1
الفصل الأول
كل شخص يعيش وهو يحمل في قلبه أمنية صغيرة.
إن كنت موظفًا، فلا بد أنك ستتفهم هذا جيدًا.
وكعادتي اليوم أيضًا، وضعت أمنيتي، المكتوبة بعناية وصدق وإصرار، في قلبي.
“أرجوك! أرجوكِ… اجعلي رئيسي اليوم لا يغضب. أرجوكِ، أتوسل إليك!”
لقد مرّ شهران منذ أن اعتدت أن أرفع هذه الأمنية كل يوم في صلاتي.
لكن… هل يُعقل أن أظل أرفع التماساتي حتى في عالم رومانسي خيالي؟
ربما كنتِ تتساءلين: “هل ضللتِ الطريق وجئتِ إلى رواية رومانسية حديثة؟”
لكن ما تقرأه الآن حقًا هو عالم داخل رومانسية فانتازيا.”
*****
“أنا أديلين سِينير ،التي وصلت مع الشابة ليونا من عائلة كونت وينز إلى المرحلة النهائية كمرشحة لتكون القديسة العظمى لديانة ماياريا.
في طفولتي، اكتُشفت لديّ قوة مقدسة ضعيفة، وبسببها أصبحتُ مرشحة للقديسة.
وبفضل تلك القوة، حتى وإن كانت ضعيفة، تلقيت معاملة خاصة في دار الأيتام ونشأت هناك.
(أنا لستُ مجرد عامية… أنا القديسة).
كبرتُ وأنا أرى نفسي ككائن مميز، وشيئًا فشيئًا تطورت شخصيتي لتصبح متعجرفة وأنانية.
ولمَ لا؟ فأن تصبح فتاة عامية قديسة أمر نادر للغاية.
حتى الآن، كان منصب القديسة دائمًا من نصيب بنات النبلاء.
أما أن تصبح فتاة يتيمة من العامة قديسة، فهو أشبه بمعجزة، كأن تفوز باليانصيب مليون مرة على التوالي.
ولهذا السبب، رغبتُ بشدة.
أن أكون القديسة.
ومع مرور السنوات، تحوّلت تلك الرغبة إلى شغف ملتهب.
(سأحصل على منصب القديسة مهما كلّف الأمر… دون النظر إلى الوسائل أو الطرق).”
“ومرّ الوقت حتى أصبحتُ بالغة، وبدأتُ أنا ـ أديلين ـ منافسة حقيقية مع بقية المرشحات على منصب القديسة.
لقد حان الوقت الذي تتفتح فيه مهاراتي التي صقلتها باستمرار كشريرة مثالية.
أطلقتُ شروري ببراعة، كأنني مسحورة، وأقصيتُ منافساتي ذوات القوة المقدسة الأقوى مني بكثير، حتى وصلتُ مع ليونا وينز إلى المرحلة النهائية كمرشحتين أخيرتين للقديسة.
(لكن، لماذا أتحدث عن قصتي وكأنها تخص شخصًا آخر؟)
لأنني لست أديلين… بل أنا “لي تشان-مي”، كاتبة مستقلة عادية من كوريا الجنوبية.
أظن أنكم أدركتم الأمر الآن.
لقد تجسدتُ داخل شخصية ثانوية في رواية فانتازيا رومانسية، الشريرة التي تضايق البطلة ثم تُعدم في النهاية.
هذا المكان هو بالفعل العالم الذي قرأتُه مئات الملايين من المرات في روايتي المفضلة: “شروط القديسة الكاملة”.”
********
“بعد ستة أشهر من التخطيط والتجهيز، وثلاثة أشهر من التصوير المسبق، انطلق برنامج البقاء على قيد الحياة في علم التنجيم بطموح كبير.
لكن بمجرد عرض الحلقة الأولى، تقرر إلغاؤه إثر احتجاجات جميع الجماعات الدينية ومنظمات المجتمع المدني في كوريا.
بالطبع، حتى ذلك الوقت لم أكن أعلم أن في بلدنا كل هذا العدد من الجماعات الدينية.
رئيس شركة الإنتاج أعلن أنه تكبّد خسائر مالية فادحة، ورفض أن يدفع لنا أجرنا على كل ما عملنا.
وهكذا، وبينما كنتُ مثقلة بديون العائلة، شعرتُ باليأس، فأفرغت غضبي على العالم وشربت حتى الثمالة.
وفي خضم سُكري، غصتُ بتقيئي وفقدتُ وعيي… وعندما فتحتُ عيني، وجدت نفسي هنا.
حتى الآن، حين أتذكر ذلك اليوم، يصيبني الدوار.”
“هـ…!
انفجر الهواء من صدري وانفتحت عيناي في اللحظة ذاتها، فإذا بي أواجه ضوءًا حادًا…”
“كان أول ما وقعت عليه عيناي هو السماء الصافية الزرقاء.
انبهرت بشدة حتى ضاقت عيناي من الضوء.
(لماذا يبهُرني الضوء هكذا؟)
لم تكد الفكرة تخطر ببالي حتى ظننت أن أثر الخمر لم يزل بعد، فأغمضت عيني من جديد ثم فتحتهما.
لكن مهما كررت ذلك، لم يظهر أمامي سوى السماء الزرقاء.
لا سقف غرفتي المظلمة كما اعتدت.
(لقد شربت كثيرًا وعدت إلى البيت البارحة… ما هذا؟ هل نمتُ في الشارع؟)
وبينما كنت أزدري نفسي وأفكر أنني فعلت كل ما لا يُعقل، سمعت صوتًا يناديني:
“أديلين! أديلين! استفيقي!”
(ماذا؟ أديلين؟ هل هناك أجنبي ثمل مثلي قضى الليل في العراء؟)
ولوهلة شعرت بالغيرة من ذلك “الأجنبي” الخيالي، إذ على الأقل هنالك من يبحث عنه بقلق… بينما أنا لا أحد يفتقدني.
زاد ذلك من شعوري بالبؤس.
حاولت أن أطرد هذه المشاعر السخيفة، فمددت ذراعي وساقي أتمطى.
(هل السبب أنني شربت كثيرًا البارحة؟ جسدي مثقل…؟ لا، ليس كذلك… لماذا أشعر بخفة غريبة؟)
وفي تلك اللحظة اتسعت عيناي بدهشة.
“أديلين! هل أنت بخير؟ أفاقت حواسك أخيرًا؟”
التفت برأسي نحو مصدر الصوت، وتقابل بصري مع صاحبة الصوت الذي كان يناديني بلهفة.
كنت أعلم أن التحديق وقاحة، لكن جمالها خطف أنفاسي، فظللت أحدق بذهول في وجهها.
ربما كان هذا أول ما يصفه الناس في الروايات بـ”الانبهار بوجه جميل”.
ولحسن الحظ، أنني لم أصل إلى حد سيلان لعابي.
شعرها البلاتيني تحت أشعة الشمس كان يلمع بشكل مبهر، وعيناها الحمراوان تشعّان كأنهما ياقوتتان نابضتان بالحياة.
(ما هذه الدمية البشرية؟ هل هي فعلًا إنسانة؟)
وبينما كنت أرتبك أمام جمالها غير الواقعي، اقتربت مني وقالت…”
ابتسمت لي ابتسامة مشرقة:
“لقد أفزعتني… سقطتِ فجأة هكذا.”
(لماذا تستمر هذه الدمية البشرية في النظر إليّ والحديث معي؟)
حتى وإن كانت جميلة إلى هذا الحد، فهذا لا يغيّر أنني لا أفهم شيئًا مما يجري.
وبينما تتزاحم الأسئلة في رأسي وسط هذا الموقف الغريب، استدارت تلك الدمية ذات الشعر البلاتيني.
“يا سيادة الكاهن الأكبر، لقد استعادت أديلين وعيها. ما زلت قلقة عليها… هل يمكنني أن آخذها إلى الغرفة؟”
“مسموح لكِ. ليونا وينز، سيُؤجَّل اختبار القوة المقدسة لأديلين سينير إلى وقت لاحق.”
(هاه؟ ليونا وينز؟ أديلين سينير؟ هذه أسماء مألوفة… أين سمعتُ هذه الأسماء الغربية من قبل؟)
وبينما كنت أغوص في التفكير، اقترب بعض الناس ومدوا أيديهم نحوي.
ارتعبتُ وانتفضتُ واقفةً، فوقعت عيناي على النقالة الموضوعة على الأرض
(النقالة لي ينقلو فيها المرضى )
ويبدو أن ردّ فعلي الدفاعي فاجأهم، فتوقف الأربعة الذين كانوا يقتربون عند مكانهم لبرهة.
“أديلين، ما بك؟ هل يصح أن تنهضي فجأة هكذا؟”
قالتها ليونا وينز، صاحبة الشعر البلاتيني والعيون الحمراء، وهي تحدق بي بقلق.
وبينما كنت أنهض، لاحظت أن الثوب الذي أرتديه ليس ثيابي المعتادة، وأن خصلات شعري المتساقطة ليست سوداء كما أعرفها، بل أرجوانية فاتحة.
شَعر أرجواني فاتح… المظهر النقي الذي لا يطابق شخصية أديلين.
شَعر بلاتيني لامع… المظهر المتألق الذي لا يطابق شخصية ليونا.
وعندها أدركت الحقيقة بوضوح.
لقد تجسدتُ داخل رواية الفانتازيا الرومانسية التي أحبها إلى حد أنني كنت أحفظ حتى أخطاء كاتبها: “شروط القديسة الكاملة”.
تجسّدت!
شعرتُ بموجة من الأحاسيس المتناقضة تجتاح جسدي كله، بين نشوة كهربائية وخوف جارف.
إحساس مهيب، ومذهل.
تدفقت المشاعر داخل قلبي بعنف، لتتركه غارقًا في التعقيد والارتباك…
لكن لم يكن الوقت مناسبًا لأتأمل مشاعري وأحللها.
فعيون الكهنة المحيطين بي، الجادة والرصينة والغامرة بالصرامة، لم أستطع تحمّلها.
لذلك رفعت يدي إلى جبيني، وكأنني فقدت قواي، ووضعت نفسي طبيعيا على النقالة
ثم حُمِلت إلى الغرفة، وبذريعة أنني بحاجة إلى الراحة، صرفت الجميع بما فيهم ليونا وكأنني أطردهم.
وما إن أُغلِق الباب حتى نهضت واقفة وتقدمت نحو المرآة الكبيرة التي تعكس الجسد كله.
لم أصدق ما أراه، حتى رفعت يدي ولمست وجهي بيدي. كانت البشرة ناعمة إلى درجة كادت أن تنزلق أصابعي عليها.
(كما كانوا يقولون… إنها تتحمم بالحليب يوميًا).
رغم نظرات الاستهجان من الكهنة، أصرت أديلين دومًا على حمامات الحليب الفاخرة، ترفًا لم تجرؤ حتى الأميرات على التمسك به.
وبالطبع، لم يكن في وسع أحد في المعبد ردعها.
من البداية وحتى النهاية، كان كل شيء يبدو كالحلم… لكن الواقع كان واضحًا.
لقد تجسّدت داخل جسد أديلين سينير.
****
شعر أرجواني فاتح ينساب حتى الخصر كموجات البحر.
وعيون بنفسجية غامضة تتلألأ داخل نظرات واسعة عميقة.
بشرة بيضاء لدرجة تقارب الشفافية، أنف شامخ كالدمية، شفاه حمراء براقة، كلها مرسومة بدقة على وجه صغير نحيل.
تحفة مكتملة… لا يمكن النظر إليها دون أن تبعث على الذهول.
أيًا كان الزاوية، وأيًا كان الموقف… حتى لحظة الاستيقاظ في الصباح، يظل هذا الوجه يثير الإعجاب. جمال يفوق حدود هذا العالم.
(كيف يمكن لشخصية ثانوية أن تمتلك مثل هذا الجمال؟)
لا عجب أن كثيرين في الرواية كانوا يردّدون بحسرة:
(يا لها من ملامح مهدورة… لتَعِش على الأقل بما يليق بوجهها… فلتُعطِ هذا الجمال حقه).
رغم شخصيتها، كانت أديلين امرأة فاتنة تحمل هالة نقية وراقية.
وكلما نظرتُ إلى هذا الوجه، ازداد إعجابي به، حتى تمنيت أن أعيش طويلًا وأنا أملك هذه الملامح.
لكن، بطبيعة الحال، لم يكن الوقت مناسبًا لأتأمل هذا الجمال النفيس.
فكما يعرف الجميع، لديّ مشكلة كبرى.
المشكلة أنني لست البطلة التي كُتب لها أن تنتهي قصتها بعبارة: «وعاشت سعيدة إلى الأبد».
بل أنا الشريرة التي تضايق البطلة ثم تلقى حتفها… أسوأ مصير ممكن!
والأدهى من ذلك أن سجلّ أديلين مليء أصلًا بالشرور المتراكمة.
لو صنّفنا ذنوبها كالنقاط في لعبة، فهي قد تجاوزت البرونزي والفضي والذهبي، وبلغت على الأقل مستوى “الماس”!
لذلك، قبل أن أضيف إلى هذا الرصيد الكارثي، كان عليّ أن أجد طريقة للخروج من هنا، ولو ليوم واحد فقط.
“هاه…”
خرج مني تنهد عميق بينما أفكر في مصير أديلين.
(كل شيء جميل… لكن لماذا كان عليّ أن أتجسد تحديدًا في دور شريرة؟ ولماذا عليّ أن أموت؟ حتى في حياتي الثانية، لم تسر الأمور كما أردت).
وبينما أكتب امنية جديدة، لا أدري للمرة الكامنة كم مرة كتبتها، غشيت عيني دموعٌ حارة.
***
بدأت حرب الاستقالات المملة، التي لم تحسم بعد بيني وبين المعبد، منذ شهرين.
في البداية، كنت أظن أن الجميع سيبتهج إذا أعلنتُ رغبتي في الرحيل.
فأديلين، في نظرهم، عبء ثقيل لا طائل منه.
لكن على عكس توقعاتي، رفض المعبد استقالتي فورًا.
بل قالوا بانفعال لم يشهد له مثيل في تاريخهم الممتد سبعة آلاف عام: إن مثل هذا لم يحدث قط!
ومنذ ذلك الحين، وأنا أقدّم استقالتي يومًا بعد يوم، بحجة “ظروف شخصية”.
لكنهم كانوا يعيدونها إليّ في كل مرة.
ومع ذلك، لم أستسلم، وظللت أكتبها كل يوم بلا انقطاع.
لأنني لم أستطع أن أموت هكذا عبثًا.
*****
بعد أن تجسدت في هذا الجسد، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى أستوعب الوضع وأتكيف معه.
فبصفتي قارئة مخلصة لرواية «شروط القديسة الكاملة»، تمكنت من فهم كل شيء بسرعة، وما إن وضعت خطتي حتى كتبت استقالتي بخط واحد متحمّس.
> [لأسباب شخصية، أتنحى عن هذا المنصب.]
كانت استقالة من سطر واحد، بسيطة للغاية.
حينها، وأنا أحلم بحياة جديدة، ظننت أن الأمر بهذه السهولة.
لكن يا لسذاجتي… لم أتوقع أبدًا أن الحصول على موافقة على الاستقالة سيكون مهمة شبه مستحيلة.
فالعمل في معبد “ماياريا” داخل إمبراطورية كينستيريا، يعادل في كوريا العمل داخل المحكمة العليا.
المعبد كان يسيطر على كل شيء في الإمبراطورية، بل إن سلطته فاقت حتى الأسرة الإمبراطورية نفسها.
والمشكلة الأكبر أن منصبي لم يكن مجرد “كاهنة عادية”، بل كنتُ مرشحة لتصبح قديسة.
منصبٌ يعني أنه بمجرد أن أصبح قديسة، سأحصل على الثروة والسلطة معًا.
وحتى لو لم أفز باللقب، فإن مجرد وصولي إلى قائمة المرشحات النهائية يجعلني في موضعٍ يُتيح لي التمتع بمكانة عظيمة، أساعد فيه القديسة المنتخبة وأحصد الكثير من الامتيازات.
الناس اعتبروا الأمر غريبًا ومجنونًا: كيف يمكن لشخص أن يتخلى عن فرصة مماثلة؟
فقط خمس سنوات من “التعب” كقديسة، ثم طريق ذهبي مفروش بالثراء والمجد مدى الحياة.
لكن بالنسبة لي، كل ذلك كان بلا معنى.
فأنا الآن الروح التي تجسدت في جسد “الشريرة” المحكوم عليها في النهاية بالإعدام.
ولذلك، لم يكن أمامي خيار آخر… كان عليّ أن أغادر هذا المكان بأي ثمن.
أتذكر صباح اليوم الأول الذي كتبت فيه استقالتي:
توجهت بثقة إلى أحد كبار الكهنة، وقدمت له الورقة، وقلت بكل حزم:
“يا سيدي الكاهن، ابتداءً من اليوم، أقدّم استقالتي من منصب مرشحة القديسة، انا اتنحى…”
في لحظة، رأيت بوضوح ملامح الكاهن الكبير تتشوه بالدهشة.
كان دائمًا رجلاً هادئًا وودودًا، فما باله الآن؟
تجمدت عيناه عليّ بنظرة لا تُصدق، وكأنما يقول: هل تظنين أن مجرد نطق الكلمات يجعلها حقيقة؟
ثم قال ببطء، وصوته مزيج من الصدمة والاستنكار:
“ما ا
لذي ظننته سمعته للتو؟ ماذا قلتِ لي يا أَديلين؟”
أجبته بثبات:
“قلتُ إنني أتنحى عن كوني مرشحة لمنصب القديسة.”
_________________________________________
اهلا بكل من يقرأ رواياتي المترجمة ارجو التفاعل لنعرف انكم موجودين ولا تنسو التعليق طبعا ✨✨
المترجمة :شيوتا 🩵
التعليقات لهذا الفصل " 1"