رفعت ليفونيا رأسها الذي كان متكسًا.
“أتقدّم بتحيّتي إلى سموّ الدّوق!”
قام الفارس الذي كان يحمل ليفونيا بتحيّة عسكريّة بجسدٍ متصلب.
“كان هناك ضجيجٌ منذ قليل.”
بسبب وقوفه عكس أشعة الشّمس، لم تتمكّن من رؤية وجهه بوضوح.
لكن، ربما بسبب طوله الذي يفوق الفارس بكثيرٍ، شعرت بضغطٍ جعل جسدها ينتفض.
“وما هذا؟”
“سمو الدوق! ، تلقّينا بلاغًا عن طفلة تتجوّل دون وصي، وكنت في طريقي لأخذها إلى دار الأيتام.”
الدّوق.
لقد ناداه الفارس بـ”سموّ الدّوق” بوضوح.
في هذه الإمبراطورية، الشخص الذي يُطلق عليه لقب الدّوق هو…
عندما التقت عيناها بعينيه الزّرقاوين الباردتين كالجليد، توقّفت عن التّنفس دون وعي.
تطاير شعره الفضي النّاعم.
كان لونه مشابهًا لشعر ليفونيا، لكن، على عكس شعرها المتّسخ، بدا كضوءَ قمرٍ متألّق.
حامي السّلام والأمان، الشّريف النّزيه.
إنّه دوق كرايتان نفسه.
كمستخدمٍ للهالة، لم يتقدّم في العمر ظاهريًا، مما جعل من الصّعب تصديق أنّه والد ولدَين وابنةٍ مفقودة، إذ بدا شابًا للغاية.
‘إذن، هذا الفارس كان من فرسان عائلة دوق كرايتان.’
حدّقت ليفونيا في زيّ الفارس الذي يحملها.
كان الزّي الأزرق يُرتدى حصريًا من قبل فرسان عائلة دوق كرايتان في الإمبراطورية.
‘كان يجب أن ألاحظَ ذلكَ من البداية.’
لم تُصب ذاكرتها بالضّعف لأنّها أصبحت طفلة، لكن الارتباك منعها من ملاحظةِ حتى هذه التّفاصيل.
“طفلة؟”
حوّل دوق كرايتان نظره نحو ليفونيا التي كانت في حضن الفارس.
التقت أعينهما. في تلك اللحظة، اهتزّت عيناه، اللتين بدتا وكأنّهما لن تتزعزعا مهما حدث، للمرّة الأولى.
“…ليليلا؟”
تمتم دوق كرايتان بصوتٍ يملؤه اليأسَ.
“ليليلا؟ ما هذا؟’
عبست ليفونيا. في الوقت ذاته، اقترب منها الدّوق بوجهٍ مذهول.
كان مخيفًا عندما كانت بالغةً، لكن لقاءه وهي في الخامسة جعلها تشعرُ بالرّعب أكثر.
“ما اسمكِ؟”
سأل الدّوق بنبرةٍ متعجّلة إلى حدٍ ما.
“ليـ-ليفونيا.”
تحت وطأة هيبته، أجابت ليفونيا باسمها الحقيقي دون وعيَ.
“كم عمركِ؟”
“خمس سنوات.”
“ووالداكِ؟”
هزّت ليفونيا رأسها بسرعةٍ. أشار الدّوق إلى الفارس كأنّه يطلب تفسيرًا مفصّلًا.
“آه، عندما سألتها، قالت إنّهما غير موجودَين. آمم… قالت إنّها تُرِكَت. يبدو أنّها كانت تعيش بمفردها في منزلٍ بلا مالك.”
‘إنّه منزلي!’
“تُرِكَت؟”
نظر دوق كرايتان إلى ليفونيا بعبوسٍ على جبينه. تحت هيبته الشّرسة، أخفضت ليفونيا عينيها بهدوء.
“…كنتَ سـتأخذ الطّفلة إلى دار الأيتام؟”
“نعم.”
“وماذا بعد ذلك؟”
“ماذا؟”
“بعد أن تأخذها إلى دار الأيتام، ماذا يحدث؟”
“آمم… أوّلًا، يتمّ التحقّق من هويّتها ووالدَيها.”
“الطّفلة قالت اسمها بوضوح وأكّدت أنّها تُرِكَت. ماذا بعد ذلك؟”
“آمم، حسنًا، ستعيش في دار الأيتام، ثم إذا جاء شخص يرغب في تبنّيها أو جهةٌ راعية، ستنتقل إليهم.”
“حقًا؟”
قبل أن ينتهي الفارس من كلامه، مدّ الدّوق ذراعيه نحو ليفونيا التي كانت في حضن الفارسَ.
‘ماذا؟’
أمسكت يداه الكبيرتان تحت ذراعيها ورفعها بسهولةٍ.
‘آه؟’
رمشت ليفونيا بعينيها ونظرت إلى الدّوق الذي يحملها.
فجأة، انبثقت هالةٌ غامضة بلا شكل من جسد دوق كرايتان، وتدفّقت نحو ليفونيا.
“آه!”
صرخت مفاجأةً، لكنّها لم تشعر بألم.
‘هل هذه… الهالة؟’
عبس الدّوق كأنّه يحاول تقييم شيءٍ ما، واستمرّ في إطلاق الهالة.
‘هل اكتشف أنّني مجرمةٌ؟!’
ابتلعت ليفونيا ريقها بصعوبة.
“…لا، ليس كذلك. لكن، هناك شيء، همم.”
لحسن الحظ، يبدو أنّه لم يكتشفها، إذ سحب الدّوق هالته.
ناداه الفارس المرتبك الذي كان يراقب الموقف من الجانب:
“سمو الدّوق؟”
“لا داعي لذلك.”
“ماذا؟”
“لا حاجة لأخذها إلى دار الأيتام.”
التقت أعينهما. دارت مشاعر غامضة في عينيه الزّرقاوين.
“سآخذ هذه الطّفلة معي.”
“ماذا؟”
“عفوًا؟”
ما الذي يحدثُ فجأة؟
* * *
كسر صوت عجلات العربة المتمرّغة الصّمت الهادئ.
‘ما هذا الموقف بالضّبط؟’
عانقت ليفونيا ركبتيها المرفوعتين بإحكام، وحدّقت بعيونٍ مليئةٍ بالحذرِ نحو الدّوق الجالس أمامها.
دوق كرايتان.
لأسبابٍ مجهولة، كان يجلس أمامها مباشرة.
‘إلى أين يأخذني؟’
لاحظ الدّوق نظرات ليفونيا الحادّة، فحوّل رأسه الذي كان ينظر خارج العربة.
شعرت بعينيه الزّرقاوين المتلألئتين كأنّهما تجمّدان من يراهما من فرط برودتهما.
أمسكت ليفونيا يديها المشدودتين بقوّةٍ وسألت بجرأةٍ:
“إلى أين تأخذنيَ؟”
على عكس تعبيرها الجاد، خرج صوتها كنبرةِ طفلةٍ مرحة.
نظر الدّوق إليها بنظرةٍ كسولة، وهو يسند ذقنه، ثم فتح فمه:
“قلتِ إنّكِ في الخامسة، أليس كذلك؟”
مسح الدّوق ذقنه.
“صغيرةٌ.”
عبست ليفونيا لتعليقه المفاجئ بأنّها صغيرةٌ.
في الحقيقة، كانت أصغر من أقرانها في دار الأيتام، فلم تستطع نفي ذلك.
“…قالوا إنّ الطّفل الصّغير ينمو أكثر عندما يكبر.”
بالطّبع، حتى بعد أن أصبحت بالغةً، لم تكن أطول من الآخرين.
“حقًا؟ عليكِ بذل المزيد من الجهد إذنَ.”
ضحك الدّوق بخفّة.
‘على الأقل، هذا أفضل من تجاهله التّام.’
نظرت ليفونيا إلى الدّوق بعيونٍ مليئة بالحذر.
“اسمكِ ليفونيا، صحيح؟”
انتفضت ليفونيا عند سماع اسمها.
“…نعم.”
شعرت بالارتباك لأنّها كشفت اسمها الحقيقي دون قصد، لكنّها هدّأت نفسها ورتّبت الموقف بهدوء.
“هل تنوي بيعي؟”
“هل يبدو الأمر كذلكَ؟”
أجاب الدّوق على سؤالها بسؤال.
“…لا أعرف.”
حتى مديرة دار الأيتام، التي كانت تُشاد برعايتها للأطفال، كانت تبيع الأطفال الذين بلغوا سنًا معيّنًا سرًا لتحقيق الرّبح.
وحتى البابا المقدّس والطّاهر لم يكن مختلفًا كثيرًا.
فما الذي يجعل دوق كرايتان النّزيه مختلفًا؟
حتى لو نجحت في القفز من العربة المتحرّكة، فإنّ جسدها البالغ من العمر خمس سنوات لن يتمكّن من الهرب بعيدًا قبل أن تُقبَض عليها.
تلك كانت حدود كونها في الخامسة.
لذا، من الأفضل أن تحاول إقناع دوق كرايتان هنا.
“لن تحصل على الكثير إذا بعتني.”
تمتمت ليفونيا كتحذيرٍ وهي تعانق ركبتيها بقوّة.
“من سيُنفق مالًا كبيرًا لشرائي؟
أبدو هزيلة وكأنّني لا أستطيع أداء أي عملٍ بشكلٍ جيّد. لن أُقبل حتى في سوق المزادات. وبما أنّني لا أبدو بصحّةٍ جيّدة، فلن يهتمّ حتى المنحرفون الذين يشترون دماء الأطفال.”
مع استمرار كلام ليفونيا الجريء، تصلّبَ وجه الدّوق تدريجيًا.
يبدو أنّه شعر بالضّيق لسماع أنّها لا تساوي شيئًا.
“هل تعرفين ما هو المزاد؟”
“بيع وشراء الأشياء.”
أجابت ليفونيا على الفور.
“وتعرفين هذا وتتحدّثين عن سوق المزادات… هه، حسنًا، دعينا من ذلك. أنتِ تعرفين الكثير، أليس كذلك؟”
“سمعت الفارس يناديك بسموّ الدّوق. أخبركَ بهذا لأنّك ربما لا تعرفُ.”
بعد حديثها الطّويل، بدأ نطقها يتعثّر.
لسان طفلةٍ في الخامسة كان محرجًا حقًا.
“من أخبركِ بهذه الأشياء؟”
“سمعتها هنا وهناك. ليست كذبةً، إنّها الحقيقة. يمكنك التحقّق بنفسكَ. لن تحصل على الكثير إذا بعتني.”
“هل يفترض أن أشكركِ على إخباري بذلكَ؟ شكرًا.”
كان وجه دوق كرايتان، وهو يقول “شكرًا”، مليئًا بالغضب القاتل.
تجمّد فمها من الخوف، لكن كان عليها أن تستمرّ في الحديث.
“فقط وظّفني كخادمة.”
“خادمة؟”
“أنا جيّدة في العمل.”
كان هذا هو الجزء الأوّل من خطّة ليفونيا الأصليّة: العمل كخادمة في عائلة دوق كرايتان لسرقة التّحفة.
على الرّغم من أنّ الأمور جرت بشكلٍ مختلف قليلًا ولم تتحقّق من التّحفة بعد، إلا أنّ هذه كانت فرصةً.
“أنا جيّدة في التّنظيف والغسيل، وأفضل في التّرتيب.”
من آداب النّبلاء إلى التّنظيف والغسيل والتّرتيب، لم يكن هناك شيء لم تتعلّمه.
كانت ليفونيا واثقةً من كلّ شيء.
“ألم تقوليَ للتو إنّكِ هزيلةٌ وتبدين وكأنّكِ لا تستطيعين أداء أي عملٍ بشكلٍ جيّد؟”
“قلتُ إنّني أبدو كذلك، لم أقل إنّني كذلك. أبدو مريضة، لذا لا يرى الجميع الموهبة الرّائعة، لكنّني أعطيك فرصة، سموّ الدّوق. موهبة رائعة مثلي… آه.”
توقّفت عن الكلام عندما أمسكت يدٌ كبيرة بمعصمها.
رفع دوق كرايتان كمّها قليلًا.
تحت الكمّ الفضفاض، ظهر معصمٌ نحيلٌ للغاية.
“موهبة رائعة؟ لا يبدو أنّكِ مناسبة لعمل الخادمة.”
“…أنا صغيرة، لذا أستطيع العمل بقليل من الطّعام. لا أكلّف الكثير من النّفقات، وراتبي قليل، لذا أنا اقتصاديّة.”
“هاه.”
تنهّد دوق كرايتان وهو يُطلق معصمها بحذرٍ.
هل أخطأت؟ هذه هي أفضل خطّة لديها الآن.
عضّت ليفونيا شفتيها وأعادت شرح قيمتها:
“لأنّني صغيرةٌ، عظامي أقلّ عرضة للكسر، وإذا كُسرت، تلتئم بسرعة. حتى لو كسرت عظمًا أثناء حمل شيء ثقيل، سيلتئم بسرعة، فيمكنك تكليفي بأي شيء-”
“كفى.”
قاطعها دوق كرايتان بحزم.
“يبدو أنّكِ أسأتِ الفهم. ليس لديّ نية لبيعكِ، ولا أنوي توظيفكِ كخادمة.”
“…ماذا؟”
رمشت ليفونيا بعينيها. في تلك اللحظة، توقّفت العربة، كما لو أنّهم وصلوا إلى وجهتهم.
نهض دوق كرايتان، وكأنّه كان منتظرًا، فُتح باب العربة.
‘أين نحنُ، ما هذا المكانُ؟’
ألقت ليفونيا نظرة خاطفة خارج العربة باندهاشٍ.
“آه!”
شهقت بصوتٍ عالٍ. خارج العربة، كان هناك العديد من الخدم ينحنون تحيّةً للدّوق.
وخلفهم، كان هناك قصرٌ ضخمٌ يمكن أن يُسمّى قلعة.
‘هنا…’
ارتجفت عينا ليفونيا.
‘قصر دوق كرايتان!’
لماذا أنا هنا؟
صحيح أنّني خطّطت للتّسلل، لكن… هل هذا يُعتبر تسللًا؟
عبر باب العربة المفتوح، سمعت أصوات الخدم يحيّون:
“مرحبًا بعودتكَ، سيدي سمو دوق كرايتان.”
دوق كرايتان.
سماع اسمه بأذنيها مباشرةً جعل جسدها يرتجف.
كانت ليفونيا الآن في قلب معسكر العدو، بلا سلاحٍ، وحيدةً.
‘هل اكتشف من أنا وأحضرني للقبض عليّ؟’
في هذه اللحظة، كان هذا هو الاحتمال الأكثر ترجيحًا.
إن لم يكن كذلك، فلن يُحضر الدّوق شخصًا غريبًا إلى قصرٍ محروس بشدّةٍ.
‘لم أنتبه حتى وأنا أُسحَب إلى معسكر العدو.’
أمسكت ليفونيا رأسها الصّغير بيديها الصّغيرتين.
مع وجود العديد من فرسان عائلة كرايتان في القصر، لن تتمكّن من الهربِ.
إذن، كيف ستبقى على قيد الحياة؟
“ماذا تفعلين؟”
بينما كانت ليفونيا تفكّر بجديّة، اقتربت يدٌ كبيرة من أمامها.
كانت يد دوق كرايتان.
نظرت ليفونيا إلى اليد الممدودة وهي ترمشُ.
ماذا يفترض أن أفعل بهذه اليد؟
هل يعني أنهُ يريدُ أن أعترف بكلّ شيء؟
“هاه.”
تنهّد الدّوق فوق رأس ليفونيا التي كانت تفكّر بجديّة.
ثم أمسك يدها الصّغيرة بلطفٍ.
“تعَالي معي.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"