كان يوهان وإليا يسيران في ممرات القصر الإمبراطوري، حيث كانت الاستعدادات لحفل رقص الليل جارية على قدم وساق.
“أعرف أنك مشغول، أعتذر لإزعاجك.”
“لا بأس. فحفل رقص الليل تقام هنا في القصر، وليس لنا دور كبير نقوم به.”
“كيف حال الاثنين؟”
“تركتهما ليستريحان بهدوء حتى تنتهي الحفلة التمهيدية تماماً. أما سيان فقد ارتفعت حرارتها قليلاً البارحة، لكنها أفضل اليوم. وقد أبلغت برج السحر بالأمر.”
“بعد انتهاء الحفل، سأعود أنا وشارون إلى الإقليم. سأعتمد عليك من بعدها.”
“بالطبع. حتى برج السحر اندهش من الأمر، وأكدوا أنهم سيرسلون ساحراً بأقصى سرعة. لكن كيف عرفت أن ما تعانيه سيان هو انفلات سحري؟”
كان يوهان هو من قال لإليا، الذي كان يسعى للعثور على كاهن، أن يتواصل مع برج السحر.
وإليا لم يكن يفهم شيئاً في السحر. وبنظرته، لم يكن يوهان مختلفاً عنه كثيراً.
لكن حين تحقق من بعض الأعراض كما قال يوهان، وجد أنها تتطابق مع أعراض الانفلات السحري.
ورغم أن الأمر يحتاج إلى تشخيص ساحر من البرج للتأكد، إلا أن إليا كان مقتنعاً أن حالة سيان بالفعل انفلات سحري.
“شارون هي من أخبرتني.”
“الآنسة شارون؟ كنت أظنها مهتمة فقط بفنون السيف، لكنها تملك علماً في السحر أيضاً؟”
“لم أكن أعلم أن لديها معرفة في هذا المجال.”
“هذا يبعث على الاطمئنان. فقد كنت قلقاً أن يكون مرضاً مجهول السبب.”
إذا كان السبب انفلاتاً في السحر، فالحل كان بسيطاً.
كل ما تحتاجه هو أن تتعلم السحر وتكتسب القدرة على التحكم في الطاقة المتدفقة. عندها سيستعيد جسدها توازنه بنفسه.
لكن إن كان الأمر بهذه السهولة، فذلك ما سيتعين على سيان أن تواجهه مستقبلاً.
“آه، سمو الأمير إلين.”
رأى إليا إلين أولاً فانحنى له بتحية.
وحين همّ يوهان بالتحية بدوره، أشار إلين بيده متساهلاً قائلاً إنه لا داعي.
“ما الأمر؟ ماذا تفعلان هنا؟”
“كنا في طريقنا لرؤية الآنسة شارون. هل تود الانضمام إلينا؟”
“لا، يكفي. أظن أن الجميع منشغلون بالتحضير للحفل، ولا أريد أن أكون مصدر إزعاج أو أثير شائعات لا داعي لها.”
“شكراً على تفهمك.”
“تفهم… لا أدري إن كان يليق بي هذا الوصف.”
حين أخبرته شارون برغبتها في فسخ خطبتهما، لم يكن يتخيل أن الأمور ستؤول إلى هذا.
لكن الغريب، أنه بات يشعر أن علاقته الحالية بها أطيب بكثير من تلك العلاقة السابقة.
“على أية حال، بلّغها أني سألقاها في الحفل.”
“مفهوم. دُمتم بخير.”
“حسناً، سأذهب.”
ومرّ إلين متجاوزاً الاثنين.
***
وصل يوهان وإليا إلى غرفة شارون.
كانت الغرفة أشبه بساحة معركة، مليئة بمستحضرات التجميل والفساتين والإكسسوارات المبعثرة هنا وهناك.
وفي وسطها جلست شارون، تحيط بها عدة خادمات يعملن بنشاط محموم.
“واو، من حسن الحظ أن سمو راجييل ليس فتاة!”
كان إليا يعرف أن استعداد النساء للحفلات أمر متعب، لكن رؤيته المباشرة لتلك الفوضى كانت الأولى من نوعها.
رفعت بصري نحو الداخل، أراقب القادمين.
“آنستي، لا تتحركي!”
“أوه… حسناً.”
ما إن حاولت أن أدير رأسي قليلاً حتى التقطت سيركا الأمر كالشبح ووبختني فوراً.
حتى الجلوس بلا حراك لساعات طويلة كان عملاً مرهقاً بحد ذاته.
“لا حاجة لأن ترهقي نفسك بالتحية.”
ضحك يوهان قائلاً:
“ههه، أعذريني. لكن يا أخي، لم أظن أنك ستأتي مع إليا. هل حدث شيء ما؟”
كنت قد توقعت مجيء يوهان، لكن ظهوره مع إليا أثار في داخلي شعوراً بالريبة.
وقد لاحظت سيركا ذلك بدورها، فأشارت إلى الخادمات:
“ما زال أمامنا بعض الوقت، فلنأخذ استراحة عشر دقائق.”
فأومأت الخادمات وغادرن الغرفة جماعياً.
“أظن أنه من الضروري أن تعلمي.”
ومن نبرة يوهان، شعرت أن الأمر يتعلق بحادثة الهجوم على العاصمة وسرقة الأثر المقدسة.
كان نقل الأثر متشابكاً مع عدة نقابات تجارية.
في القصة الأصلية، كانت نقابة ‘لاهِل’ هي المسؤولة في الخفاء. لكن عند بدء التحقيق من قبل القصر الإمبراطوري وفرسانه، كانت النقابة قد محَت كل الأدلة.
“النقابة التي يُعتقد أنها تقف خلف سرقة الأثر هي نقابة لاهِل. ثم…”
حتى هنا كان الأمر مشابهاً لما أعرفه. لكن ما جاء بعده كان صادماً.
“هذا الصباح، عُثر على جثة نبيل في قصر يقع بضواحي العاصمة. يبدو أنه قُتل منذ أيام، لكن الأمطار الغزيرة البارحة كشفت أمره متأخراً.”
“نبيل؟!”
“نعم. الماركيز ديرميسيل. كان قد استأجر القصر على ما يبدو. وعُثر في غرفته على وثائق مرتبطة بنقابة لاهِل وسرقة الأثر.”
“أتقصد…”
“ما زال علينا أن نتحقق إن كان هناك من دبّر له هذه التهمة. لكن حالياً، لا يمكن إلا أن نستنتج أن الماركيز متورط في الحادثة.”
مع كلمات يوهان، مرّ في ذهني شخص آخر.
‘ليز ميريتشا ديرميسيل.’
تلك الفتاة التي أهانتني في حديقة الورود.
‘في القصة الأصلية… لم يُذكر أن الماركيز ديرميسيل مات.’
صحيح أنه انكشف لاحقاً كأحد المتورطين في سرقة الأثر، لكنه لم يُقتل، بل اكتفى بأن يُقصى من السياسة المركزية.
أما أن يُقتل؟ فذلك مختلف تماماً.
‘هل أنا…؟’
من أين بدأ كل شيء يخرج عن مساره؟ هل كان منذ أن طلبت من إلين فسخ الخطوبة؟ أم منذ تلك اللحظة التي اصطدمت فيها بليان؟
تسارعت رجفة يدي كأن صاعقة ضربتني على رأسي.
“ليست غلطتك يا آنسة.”
“لكن…”
“إليا محق. محاولة تهريب الأثر المقدسة جريمة عظمى لا شك فيها. لو انكشف الأمر، لكانت أسرة الماركيز ديرميسيل وهو نفسه قد تعرضوا لكارثة عظيمة. إذا بدأنا في تقليب الأخطاء بتلك الطريقة، فهذا يعني أنني أنا أيضاً مذنب.”
“مستحيل! هذا…”
“أنا من طلب منك أن ترافقيني إلى كوردليا مع سمو الأمير إلين. لو كنت أكثر صرامة ورفضت، لما كنتِ قد نزلتِ إلى العاصمة أصلاً.”
“لا. الذنب ذنبي أنا أيضاً. لو لم أسألك إن كان بإمكاني ملاحقة ليان الذي اصطدم بك، لما حدث شيء من هذا.”
أضاف إليا، الذي كان بجانبهم، مؤيداً كلام يوهان.
“هذا ظلم بيّن.”
“صحيح، إنه ظلم. لكن معنى ذلك أنه إن حسبنا كل الاحتمالات، فبإمكاننا أن نُلقي باللوم على أي أحد. لذا، هذا ليس ذنبك.”
أمام كلمات يوهان المواسية، لم أستطع أن أنطق بشيء.
قدمت لي سيركا كوباً من الشاي لتخفف من الصدمة.
ارتشفت رشفة صغيرة، وأخفيت ارتجافة يدي، ثم أومأت برأسي.
“فهمت.”
“أعرف أنك منشغلة بالتحضير للحفل، آسف لإزعاجك.”
“لا بأس. لكن يجب أن تبدأ أنت وإليا بالتحضير أيضاً.”
“صحيح. نلتقي قبل بدء الحفل.”
“أراك لاحقاً يا آنسة.”
لوّح إليا بيده بخفة، ثم خرج مع يوهان.
وما إن غادر الاثنان، حتى هرعت الخادمات اللواتي كن ينتظرن بالخارج إلى الداخل دفعة واحدة.
وبعد أن خف الزحام في الممر، التفت إليا إلى يوهان وهمس بصوت منخفض وهو يرمقه بطرف عينه.
“حماية مفرطة.”
“اخرس. ربما يكون إبقاء شارون بعيدة عن كل شيء مجرد إرضاء لنفسي، كما قلت. صحيح أن لها الحق أن تعرف… لكن لا يمكنني أن أقول لها كل شيء.”
كان موت الماركيز ديرميسيل حقيقة مؤكدة.
ورغم أن يوهان قال لشارون إن ارتباط الماركيز بنقابة لاهل ليس مؤكداً، إلا أن ذلك كان كذبة.
فقد كان الفرسان قد حصلوا بالفعل على كامل الوثائق المتعلقة بالنقابة، وتم التحقق المتقاطع منها.
ولم يكن هذا كل شيء.
إذ قام يوهان لاحقاً بتسليم الأثر المقدسة بشكل رسمي إلى العائلة الإمبراطورية.
لكن ما سُلِّم منها اختفى من جديد خلال نصف يوم فقط.
لذلك، لم يكن سبب قدوم يوهان وإليا إلى القصر في يوم الحفل هو موت الماركيز ديرميسيل، بل كان بسبب اختفاء الأثر مجدداً.
“مزعج، لكنك كنت محقاً.”
“أرأيت؟ ألم أقل لك إن الأمر خطير؟”
في تلك اللحظة، كان القصر يعج بالعديد من النبلاء. بل وكان الازدحام أكثر من المعتاد بسبب الحفل.
لكن حتى مع الأخذ في الاعتبار كل تلك الفوضى، كان اختفاء الأثر مرة أخرى سريعاً بشكل غير عادي.
وهذا لم يكن إلا دليلاً على أن هناك شخصاً يعرف تفاصيل القصر الداخلية جيداً.
ومع ذلك، لم يكن هناك أي طريقة لمعرفة من المتورط فعلاً.
“لن يكونوا قد أدركوا أن الأثر التي سرقوها مزيفة، أليس كذلك؟”
“حالياً، من المستحيل. وفوق ذلك، لا أحد سيصدق أن سيداً صغيراً مثل حضرتك قد أقدم على ذلك. بهذا، أصبحنا في مركب واحد.”
“إياك أن تفشي الأمر. إياك.”
ناول يوهان إليا الأثر المزيفة التي صُنعت بإتقان.
لو كُشف هذا السر، فإن حياة إليا وراجييل، بل حتى أسرة يوهان نفسها، ستكون في خطر.
“لا تقلق. أنا من اقترح الفكرة. صحيح أن القرار كان قرارك، لكن لا يمكنني التنصل من المسؤولية.”
“صحيح.”
كان يوهان يعلم أن إليا قد يتجاوز الحدود أحياناً، لكنه لم يكن من أولئك الذين يخطون الخطوط الحمراء أبداً.
لكن حينها، لم يكن أي منهما يعلم.
لم يكونا يعلمان أي عاصفة ستثيرها فعلتهما.
***
وحين نقل إليا كل ما دار بينه وبين شارون إلى إلين، فغر هذا الأخير فمه من الدهشة.
“ماذا… ماذا قلت؟ الماركيز… لا، كان عليكم على الأقل أن تبلغوني مسبقاً إن كان الأمر بغاية الخطورة!”
“لقد سألتك إن كنت تود المجيء معنا. لكنك قلت إنك مشغول ورفضت.”
“أنا… لم أكن أعلم أنكم ستتحدثون في أمر كهذا! لا تعاملوني وكأني منبوذ!”
“لا أبداً، سمو الأمير! أنت لست منبوذاً!”
“ماذا؟”
“حتى سمو راجييل لم يكن على علم بالأمر.”
عندها، نظر إلين إلى راجييل بذهول.
وكان الأخير يرفع بصره نحو السماء المرصعة بالنجوم، وعلى وجهه ملامح استسلام هادئ.
“هاهاها. لا بأس يا أخي. لست غاضباً. فهذه ليست المرة الأولى، وأنا أتفهم.”
“قلت لك لا تتفهم! ألا تملك أي ذرة من كبرياء كأمير؟ أيها الأحمق!”
“لم نخفِ الأمر عنكم رغبةً منا. بل كان شديد السرية. على أية حال، سيصل الخبر إلى مسامع الجميع عاجلاً أم آجلاً، خاصة في يوم كهذا.”
“سمعت أن زوجة الماركيز وابنته موجودتان في القصر أيضاً.”
“أظن أنهما لا تعلمان شيئاً عن الأمر.”
“مؤسف.”
ارتسمت على وجه إليا علامة أسف وهو يرفع كتفيه بلا حول.
وفي تلك الأثناء، تعالت الهمسات مجدداً عند مدخل قاعة الحفل.
“آه، يبدو أنهم وصلوا.”
وأشار إليا بيده نحو المدخل المزخرف.
نزل يوهان أولاً من العربة، ثم مد يده إليّ بينما كنت ما أزال جالسة داخلها.
أمسكت يده، وساعدتني سيركا من الخلف لتفادي أن ينحرف الفستان. ثم خطوت نزولاً من العربة.
وفي اللحظة نفسها، دوى صوت عالٍ معلناً:
“ها قد وصلت الآنسة شارون أنجيليني برفقة سمو يوهان أربيليسيا، وريث دوقية كرينسيا!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 41"