كان الجميع يعلم أنّ الدوقة الكبرى رويغار أطاعت أختها الكبرى الماركيزة كاميليا، كما لو كانت والدتها. كانت الماركيزة كاميليا أيضًا مِن أقوى المؤيدين لدوقية رويغار الكبرى. ولم يتخيّل سيدريك ولا فريل أنّ اسمها سيكون متورطًا في هذا الأمر.

خفّضت المرأة رأسها وانفجرت في البكاء.

“لقد استثمر والدي جميع أصوله تقريبًا في قلب القديسة أولغا. لم يفكر قط في المنفعة المادية. إنّ مجرد دراسة جوهرة تاريخية يمثل تجربة رائعة لمهنة الصائغ. ولكن في النهاية، كل ما تبقى كان قطعة مشوهة من الورق.”

على الرغم مِن أنّ وايت قد وقّع عقدًا وسندًا إذنيًا، إلّا أنّه لم يكن ليرفع هذه القضية إلى المحكمة أبدًا. أي قاضٍ قد يجرؤ على الحكم ضد الماركيزة كاميليا لصالح عامة الناس؟

“ولهذا السبب، أفلس والدي. كان عليه أنْ يعمل بجد لدرجة أنّه انهار ومات فجأة. هؤلاء الناس قتلوا والدي.”

اشتكت المرأة، لكنها لم تتوقع أنْ يفعل سيدريك أي شيء حيال ذلك.

مَن هو الشخص الذي سيقاتل نبيلاً رفيع المستوى مِن أجل شخص عامّي التقى به للتو؟ لقد أخبرته المرأة بهذه القصة لأنّها أرادت فقط التعبير عن مشاعرها لشخص ما. طوال هذا الوقت، كانت تشعر بالعزلة والعجز.

فهم سيدريك مشاعرها. ولهذا السبب انتظر دون أنْ يقول شيئاً حتى توقفتْ عن البكاء. ثم أعطاها المال مقابل القيمة الاسمية للسند الإذني بالإضافة إلى الفائدة وتعويض أكثر قليلاً.

“الآن، إنّها ليست أكثر من مجرد قطعة من الورق. لقد اخترنا عدم حرقها لأنّ والدي لم يفقد الأمل أبدًا.”

“من المفهوم أنّ السير وايت لم يرغب في القيام بذلك.”

لكن سيدريك كان في وضع مختلف. لن تجرؤ أي محكمة على إنكار أو الشك في الوثيقة التي بحوزته.

وقّعت المرأة عقد البيع وعيونها مليئة بالدموع. وبذلك انتقلتْ ملكية قلب القديسة أولغا إليه. وبعد بضع كلمات تعزية، غادر سيدريك وفريل منزل وايت.

عاد سيدريك أولاً إلى قصر إيفرون في العاصمة حيث فات الأوان للعودة إلى المعسكر العسكري. خلع معطفه وأعطاه للخادم، ثم استند إلى ظهر الكرسي. قدّم له فريل كأس من البراندي.

“إنّها مثيرة للإهتمام.”

“مثيرة للاهتمام؟”

“في البداية اعتقدتُ أنّ السيدة أرتيسيا تريد فقط جوهرة ثمينة كهدية لطلب الزواج. لم أتخيّل أبدًا أنّ هذا مرتبط بالدوق الأكبر رويغار. الآن أستطيع أنْ أفهم لماذا قلتَ أنّها وميريلا مختلفتان.”

قبل ساعات قليلة، كان قد دعاها فريل بابنة ميريلا، ولكن يبدو الآن أنّه غير رأيه.

“لم أفكّر في ذلك.”

“ماذا علينا أنْ نفعل؟ أعطت السيدة أرتيسيا لجلالتكَ ذريعة للقتال ضد الماركيزة كاميليا. إذا رفعنا دعوى قضائية من أجل إعادة الماسة، فقد نضر بسمعة ماركيزة كاميليا.”

نظر سيدريك إلى فريل بتعبير خفي على وجهه.

تحدّث فريل بحماس.

“أفلس تاجر شريف ومات بعد أنْ تم خداعه لبيع جوهرة، وترك بناته وحدهن. وستكون هذه فضيحة كبيرة. والأكثر من ذلك إذا ظهر ذلك بينما كان سموّكَ يبحث عن هدية زواج.”

“لا أنوي فضح تلك العائلة أمام الجمهور فقط لتشويه سمعة الماركيزة كاميليا. وما الفائدة من إثارة نزاع قد يمس بناته؟”

فكر سيدريك: “لن يتم جرّ الماركيزة كاميليا فحسب، بل أرتيسيا، وكذلك بنات التاجر وايت إلى الفضيحة. قد يتعاطف الكثيرون مع عائلة وايت. ومع ذلك، فإنّها لا تزال تتأذّى. فضيحة كهذه لم تكن شيئًا يمكن للناس العاديين التعامل معه. حتى أرتيسيا سيتم انتقادها بشدة. ستنتشر التعليقات بأنّ ابنة ميريلا كانت جشعة لأنّها أرادت ألماسة شديدة التفاخر…”

“إذا حدثَ ذلك، فأنا أفضّل عدم الحصول على تلك الماسة.”

“لكن نعمتكَ.”

“أي هدية ثمينة أخرى ستفي بالغرض. على الأقل هذا ما اعتقدتُ أنّكَ ستقوله.”

“الأمر مختلف الآن. إنّها ليست جوهرة تمثل إرثًا عائليًا فحسب، بل إنّها أيضًا إرث من عائلة انقرضت بعد انتحار الفيكونتيسة فيشر وصيفة الإمبراطورة. لو لم تكن الماركيزة كاميليا مرتبطة بهذا الأمر، لكانت قد تفاخرتْ به فعلاً لدرجة أنّه لن يكون هناك أحد في المجتمع الراقي لا يعرف عنه. اضافة الى ذلك، لم يكن الصائغ أودوروف يعلم أنّ الماركيزة كاميليا كانت تمتلك الجوهرة. وحتى لو كان يعلم، فإنّ ذلك لم يكن حقيقة عامة، لذلك لم يكن ليخاطر بالحديث عنه. بمعنى آخر، كانت الماركيزة تخفي الجوهرة. إنْ لم تكن هدية فهي رشوة.”

تنهّد سيدريك.

“ما الذي سيتغيّر سواء كانت هدية أو رشوة؟ الخال رويغار يحب المال ولا يخجل من أنْ يطمع في الثروة. ليس سرًا أنّ الخال رويغار يقبل الرشاوى، وأنّ كل مَن حوله يقبلها أيضًا. هل سيدير ​​الخال رويغار ظهره للماركيزة كاميليا لمجرد أنّها قبلت رشوة؟ أنا لا أعتقد ذلك.”

تحدّث فريل باقتناع.

“لذلك، البارون رجل فاسد.”

لوّح سيدريك بالكأس في يده وظلّ صامتًا للحظة. فكر: “كان عقلي في حالة من الفوضى المُطلقة. إذا أردتُ استعادة الجوهرة، فيمكنني ببساطة رفع دعوى قضائية. وبعد رفع الدعوى، نتفاوض خلف الكواليس. على الأرجح، بعد موازنة التكاليف والفوائد بين الطرفين، يمكن التوصل إلى اتفاق بشأن الماسة. ولكن هل كان هذا حقًا ما أرادت أرتيسيا مني أنْ أفعله؟ ألم تذكر اسم الماركيزة كاميليا لأنّها لا تعرف مَن يملك الماسة التي تريدها؟ لم أصدق ذلك…”

فكّر سيدريك في كلمات ارتيسيا.

[نعم. هذا سيجعل الأمر أسهل بالنسبة لكَ لفهم أي نوع من النساء أنا. إذا لم تغيّر رأيكَ بعد الحصول على قلب القديسة أولغا، فاقترح عليّ الزواج بطريقة رائعة حتى يتحدّث الجميع عن ذلك.]

فكر سيدريك: “على الرغم من أنّ أرتيسيا قالت ذلك، إلّا أنّ الأمر كان عكس ذلك بالنسبة لي. كنتُ أعتقد أنّ ارتيسيا كانت تختبرني. يبدو أنّها تحاول أنْ تطرح علي مشكلة صعبة لترى كيف سأتعامل معها…”

“إنّها تذكرني بحكاية قديمة.”

“حكاية قديمة؟”

“حكاية عن أميرة جميلة من الشرق طالبت بحل ثلاثة ألغاز لمَن يريد الزواج منها.”

“آه، هذا. حيث فشل مئات الرجال. في النهاية، يستخدم الشاب الذكي ذكائه لحل الألغاز والزواج من الأميرة، أليس كذلك؟”

“نعم، أتذكّر ذلك.”

أراد سيدريك أنْ يكون هذا هو اللغز الوحيد.

“بعد التفكير مرة أخرى، لم تكن كلمات السيدة أرتيسيا خاطئة تمامًا. على الأقل أستطيع أنْ أدرك أنّها سيدة معقّدة للغاية. اضافة الى ذلك، على الرغم مِن كونها في أسفل الماركيزية روسان، فهي قادرة على جمع معلومات قيمة. دعونا نُلخّص. طلبت السيدة أرتيسيا قلب القديسة أولغا. رسميًا، الماسة الآن في يد البارون ييتس. دعونا نتعرّف قليلاً على البارون ييتس.”

غرق سيدريك في أفكاره، وهزّ كأسه. بينما طلب فريل من كبير الخدم أنْ يحضر له سجل الأرستقراطيين.

فكر سيدريك: “لم يكن غرض أرتيسيا الحقيقي هو الجوهرة. هل كانت خطوة استراتيجية للمستقبل؟ لكن خلق فضيحة لتشويه سُمعة الماركيزة كاميليا لم يكن له أي تأثير عملي. سيكون مِن المنطقي أنْ يكون لديها ضغينة شخصية ضد الماركيزة، أو إذا كان الهدف هو خلق صراع على السلطة في المجتمع الراقي. ومع ذلك، لم يكن ذلك كافيًا لتوجيه ضربة لقوات الدوق الأكبر رويغار. اضافة الى ذلك، كان لا يزال من المبكر جدًا أنْ أُقاتل الدوق الأكبر رويغار. والأهم في الوقت الحالي هو جعل حضوري محسوسًا في الساحة السياسية المركزية…”

وبينما كان سيدريك مستغرقًا في أفكاره، فحص فريل سجل الأرستقراطيين.

“ها هو، بارون ييتس. اللقب الأصلي كان راند. ورث العائلة عندما تزوّج من خليفة البارون، ثم غيّر لقبه إلى لقبه الحالي. في الواقع، يمكن القول أنّه اشترى اللقب.”

“يجب أنْ يكون ثريًا.”

في إمبراطورية كراتيس، من الناحية الفنية، لا يمكن شراء أو بيع الألقاب. ومع ذلك، من خلال الزواج من وريثة عائلة ساقطة، كان من الممكن للزوج أنْ يحصل على اللقب. وبعد بضع سنوات، إذا طلّق الزوج الوريثة بدفع مبلغ كبير من التعويض، فإنّ سيد الأسرة يتغيّر. لقد كانت طريقة ملائمة لتداول الألقاب.

سأل أحد فرسان الحرس، الذي كان حتى ذلك الحين يقف أمام الرجلين دون أنْ يقول أي شيء، وعيناه مفتوحتان على اتساعهما.

“البارون ييتس.”

“لماذا؟ داني، هل تعرف شيئاً؟”

“البارون ييتس، الذي تزوّج ابنة بارون راند، هو صاحب كازينو. لديه كازينو كبير في شارع فونتين، وحوالي أربعة كازينوهات أخرى في العاصمة.”

“إنّه لأمر مدهش أنْ يشارك أحد النبلاء بشكل مباشر في أعمال الكازينو.”

وأمال فريل رأسه وحدّق في الفارس. 

“داني، كيف تعرف الكثير عن هذا؟ أنتَ لم تكن تقامر، أليس كذلك؟”

هزّ داني رأسه بسرعة.

“بالطبع لا. أخي الأصغر هو أحمق، لذلك كان مدينًا لكازينو ييتس عدة مرات. لقد اكتشفتُ ذلك لأنّني ساعدته في سداد المبلغ في تلك المناسبات. لو كان مجرد كازينو غير قانوني، لحاولتُ تفكيكه.”

“أو أنّكَ حاولتَ، ولكن الشخص الذي يدعمها كان أقوى مما كنتَ تعتقد.”

وقال فريل ببرود، وهو ينظر إلى داني بشكل مثير للريبة.

“أنتَ لم تستخدم اسم الدوق الأكبر إيفرون في هذه العملية، أليس كذلك؟”

“كيف يمكن أنْ تعتقد ذلك عني؟”

بدا داني مستاءً، لكن لابدّ أنّه استخدم اسم الدوق الأكبر إلى حدٍ ما.

“كل شيء على ما يرام. الشيء المهم هو أنّ بارون ييتس هو صاحب كازينو. أعتقد أنّني فهمتُ للتو أين قد تكون المشكلة. من المحتمل أنْ يكون أحد مصادر دخل الخال رويغار المستمرة.”

“ماذا تنوي القيام به؟”

“ماذا تعتقد أنّني سأفعل؟”

قال فريل بعد لحظة من التفكير.

“لقد تمّ خداع مواطن صالح من قبل صاحب كازينو ومات. لو لم تعلم جلالتكَ بالأمر، لم يكن بوسعكَ فعل أي شيء، ولكن الآن بعد أنْ فعلتَ ذلك، فأنتَ لستَ مِن النوع الذي يترك مثل هذه الحادثة تمر دون أنْ يلاحظها أحد.”

“هذا صحيح، لا أستطيع أنْ أترك الأمر يبقى على هذا النحو.”

فكر سيدريك: “لا يزال ليس لدي فكرة واضحة عما تريده أرتيسيا. لذلك خطّطتُ للتصرف بطريقتي، بدلاً من محاولة منحها رداً مثالياً. كنتُ فضوليًا لمعرفة كيف سينتهي كل شيء…” 

“هل تريد الذهاب الان؟”

“أليس هذا هو أفضل وقت للذهاب إلى الكازينو؟”

“صحيح.”

ابتسم فريل بصوت ضعيف.

“سأقوم بإعداد الفرسان.”

ثم تقدّم فريل إلى الأمام. 

شرب سيدريك الكأس ببطء قبل أنْ يغادر. لم يستطع أنْ يمنع نفسه من التفكير في أرتيسيا.