فكرت أرتيسيا: “قمتُ ذات مرّة بتدمير جسر نهر آفا لتأطير الدوق الأكبر سيدريك، في ذلك الوقت كان الدوق الأكبر سيدريك عائداً مِن السيطرة على الوضع على الحدود الغربيَّة للإمبراطوريّة بأمر مِن الإمبراطور غريغور، وأبلغهُ الإمبراطور عبر مبعوث إمبراطوري بإعادة القيادة والسيطرة على القائد الأعلى للجيش والإسراع بالعودة إلى العاصمة وحده، عندها دمرّتُ السد، وجُرفت العديد مِن المدن والقرى، وقُدِّر عدد الأشخاص المتأثّرين بشكل مباشر بنحو 30 ألف شخص فقط على الأكثر، كما تضرَّرت حقول الأرز أيضاً، ولكن نظراً لأنَّ هذا العام كان موسم حصاد جيد، لم يكن هناك خطر مِن وقوع البلاد بأكملها في المجاعة، على أي حال، فإنَّ الشيء الأكثر فائدة بالنسبة له هو مغادرة نهر آفا والعودة إلى العاصمة بأوامر الإمبراطور، لكن الدوق الأكبر سيدريك لم يفعل ذلك، اختار استخدام الجيش لتقليل أضرار الفيضانات، ومع ذلك، بما أنَّه لم يعد، بل عمل كقائد أعلى للجيش، وقد أثار ذلك شكوك الإمبراطور، فعلتُ هذا لأنَّني عرفت أنَّ الدوق الأكبر سيدريك كان هذا النوع مِن الأشخاص، حدث الشيء نفسه عندما اكتشفتُ وألقيتُ باللوم على قرية المتمرّدين في إقليم الدوق الأكبر إيفرون، أو عندما وضعتُ خطّة للتخلّص من الدوق الأكبر رويغار، وحتّى عندما انتشرَ الوباء، حتّى مع علمه بما قد يحدث له، في النهاية اختارَ الدوق الأكبر سيدريك دائماً إنقاذ الناس، كلّفهُ هذا منصبه وانتهى به الأمر ليصبح هارباً…”
تحدَّثَ كبير الخدم بأدب وأعطى لسيدريك كوباً حديدياً.
“مِن فضلكَ تناول بعض الشاي.”
ثمَّ جلس كبير الخدم بجوار أرتيسيا وأحضر إلى فمها كوباً من الشاي القوي المليء بالسكّر والحليب.
جلس سيدريك أمام أرتيسيا، بينما كان يشرب الشاي، كما لو كان وقت الشاي، نظرتْ أرتيسيا إليه بصراحة، وهي تفكّر في وصيّة ليسيا.
[إذا قابلتِ الدوق الأكبر سيدريك، مِن فضلكِ أخبريه أنَّ ليسيا عاشت وماتت دون ندمد]
في أعماقها، لم تكن ليسيا ترغب في أنْ يلتقي أرتيسيا وسيدريك مرّة أخرى، لأنَّ ذلك يعني هزيمته أخيراً وإعادتهِ إلى العاصمة، لكن الوضع الآن كان عكس ما اعتقدتُه ليسيا تماماً في ذلك الوقت… واليوم، وبعد سنوات، لا يزال سيدريك وقوّاته على قيد الحياة، لقد كانت أرتيسيا هي التي سقطتْ، تمَّ نقل أرتيسيا إلى معسكر سيدريك وأصبحتْ الآن وجهاً لوجه معه، في ظل هذه الظروف، كانت ليسيا تريد مِنها أنْ تنقل الوصيّة، لكن أرتيسيا لم تستطع الوفاء بالوعد الذي قطعته على ليسيا، لأنَّها لم تكن قادرة على الكلام.
وقف سيدريك عندما انتهى كبير الخدم مِن صب كلّ الشاي في فم أرتيسيا.
“لنخرج.”
استيقظتْ أرتيسيا مِن أفكارها ونظرتْ إليه بدهشة، اقتربَ مِنها سيدريك ورفعها بلطف، كافحت أرتيسيا لتحرير نفسها مِن قبضته، كانت أرتيسيا مُحرجة، لكنّها لم تستطع مقاومة قوّة ذراعيه، حملها بين ذراعيه وعندما غادر الخيمة، هرعَ إليه فرسان يرتدون الزي العسكري، كان الفرسان جميعهم متّسخين بسبب هروبهم المستمر.
“نعمتكَ، الأرشيدوق الأكبر، إلى أين تأخذ المرأة الشريرة؟”
“لدي عمل غير مكتمل.”
“سوف نقوم بنقلها.”
الفرسان مدّوا أيديهم.
تحوّل سيدريك إلى الجانب، وتجنّب أيديهم.
“لا تتكلموا عن الناس كأنهم أشياء.”
“نعمتكَ أنْ تكون لطيفاً جداً مع الشيطانة؟”
“ابقوا هنا، سأذهب وحدي.”
كان الفرسان خائفين.
“مستحيل.”
“الماركيزة روسان، ليس لديها ذراعان أو ساقان، ولن تستطيع أنْ تؤذيني.”
“نعمتكَ، لا يمكنكَ أنْ تكون متأكداً مِن ذلك! تلك الساحرة قادرة على التسبّب في كارثة بلسانها وحده.”
“لسوء الحظ، الماركيزة روسان ليس لديها لسان أيضاً.”
سار سيدريك عبر المعسكر العسكري، ثمَّ أركبَ أرتيسيا على الفرس وصعدَ خلفها، ولأنَّ أطرافها لم تكن سليمة، لم يتمكّن من إجلاسها في الخلف، فكانت هذه أسهل طريقة لحملها، ارتجفتْ أرتيسيا، لم تكن أبداً قريبة مِن رجل طوال حياتها، تسبَّبتْ الحرارة الصادرة من صدرها على ظهرها في ارتفاع درجة حرارة جسمها، خرجَ سيدريك خارج المعسكر، كان الجو مُمطراً، بالنظر إلى الجبال والجداول، أدركتْ أرتيسيا أنَّ هذه كانت منطقة باركيه التابعة للدوق الأكبر رويغار، كانت باركيه مخزن الحبوب في الجزء الشرقي من الإمبراطوريّة، لا يمكن مقارنتها بالسهول الشاسعة في الغرب، لكن وفرة المياه والمناخ المعتدل سمحا بزراعة جميع أنواع الحبوب والفاكهة هنا، تمَّ أيضاً إنتاج أفضل النبيذ في الإمبراطورية هنا، ولكن الآن لم يبق له أي أثر، وتصاعد الدخان مِن الأرض المتفحّمة، وأثناء تجوّلهم لم تتمكّن مِن رؤية سوى بقايا المنازل، كانت الجثث في كلّ مكان، وأغلبها جثث رجال، كما دُمِّرتْ المدينة، ولم يبقَ سوى أنقاض الجدران، وكان الناجون الجالسين تحت جدران منازلهم المدمِّرة، ينظرون إليهما ببريق في أعينهما…
حدّقتْ أرتيسيا في مكان الحادث في حالة ذهول، ولم تفهم ما حدث: “ماذا حدثَ أثناء وجودي في السجن؟ لم يكن مِن المفترض أنْ تكون هناك حرب في باركيه!”
“حدثَ هذا لأنَّه تبيَّن أنَّ أحد مواطني باركيه خطّط لمحاولة اغتيال ضد لورانس مع الدوق الأكبر رويغار قبل 12 عاماً.”
كانت أرتيسيا لاهثة، وتسارعت نبضات قلبها، فكرت: “كانت هذه مذبحة لا لزوم لها، كان لورانس إمبراطوراً فعلاً وكان الجيش الإمبراطوري تحت تصرّفه، كانت القوة الإمبراطورية صلبة وأقوى مِن أي وقت مضى، لقد كنتُ أنا التي جعلتُ هذا ممكناً، كان على لورانس أنْ يحافظ على نظافته، لذلك كانت مثل هذه الأشياء دائماً مسؤوليّتي، كانت تلك هي المهمَّة التي فرضتها ميريلا عليّ وقد قمتُ بواجبي بأمانة، والآن، بدوني، كان مِن المُمكن أنْ يصبح لورانس الإمبراطور المثالي.”
تحدّث سيدريك بهدوء.
“هل تجدين ذلك مفاجئاً وصادماً؟ وهذا ما كنتِ تفعلينه أيضاً، أيَّتها الماركيزة روسان، كان هذا إمّا ضرورياً أو غير ضروري، أعلم أنَّ هذا هو ما تعتقديه لتنفيذ مخططاتكِ، ربّما هذا شيء اعتبره لورانس ضرورياً، أو هل تعتقدين، أيَّتها الماركيزة روسان، أنَّ حكمكِ مطلق، بينما حكم لورانس ليس كذلك؟”
كانت أرتيسيا عاجزة عن الكلام.
قال سيدريك وقد تغيَّرتْ نبرته.
“إذا كان الأمر كذلك، فلا عجب أنَّكِ طُردتِ.”
ثمَّ شكَّلَ سيدريك قوّة صغيرة منفصلة وانتقل مِن مكان إلى آخر، تمَّ أخذ أرتيسيا على فرس كبير الخدم وتحرّكَ مع القوّات الصغيرة.
كان هناك العديد مِن الأماكن الأخرى التي عانتْ مِن مصير رهيب، ولم يهتم أحد بأوبئة الجراد، أو آثار الحروب الأهليّة، أو ترميم السدود، ولم يكن مخزن الحبوب موجوداً، وكان كلّ طريق مكتظّاً بالهائمين وموبوءً بالأمراض المُعدية، وتناثرت الجثث التي لم يتمّ جمعها في كلّ مكان، لم تكن سياسات الإمبراطورية مجرّد كارثة في العام أو العامين الماضيين، كان الإمبراطور غريغور أنانياً وفاسداً وجشعاً وخسيساً، وكان رجلًا يضع سلطته قبل حياة شعبه، انتهى الصراع على الخلافة إلى تدمير البلاد، وأخذتْ أرتيسيا زمام المبادرة لتحقيق ذلك، اعتقدتْ أرتيسيا أنَّه بمجرّد أنْ يصبح لورانس إمبراطوراً، سيكون قادراً على استعادة الإمبراطورية، كان هناك أمل للإمبراطورية عندما كانت ليسيا إمبراطورة، حتى بعد وفاتها، كان هناك جهد مِن جانب أرتيسيا لفعل شيء ما لتغيير الوضع أثناء تواجدها بجانب لورانس، ولكن يبدو الآن أنَّ العائلة الإمبراطورية قد تخلّت عن كلّ شيء، لقد فهمت أرتيسيا فعلاً ما كان سيدريك يحاول إخبارها به، وبدلاً مِن إدانتها بفمهِ كما فعلتْ فينيا، بدا وكأنَّه يريد أنْ يُظهر لها عواقب ما فعلته.
ميريلا ماتت، سمعت أرتيسيا أنَّها لا تزال توبِّخ لورانس فيما يتعلّق بموضوع النساء، وفي اليوم الذي وصلوا فيه إلى قرية المتمرّدين على الجانب الآخر مِن التلال الشماليّة، أُعلِن الخبر… كانت أرتيسيا مرهقة جداً بحيث لم تتفاجأ بالأخبار، وفي قرية المتمردين لم يبق سوى القبور، مع آلاف الظلال التي ألقتها الصلبان الخشبيّة، لم تكن هذه القرية في الواقع قرية متمرِّدة، كان هذا هو المكان الذي فرَّ إليه الناس عندما قتلَ الإمبراطور غريغور والدَي سيدريك واتّهمهم بالخيانة، وبعد ذلك ظهرتْ الحقيقة واعترفت بها الإمبراطورية، كما تمَّ رفع قائمة المطلوبين للفارّين، ومع ذلك، لم يغادروا القرية التي يعيشون فيها، ويثقون ويدعمون بعضهم البعض، كانت ليسيا أيضاً مِن هذه القرية، وكان أقارب فينيا أيضاً يعيشون مُختبئين هنا، وجد سيدريك، الذي ليس لديه أي أقارب آخرين، الراحة بين القرويين.
عرفتْ أرتيسيا هذا، كان هذا شيئاً فظيعاً، لقد علمتْ للتو عن بناء هذه المقابر. فكرت: “هل صنع الدوق الأكبر سيدريك كلّ هذه المقابر بنفسه؟ هل أحضرني إلى هنا بقصد جعلي أفكّر؟”
بعد الوقوف بصمت لفترة طويلة على التل المُطل على القرية بأكملها، أعادها سيدريك معه إلى المعسكر العسكري.
“لا أعتقد أنَّكِ تخيَّلتِ يوماً أنْ ينتهي الأمر بلورانس على هذا النحو، أيَّتها الماركيزة روسان، كنتُ أعلم أنَّهُ كان سيئاً وفاسداً ومنحرفاً ومستبدّاً للغاية، ولكن لو كنتُ قد بدأت القتال مِن أجل العرش، كنتُ مقتنعاً بأنَّ الهزيمة ستكون أسوأ مِن الموت.”
كانت أرتيسيا قلقة بشأن مسألة أخرى، فكرت: “لماذا لا يسأل عن ليسيا؟ لماذا لا يسأل كيف ماتت القدّيسة التي حاولت حمايته بأي ثمن؟ لدرجة أنَّ ميريلا قُتلَتْ بسبب قضيّة النساء، يجب أنْ يعرف الدوق الأكبر سيدريك الآن كيف كان لورانس يُعامل النساء، لذلك، سيكون من المنطقي أنْ يلومني على أخذ ليسيا منه وإجبارها على الزواج من لورانس، لكنّه لم يفعل، بدا وجهه المتصلّب وكأنَّه تمثال عام تمَّ نصبه في ساحة المدينة.”
“لكنّني لم أتوقّع أنْ أرى مثل هذا الإستبداد، لماذا بحق الجحيم يفعل هذا؟ الآن بعد أنْ أصبحت إمبراطورية كراتيس ملكًا له، أليس لديه الرغبة في حماية شعبه، وإنقاذ هذا المكان وجعله عظيماً؟”
على أي حال، لم تستطع أرتيسيا الإجابة لأنَّها لم يكن لديها لسان، نظرتْ إلى الأسفل، أرادتْ أرتيسيا فقط أنْ تعرف لماذا كان لورانس هكذا؟
“ضعي خطة.”
ثمَّ رفعت أرتيسيا رأسها مندهشة مِن كلام سيدريك.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 3"