كان هناك صبيٌ يمتطي ذئبًا فضيًّا ينظر من الأعلى إلى شرفة ليفونيا في الهواء.
الصبي، الذي يبدو أكبر من ليفونيا بثلاث أو أربع سنوات فقط، كان وسيمًا لدرجة أن وجهه يترك أثرًا عميقًا في الذاكرة من نظرة عابرة.
ليس من المفترض أن يُقال هذا عن طفل لا يتجاوز التاسعة من عمره، لكن شعره الأسود الداكن كالهاوية كان مهيبًا كأنما غطّى السماء الليليّة، وعيناه الذهبيتان اللامعتان كالشمس كانتا مبهرتين.
‘وجهٌ لم أره من قبل.’
لم يكن متواجدًا البتة في ذاكرة ليفونيا، التي لا تنسى أبدًا من تراه ولو مرة واحدة.
“من أنت؟”
لم يجب الصبي على سؤال ليفونيا.
فقط حدّق في الشرفة بهدوء، كأنما جاء ليتأكد من شيء.
“لم أكن أتوقع أن ينجح الأمر حقًا.”
“ماذا؟”
“من حسن الحظ أنكِ على قيد الحياة، أليس كذلك؟”
تمتم الصبي بكلمات غامضة بنفسه.
كان صوته المشبع بنوع من النشوة يبدو خطيرًا بشكل غريب.
أن يقول مرتين إن شخصًا حيًا لا يزال على قيد الحياة، يعني أنه فتًى يفتقر للآداب بالتأكيد.
“إذًا، سأحتاج إلى التحقق من الأمور القادمة أيضًا.”
“ماذا؟”
“هاه. سأراكِ لاحقًا.”
“ما معنى هذا… آه!”
قبل أن تكمل ليفونيا سؤالها، استدار الصبي الذي ألقى كلمات غريبة.
عندما قفز الذئب الفضي الذي يمتطيه، هبت ريح قوية لدرجة أنها جعلت فتح عينيها صعبًا.
وعندما فتحت ليفونيا عينيها مجددًا، كان الصبي قد اختفى.
‘…ما الذي حدث؟ هل نمت واقفة؟ هل كان حلمًا؟’
رمشت ليفونيا وهي تنظر إلى السماء الفارغة تمامًا.
* * *
‘نمت واقفة؟ مستحيل أن يكون ذلك حلمًا. تسك.’
تذكرت ليفونيا، وهي متكئة بوضعية مائلة تضع ذقنها على يدها، تلك الذكرى القصيرة من الليلة الماضية.
بسبب ذلك الصبي الذي جاء وغادر كما شاء، لم تنم طوال الليل وتقلبّت في فراشها.
‘قال بالتأكيد إنني على قيد الحياة. هل كان يظنني ميتة؟’
لكن مهما فكرت، كان وجهًا لم تره من قبل.
‘التفكير في مكان إخفاء الإرث يكفي ليجعل رأسي ينفجر، فمن يكون ذلك الصبي؟’
عضّت ليفونيا شفتيها وضغطت على صدغيها بقوة.
لكن أصابعها كانت ضعيفة جدًا، فلم يكن ذلك مفيدًا.
‘هل من الممكن أن يكون قد خلط بيني وبين شخص آخر؟’
لكن عندما تذكرت نظرته الحادة التي رمقها بها، بدا من المستحيل أن يكون قد أخطأ بشخص آخر.
‘لعله ليس مبعوثًا من البابا.’
هزّت ليفونيا رأسها بعد أن فكرت في هذا الاحتمال.
‘لو كان البابا هو من أرسله، لما غادر الليلة الماضية، بل لقتلني في الحال.’
فالبابا لم يُعلّم أبدًا أن يُترك الخصم حيًا.
‘لا أريد أن أتورط في مزيد من المتاعب.’
فجأة، أرسلت معدتها إشارة مزعجة.
بسبب النوم المتأخر، تأخر وقت الفطور، فأصبح هذا حالها.
الإنسان حقًا مخلوق متكيّف.
‘منذ متى وأنا أهتم بتناول الفطور؟’
في السابق، إذا فشلت في أداء المهام التي كلفها بها البابا، كانت تُسجن في زنزانة تحت الأرض وتُترك لتجوع أيامًا.
فهل يعقل أن تثور بسبب تفويت وجبة واحدة فقط؟
ضربت ليفونيا بطنها بكفها كأنها تعاقبه.
“لا تعتد على الشبع. إنه أمر مؤقت فقط.”
لكن استمر بطنها في الاحتجاج بصوت عالٍ رغم توبيخها.
“سأذهب لتناول الطعام لاحقًا. انتظر.”
واصل بطنها الاحتجاج، كأنه يطالب بالطعام فورًا.
“ألا تملك كبرياء؟”
“يا لها من معدة بلا كبرياء.”
تمتمت ليفونيا وهي تداعب بطنها كأنها تستسلم.
“حسنًا، أعلم أن هذا ليس وقت الكبرياء. إذا كنتِ بهذا الصخب، فليس لدي خيار.”
بعد أن بررت لنفسها، مدّت ليفونيا يدها وسحبت حبل الجرس لتعلن عن استيقاظها.
قررت أن تملأ بطنها أولًا ثم تفكر، فقد كان الصوت مزعجًا للغاية.
بعد إعلان الاستيقاظ بقليل، سُمع طرق على الباب.
قالت ليفونيا “ادخلوا”، فانفتح باب غرفة النوم ودخلت خادمتان.
” آنستي الأميرة، هل كانت ليلتكِ هانئة؟”
“صباح الخير، آنستي الأميرة. هل رأيتِ أحلامًا جميلة؟”
كانتا الخادمتان بيردي وبيكي، المسؤولتان عن خدمة ليفونيا في القصر الرئيسي.
هما اللتان ساعدتاها في الاستحمام والبحث عن ملابس الأمراء عندما وصلت إلى القصر لأول مرة.
“أجل.”
في البداية، كان اسم “فونيا” يجعلها تشعر بالحرج الشديد، لكن مع الوقت أصبحت تتقبله بلامبالاة.
على أي حال، لن تُدعى بهذا الاسم إلا أثناء وجودها في القصر، فالتفاعل معه في كل مرة كان أكثر إزعاجًا.
“سيدي الدوق تناول الإفطار مبكرًا اليوم بسبب جدول أعماله. أمرنا ألا نوقظكِ لتنامي جيدًا.”
“لا بأث.”
لم تعد تشعر بالحرج من نطقها السيء بسبب الإرهاق أثناء التفكير في أمور أخرى.
بعد أن غسلت وجهها وارتدت فستانًا، جلست ليفونيا أمام المرآة.
‘أعمال مزدحمة.’
تذكرت الخادمات اللواتي كن يعملن بجد لاستقبال ضيف يصل فجأة دون إشعار أثناء تجوالها في القصر مؤخرًا.
“هل ترغبين في تناول الإفطار اليوم في البيت الزجاجي الجميل في الحديقة؟”
سألت بيكي وهي تمشط شعر ليفونيا.
شعرها المجعد المتهالك، الذي كان متفاوت الطول ويصل إلى خصرها، أصبح الآن أكثر نعومة.
تخيلت ليفونيا البيت الزجاجي وهي تضفر شعرها في ضفيرتين جميلتين كالعادة.
البيت الزجاجي في الحديقة بعيد نسبيًا عن القصر الرئيسي.
‘آه، فهمت.’
ابتسمت ليفونيا.
“لماذا؟ ماذا عن غرفة الطعام؟”
سألت ليفونيا متظاهرة بعدم المعرفة.
أجابت بيردي، التي كانت تختار دبوس شعر جميل، بابتسامة:
“بسبب وصول ضيف اليوم، سيكون القصر الرئيسي مزدحمًا ومشوشًا. هل هناك وجبة إفطار معينة ترغبين بها؟ أخبريني وسأبلغ الطاهي!”
“همم، أي شيء جيد.”
أومأت ليفونيا وهي تتفحص تعبيرات بيردي وبيكي عبر المرآة.
تنفست الخادمتان الصعداء عند إجابتها.
تأكدت ليفونيا.
‘يبدو أن أتباع كرايتان قد وصلوا.’
ابتسمت ليفونيا كأنها كانت تنتظر هذا.
لم يخبرها أحد بقدوم الأتباع، لكن هذا كان متوقعًا.
ليس من الشائع أن يُستقبل ضيوف في القصر الرئيسي بكل احترام دون إشعار مسبق.
كان من السهل استنتاج ذلك بقليل من التفكير.
‘يبدو أنهم يهرعون لمعارضة خبر تبنّيي.’
هكذا هي المجتمعات الأرستقراطية.
الأتباع يقسمون بالولاء لعائلة الدوق، ويصححون مسارها إذا انحرف.
لا يمكن أن يتقبل أحد بسهولة فكرة تبنّي طفلة مجهولة الهوية فجأة كابنة.
‘من الأساس، كان من الغريب أن يتم التبني بسهولة دون أي معارضة.’
بفضل تعليم البابا لها عن المجتمع الأرستقراطي، شعرت أن هذا تطور طبيعي.
‘بما أن الوثائق قد قُدّمت إلى القصر الإمبراطوري، فلن يتم إلغاء التبني ما لم يغير الدوق رأيه.’
ربما بسبب الوثائق، لم تشعر ليفونيا بالقلق رغم قدوم الأتباع.
تبنّى دوق كرايتان ليفونيا للتخفيف من شعوره بالذنب تجاه ابنته المفقودة.
لذا، لم يكن هناك سبب بعد ليُغيّر رأيه ويلغي التبني.
‘لحسن الحظ أنني أسرعت بإكمال الوثائق وتقديمها إلى القصر الإمبراطوري، حتى لو كان ذلك بقطع يدي.’
نظرت إلى إصبعها الذي شُفي دون ترك ندبة بفضل العلاج السريع.
‘سيكون القصر الرئيسي صاخبًا لبضعة أيام.’
على أي حال، لا يمكن تغيير النتيجة، لكن الأتباع لن يتراجعوا بسهولة بعد أن وصلوا إلى هنا.
من المؤكد أنهم سيبقون في القصر لبضعة أيام للضغط على ليفونيا، لأنهم لن يتفقوا مع الدوق.
‘هناك طريقة لمساعدة العائلة في حل الأمور بطريقة جيدة وإثبات فائدتي للأتباع.’
لكن ليفونيا لم تكن تنوي التدخل في شؤون العائلة.
إذا كانت العائلة بحاجة إلى تدخل طفلة لحل مشاكلها، لكانت قد انهارت منذ زمن.
هذه مسؤولية رب الأسرة.
ليفونيا ليست ربّة الأسرة، فلماذا تتولى الأمور؟ إلا إذا أُعطيت منصب رب الأسرة.
‘جاء في الوقت المناسب.’
ضربت ليفونيا بطنها المقرقر وكأنها تأمره بالصبر.
“…بيردي.”
“نعم، آنستي الأميرة.”
“هل سمو الدوق في قاعة الاجتماعات الآن؟”
“نعم؟”
لم تطلب ليفونيا رؤية الدوق من قبل، فبدت بيردي مرتبكة من سؤالها المفاجئ.
عندما رفعت بيردي وجهها المرتبك، التقت عيناها بعيني ليفونيا التي كانت تراقبها عبر المرآة.
حاولت بيردي تفادي النظرة.
كان هذا كافيًا كإجابة.
“هيا.”
دون قصد، أصدرت ليفونيا صوتًا عاليًا وهي تقفز من الكرسي.
“آنستي الأميرة، إلى أين تذهبين؟”
تحركت ليفونيا بأطرافها القصيرة بسرعة لتغادر غرفة النوم، وتبعتها بيردي وبيكي.
“آمم، سأرى سمو الدوق.”
“…نعم؟”
لم تكن ليفونيا تنوي شرح المزيد، فتذكّرت موقع قاعة الاجتماعات وسارت بخطوات صغيرة سريعة في الممر.
* * *
قاعة الاجتماعات
“التبني فجأة؟ لقد اتخذت قرارًا متسرعًا، سيدي الدوق.”
“إذا كانت الطفلة قد لفتت انتباهك، كان يجب أن تكتف برعايتها، سيدي الدوق.”
كانت قاعة الاجتماعات صاخبة بسبب الأتباع الذين تدفقوا إليها.
“ليس الأمر أننا لا نرحب بالأميرة الجديدة. لكن إذا طمعت تلك الطفلة في أصول عائلة الدوق لاحقًا—”
“ماذا قال السيد هافيليان والسيد الصغير فيلينيس؟”
“الآن ليس وقت هذا. بما أن التبني قد تم، يجب أولًا التأكد من هويتها. هل تم التحقق من خلو نسبها من أي جرم، سيدي الدوق؟”
“هل تقبلون التبني؟ إنها طفلة لا نعرف من أنجبها أو أين وكيف ترعرعت. ماذا لو كانت مصابة بمرض معدٍ؟”
“لكن بدلًا من إضاعة الوقت في البحث عن الأميرة المفقودة التي لا نعرف إن كانت حيّة أو ميتة—”
بام!
ضرب دوق كرايتان، الذي كان صامتًا وهو يضغط على صدغه، الطاولة بقوة بكفه المشبع بالهالة.
لحسن الحظ، لم تنكسر الطاولة المصنوعة بالسحر، لكنها اهتزت.
سكت جميع الأتباع من هيبة الغضب المنبعث من ذلك الاهتزاز.
“أعطيتكم حرية التحدث، فتجاوزتم حدودكم.”
شعروا وكأن صوته الخشن يخنق أنفاسهم.
“هل يجب أن أطلب إذنكم لتبني ابنتي؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"