نظرتْ ليفونيا إلى وجهِها المنعكسِ في المرآة، بعد أنْ صعدتْ على صندوقٍ استخدمتْه كمنصّة.
خمسُ سنوات.
كانتْ تمامًا كما كانتْ عندما كانتْ تعيش في دارِ الأيتام.
شعرُها الفضيُّ المموجُ قليلًا، الذي كانتْ تضغط عليه بكفّيها عندما يتطاير بسبب الرياح.
عيناها الحمراوان، اللتان لم تُعجباها لأنهما كانتا تُشبهان الدم.
حتى أطرافُها النحيلةُ كأغصانِ الشجرِ الجافة، التي كانتْ تكره رؤيتَها بسبب نقصِ التغذية، كانتْ كما هي.
“ماذا أفعل الآن؟”
آه، لسانُها الخاصُّ بهذه السنِّ الخامسة.
إذا لم تضعْ قوةً في كلامِها، يتحرّك لسانُها بحرية، مما يجعل النطقَ غيرَ دقيقٍ.
دفنتْ ليفونيا وجهَها في كفّيها الصغيرتين، محاولةً إيجادَ سببٍ لهذا.
من خلالِ فجوةٍ بين أصابعِها، رأتْ زجاجةَ دواءٍ صغيرةٍ ملقاةً على الأرض، تحتوي على بقايا سائلٍ ورديٍّ طفيف.
“…جرعةُ التصغير.”
عبستْ ليفونيا وأمسكتْ بالزجاجةِ الفارغة.
“هذه ليست جرعةَ التصغير.”
تمتمتْ ليفونيا بنطقٍ واضح، واضعةً قوةً في لسانِها.
“أنا متأكدة أنني اشتريتُ جرعتين زرقاوين في ذلك الوقت.”
كانت الجرعات التي اشترتْها بالتأكيد زرقاء.
هزّتْ ليفونيا الزجاجة الفارغة التي تحتوي على بقايا السائل الوردي.
“شخصٌ ما استبدلَ الدواء.”
مذهولةً من تمتمتِها، نظرتْ ليفونيا حولَها بسرعة.
تساقطَ عرقٌ باردٌ على ظهرِها.
شعرتْ بقشعريرةٍ في جسدِها.
“لا أحد يعرف هذا المنزل.”
كان منزلًا اشترته سرًا بهويةِ رجلٍ عاديٍّ مزيفة.
لم يكن من المفترض أنْ يعرف أحدٌ بوجودِه.
‘لو كان هذا سمًا…’
لو شربتْه دون شك، لكانتْ ماتتْ على الفور.
عندما وصلتْ أفكارُها إلى هذه النقطة، نهضتْ ليفونيا فجأة وبحثتْ في المنزل بأكملهِ.
فحصتْ جميعَ الأماكن التي يمكن لأحدٍ أن يختبئ فيها، ولحسن الحظ، لم يكن هناك أحدٌ مختبئ.
“اهدئي.”
يجب أنْ أهدئ أولًا.
‘ليس البابا.’
لو كان البابا من فعلَ هذا، لكان قد وضعَ سمًا حقيقيًا بدلًا من دواءٍ يجعلني أصغر.
‘إذًا، هل هم الإخوة؟’
جلستْ ليفونيا، متقاطعةً ساقيِها القصيرتين، على كرسي.
كان البابا يحبُّ ليفونيا، الطالبةَ المتميزة.
لذا، على عكسِ الآخرين، كان يتركُها على قيدِ الحياة حتى لو فشلتْ في مهمتِها.
كان حبُّه عبارةً عن السيطرة، التحكم والتملك.
كان من الطبيعي أنْ يغار إخوتُها من ليفونيا، التي كانت شوكةً في أعينِهم، ويخططون لقتلِها أو خطفِها.
“هاه.”
لو عرف إخوتُها أن ليفونيا أصبحتْ طفلةً في الخامسةِ من عمرِها، لكانوا سيبدؤون الرقصَ بالسيوف من الفرحِ.
لذا، يجب أنْ تخفيَ حالتها الحالية بأيّ ثمن.
“ربما بعد يوم، سأعود إلى حالتي الطبيعية.”
عضّتْ ليفونيا شفتيها الحمراوين الناعمتين بحركةٍ لطيفة.
“أولًا…”
أمسكتْ ليفونيا قبضتيها الصغيرتين بتصميم.
“يجب أنْ أغيّر ملابسي.”
قفزتْ ليفونيا، البالغة من العمر خمس سنوات، من الكرسي ومشتْ بخطواتٍ صغيرةٍ سريعة.
***
“لقد فشلتُ.”
لم أعدْ إلى حالتي الطبيعية.
هذا اللسانُ المعطّل لا يعمل بشكلٍ صحيح.
“فشلتُ تمامًا.”
جسدي لم يعُدْ أيضًا.
“إلى متى سأظلُّ في الخامسة؟!”
بعد أن عاشتْ في الكوخِ لبضعةِ أيام، تأملتْ أن يعود جسدُها إلى حالته الطبيعية، لكن لم تظهر أيّ علامةٍ على ذلك.
على الرغم من أن الجرحَ على ظهرِ يدِها قد التأم، إلا أن جسدَها ظلّ كما هو.
وعلاوةً على ذلك، يبدو أن طفولتَها المرضية قد انعكستْ على هذا الجسد، حيث كانتْ تلهثُ بعد الجري قليلًا، وأطرافُها ضعيفةٌ.
حتى الملابسُ الصغيرة التي جمعتْها من المهملات، كانت فضفاضةً عليها.
بل إن يديها كانتا ضعيفتين لدرجة أنها لم تستطع التعامل مع السكينِ بشكلٍ صحيح، فكانتْ تتناولُ التفاحَ بقشرتهِ.
كانت هناك مزايا، مثل استعادةِ الطاقة بسرعةٍ بعد النومِ قليلًا، والشعورِ بالشبعِ بكميةِ طعامٍ قليلة، مما يقلل من تكاليفِ الطعام، لكن هذا الوضع لم يكن مقبولًا.
“لا يمكنني أداءُ المهمة بهذا الجسد.”
كان خطتَها الأصلية هي تناولُ جرعةِ التصغير، والتحققُ من الكنزِ العائلي، ثم الحصولُ على وظيفةٍ كخادمةٍ في قصرِ دوق كرايتان.
كانت تخططُ للتظاهرِ بالعملِ كخادمة، ثم سرقةِ الكنزِ والفرار، لكن…
‘بجسدِ طفلةٍ في الخامسة، لن أتمكن حتى من عبورِ مدخلِ قصر كرايتان.’
من سيوظف طفلةً في الخامسة كخادمة؟
وضعتْ ليفونيا يدَها الصغيرة على جبهتِها.
‘لو أستطيعُ تناول جرعةِ إبطال…’
المشكلة هي أن جرعةَ الإبطال باهظةُ الثمن للغاية.
حتى جرعةُ التصغير اشترتْها بصعوبةٍ، بعد أن أنفقتْ كلّ مدّخراتِها.
كانت جرعةُ الإبطال تكلّف ثلاثةَ أضعافِ سعرِ جرعةِ التصغير.
ومع هذا الجسد، لا تستطيعُ العمل، لذا لا توجدُ طريقةٌ لجمعِ المال.
‘بما أنني لا أعرفُ بالضبط أيّ جرعةٍ تناولتُ، يجب ألا أتناولَ جرعاتٍ أخرى بشكلٍ عشوائي.’
عضّتْ ليفونيا شفتيها.
“إذا وقع في يدي، سأجعلُه يندمُ.”
– طق، طق.
في تلك اللحظة، طرق أحدُهم الباب.
هل هناك من يمكن أن يأتي إلى هذا الكوخ؟
‘هل هو الشخصُ الذي استبدلَ الجرعة؟’
بما أنهم استبدلوا الجرعة، ربما جاؤوا للتحقّق من الوضع.
‘لا يبدو أنهم إخوتي من الجانبِ الآخرِ من الباب.’
لو كانوا إخوتي، لكانوا رمَوا سيفًا بدلًا من الطرقِ على الباب.
مشتْ ليفونيا ببطء نحو البابِ الأمامي.
“من أنثَ؟”
آه، هذا اللسانُ حقًا.
حرّكتْ ليفونيا لسانَها، ووضعتْ قوةً في صوتِها، وسألتْ مرةً أخرى.
”من أنتَ؟”
“همم. جئتُ لأسأل عن شيء، هل يوجد بالغون هنا؟”
جاء سؤالٌ مهذّب من الجانب الآخر من الباب.
‘بالغون؟’
يجب أن أفتح الباب أولًا، أليس كذلك؟
أمالت ليفونيا رأسها وفتحت الباب بحذرْ.
خلف الباب، كانت هناك سيدةٌ من الجيران التي صادفتْها أثناء جمع الملابس، وفارس.
ربما لأنها تنظر إليهما من منظورِ طفلة، شعرتْ بأنّ كتفيها تنكمشان لا إراديًا.
“…من؟”
سألتْ ليفونيا، وهي تدحرج عينيها.
“مرحبًا.”
حيّاها الفارس بصوتٍ ناعم، وهو يلوّح بيده.
وفي الوقت نفسه، ألقى نظرةً حادة داخل المنزل.
أغلقت ليفونيا الباب قليلًا بنظرةٍ حذرة.
عندها، أعاد الفارس توجيه نظرته بسرعة، وجلس على مستوى عينيها، مبتسمًا بلطفٍ.
“أليس هناك بالغون آخرون داخل المنزل؟”
“لماذا؟”
“هل خرجوا؟”
هزّت ليفونيا رأسَها.
‘إنهم يتحققون مما إذا كنت أخفي شخصًا مطلوبًا أو مجرمًا.’
بفضل تجربتها في مطاردتها من قبل حراسِ الأمن في العاصمة، أدركت ليفونيا نوايا الفارس على الفور.
عندما يهرب مجرم، يتحقّق حراس الأمن من كل منزل للتأكّد مما إذا كان هناك شخصٌ مختبئ.
‘مُحال.’
ابتسمتْ ليفونيا ببراءةٍ كطفلة، وهزّت رأسها.
“أعيش هنا وحدي.”
تبادل الفارس والسيدة المجاورة نظراتٍ محيّرة عند سماعِ رد ليفونيا الجريء.
“يمكنكما الدخول والتحقّق. لا يوجد أحد هنا غيري حقًا.”
رفعتْ ليفونيا ذقنها، وابتسمت بثقةٍ، وفتحت الباب على مصراعيه.
“ووالداكِ؟”
“غير موجودينَ.”
“إلى أين ذهبا؟”
“لم يكونا موجودين من الأساس. لقد تخلّيا عني منذ ولادتي.”
“أليس لديك وصي أو أقارب أو بالغون قريبون؟”
“لا، أعيش هنا وحدي دائمًا.”
كلّما أجابت، زاد التعاطف في عيون الاثنين.
“أرأيت؟ قلتُ إن هناك طفلةً تعيش بمفردها، أليس كذلك؟”
…ماذا؟
“همم. يبدو كذلك.”
ماذا؟
أبلغوا عن طفلةٍ تعيش بمفردها؟
‘هل يتحدثون عني؟’
ارتجفتْ عينا ليفونيا.
“يبدو أنّ هذا المنزل كان خاليًا لفترةٍ طويلة… ربما استغلّت الطفلة المنزل الخالي وعاشتْ فيه بمفردها.”
لا، أنا صاحبةُ هذا المنزل التي تغيب عنه لفتراتٍ طويلة.
“شكرًا على الإبلاغ. سنتولّى حماية هذه الطفلة… يا صغيرتي، العيش هنا بمفردك خطر. قد يأتي أشخاصٌ سيئون، وإذا مرضتِ، لن يكون هناك من يساعدك.”
يبدو أن الأمور تسير بشكلٍ خاطئ.
“…أنا بخير.”
“قد تبدين بخير الآن، لكن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق. أنتِ لا تزالين طفلة وتحتاجين إلى وصي.”
عبستْ ليفونيا.
عندما كانت بحاجةٍ فعلية إلى الحماية، لم يمدّ أحدٌ يد العون.
فلماذا يفعلون هذا الآن؟
“هذه فوضى.”
رفضتْ ليفونيا بشدّة.
لكن، بالطبع، لم ينجح ذلك.
“تعالي إلى هنا. سأخذك إلى مكان آمن.”
“إلى أين ستأخذُ الطفلةَ؟”
تحدثتْ السيدة والفارس معًا، متجاهلين ليفونيا.
“سنأخذها أولًا إلى دار الأيتام، ثم نتحقق من هويتها ووالديها. سأتابع الأمر، فلا داعي للقلقِ.”
رفعتْ ليفونيا رأسها فجأة.
ماذا قال للتو؟
دار الأيتام؟
“هناك دار أيتامٍ جيدة التجهيزات قريبة من هنا. يُقال إن مديرها شخصٌ طيّب.”
الآن، يقولون إنهم سيرسلونني إلى دار الأيتام؟
ذلك الجحيم… سأعود إليهِ مرةً أخرى؟
“أنا…”
أنزل الاثنان رأسيهما عند سماع صوتِ الطفلة المرتجفَ بضعفٍ.
“لن أذهب.”
“أوه، يبدو أنكِ خائفة جدًا. لا بأس، يا صغيرتي. هذا الفارس يريد أن يأخذك إلى مكان دافئ مليء بالأصدقاءِ.”
لا، كيف يكون ذلك مكانًا دافئًا؟
“لن أذهب. لا تلمسني.”
“خائفةٌ، أليس كذلك؟ لا بأس، لا بأس.”
ابتسم الفارس ومدّ يديه نحو ليفونيا المذعورة.
حاولتْ الابتعاد بسرعةٍ، لكن لم يكن من السهل تفادي يدي الفارس بجسدِ طفلةٍ في الخامسة.
“اتُركني! قلتُ اتُركني! لا أحتاجُ إلى هِذا!”
ضربتْ ليفونيا الفارس بقبضتيها الصغيرتين، وناضلتْ بكلّ قوتها، لكن دون جدوى.
شكر الفارس السيدة، ومشى، حاملًا ليفونيا التي كانت تصرخُ وتناضلِ.
“كنتِ وحيدةً، أليس كذلك؟ عندما نصل، سيكون هناك الكثير من الأصدقاء، وستأكلين الكثير من الطعام، وستعيشين في مكان دافئٍ.”
“أنزلني! قلتُ إنني لن أذهب! هذا اختطاف!”
“لا بأس. نحن نحاول مساعدتكِ حقًا.”
“أقول إنني لا أريد الذهاب إلى هناك!”
ذلك المكان، ذلك الجحيم.
تذكرتْ ليفونيا ما مرّتْ به عندما كانت في الخامسة، وناضلتْ يائسةً.
بذلتْ ليفونيا كل جهدها للتحرّر من ذراعي الفارس.
لكن، كانت ذراعيه قويتين للغايةِ، ولم يكن الأمر سهلًا.
‘أنا الآن في جسدِ طفلة في الخامسة.’
بجسدِ طفلةٍ في الخامسة، لا يمكنها الإفلات من ذراعي فارسٍ مدرّب.
‘إذا صرختُ هنا، هل سيساعدني أحد؟’
عضّتْ ليفونيا شفتيها الصغيرتين بقوةٍ.
لا.
لا أحد سيأتي لمساعدتي.
الناس، على عكسِ المتوقع، لا يهتمّون بمشاكل الآخرين.
لو كان هناك من سيمدّ يد العونَ لي…
عندما كنتُ طفلة في الخامسة حقًا، وهربتُ من دار الأيتام صارخةً طلبًا للمساعدة.
عندما كنتُ أبكي وأتوسل لإنقاذي، وأنا أُضرب في دارِ الأيتام.
لكان أحدهم ساعدني.
ربما يكون من الأفضل الذهاب إلى دار الأيتام الآن، ثم الهروب مرةً أخرى…
“ما هذا الضجيج؟”
بينما كانت ليفونيا تخطط للهروب من دار الأيتام، ظهر ظلٌّ فوق رأسها، وتردّد صوتٌ غيرُ مبالٍ.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات