2
كانت أرتيسيا تدرك جيّداً أفعالها الشرّيرة، لذلك، لم تفكّر في الإعتراف بنفسها كإنسانة جيّدة أو أنْ يُغفَر لها، ولكن مرّة واحدة فقط، سألتْ القدّيسة ليسيا.
[ألَا تستائين منِّي؟]
لقد كان سؤالاً طرحتهُ معتقدةً أنَّ ليسيا تستاء مِنها بشكل طبيعي، ومع ذلك، ابتسمتْ ليسيا بشكل مُشرق مع وجهها الهزيل.
[هل ستشعرين بتحسّن إذا استأتُ منكِ؟ هل هذا سيجعلكِ تشعرين بأنَّكِ أقل ذنباً؟ ماذا يمكنني أنْ أفعل؟ لقد سامحتكِ فعلاً.]
لقد هدَّدتها أرتيسيا وأجبرتها على الزواج مِن لورانس، لأنَّ تأثير القدّيس ورمزيته كانا ضروريّين للتعويض عن افتقار لورانس للشرعيّة، ابتهجتْ الأُمَّة بأكملها عندما علمتْ أنَّ القدّيسة ستصبح وليَّة العهد، وفي وقت لاحق، أثناء تتويج لورانس، تراكمتْ الزهور التي قدَّمها المواطنون للإمبراطورة مثل الجبال حول جدران القصر، غطّتها الإمبراطوريّة بالذهب والفراء، وبسطتْ الحرير تحت قدميها، أصبحتْ المرأة التي ولدت في إحدى البارونات الفقيرة على الحدود الشماليّة قادرة على امتلاك كلّ كماليات العالم، لكنّها بدَتْ مثيرة للشفقة مُقارنة عندما كانت تحضر مناسبات في الأوساط الإجتماعيّة دون جوهرة واحدة، أو عندما تسافر عبر مناطق موبوءة بالأمراض المُعدية، مُرتدية ملابس مُتهالكة لا تستطيع إيقاف الرياح الباردة، كان شعرها الأحمر قد فقدَ بريقه وأصبح جافاً، وكانت بشرتها فقدَتْ حيويّتها وأصبحتْ باهتة، أصبحت شفتيها شاحبة ومُتشقّقة ومُتيبّسة، كان لورانس دائماً شخصاً ذو ميول مُسيئة وعنيفة في معاملته تجاهها، بالإضافة إلى ذلك، أصبح حسّاساً لمسألة شرعيّته على العرش، جعله ذلك يشعر بالنقص والدونيّة ويكره الإمبراطورة المشهورة. حاولتْ أرتيسيا حماية ليسيا من لورانس أثناء تعنيفه وضربه لليسيا. لقد كانت أرتيسيا هي التي جرَّتها إلى هذا الجحيم، لذا على الأقل أرادتْ حمايتها، وأقسمَتْ لنفسها أنَّها ستفعل ذلك، ومع ذلك، في أحسن الأحوال، لم تكن أرتيسيا قادرة إلّا على منعه من الإعتداء عليها أمامها، لكنّها لم تستطع إيقاف ما كان يحدث في غرفة النوم، كانت ليسيا تذبل ومعزولة وتتعرّض للإيذاء في سجن مُزيّن بقطع ذهبيّة مِن الجنوب، كانت قوّة ليسيا المقدّسة قويّة بما يكفي لإنقاذ شخص يحتضر مِن الموت، لكنّها كانت عديمة الفائدة ضد مرضها، ومع ذلك، ابتسمتْ ليسيا لأرتيسيا وهي تنظر إليها.
[تيا، أنا شخص أقوى بكثير ممّا تعتقدين.]
[صاحبة الجلالة.]
[على الرغم مِن كلّ ما فعلتهِ بي أو السبب الذي فعلتيه؛ وفي النهاية كنتُ أنا مَن قرَّرتُ الزواج مِن جلالته لورانس، لذلك ليس خطؤكِ أنَّني هنا، بل خطئي، أعلم مدى صعوبة البقاء على قيد الحياة حتّى الآن في حين أنَّ هذا لا يُبرِّر إيذاء الآخرين، فقد قرَّرتُ أنْ أسامحكِ، حتّى تتمكّني مِن إزالة ثقلي مِن العبء الكبير الذي تحمليه على كتفيكِ، تيا.]
لقد كانت ليسيا هي التي كانت تحتضر، ومع ذلك، بدا الأمر وكأنَّ ليسيا كانت تُريح أرتيسيا، فرفعتْ ليسيا يدها ولمستْ خدّ أرتيسيا.
[شكراً على حضوركِ لرؤيتي، أنتِ الوحيدة التي تهتمُّ بي حقاً في هذا القصر، باستثناء الخادمات والوصيفات.]
[هذا ليس صحيحاً، وحتّى الآن، هناك عدد لا يُحصى مِن المواطنين خارج القصر يصلّون على ركبهم.]
[هؤلاء الناس يعرفون فقط الإمبراطورة القدّيسة، وليس أنا.]
بعد أنْ قالت ليسيا ذلك، سألَتْ بتردّد.
[تيا، هل يمكنكِ أنْ تُمسكي بيديّ؟]
[نعم.]
[إعتقدتُ أنَّني سأكون مرعوبة عندما يحين وقت وفاتي، لكنّني أفضل ممّا كنتُ أعتقد، هل لأنَّني سأكون في رعاية الله؟]
[قريباً ستتمكّنين مِن النهوض.]
على الرغم مِن أنَّها عرفتْ أنَّ ذلك لن يحدث، إلَّا أنَّ أرتيسيا لم تستطع إخبارها.
قالت ليسيا بابتسامة.
[هل بإمكاني طلب خدمة منكِ؟]
[حتّى لو طلبتِ منّي أنْ أحضر لكِ قلب تنين الجليد، سأحصل عليه.]
[ليس تماماً، على الرغم مِن… أتمنّى ألَّا يحدث هذا أيضاً، إذا كان عليكِ مُقابلة الدوق الأكبر سيدريك، أخبريه أنَّ ليسيا عاشت وماتت دون ندم.]
[سأفعل ذلك أعدكِ.]
وعدتها أرتيسيا، لذا، أمسكتْ ليسيا بيديها بقوّة.
[أنا آسفة، لم أستطع إنقاذكِ.]
[أنا…]
[إذا كان هناك عالَم آخر للعيش فيه مرّة أخرى، أودُّ منكِ أنْ تُناديني ليسيا.]
وكانت تلك كلماتها الأخيرة.
عند سماع صوت خُطى تنزل على السلالم الحجريّة، عادت أرتيسيا إلى وعيها، لم تستطع أنْ تقول بوضوح ما إذا كانت تحلم أم أنّها كانت تفكّر في ليسيا للتو.
فكرت أرتيسيا: “كم مِن الوقت مضى منذ أنْ تمَّ سجني في هذه الزنزانة؟”
لم تكن هناك نوافذ جانبيّة بقضبان، لذلك لم تتمكّن حتّى مِن رؤية شروق الشمس وغروبها، كانت أرتيسيا قد فقدتْ مسار الوقت، مرّة واحدة في اليوم كان السجّان يحضر لها الطعام، ومع ذلك، بعد بضعة أيام، كان مِن الصعب تحديد مقدار الوقت الذي مرَّ، في البداية، كانت شبه فاقدة للوعي بسبب الجروح الناجمة عن التعذيب، الآن، توقّف النزيف والتئمتْ الجروح قليلاً، لكن الألم كان فظيعاً بسبب العواقب، شعرَتْ بكتفيها وكأنَّه على وشك التمزّق، وكان الجزء السفلي مِن جسدها الدموي مُغطّى بالكدمات، كانت تشعر بالبرد، لكنّها لم تكن تعرف ما إذا كان ذلك بسبب برودة السجن أم لأنَّ دمها لم يكن يتدفّق بشكل صحيح في جسدها.
“تستحقّين ذلك، أيّتها العاهرة الشرّيرة!”
بدلاً مِن بذل جهد للتحدُّث، بقيَتْ أرتيسيا صامتة، كان هناك أكثر مِن شخص في العالم يرغب في رؤية أرتيسيا مُدمَّرة ومَيِّتة، مِن بينهم، ستكون فينيا قادرة على بيع روحها للشيطان إذا تمكّنَت مِن الوقوف في الصف الأمامي، كانت فينيا خادمة ليسيا، كانت أرتيسيا هي مَن دمَّرتْ القرية التي تعيش فيها عائلة فينيا، اندلع وباء في تلك المنطقة، كانت ليسيا هي التي أنقذتْ فينيا مِن الموت بعد أنْ فقدتْ عائلتها بأكملها، ومنذ ذلك الحين، كرّستْ فينيا حياتها لخدمة ليسيا، مات جميع عائلة فينيا بسبب أرتيسيا، ومِن الطبيعي أنْ تكرهها فينيا.
عندما رأتْ فينيا أنَّ أرتيسيا كانت تُحدِّق بها في صمت، صرّتْ فينيا على أسنانها وبصقتْ.
“نعم، أعلم أنَّه ليس لديكِ لسان، الآن لا يمكنكِ نشر سمومكِ بكلماتكِ، تماماً كما أنتِ الآن، مَن يستطيع أنْ يتخيّل أنَّكِ كنتِ ذات يوم المتآمرة الكبرى للإمبراطور.”
صفعت فينيا أرتيسيا بكلّ قوّتها.
“مِن المؤسف أنَّهم قطعوا كلّ أطرافكِ ولسانكِ، والآن ليس لدي ما أقطعه.”
وصفعتْ فينيا خدّ أرتيسيا مرّة أخرى بشدّة.
“أنتِ حثالة، الآن تنظرين إليّ بعيون شفقة؟”
أغلقتْ أرتيسيا عينيها.
كانت فينيا على حق، أرتيسيا لا تستحق الشفقة، كانت فينيا دائماً مُخلصة لليسيا حتى بعد وفاتها، بعد وفاة ليسيا، تملّقتْ فينيا الإمبراطورة الجديدة وتحملّتْ كل أنواع الأشياء مِن أجل البقاء في القصر الإمبراطوري، بهدف وحيد هو الإنتقام مِن أرتيسيا ولورانس ذات يوم.
صفعتها فينيا على خدّيها عدّة مرات. الآن، لم يتبق لدى أرتيسيا سوى عدد قليل مِن الأسنان، كما كان الدم يسيل مِن فمها بسبب الجروح الكثيرة التي أُصيبَتْ بها، أخرجَتْ فينيا منديلاً ومسحتْ الدم عن يديها، ثم قامتْ بفك أرتيسيا مِن القيود التي كانت تقيّدها.
اعتقدَتْ أرتيسيا أنَّ الأمر غريب: “لماذا فعلتْ؟”
“هذه أوامر سموه سيدريك، على الرغم مِن أنَّني لن أكون راضيةً عن تمزيقكِ إلى أشلاء هنا ألف مرّة، ربّما يريد إعدامكِ بيديهِ انتقاماً للأشخاص الذين قتلتهم.”
فكرت أرتيسيا: “لا يمكن أنْ يكون. عرفتُ الدوق الأكبر سيدريك إيفرون أفضل بكثير مِن فينيا، لقد كان رجلاً صادقاً ونزيهاً، بغضِّ النظر عن السبب، فهو لن يذهب إلى حد القضاء على إمرأة سقطتْ فعلاً وتعرّضتْ للتعذيب، بالإضافة إلى ذلك، إذا هربتُ مِن الزنزانة، فلن تتمكّن فينيا مِن العودة، لم يكن القصر الإمبراطوري مكاناً بسيطاً، وسرعان ما سيتمّ اكتشاف أنَّ فينيا هي التي نزلتْ بالمفتاح وأخذتها بعيداً، كانت فينيا تابعة وجاسوسة لإيفرون، مِن المستحيل أنْ يُضيّع قطعة شطرنج مهمَّة مثل هذه، على الأقل ليس عليّ، ربَّما أصدرَ الدوق الأكبر سيدريك إيفرون هذا الأمر لسبب آخر، ربّما ليس لأنَّه أراد إعدام متآمرة عديمة اللسان علناً، ولكن لأنَّه أراد إنقاذ الخادمة التي كانت مملوكة لليسيا، لن تكون فينيا على استعداد لمغادرة هذا المكان طواعية دون سبب.”
ومع ذلك، لم تفكّر فينيا في ذلك بعيداً، بعد تحرير أرتيسيا، خلعت رداءها وغطّتها، وبعد أشهر مِن التعذيب وفقدان أطرافها، تمكّنتْ فينيا مِن رفع وحمل جسدها بسهولة بمفردها، تمَّ أخذ أرتيسيا مِن القصر الإمبراطوري في عربة غسيل ثمَّ نقلتها في عربة، تسبَّب الإهتزاز المستمر في ارتفاع الحمى في جسدها الضعيف فعلاً، في منتصف الطريق، أصبح وعيها غائماً مرّة أخرى، عرفَت أرتيسيا أنَّه سيتمّ نقلها، لكنّها لم تعرف كيف، وعندما استعادتْ وعيها، كانت في خيمة، وكانت أطرافها المقطوعة ملفوفة بضمّادة نظيفة، بدا وجه الرجل العجوز الذي كان يعتني بها مألوفاً، لقد كان كبير خدم الدوق الأكبر إيفرون.
“لقد استيقظتِ.”
على الرغم مِن كونها العدو، إلَّا أنَّ كبير الخدم تحدَّث معها بأدب.
“مِن الأفضل أنْ تأكلي شيئاً، إذا استطعتِ.”
تراجعتْ أرتيسيا وهزّتْ رأسها.
“لا تقلقي، قال الطبيب أيضاً أنَّكِ ربّما لن ترغبي في تناول الطعام بسبب الحالة التي أنتِ فيها، سأعدُّ لكِ بعض الشاي القوي.”
ثمَّ نهض كبير الخدم وغادر الخيمة، أدارتْ أرتيسيا رأسها ونظرتْ حولها، لم يكن هناك شيء مميّز في الخيمة، لم يكن هناك سوى وعاء به ماء مغلي، والسرير الذي كانت ترقد عليه، ومصباح زيت، ولم يعود كبير الخدم وحده، انفتح القماش الموجود عند مدخل الخيمة ودخل الدوق الأكبر سيدريك إيفرون، نظرتْ أرتيسيا إليه في حالة صدمة، لم تره منذ سنوات، لكنّه لم يتغيّر، فقط عيناه البراقة الزاهية بدتْ أعمق مِن ذي قبل.
“لقد مرَّ وقت طويل منذ آخر مرّة رأينا فيها بعضنا البعض، الماركيزة روسان، سمعتُ أنَّهم قطعوا لسانكِ، يبدو أنَّ السيدة التي كانت في يوم مِن الأيام أعظم متآمرة في الإمبراطوريّة بأكملها لم تتمكّن مِن إنقاذ نفسها، أليس كذلك؟”
أغلقتْ أرتيسيا عينيها، وأعربتْ عن أسفها لغباء ارتكاب كلّ تلك الجرائم لصالح لورانس، مع علمها أنَّها ستتعرّض للخيانة، لكنها لم تشعر بالذنب.
فكرت أرتيسيا: “كلّ البشر في العالم أشرار، والأكثر مِن ذلك هم أولئك الذين يقتربون مِن السلطة، كان هذا هو اعتقادي الراسخ. لكن أمام شخصين في العالم، الدوق الأكبر سيدريك إيفرون والقدّيسة ليسيا، لم أكن قادرة على قول ذلك…”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"