلات تقام فيه على الإطلاق.
وما يحدث هنا سينتشر حتماً بين النبلاء في جميع أنحاء المملكة عند عودتهم إلى مقاطعاتهم.
عادةً، إذا كان للفتيات شريك، فهو من يمسك بأيديهن، وإلا فواحد من النبلاء القريبين منهن أو المعروفين بهن.
“في هذه الحالة، سأقوم أنا…”
“لا يا سموّك. أظن أنه من الأفضل أن أرافقها أنا، كي لا تنتشر شائعات مزعجة.”
“الشائعات لم تعد تهم الآن! ثم إنك أنت أكثر من يجذب الأنظار!”
“هيّا، من فضلكما، لا تتشاجرا يا أصحاب السمو. عندي حل مثالي.”
عند تدخّل إليا، خيّم الصمت على الاثنين، وكأنهما خشيا نظرات الحاضرين.
اقترب إليا مني ومد يده قائلاً:
“هيا، نصعد يا آنسة.”
ترددت قليلاً، لكنني وجدت أن هذا أفضل من أن أترك الاثنين يتشاجران، فأمسكت يده.
“يا خائن!”
“راجييل! اطرده حالاً! كيف تبقي مثل هذا الشخص حارساً شخصياً لك؟!”
سمعت أصوات التذمر خلفي، لكنني تجاهلتها.
وحين بلغنا الطابق الثاني أخيراً بعد جهد، لمحت الأميرة أرييل عند أحد أدراج الطابق الثالث، تلوّح لي وهي تنزل مسرعة.
“حبيبتي الصغيرة! كعكتي! أهلاً بك!”
يا إلهي، ولماذا تصرين على مناداتي بكعكة بالذات؟!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"