“كيف حال جرحكِ؟”

“نعم. انّه مجرد تمزق طفيف على الجلد. لم يعد ينزف بعد الآن.”

“هل سيترك ندبة؟”

“لن يكون هناك أي شيء. لا شيء. لو خدشتُ ذراعي أو شيء من هذا القبيل، لكان قد نزف أيضًا. لقد اقلقتكِ بلا سبب.”

ابتسمت أرتيسيا أخيراً.

“أنا سعيدة لسماع هذا. هل يمكنكِ مساعدتي في تغيير ملابسي؟ في العادة، تقومين دائمًا بكل شيء بنفسكِ، لذلك فهو في الواقع أكثر راحة.”

“نعم سيدتي.”

عندما ضربتها أوبري بصندوق المجوهرات لأول مرة، كانت صوفي حزينة وغاضبة. لكنها سرعان ما تجاهلتها، كان من الأفضل أنْ تنسى. كانت أوبري نفسها مجرد إبنة الكونت الشابة، لكن الكونت جوردين كان مختلفًا. إنها العائلة الثانية لدوقية إيفرون الكبرى. وآرون ومارغريت هما الركيزتان اللتان يعتمد عليهما شعب الدوق الأكبر بشكل كبير. ومن الطبيعي أنْ تميل قلوب أهل القلعة إلى ابنتهم. ولم يكن من غير المألوف أنْ تقوم زوجة السيد أو وصيفتها بضرب الخادمة. مثل ميريلا، لم يكن هناك يوم تتلاشى فيه الكدمات على جسد الخادمة. لم تكن صوفي حمقاء بما يكفي لتنسى موقفها لأنّ أرتيسيا قالت إنها ستعاملها بلطف. كانت أرتيسيا غاضبة وقلقة وكان ذلك كافياً لصوفي. تمنت صوفي ألّا تكون سببًا في عدم توافق سيدتها الثمينة مع الكونت جوردين.

تنهدت صوفي لتخفي الأمر عن أرتيسيا. وعدّلت مزاجها وأحضرت فستاناً. ما أعدته صوفي كان فستانًا مخمليًا مبطنًا بجلد فرو ناعم ناعم.

“السيدة إميلي هي بالتأكيد عظيمة. إنّها لا تعرف مدى برودة الجو في الشمال، لذلك ذهبت وحصلت على مساعدة من أحد السكان المحليين الذي طلب منها أنْ تصنع ما يكفي من الفساتين المخصصة للفصل البارد في الداخل.”

“أرى.”

“اعتقدتُ في الواقع أنّه قد يكون كبيرًا بعض الشيء، لكنه كان مناسبًا تمامًا لأنني قمتُ بخياطة جلد رقيق من الداخل.”

كانت المادة الخارجية برتقالية شاحبة مع انخفاض التشبع، وكان الفراء المرئي على الأكمام والياقة لامعًا.

“إنها مأدبة رأس السنة، لذلك اخترتُ لونًا فاتحًا. شعركِ جميل وبشرتكِ بيضاء جداً، لذلك ستبدين جميلة في كل الألوان. أشعر بالارتياح عندما تضطر خادمة مثلي إلى تلبيسكِ.”

“أنتِ جيدة يا صوفي.”

“شخص مثلي كان في الأصل مجرد خادمة في غرفة الغسيل.”

قالت أليس وهي تساعد في طي حاشية أرتيسيا.

“ما الأمر يا صوفي؟ لو لم تكوني جيدة، ألم تكن السيدة إميلي غاضبة فعلاً؟ سيدتنا معجبة بكِ، لذلك أحضرتكِ إلى هنا.”

احمرّ وجه صوفي خجلاً. نظرت أرتيسيا إلى المرآة وأومأت برأسها.

لقد كان فستانًا جميلًا بدا مشرقًا ودافئًا. رفعت الشال على منضدة الزينة. ولأنه كان لفصل الشتاء، كان هناك فرو على الجزء الذي يلامس رقبتها. كان الشريط من الحرير. لفته صوفي على رقبة أرتيسيا مرة واحدة حول رقبتها، وخلعته لأنه لم يكن مناسبًا لها.

“صوفي.”

“نعم؟”

وضعت أرتيسيا الشال حول رقبة صوفي. ثم أخرجت أحد خواتمها الذهبية وثبتت به الشال.

“أنا أحب الملابس اليوم. سأعطيكِ جائزة.”

وكان ذلك عذراً. عرفت صوفي أنّ السبب ليس بسبب الملابس، بل بسبب إصابتها.

تمتمت أرتيسيا في نفسها: “لقد أُصيبت صوفي بالأذى بسببي. كنتُ أعرف ذلك بالتأكيد. في النهاية، هذا مجرد عمل لتعويض جرح صوفي. إنّه تجديد الولاء الضائع بالمال. لن أنتقم من أجل صوفي، سوف أطرد أوبري. ولكن هذا لأنّ هذا كان الهدف منذ البداية، ليس لصوفي. بغض النظر عن شعوري، فإنّ الكونت جوردين كان له الأسبقية على صوفي. لو كان من الضروري وجود أوبري بجانبي، لما أظهرتُ أي غضب على الإطلاق. كل الناس مجرد أرقام. لذلك، كان هذا الشخص مجرد مورد. كان ذلك صحيحاً…”

لذلك لم تقل أرتيسيا أي شيء آخر. لكن صوفي فهمت كل شيء فعلاً. تحولت عينيها إلى اللون الأحمر.

“حسنًا، أنا بخير حقًا.”

“ألم أقل أنني أحب الملابس؟”

“أوه، نعم، لقد فعلتِ.”

وبدلاً من مسح دموعها، قامت أرتيسيا بتحريك الشال بلطف لإصلاحه بشكل صحيح. وانصرفت وكأنّ شيئاً لم يكن.

عندها وصلت مارغريت.

“الدوقة الكبرى، هذه مارغريت.”

على صوت التحية المهذبة، فتحت أليس الباب. دخلت مارغريت وركعت على إحدى ركبتيها بدلاً من إلقاء تحياتها المعتادة. نظرت أرتيسيا إليها مع تحرك عينيها فقط. كانت مارغريت متوترة عندما رأت صوفي تمسح دموعها من خلال كمها. معتقدة أنّها خادمة لا ينبغي تجاهلها. إنها واحدة من أكثر الخادمات المحبوبات اللاتي تم جلبهن من عائلة أرتيسيا. أوبري لم تؤذيها فحسب، بل رمت صندوق مجوهرات. صندوق المجوهرات الذي تركته أرتيسيا لرعاية أوبري. بمعنى آخر، ألقت بالمهمة التي أوكلتها إليها سيدتها. في إيفرون، كان هذا أمرًا لا يغتفر حقًا.

“سمعتُ أنّ أوبري ارتكبت خطيئة. ذنب تربية البنت خطأً؛ أعلم أنّه لا يوجد شيء يمكن أنْ يعفي ذلك.”

أحنت مارغريت رأسها بعمق وقالت.

“أنا آسفة.”

لقد كانت مارغريت تأمل فقط أنْ تخفف أرتيسيا من خلال اعتذارها خطيئة أوبري عن طريق إطلاق عقلها قليلاً.

تحدثت أرتيسيا معها ببرود دون أنْ تنظر إليها.

“هل وجدتِ أوبري؟”

“أنا آسفة، أنا أبحث عنها الآن.”

“أنا متأكدة من أنكِ تعلمين أنّ أوبري لم تحترمني.”

“ليس لدي أي عذر. على الرغم من أنّ سموكِ منحتيني العديد من الفرص، إلّا أنّ ابنتي كانت غبية وغير ناضجة، لذلك ارتكبت جريمة.”

“ليس من اختصاصي التربية. لن أقوم بتوبيخكِ. أنا لا أشكك حتى في إخلاص الكونت جوردين.”

مارغريت أحنت رأسها فقط. على الرغم من أنّ أرتيسيا قالت ذلك، إلّا أنها لم تسمح لمارغريت بالوقوف. وهذا يعني أنّ خطايا أوبري لم تغفر.

“أليس، خذي الصندوق وأعطيه لمارغريت.”

أخذت أليس صندوق المجوهرات المدمر على منضدة الزينة وأعطته لمارغريت.

“من فضلكِ تأكدي من إصلاحه. كما لو لم يكن هناك صدع في المقام الأول. إذا فعلتِ ذلك، فسوف أنسى كل شيء.”

ارتجفت يد مارغريت قليلاً.

“نعم.”

ما كانت تتحدث عنه أرتيسيا هو صندوق، ولكن كان من الواضح أنّه لم يكن مجرد صندوق. كان ذلك يعني معاقبة أوبري بمفردها حتى لا يكون هناك صدع بين الدوق الأكبر والكونت جوردين. وسوف تنسى أرتيسيا ذلك.

أحنت مارغريت رأسها بعمق مرة أخرى قبل أنْ تتراجع.

“شكراً لكرمكِ.”

استدعت مارغريت الخادمة على عجل.

“أطلب من الجميع العثور على أوبري. أخبريهم أنني أمرتُ بذلك، وأنني أطلب أمساكها حتى لو كانت مقيدة بحبل.”

“نعم.”

“إذا دخلت قاعة المأدبة، فتأكدي من عدم وجود أي شيء ملحوظ للدوقة الكبرى، ويجب عليكِ إيقافها. دعي الحراس يعرفون.”

“هاه، لكن يا سيدة مارغريت، قد تظهر شائعات.”

“لقد أخطأت اوبري في حق صاحبة السمو، الدوقة الكبرى. هل الإشاعة مشكلة الآن؟ سأضطر للذهاب لفترة من الوقت. إذا حدث شيء أثناء تحضيري للوليمة، سأرسل شخصًا ما.”

“نعم.”

قامت مارغريت بلف حافة فستانها وتوجهت للخارج على عجل.

“فكر غبي. أنْ تصبح أوبري الوصيفة للدوقة الكبرى كان بمثابة منح الدوقة الكبرى لأوبري فرصة. لقد ركلت اوبري الفرصة وأثبتت عدم احترامها. الآن لن تتمكن أوبري مرة أخرى من الارتقاء إلى منصب رفيع داخل دوقية إيفرون الكبرى.”

من الناحية العاطفية، كان عمل أوبري بحد ذاته أمرًا تافهًا بالنسبة لأرتيسيا. 

ما بقي هو مأدبة رأس السنة الجديدة. اصطحب سيدريك أرتيسيا وتوجه إلى القاعة الكبرى. على الرغم من أنها كانت قاعة احتفالات كبيرة ذات أسقف عالية، إلّا أنها كانت دافئة بشكل دافئ. تم وضع مدافئ الفحم الأبيض باهظة الثمن في كل مكان. كان هناك الكثير من الشمعدانات الموضوعة في كل مكان والتي يمكن أن تضيء حتى أحلك الليل إذا أضاءت. ولعكس الضوء، تم وضع حوالي مائة كوب بالقرب من بعضها البعض. لإخفاء النسيج الداكن وخلق جو مشرق، تم تبطين الأقمشة الحريرية الطويلة باللونين الأرجواني والأبيض هنا وهناك. إنها لا تضاهي المأدبة الرائعة التي أقيمت في العاصمة، لكنها كانت رائعة وفخمة بما فيه الكفاية. وعندما دخل الاثنان، وقف الحاضرون وانحنوا. قاد سيدريك أرتيسيا إلى أعلى الطاولة وألقى تحية خفيفة على أتباعه.

همس سيدريك بصوت منخفض.

“إذا كنتِ لا تستطيعين شربه، فلا داعي لشربه.”

“نعم.”

“أنا سعيد برؤية هذا العام الجديد مع الجميع لأول مرة منذ 3 سنوات. شكرًا لكم على حماية إيفرون في هذه الأثناء. لا أعرف كم مرة قلتُ نفس التحية، لكنني أقولها مرة أخرى.”

انتشر القليل من الضحك مثل الموجة.

“ستتغيّر أشياء كثيرة في المستقبل. لكنني آمل أنْ نتمكن جميعًا في العام المقبل من الاحتفال بالعام الجديد معًا، والبقاء كما نفعل الآن.”

“لا! سوف أتزوج أيضًا!”

تعرض أحد الفرسان للضرب وغرق عندما سأله الناس عما كان يتحدث بحق الجحيم.

“لا تقلقوا، لأنه من المرحب به دائمًا توسيع العائلة. والان اذاً…”

“من أجل حياة كريمة!”

بعد نداء سيدريك، صاح الحاضرون في انسجام تام.

“من أجل مجد إيفرون!”

الرجل الذي أراد أنْ يبرز، صرخ مرة أخرى بهتاف مختلف بنفسه، وتعرض للضرب مرة أخرى.

ضحك سيدريك لأنه كان حدثًا سنويًا. ثم التفت إلى أرتيسيا، ونقر كأسه بخفة على كأسها، ثم أفرغه. جلست أرتيسيا، كانت المدفأة الموجودة أسفل كرسيها دافئة وجعلتها تشعر بالراحة.

جاء آرون أولاً وقدّم التحية. 

“تهانينا بالعام الجديد. أتمنى أنْ تكون هناك أخبار أفضل هذا العام.”

“شكرًا لكَ. كل ذلك بفضلكَ. ولكن ماذا عن مارغريت؟”

كون آرون وحيدًا، جعل سيدريك يسأل في حيرة. ألقى آرون نظرة سريعة على أرتيسيا.

قالت أرتيسيا بهدوء، لأنها لم تكن تنوي إلقاء اللوم على آرون ومارغريت.

“لقد حدث شيء ما منذ فترة، فقالت إنها ستغادر. يمكنها أنْ ترحب بنا لاحقًا.”

أومأ سيدريك رأسه. ثم أدرك أنْ أوبري لم تكن هناك أيضًا، إعتقد أنّ أرتيسيا كلفتها بفعل شيء ما.