لبعض الوقت، منذ فضيحة الإتجار بالبشر، كانت الإمبراطورية صاخبة للغاية. وفي وقت قصير، أصبح الكشف معروفًا في كل مكان. لم يستطع الناس إلّا أنْ يتحدّثوا عن ذلك! 

لقد كان شيئًا تتحدث عنه سيدات الصالون، ويناقشه الباحثون الجالسون في المقهى، وحتى عامة الناس يقومون بزيارات إلى منازل بعضهم البعض حاملين أواني الحلويات فقط للحديث عن الأخبار. وفي كل مرة يتم الكشف عن القصة الكاملة للحادث، كان الناس متحمسين للغاية. وعندما تبيّن أنٌ معظم عمليات الإتجار في الكازينو كانت للأطفال، صرخ الآباء الذين فقدوا أطفالهم وتوافدوا على مكتب الأمن. كما كان هناك آباء باعوا أطفالهم بأنفسهم، لكن بعد سماع الخبر توقفوا عن العمل من مكان بعيد وجاءوا للبحث عن اطفالهم المفقودين. وعندما تم الكشف عن بيع عدد كبير منهم كعبيد جنس، اجتاحت نيران الغضب العاصمة. ونُظمت مسيرة للمطالبة بإعدام المتورطين علنًا. قفز بعض الناس على المنصة في الحديقة وألقوا خطابًا مستاءً. ووجهت الصحف انتقادات لحياة النبلاء. كان المواطنون غاضبين وكانوا على وشك بدء أعمال شغب عندما تم الكشف عن أنّ الكونت إيسون كان يُزودهم بالأطفال دون سن العاشرة بشكل مستمر ثم قُتلوا ودُفنوا لاحقًا. وتراكم الحطب الجاف حول مبنى مكتب الأمن وسُكب الزيت. رد القاضي باستدعاء الجنود هناك وتوجيه الأسلحة. 

في النهاية، خرج المستشار لين الشهير للإعتذار، ووعد بتوجيه التحقيق بنفسه وجعل المجرمين يدفعون الثمن. ومع ذلك، لم يهدأ غضب المواطنين. تم حل غضب المواطنين حتى تقدم الدوق الأكبر سيدريك إيفرون وقدم وعودًا جادة. وصل الخبر إلى القصر المنفصل الذي كان فيه الإمبراطور غريغور في أقل من يوم. 

رد الإمبراطور على أول قضية اتجار بالبشر بغضب مقنع بشكل مناسب. ولكن عندما علم أنّ لورانس متورط في قضية الكونت إيسون، قلبَ مكتبه رأسًا على عقب من الغضب. كانت المعلومات التي تم الكشف عنها للجمهور هي أنّ الكونت إيسون كان شاذًا للأطفال وكان يتعامل بانتظام مع البارون ييتس. ومع ذلك، فإنّ التقرير الذي تلقاه الإمبراطور يحتوي على أخبار أكثر تفصيلاً. وفقًا لما هو مكتوب هناك، لم يقتل الكونت إيسون الأطفال شخصيًا فحسب، بل اشترى أيضًا 30 طفلاً دفعة واحدة على فترات نصف عام واستخدمهم للصيد. اشتهرت لعبة الصيد بكونها محفزة ومثيرة بين النبلاء الشباب الفاسدين والمسرفين. وكانت المشكلة الأكبر هي أنّ لورانس شارك في اللعبة عدة مرات.

صرخ الإمبراطور وألقى المحبرة على لورانس.

“هل أنتَ مجنون!” 

سقطَ الخدم على الأرض وارتجفوا. ولأنّ لورانس لم يجرؤ على تجنب ذلك، أُصيب بالضربة الكاملة. الزجاج لم ينكسر. ومع ذلك، كان الغطاء مفتوحًا، لذلك تم تلطيخ شعر لورانس ووجهه باللون الأسود بالحبر المتساقط.

“الأب.”

“كنتُ أعلم أنّكَ تسير في البرية. اعتقدتُ أنّ شابًا قد يفعل ذلك. إنّه شيء يحدث مرة واحدة في العمر. لذلك بغض النظر عن الطريقة التي تلعب بها، أنا أفهمكَ. لكنكَ تصطاد الأطفال وتدفنهم في الظلام؟ هل تلعب مع الرجل الذي جرّدهم وأطلق سراحهم في الغابة؟”

“الأب، أنا.”

“لا أريد أنْ أسمع ذلك!”

ولم يستمع الإمبراطور إلى عذر لورانس، ورمى التقرير على رأسه هذه المرة. أغلق لورانس عينيه بإحكام، وتحمّل الإذلال.

“مَن لا يعرف أنّ الكونت إيسون هو صديق لكَ؟”

“إنّها ليست علاقة شخصية. ألم يكن للأب علاقة مع سلف الكونت إيسون؟”

“هل تعني أنّكَ لا تملك القدرة على الحكم على أي نوع مِن الرجال هو؟ أنتَ بعيد إلى هذا الحد؟ أوه، أنتَ غير كفؤ للغاية لدرجة أنّه ليس لديكَ حتى رأس مِن حولكَ حتى تعتقد أنّكَ ستكون في مشكلة كبيرة إذا تم القبض عليكَ؟”

وصرخ الإمبراطور. 

“إنّه ليس أي شيء آخر، إنّه الاتجار بالبشر! إنّه يقتل طفلاً! ألَا تعرف حتى ما هو أساس الإمبراطورية؟ هل تعلم أنّ شعب الإمبراطورية تحت حماية الإمبراطور ولا يمكن التخلص منهم إلّا بموجب القانون الإمبراطوري؟”

أخرجَ الإمبراطور رسالة من التقرير وصرخ وهو يهزّها.

“قال سيدريك أنّه سيكون من المقبول التعامل مع قضية الرشوة الموجودة تحت تصرفي، بحيث سيتم التعامل مع جانب الإتجار فقط. هل تعرف ماذا يعني ذلك؟ القضية خطيرة بما يكفي لدرجة أنّ رجلًا عنيدًا كهذا يقول إنّه لا بأس بتغطية قضية الرشوة واسعة النطاق هذه. يعني أنّه حتى لو حاولتُ إيقافه، فهو لن يبقى ساكنًا. ولكن، لأنّكَ متورط، لا أستطيع أنْ أرفع وجهي إلى سيدريك.”

أراد لورانس أنْ يسأل. ومهما قال، فإنّ الإمبراطور لن يستمع. ومع ذلك، ارتجفت شفتيه من الغضب. 

كان في ذلك الحين. انفتح الباب على مصراعيه ودخلت ميريلا. ونظر إليها لورانس. حدّقت به ميريلا بعينين قلقتين، واقتربت من الإمبراطور بمشية لطيفة. لم يوبّخها الإمبراطور على دخولها. ثم اقتربت ميريلا من جانب الإمبراطور، ومسحت مؤخرة رقبته بيديها وقالت بحنان.

“لا تغضب كثيراً.”

“هل أنتِ هنا لأنّكِ كنتِ قلقة على ابنكِ مرة أخرى؟ ماذا بحق الجحيم هو؟ لقد قلتُ بوضوح عدم السماح للناس بالدخول.”

همست ميريلا بصوت حلو.

“أنا قلقة عليكَ أيضًا. لا تغضب، هاه؟ لقد مر وقت طويل منذ أنْ قال الطبيب إنّ الغضب الزائد يضر بالقلب.”

“حسنًا، لأنّكِ بهذه الطريقة لا يستطيع أنْ يستجمع قواه في مثل عمره. عندما كنتُ في تلك السن، أمسكتُ بمقعد ولي العهد بيدي.”

“أليس هذا لأنّ جلالتكَ ممتاز جدًا؟”

فركت ميريلا رقبة الإمبراطور، ثم فكت ربطة عنقه. ثم قامت بطي طوقه ودلكت المكان بعناية بكلتا يديها. العطر الذي وضعته على يدها مسبقًا جعل رائحة الزهور تفوح حول الإمبراطور. لقد كانت خطوة واضحة، لكنها نجحت. تنهّد الإمبراطور مرة واحدة ثم أرخى جسده. دلكت ميريلا كتفيه بطريقة جادة ومطمئنة.

“لا تقلقني كثيرًا. إذا غضبتَ، فهذا ليس جيداً لصحتكَ. أنظر إلى هذا. الوضع متوتر هنا مرة أخرى.”

قال الإمبراطور وهو يأخذ يدها ويقبّل اصابعها. 

“حسناً. سأُخبر المدلّك أنْ يقوم بالتدليك لاحقًا. لقد قلتِ أنّ اصابعكِ تؤلمكِ كل صباح.”

ثم لوّح الأمبراطور للورانس.

“اقطع العلاقات مع إيسون بسرعة. سأعتني بالباقي. اعتبر نفسكَ محظوظاً! قد يكون سيدريك شخصًا عنيدًا، لكنه لن يُدينكَ من أجل تيا!”

كانت ميريلا على وشك أنْ تسأله: “عن ماذا تتحدث؟” ولكنها توقّفت، وذلك لأنّ غضب الإمبراطور لم يعد من الممكن نزع فتيله.

تنهد الإمبراطور وهز رأسه وقال للورانس. 

“ارجع وفكر في كيفية التقرب من سيدريك.”

“الأب.”

“فكّر بعناية. ربما أكون والدكَ، لكني لا أنوي اختياركَ كخليفة لي دون قيد أو شرط. لا أستطيع. سيدريك هو دوق إيفرون الأكبر. ولديه شبكة ليست لديكَ. فقط ضع سيدريك بين يديكَ. ثم سأقوم بالباقي.”

أجاب لورانس بصوت مهين.

“نعم.” 

قال الإمبراطور وعيناه مغمضتان.

“عُد أنا متعب.” 

تراجع لورانس إلى الخلف ومسح الحبر المتساقط من جبهته في كمّه. 

ثم أمر الإمبراطور الدوق الأكبر رويغار بإرسال نسخة من الرشوة. حتى ذلك الحين، كانت ميريلا تفرك كتف الإمبراطور بصمت. كان الإمبراطور قد كتب جميع الأسماء لإرسالها إلى مستشار العاصمة لين، ثم سحب ميريلا للجلوس على مسند الذراع. ثم انحنى على جسدها وتنهد.

“يجب أنْ أستعد للعودة إلى العاصمة.”

“نعم، كما تريد جلالتكَ.”

وضعت ميريلا يدها بلطف حول صدر الإمبراطور، وأحنت رأسها وقبّلت جبهته.

“لا داعي للقلق بشأن هذا كثيرًا، لكن على لورانس أنْ يضع رأسه في نصابه الصحيح.”

“أقول الأب أسد، والابن لا يمكن أنْ يكون كلبًا. لا تقلق كثيراً. يكبر الصبي مع الكثير من الحوادث. ذلك لأنّ لديه الكثير من الأخطاء التي تلتصق به لأنّه من أصل نبيل.” 

قال الإمبراطور وعيناه مغمضتان.

“أتمنى لو كان لورانس نصف كفاءتكِ. إذا حاولت أنْ تُحبه الإمبراطورة، لكان فعلاً ولي العهد.”

توقفت يد ميريلا للحظة. رفع الإمبراطور جفنًا واحدًا ونظر إليها وابتسم.

“لماذا؟ هل ستشعرين بالغيرة مرة أخرى؟”

قالت ميريلا بصوت عابس.

“إذا فعلتُ، هل ستستمع؟”

“أنتِ تعلمين أنّني لا أستطيع مساعدته. لورانس أيضاً. كان يجب عليه أنْ يبني قوته وجدارته مثل سيدريك.”

“ومع ذلك، فهو ابن جلالتكَ.”

همس الإمبراطور بذلك ودفن وجهه في صدر ميريلا بموقف مرهق.

“نعم. ابني الوحيد.”

وفي اليوم التالي جاء رسول مسرعًا ومعه مظروف يحمل الأمر الإمبراطوري. قال المستشار لين وهو يفتح المظروف.

“لقد أعطى جلالته الإذن.”

باختصار، كان ذلك يعني التستّر على قضية الرشوة والبحث الدقيق في قضية الكونت إيسون.

“أرى.”

كان سيدريك يعلم أنّ هذا سيحدث، لكنه لا يزال يشعر بالمرارة.

“هل تشعر بالسوء؟”

“نعم. أعتقد أنّ الشخص الذي يغض الطرف عن المال لا يختلف عن الجاني الرئيسي. لو كان مسؤولًا صغيرًا هو الذي يقوم بدوريات في بيت القمار لكان يعرف معظم المناصب الرفيعة المستوى. أليس هؤلاء الناس أكثر شراً من الجاني الرئيسي؟ لكنني لا أستطيع لمس ذلك الآن. هناك الكثير من الأشخاص الذين تم رشوتهم. ومن المحتمل جدًا أنْ يجتمع النبلاء والمسؤولون لتغطية بعضهم البعض والمقاومة، وسوف تطغى القضية على الأمر.”

“نعم.”

“إذا اتخذ جلالة الإمبراطور قرارًا قويًا، فلن أعرف مرة أخرى. إنّها ليست مؤامرة، إنها جريمة بسيطة، لذلك لن يرغب في تحمل هذا العبء السياسي.”

“أعتقد أنّ البارون ييتس ذكي جدًا. ولا يقتصر الأمر على الأرستقراطيين رفيعي المستوى فحسب، بل إنّ إدارات الخزانة والضرائب، فضلاً عن صغار المسؤولين في الشرطة، جميعهم متشابكون. كيف يمكننا التعامل مع الأمر دون أنْ نكون مستعدين لقطع الحكومة الإمبراطورية نفسها؟”

تنهّد سيدريك. 

“في المقام الأول، جلالة الإمبراطور لا يعتبر هذا أمرًا مهمًا، وأنا متأكد من أنّه ربما يفكر في الإحتفاظ بدفتر الرشوة فقط. خطيبتي قالت أنّ نقاط الضعف هي أقوى الأسلحة عندما تكون مخفية.”

البندقية مخيفة عند التصويب، والسكين المشحذ حديثًا هو الأكثر حدة قبل الاستخدام.

[جلالة الإمبراطور لا هوادة فيه. سواء مات عند قدميه مليون أو ألف، إلّا إذا مال العرش، فكأنّما سُرق القمح من مستودعه. قد يكون غاضبًا، لكن ليس بالأمر الكبير أنْ يتمكن الإمبراطور غريغور بنفسه من اتخاذ قراره أثناء القيام بشيء ما.]