وكانت الوجهة الثانية مطعمًا في منطقة وسط المدينة.
<مطعم البارونة فيري>
تم إرفاق هذه اللافتة بمطعم أنيق إلى حد ما. كان فريل رجلاً نبيلاً لم يسمع عن اسمه من قبل. لم تكن هذه المطاعم مخصصة للنبلاء. إنّه مكان تستخدمه الطبقة الوسطى الأثرياء بطريقتهم الخاصة، لكنهم لا يستطيعون التفاعل مع النبلاء، وطبقة الفرسان الذين لا يستطيعون استئجار طاهي، والطبقة النبيلة التي ليس لها لقب أو ملكية موروثة. لم يكن مكانًا تزوره السيدة وريثة روسان.
نزلت أرتيسيا دون تردد. تردد فريل قليلاً. أرتيسيا ترتدي الحجاب ولن يتم الكشف عن هويتها. لكن لم يكن هناك قانون يمنع أي شخص يعرف وجهها من التواجد في المطعم.
“هل ترغب في ارتداء قناع؟”
“هل أنتِ تمزحين؟”
لم تكن تمزح. كان هناك فعلاً قناع جاهز في عربتها. لم يكن أكثر من مجرد قطعة قماش سوداء بسيطة بها ثقوب للعيون. يمكن لفريل أنْ يتخيلها بسهولة.
“أنا متأكدة من أنّه لا يوجد أحد يمكنه التعرف عليكَ، ولكن إذا كنتَ غير مرتاح.”
تنهد فريل.
“لأنّني لستُ ألفونسو.”
ابتسمت أرتيسيا كما لو كانت تعرف. نزل فريل من العربة وهو يشعر ببؤس رجل لم يكن له شعبية ولا شهرة. دخل الإثنان من الباب الخلفي للمطعم. على عكس المدخل الرئيسي، حيث يدخل ويخرج الكثير من الأشخاص، فإنّ هذا الباب يقودهم مباشرة إلى غرفة كبار الشخصيات.
“هل هذا متجر السيدة؟”
“بدلاً من المتجر، سيكون المبنى بأكمله.”
أدار فريل عينيه بدهشة.
“متى قمتِ بشرائه؟”
أجابت أرتيسيا بهدوء. 
“عندما حصلتُ على مفتاح الخزنة في قصر ماركيزية روسان.”
تساءل فريل عن عدد المباني التي ستبنيها في العاصمة. وبقدر ما يعلم، كان هناك ثمانية قصور في العاصمة كانت مملوكة لماركيزية روسان. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون هناك منازل أو أراضي. ولم يكن يعلم أنّهم كانوا يشترون أيضًا مباني في مناطق وسط المدينة.
“لا يوجد شيء سيء في وجود الكثير من المباني. ربما أحتاجها لبناء منازل أو لعمل سري، لكن شراء العقارات في العاصمة لن يضركَ أبدًا. كاستثمار.”
وبطبيعة الحال، كان فريل يعرف جيداً. لم يتمكن من شراء أي شيء لأنّه لم يكن لديه المال.
“هذه النصيحة، هل يمكنكِ أنْ تعطيها لسيدي قليلاً أيضًا؟ إنّه سيدي الذي يجب أنْ تقرّري القلق بشأنه.”

كانت أصول ماركيزية روسان هائلة حقًا. في الأصل، كان من الممكن تقسيمها ويرثها عدة أحفاد. بمعنى آخر، أُعطيت لأرتيسيا فقط. لقد كانت مختلفة عن العائلة النبيلة المشتركة التي تضم العديد من أقارب الدم. كانت هناك العديد من العائلات التي حافظت على أسلوب الميراث بالتركيز على خليفة واحد ونقل الممتلكات. ومع ذلك، كان من النادر أنْ تتركز مثل هذه الثروة على شخص واحد. ثلاثة من أكبر مناجم الذهب وستة مناجم الفضة في الإمبراطورية كانت مملوكة لماركيزية روسان. كان هناك أيضًا منجم للماس. كانت مناجم الحديد والنحاس التي ورثها إخوة وأخوات مايكل مكونة من رقمين. لا يزال منجم الياقوت المربح للغاية الذي تم الحصول عليه بدلاً من إعطاء ميريلا يحقق دخلاً ضخمًا. لقد مارس مديرو العقارات الذين عينهم الإمبراطور نيابة عن ميريلا تأثيرًا هائلاً على أعمال صهر الحديد والنحاس في عملية تنمية ثرواتهم. وقد تم استخدامه في سياسات زيادة السيطرة الإمبراطورية على الاقتصاد. وكان من الطبيعي ألّا يمكن إعادتها إلى أرتيسيا كما كانت. استوعب الإمبراطور أعمال الصهر باعتبارها مملوكة للعائلة الإمبراطورية وأعاد الأموال المناسبة إلى أرتيسيا بدلاً من ذلك. لا يمكن أنْ يؤخذ المبلغ في الاعتبار لتأثيره المحتمل على الاقتصاد الإمبراطوري. ومع ذلك، كان صحيحًا أن أرتيسيا كانت واحدة من أغنى النبلاء في الإمبراطورية. وكانت قوة التمويل التي يمكن تعبئتها على الفور أكبر من مجرد العائلة الإمبراطورية.
كان سيدريك قلقًا إلى حد ما بشأن هذا الأمر.
[لا أنوي التعامل مع ممتلكات ماركيزية روسان، لكن هل من الجيد تركها لتيا كما هي؟ على أي حال، عمرها 18 سنة.]
قال فريل بشعور نصف ساخر. 
[هل سيفعلها إيفرون بشكل جيد؟]
ضحك سيدريك عبثاً.
[نعم. هناك ماركوس.]
باستثناء أعمال الصهر التي كان الإمبراطور سيجمعها، كانت ثروة عائلة ماركيزية روسان في معظمها من المناجم والغابات. ورغم أنّ الشركات القائمة على الأرض لا تزدهر كثيراً، فإنها على العكس من ذلك لا تتراجع بسهولة بعد عقود من الزمن. مثل كبير الخدم العام المخلص، قال سيدريك إنّه سيحافظ على سلامة أرتيسيا حتى تعتاد على ذلك. بالتفكير في الأمر الآن، لم يكن فريل يعرف مَن يقلق بشأن مَن؟

عندما دخلوا غرفة كبار الشخصيات، تم تقديم مرطبات بسيطة. بالنظر إلى عدد الكؤوس، يبدو أنّ عدد الضيوف القادمين كان ثلاثة.
جلست أرتيسيا.
“أعتقد أنّ لدي بعض الوقت المتبقي. إذا كان لديكَ أي سؤال، إسألني.”
تردد فريل. وفكر: “كان هناك الكثير من الأسئلة. لكنني لم أستطع أنْ أقرّر ما الذي يجب أنْ أسأله وإلى أي مدى يجب أنْ أسأل. كانت الخصم خطيبة صاحب السمو، لكنني لم أستطع قبول الأمر بهذه الطريقة. بالنسبة لسيدة مثل أرتيسيا، حتى السؤال يصبح مسألة تسليم المعلومات. كيف يمكنني التأكد من أنّها ليست عدواً؟”
“هل تفعلين الكثير من الأشياء السرية؟”
“ربما لم يكن شعب دوق إيفرون الأكبر على دراية بمثل هذه الأسرار، لكن ذلك سيحدث بشكل متكرر أكثر من الآن فصاعدًا.”
“هل لأنّ السيدة تنوي الخروج بشكل جدي للمجتمع؟”
“أنا لستُ مهتمة بالعالم الاجتماعي، ولكن إذا كنتَ تسألني عما إذا كنتُ سأخلق المزيد من الأسرار، فالإجابة هي نعم، هذا صحيح. حتى الآن، كان الدوق الأكبر إيفرون صادقًا بشكل مفرط. يجب أنْ يكون هناك شخص مسؤول عن الأسرار.”
“الصدق هو الشيء الصحيح. الدوق الأكبر هو الرجل المناسب.”
ابتسمت أرتيسيا داخل الحجاب.
“أنا أعرف. في الواقع، حتى الآن، لم يكن لدى إيفرون القدرة الكافية لإخفاء شيء ما. ومن الطبيعي أنْ تنقسم عدة فصائل داخل إيفرون.”
لم يستطع فريل أنْ ينكر ذلك.
“النتيجة هي الآن. كلمات سموهُ تحظى بالثقة، وإيفرون لديه الشرف، ولكن في الواقع، الدوق الأكبر في وضع يسمح له بالعودة إلى ساحة المعركة.”
“لم أكن أعلم أنّكِ فكرتِ بذلك بشأن سموهُ.”
“الحقيقة هي أنّ الأمر مؤلم دائمًا. السير فريل، هل تعتقد أنّ جلالة الإمبراطور أرسله إلى الجبهة الغربية على أمل أنْ يجني الدوق الأكبر مزاياه العسكرية؟”
كان هناك الكثير من الأشياء لتقولها أرتيسيا لفريل. ومع ذلك، لا يمكن أنْ تستمر المحادثة. كان ذلك بسبب وصول الضيف الأول. جاءت ضجة صغيرة عبر الباب الخشبي السميك. خفضت أرتيسيا يدها تحت الطاولة. لقد تغيّر مزاجها. فريل عضّ شفتيه. لأنّه كان يعلم أنّ الغرض الأصلي من المجيء إلى هنا قد بدأ.
انفجر الباب مفتوحاً. لقد كان رجلاً في منتصف العمر هو الذي قفز.
“لا يمكنكَ أن تكون وقحًا جدًا بهذه الطريقة، السير ليكسين.”
“هل تقول أنّني سأفعل شيئًا سيئًا؟ أنا فقط أحاول التحدث مع السيدة أولًا!”
كان شابان يسحبانه من ذراعه، ويشعران بالحرج من رؤية أرتيسيا. نظرت أرتيسيا إلى الرجال بلا تعبير. انحنوا بسرعة وتراجعوا. إعتقد فريل أنّ هذا تم تنظيمه أيضًا. لم يكن من الممكن أنْ يعتقد أنّ هذين الرجلين هما الوحيدان اللذان يعملان لدى أرتيسيا. اضافة الى ذلك، إذا كانوا يقصدون حقًا إبعاده، فلن يكون من المستحيل إيقاف رجل في منتصف العمر حقًا.
قام ليكسين بتقويم طوقه ووقف منتصباً.
“أنا آسف لمقابلتكِ بهذه الطريقة يا سيدتي. على الرغم من أنّني أقول دائمًا أنّني يجب أنْ أقابلكِ شخصيًا، إلّا أنّ مندوبكِ لم يستمع إليّ، لذلك كنتُ وقحاً.”
“لن يحدث أي فرق من خلال مقابلتي أولاً.”
“أنا متأكد من أنّكِ كنتِ ستظنين أنّ المندوب كان بالطبع شخصًا جديرًا بالثقة بالنسبة للسيدة، لكن يبدو أنّه لا يعرف أي شيء مهم.”
“لا تغضب واجلس السير ليكسين. وخذ رشفة من الماء.”
مدّت ارتيسيا يدها وعرضت عليه مقعدًا. جلس ليكسين. ثم أدرك أنّ موقفه كان وقحاً واعتذر.
“أنا آسف. أنا متعب.”
“بما أنّ الكاهن لم يأتِ إلى هنا بعد، فسوف أستمع إليكَ حتى ذلك الحين.”
“أليس من السخافة الحصول على الطلاق مقابل الاستيلاء على الأراضي الزراعية؟”
لقد حاول ليكسين أنْ يحافظ على هدوئه قدر الإمكان، لكنه لم يستطع ذلك وانتهى الأمر بصوت حاد.
نظرت إليه أرتيسيا بعيون باردة. حتى تحت الحجاب، شعر ليكسين بالنظرة.
“يبدو أنّ لديكَ سوء فهم. ليس لدي أي اهتمام بعائلة ليكسين.”
“لكن مندوبكِ يطلب مني الطلاق والزواج من السيدة.”
قاطعته أرتيسيا وقالت ببرود.
“السير ليكسين. أنتَ مدين بمستوى لا يمكن إصلاحه من الديون بسبب الاستثمارات الغبية التي قمتَ بها مراراً وتكراراً. من المؤكد أنّكِ لم تنس المبلغ المكتوب على القرض؟”
تلعثم ليكسين.
“لذا، ألم تخبريني أنْ أخبر زوجتي أنّني سأسلّم الأراضي الزراعية والغابة ومخازن الحبوب؟”
“أنتَ لا تعتقد حقًا أنّ الأراضي الزراعية الغربية لها قيمة، أليس كذلك؟”
تحول وجه ليكسين إلى شاحب.
“إنّها عملية تستحق الاستثمار فيها. إنّها أرض خصبة. لقد حصدنا هذا العام ما يقرب من 10000 رطل من القمح لكل هكتار، والمراعي هي الأنسب لزراعة الأغنام القريبة.”
“لستُ أشك في أنّ الأرض خصبة. كان محصول هذا العام جيدًا. أعتقد أنّ الأمر سيكون على ما يرام في العام المقبل. ماذا عن العام القادم؟ هل يمكن حصاده؟”
أصبحت بشرة ليكسين مظلمة.
“هل تعتقد حقًا أنّ هناك أشخاصًا يشترون الأراضي بهذا السعر المرتفع الذي قد تجرفه الموجة الوحشية، السير ليكسين؟ إنّ شراء القمح والصوف أكثر أمانًا من شراء الأراضي بهذه الأموال.”
وحتى لو ارتفعت أسعار الأراضي الشرقية الآمنة إلى عنان السماء، فإنّ أسعار الأراضي الغربية لا تتحرك أبدًا. وذلك لأنّه لن يعرف أحد متى ستأتي موجة الوحوش. ومن المفارقات أنّ هذا هو السبب وراء عدم الحفاظ على الزراعة، أساس الإمبراطورية. لم يشتر المُلّاك ورجال الأعمال أرضًا في الغرب أبدًا.
“هذا المال هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل لقبكَ. اعتقدتُ بأنّكَ تعلم.”
ابتسمت أرتيسيا تحت الحجاب.
“إذا كنتَ تعتقد أنّ المبلغ غير كاف، فيمكنكَ تدمير العقد حتى الآن. لأنّني لم أوقع على أي وثائق بعد.”
استأنف ليكسين بوجهه الحزين. 
“سيدتي، حتى لو حدثت موجة الوحش على فترات قصيرة، فإنّها تستغرق أكثر من 3 سنوات. هذا العمل لديه ما يكفي من الإمكانات.”
“إذا كان الأمر كذلك، يمكنكَ العثور على مستثمر يؤمن بهذا الاحتمال.”
“أليست السيدة نبيلة أيضًا؟ أعتقد أنّكَ سوف تكونين قادرة على فهم وضعي قليلاً. زوجتي من عامة الناس. إذا طلقتها، فلن يكون لها مكان في العالم الاجتماعي. لقد تزوجتُ منذ 35 عامًا فعلاً.”