تمكّن راجييل بصعوبة من الإفلات من يد هيوبرت، وهو يلهث بأنفاس متقطعة.
“أنت… لماذا أنت هنا…”
“اهرب!”
“أيها القذر، نفاية هذا المجتمع الملعون!”
أفلت السيف من يد هيوبرت، فأخذ يوجه لكماته وركلاته بلا توقف إلى جسد ليان الذي كان يمنعه بجسده.
“كح… ههق، سيان قالت إن ذلك الأمير ذي الشعر البني سيحميها… مهما كلف الأمر… أوه…”
“أيها الوغد! ألا تفلت؟”
بوم! بوم!
انهالت الضربات على ليان في اعتداء شبه أحادي الجانب.
كان ليان يعض على أسنانه ويشد ذراعيه حول جسد هيوبرت ليمنعه من الحركة.
فكلام الأمير لا يمكن أن يكون كذبًا.
‘أنت لا تحاول حتى أن ترى ما إذا كنت مختلفًا عن النبلاء الآخرين الذين تتخيلهم. ليس لدي ما أقوله لشخص لا يستطيع النظر إلى الشخص الذي أمامه مباشرة.’
كان راجييل قد وعده بأنه سيمنحه فرصة للعمل عندما يعودون إلى القصر.
أما شارون، فهي الوحيدة التي نظرَت إليه كإنسان رغم أنه مجرد فتى من الأحياء الفقيرة لم يقبله أحد.
لم يستطع أن يترك الاثنين ليموتا هكذا.
“هذا الوغد…!!”
“ا-اهرب! ههق…!”
أخرج هيوبرت خنجرًا من حزامه وغرسه في جسد ليان.
كان يستهدف قلبه، لكن بفضل مقاومة ليان غُرس الخنجر في كتفه.
أغمض راجييل عينيه بشدة وقبض يده ثم استدار نحو الاتجاه الذي ركضت فيه شارون.
“أنت، لماذا عدت؟! وذلك الخنجر…”
“ذاك، ذاك الوغد هيوبرت، ماذا عنه؟”
“ليان يواجهه. لننزل بسرعة الآن قبل فوات الأوان.”
“يواجهه؟ ذلك الرجل…”
عضّ راجييل شفته الدامية وأمسك بيدي بقوة.
في تلك اللحظة، اهتزّت شجرة خلفنا بعنف.
“كحخ، أيها الصعلوك الملعون.”
“الآن، لا تشتت انتباهك، اهرب!”
“لا. أنا…”
لو هرب من هنا الآن، فسوف يندم بلا شك.
“عمّ تتهامسان، ها؟”
“اللعنة، متى…”
دفع راجييل جسدي بقوة بعيدًا عنه حين ظهر هيوبرت أمامنا فجأة.
عادت يد هيوبرت الكبيرة لتقبض على عنق راجييل وترفعه عاليًا.
على فخذه جرح ينزف، يبدو أن ليان قد أصابه به.
“كل هذا لأن إليا ليس هنا!”
“كحخ… ق-قتل أمير… هذا عقابه الإعدام…”
“وهل للحديث مع مجرم مثلي معنى؟ الموتى سواء كانوا أمراء أو نفايات، في النهاية كلهم متساوون.”
أجل.
البشر، حين يموتون، لا يكونون سوى قطع من اللحم.
أمام الموت، الجميع متساوون. ولكن لماذا، ما داموا أحياء، يجب أن يقضوا حياتهم كلها تحت التمييز والاحتقار فقط لأنهم وُلدوا مختلفين قليلًا؟
ذلك التناقض هو ما دفع هيوبرت إلى الجنون.
دفعتني يد راجييل بعيدًا، فترنحت واقفة.
ذلك الوغد لم يكن يلقي لي بالًا أبدًا.
لأنني فتاة، وصغيرة.
سحبت الخنجر الذي أخفيته خلف ظهري.
لو تركت الأمر هكذا، سيموت راجييل.
‘إن كنت سأقتله، فالوقت الآن!’
اقتربت وأنا قابضة على الخنجر، لكن يدًا ظهرت من خلفي وأمسكت بمعصمي.
“إليا…”
“لا أعرف من أعطاك هذا، لكن ضعيه الآن.”
كان إليا غارقًا تحت المطر، يخرج سيفه بهدوء.
ضعفت ساقاي، فجلست على الأرض وأنا ما زلت ممسكة بالخنجر.
“هاها، إليا. يا لها من صدفة جيدة. كنت سأقتل هذا الوغد بدلًا منك إن لم تأتِ. لكن… هل ازددت طولًا؟”
تسارعت خطوات إليا وهو يتجه نحو هيوبرت، ثم اختفى عن ناظري فجأة.
ظهر أمام هيوبرت الذي كان يخنق راجييل، ولوّح بسيفه بضربة واسعة.
لوّح هيوبرت بذراعه، فاندفع جسد راجييل ليسقط إلى الجانب.
“سمو الأمير!”
“كحه… سعال…”
غيّر إليا مساره ليمسك بجسد راجييل بدلًا من الهجوم، وفي الوقت نفسه اندفع سيف هيوبرت نحو رأس إليا المنحني.
كااانغ!
اصطدم سيف إليا المرفوع بسيف هيوبرت.
صدّ إليا هجومه وتراجع ممسكًا براجييل بين ذراعيه.
استعدت وعيي وركضت نحوهما.
“راجييل! ه-هل أنت بخير؟”
على عنق راجييل ما زالت بصمة اليد الحمراء واضحة.
أمسك رقبته وهو يسعل بشدة، لكنه أومأ برأسه.
“إ، إليا. إلين وسيركا… وليان أيضًا…”
حين نطقت بكلمات مبعثرة، ربّت إليا على رأسي وهو ينهض.
“إن كان الآخرون، فلا تقلقي. سيكونون بخير.”
كان قد رتّب الأمور هناك وترك إشارة أيضًا، لذا سيصل يوهان والفرسان قريبًا.
‘رغم أنني تركت واحدة تهرب.’
تلك المرأة، التي كانت حاضرة حين واجه إليا أولئك ذوي العباءات السوداء في الزقاق.
لكن إليا لم يكن أحمق ليخطئ في ترتيب الأولويات.
تقدّم وهو ممسك بسيفه.
“الآن، هذا أولًا.”
في اللحظة التي استل فيها سيفه، بدا إليا وكأنه شخص آخر تمامًا.
في الأصل، لم يُلقب راجييل بـ ‘سيد الدم’ لأنه قتل كثيرًا بنفسه.
كل أوامره الدموية كان من ينفذها هو إليا.
فالذي لوثت يداه بالدماء لم يكن راجييل، بل إليا.
“كحخ… كح…”
كان راجييل يسعل بلهاث متقطع.
بعد أن خُنق مرتين من هيوبرت، لم يعد قادرًا على الكلام.
احتضنته إلى صدري ثم رفعت رأسي.
صحيح أن إليا هو حارس راجييل الشخصي، لكنه اليوم رسميًا فارسي الحارس أنا أيضًا.
“إليا، حتى لو كان الأمر مؤقتًا، فأنت اليوم فارسي الحارس. لديك واجب بحمايتي.”
“أصدر أمركم.”
أخذت نفسًا عميقًا وحدقت في هيوبرت.
لقد جاء هذا الرجل منذ البداية وهو عاقد العزم على قتل إليا.
ولم يبدُ أن هذا النوع من جرائم القتل كان جديدًا عليه.
‘لو أنني أنا من….’
احتضنت راجييل بقوة وفتحت فمي.
“ذلك الوغد…”
“إليا، هذا أمر. اقتل ذلك الوغد. كحه، كحه…”
حتى قبل أن أنطق، كان راجييل قد أصدر الأمر إلى إليا.
“تراجعا كلاكما.”
امتثلنا لكلمات إليا، أنا وراجييل، وتراجعنا بحذر إلى الوراء.
نظرت إلى راجييل الذي كان يتقيأ دمًا بنظرة تحمل سؤالًا: لماذا فعلت هذا؟
“هذا قتل.”
حتى إن لم يكن يقتل بيده، فإن مجرد إصدار أمر بالقتل هو مشاركة في فعل القتل.
“أكنت تظن أنني… كحه… سأتركك وشأنك؟”
أخرجت منديلًا من جيبي وقدّمته إلى راجييل.
لكن حين جاء دور أن أطلب من راجييل أن يصدر أمرًا بالقتل، شعرت أن حلقي ينسد.
كان قلبي يضطرب وأنا أراقب إليا ممسكًا بسيفه وهيوبرت يواجهه.
كلاهما حافظ على مسافة ثابتة.
نظر إليا إلى هيوبرت بنظرة باردة وتمتم:
“ألم أقل لك في المرة السابقة إننا لو التقينا مجددًا في ظروف أخرى فسأقتلك؟”
“تقتلني؟ هاهاها! ومن يقتل من؟ إليا، هل تسلية لعب دور الفارس ممتعة لك؟ أنت تعرف، أليس كذلك؟ كم هو ممل وبلا جدوى هذا المكان المسمى بالعائلة الإمبراطورية!”
كنت أظن أن الموهبة وحدها تكفي، حتى لو كان الأصل وضيعًا، فمن يملك مهارةً حقيقية سينجح بلا شك.
لكن منذ أن انضممت إلى فرسان القصر، أدركت كم كان ذلك اعتقادًا ساذجًا.
فحتى فرسان القصر لم يكونوا مختلفين عن غيرهم.
المهارة وحدها لا تكفي. مهما كنت بارعًا، فالنبلاء دائمًا هم من يترقون أولًا ويعلون.
وكلما مر الوقت، لم يتبقَ سوى شعور بالفراغ واللاجدوى.
ارتطمت المياه المتجمعة تحت أقدامهما في اللحظة نفسها حين اصطدمت سيوف إليا وهيوبرت.
لقد كان الفائز في بطولة المبارزة التي ينظمها القصر محددًا سلفًا.
وفي اللحظة التي رأى فيها هيوبرت إليا يكسر تلك القاعدة الضمنية بشكل أحادي، أدرك غريزيًا الحقيقة.
“أنت مختلف!”
هذا الفتى حقيقي. يرى عالمًا آخر تمامًا.
“فلماذا! لماذا تلهو بحراسة أحد أفراد العائلة المالكة التافهين! إليا؟ هاه؟”
أدار هيوبرت جسده وضرب سيف إليا بقوة.
صدّ إليا الضربة بيد واحدة ثم تراجع قليلًا.
خلع هيوبرت عباءته ورماها، ثم مد يده نحو إليا.
شقت الضباب بينهما، وفي السماء الملبدة بالغيوم السوداء لمع البرق.
“تعال معي. لنصبح مرتزقة! ستكون أكثر حرية بكثير من هذا القفص المقيت!”
اندفع إليا نحو هيوبرت ولوّح بسيفه.
صدّ هيوبرت جميع هجماته المتتابعة.
ثم انعطف سيفه الممزق للهواء متجهًا نحو قلب إليا.
تفادى إليا الهجوم بفارق شعرة، ثم ركل الأرض بخفة.
فتناثرت المياه الموحلة بينه وبين هيوبرت.
“لا تسيء الفهم.”
كان إليا يعرف.
أنه لا يرى العالم كما يراه الآخرون.
حين كان طفلًا، كان أول ما يتبادر إلى ذهنه وهو ينظر إلى شجرة شاهقة: ‘كيف يمكنني قطعها وإسقاطها؟’
وحين يرى شخصًا أو شيئًا، اعتاد أن يحسب النسب غريزيًا ويفكر في أين تكمن أضعف نقطة. لكنه لم يعتبر نفسه أبدًا مجرد إنسان يفتقر إلى المشاعر أو القدرة على التعاطف.
فحتى لو خطر بباله أن يقطع شخصًا إربًا، كان يعلم جيدًا أن مجرد التفكير لا يعني أن ينفذ ذلك.
أن يختلف تفكيرك عن الآخرين، كان أمرًا مرهقًا ومزعجًا أكثر مما يظن المرء.
صحيح أن هيوبرت امتلأ بالغيظ بسبب أصله ودمه، لكن إليا لم يفكر يومًا في شيء كهذا.
لم يكن في نيته أن يصبح فارسًا لراجييل، ولا أن يفوز في بطولة القصر بشكل قاطع.
لقد كان يعرف أن الفائز محدد سلفًا.
كان ينوي التوقف عند حد معين، لكن حين تمسك بالسيف، لم يكن من السهل “التظاهر” بالضعف.
فقد بلغ من القوة عند سن الرابعة عشرة ما يجعله يهزم فارسًا إمبراطوريًا بسهولة.
بالنسبة له، كانت تلك مجرد لعبة أطفال.
لكن السبب الذي جعله يقرر الفوز كان رداءة مستوى البطولة.
بعض النبلاء الفتيان الذين كانوا يعرفون أن ترتيبهم مضمون استغلوا ذلك في التنمر، واعتقدوا أن خصومهم لن يجرؤوا على استخدام السيوف بجدية ضدهم.
وفي ذلك تعرض بعض المشاركين لإصابات خطيرة، حتى أن بعضهم، رغم مهارتهم الفائقة، لم يعد قادرًا على حمل السيف مجددًا.
هذا ما أثار غضب إليا، لا غير.
صحيح أنه كان الابن الرابع لعائلة كونت، لكنه كان في الحقيقة متبنًى.
ومرة واحدة فقط، التقى برفقة الكونت والده، بامرأة عاشت وحدها في الغابة، هي والدته.
كانت تمتلك من الجمال ما لم يره في الماضي ولا الحاضر ولن يراه في المستقبل.
‘إليا، أنت مختلف عن الآخرين.’
‘قوتك مميزة. لذا…’
‘استخدمها في ما تراه صوابًا.’
ومنذ أن وعى قوته، لم ينسَ إليا تلك الكلمات أبدًا.
التقط هيوبرت حركة إليا وهو يهاجمه من الخلف.
في اللحظة التي همّ فيها إليا بضربه، قال:
“قدرة خاصة.”
“ما… ما الذي…”
“تسارع مطلق.”
اختفى جسد إليا بسرعة جنونية وظهر إلى جانب هيوبرت وهو يشق جسده بمروره.
“كما توقعت… أمثالك… لا يصلحون إلا ل…”
قطع سيف إليا عنق هيوبرت وهو يعبره.
وبصوت الريح الممزقة، تدحرج رأس هيوبرت إلى الأسفل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 38"