في صالون قصر الدوق الأكبر، كان راؤول ينتظر الاميرة.

 

‘أرى أن الجو العام يختلف تمامًا عما كان عليه في السابق.’

 

عندما تطلّع إلى الزجاج الملون الفاخر في السقف، تأكد لديه أنها غرفة الاستقبال التي زارها من قبل.

 

لكن المشهد داخلها كان مغايرًا تمامًا.

 

لقد اختفت الطاولة الطويلة والكراسي التي كانت موجودة في الأصل. وحل محلها الآن أريكة ضخمة، تكاد تكون بحجم سرير.

 

وعلى الأريكة، كانت بطانية كبيرة ممددة، وبجانبها تمامًا على الطاولة الجانبية، وضعت أدوات الحياكة وبعض المرطبات بشكل منظم.

 

لم يكن المكان يبدو كغرفة استقبال بقدر ما كان يشبه غرفة نوم مريحة.

 

‘ما هذا؟’

 

لكن هذا لم يكن الأمر المهم الآن. فهدف راؤول اليوم كان واضحًا ومحددًا.

 

‘عليّ أن أسترضي الأميرة بأي ثمن.’

 

وصلت الأخبار قبل أربعة أيام.

 

“سيدي! الأميرة أصيبت بمرض نادر! انظروا، لقد قلت إن هذا جنون…!”

 

“ماذا تقول!؟”

 

“سيدي! لقد شُفيت الأميرة من مرضها النادر!”

 

“هاه؟”

 

“سيدي—!”

 

“وماذا أيضًا الآن!؟”

 

“الأميرة أظهرت قواها السحرية!”

 

“…!”

 

مهما فكر في الأمر مجددًا، كان ذاك يومًا غريبًا حقًا.

 

عند هذا الحد، بدأت تيارات غريبة تسري بين أتباع عائلة تيبري.

 

من هي الأميرة أريشا؟ إنها تلك التي اشتهرت ذات يوم في الإمبراطورية بعبقريتها الفذة.

 

ورغم أن استعادة قواها السحرية هذه قيل إنها ظاهرة مؤقتة، فليس هناك ما يمنع أن يتكرر ما حدث مرة أخرى.

 

فإذا استعادت الأميرة قواها السحرية السابقة، فقد تتغير موازين الخلافة في عائلة الدوق الأكبر تمامًا.

 

بدأ الرأي العام يتداول فكرة أن الأميرة قد ترث العائلة.

 

‘ألم أقل لكم؟ حدسي لم يخطئ قط.’

 

استجمع راؤول، الذي كان يشعر بالزهو، قواه الذهنية من جديد.

 

كان من البديهي أنه إذا وطّد علاقته بالأميرة، فإن مكانته بين المسؤولين ستترسخ بلا شك.

 

وبهذا، لن يضطر بعد الآن إلى الاهتمام بعلاقاته المتوقفة أو السعي وراء التوازنات الدقيقة بلا طائل.

 

قبض راؤول على قبضته بقوة.

 

‘على الرغم من أن محاولات الإغداق بالهدايا السابقة باءت بالفشل، إلا أنني واثق هذه المرة.’

 

بينما كان راؤول ينتظر بفارغ الصبر، دخلت الأميرة إلى صالون الاستقبال.

 

كان من الصعب قراءة تعبيرها اللامبالي المعتاد، لكنها بدت لوهلة وكأنها تشعر بالضيق أو الإزعاج.

 

“أهلاً بكِ أيتها الأميرة.”

 

أومأ راؤول برأسه بأدب واحترام. لكن أريشا لم ترد على تحيته، بل ألقت بنفسها مباشرة على الأريكة.

 

“أشعر بالعطش قليلًا.”

 

“آه، أجل أجل! يا هذا، أنت هناك…!”

 

أغلق راؤول فمه الذي كان على وشك مناداة الخادمة بشكل طبيعي. فقد كانت الأميرة تحدّق فيه بتمعن.

 

بتمعّن شديد.

 

كان هذا ضغطًا صامتًا.

 

‘عليكَ أنتَ أن تفعل ذلك.’

 

“…أنتم ارتاحوا جيدًا! سأتولى الأمر بنفسي! اليوم إجازة!”

 

نهض راؤول بسرعة وقدم لها الماء.

 

“غطاء.”

 

“أجل، حاضر!”

 

هذه المرة، كان الأمر يتعلق بالغطاء.

 

نظر راؤول حوله على عجل. فرأى غطاءً موضوعًا في زاوية بعيدة.

 

كان غطاءً سميكًا وناعمًا، وله وزن لا بأس به.

 

‘لماذا بحق الجحيم يوجد غطاء في صالون الاستقبال؟’

 

كل الأمور التي كان يصادفها في قصر الدوق الأكبر هذه الأيام كانت غريبة وشاذة، وكانت الأميرة دائمًا هي محورها.

 

حمل راؤول الغطاء متأوهًا، ومع ذلك، طرح سؤاله بأقصى درجات الأدب.

 

“أتسمحين لي بشرف تغطيتك بهذا الغطاء أيتها الأميرة؟”

 

“حسنًا.”

 

بينما كان راؤول يعد مخدع الأميرة، لم يستطع التخلص من شعور بأنه يُستغل أو يُسيَّر.

 

فمهما بدا الأمر، ألم يكن هو نفسه مسؤولًا رفيع المستوى؟ في الخارج، كان هناك عدد لا يحصى من الأشخاص الذين يحنون رؤوسهم أمامه.

 

لكن على عكس أفكاره تلك، كان جسده يطيع أريشا بجد وإخلاص.

 

شعر راؤول أن حياته بدأت تسير في مسار خاطئ بطريقة ما.

 

‘لا، استفق يا راؤول. يجب عليك أن تكسب ودّ الأميرة بأي ثمن!’

 

بعد أن انتهى راؤول من تقديم كل الخدمات، حينها فقط فتحت أريشا فمها.

 

“لماذا طلبت مقابلتي؟”

 

وأخيرًا، وبعد طول انتظار وصبر، حانت اللحظة.

 

“ما جئت به ليس إلا هدية أعددتها خصيصًا لكِ أيتها الأميرة.”

 

استجمع راؤول شتات نفسه، محاولًا تهدئة قلبه المتوتر.

 

‘هذه المرة، سأنجح حتمًا!’

 

كان واثقًا هذه المرة تمامًا من قدرته على كسب ودّ الأميرة.

 

حقيقة يعرفها جميع سكان الإمبراطورية.

 

من هو الشخص الذي تفضله الأميرة أكثر من غيره؟

 

إنه—!

 

“تفضّل بالدخول!”

 

تزامنًا مع كلمات راؤول، انفتح الباب ودخل رجل إلى الغرفة.

 

كان الرجل ذا بنية قوية للغاية، بأكتاف وصدر عريضين جدًا.

 

كان وجهه وسيمًا للغاية، وشعره بني فاتح، وعيناه خضراوان فاتحتان.

 

ذلك الرجل الذي يخطف الأنظار من الوهلة الأولى، لم يكن سوى.

 

‘دايل هاكسنتا!’

 

دايل هاكسنتا.

 

‘هاهاهاهاهاها!’

 

‘الجهد الذي بذلته لجمع هذين الشخصين لم يكن هيّنًا أبدًا.’

 

“لقد تكبدت خسائر كبيرة، لكن لا بأس.”

 

‘فكل هذا استثمار للمستقبل.’

 

ضحك راؤول في داخله ملء فمه، ثم نظر إلى وجه الأميرة بانتظار وترقب.

 

“أيتها الأميرة، أرجو أن تكون هديتي قد نالت إعجابكِ…!”

 

“…….”

 

لكن… كانت عينا الأميرة مغمضتين، وهما اللتان كانتا تضيئان عادةً باليقظة والنشاط.

 

“أيتها الأميرة…؟”

“…….”

“هل أنتِ نائمة؟”

“…….”

 

‘لا، مستحيل…!’

 

“أيتها الأميرة؟”

 

نادها مجددًا، لكن لم يأتِ رد. كانت الأميرة نائمة حقًا.

 

‘لماذا أنتِ نائمة؟’ ‘ماذا؟ ماذا؟ أيتها الأميرة، إنها الواحدة ظهرًا الآن!’ ‘استيقظي أرجوكِ، من فضلكِ…’ استولى اليأس على راؤول.

 

✧•✧•✧•✧

 

أصبح دايل فجأة ككيس شعير ملقى بلا فائدة، بينما كان راؤول مشتت الذهن. جلس الاثنان بصمت أمام أريشا النائمة.

 

كان راؤول لا يزال مشتت الذهن.

 

‘كم من الجهد بذل لإعداد هذه الهدية! لقد سخّر كل الموارد لجلب السير دايل، الذي لم يكن يهتم بالأميرة.’

 

‘مستحيل أن تكون تتظاهر بالنوم لأنها تكره السير دايل، أليس كذلك؟’ لا يمكن ذلك، فحب الأميرة للسير دايل حقيقة يعرفها جميع سكان الإمبراطورية.

 

رغم أن الواقع كان صعب القبول، قرر راؤول أن يعترف بأن الهدية التي أعدها لليوم قد باءت بالفشل الذريع أيضًا.

 

في مثل هذه الحالات، كان الحل يكمن في تحديد موعد جديد بسرعة.

 

“أعتذر، أيها السير دايل. يبدو أن الأميرة ليست على ما يرام اليوم.”

 

‘على أي حال، ألم يكن السير دايل غير مهتم بالأميرة أريشا؟ مغادرة هذا المكان بسرعة لن تكون أمرًا سيئًا بالنسبة له أيضًا.’

 

“سأحاول ترتيب لقاء آخر في المرة القادمة.”

 

“…نعم، افعل ذلك.”

 

لحسن الحظ، قبل دايل اعتذاره بامتنان.

 

كان من المفترض أن ينتهي الأمر بمغادرة الغرفة برفقة دايل، لكن…

 

“أيها السير دايل؟”

 

لم ينهض دايل.

 

“آه، نعم. فهمت.” ‘انظروا إلى هذا.’ ‘حتى الآن، بينما يقول إنه فهم، لم تكن عيناه تفارقان الأميرة أريشا.’ ‘كان وجهه يشبه وجه طفل سُلب لبه أمام متجر للحلوى.’

 

‘ألم يكن الأمر أن الأميرة هي من تحب السير دايل من طرف واحد؟’ ‘هكذا، يبدو الأمر وكأن دايل هو من يحب الأميرة، أليس كذلك؟’

 

لم يكن راؤول وحده من استغرب تصرفات دايل. فدايل نفسه كان عاجزًا عن فهم سلوكه.

 

‘بشكل غريب، لم تتمكن قدماه من الابتعاد. كانت عيناه تلاحقان الأميرة باستمرار، وكان يرغب في البقاء مشاهدًا لها هكذا.’ ‘شعر وكأنه فراشة تنجذب إلى الضوء.’ ‘كان هذا أمرًا غريبًا حقًا.’

 

“…هل يمكنني البقاء قليلًا ثم المغادرة؟” تفوّه دايل بهذه الكلمات بعد لحظة من التفكير.

 

‘على الرغم من أن الأمر لم يكن في الاتجاه المتوقع، إلا أن راؤول رأى أن هذا ليس سيئًا أيضًا.’ ‘ألم يكن دايل أيضًا من أبرز المواهب في الإمبراطورية؟ لم يكن هناك ضرر في أن يجعله مدينًا، بأي شكل من الأشكال.’

 

“إذن، هذه المرة سأتجاهل الأمر بشكل خاص. ومع ذلك، يجب عليك النهوض في أسرع وقت ممكن قبل أن تستيقظ الأميرة.”

 

همس راؤول بذلك ثم غادر الغرفة أولًا.

 

وبعد أن اختفى، بقي دايل جالسًا في مكانه.

 

‘لم يكن يفهم الأمر بعد. فهو لا يحب الأميرة. بل إنه يجدها مزعجة.’

 

‘ومع ذلك، لم يكن يرغب في مغادرة هذا المكان الآن.’

 

دون أن يدرك أنه يتصرف بوقاحة، ظل دايل يحدق في الأميرة النائمة بهدوء.

 

‘شعرها البلاتيني المتناثر، رموشها الطويلة الرفيعة المغمضة برفق، أطراف أصابعها التي لامسها الضوء القادم من النافذة.’

 

‘بدت الأميرة في هذه اللحظة كشخص بعيد المنال، رغم أنها كانت أمامه مباشرة.’

 

‘وربما لهذا السبب، كانت عيناه تنجذبان إلى كل ذلك مرارًا وتكرارًا.’

 

‘يرغب في لمسها. أطراف أصابعها، ونهايات شعرها.’

 

‘ما هذا الذي أفكر فيه؟’ احمر وجه دايل فجأة.

 

نهض مسرعًا من مكانه. لا، بل حاول النهوض.

 

‘لقد عقد العزم، لكن جسده لم يتمكن من النهوض بسهولة.’

 

‘يجب أن أذهب. يجب أن أغادر.’ ‘البقاء بجانب شخص نائم دون إذن كان وقاحة كبيرة.’ ‘علاوة على ذلك، لقد كان يحدق في وجه الأميرة كما يشاء.’

 

‘لنذهب.’ كان ذلك في اللحظة التي عقد فيها العزم الأخير وحاول النهوض من مكانه.

 

“[(مهم) تأكيد الإشعار!]”

“[(مهم) تأكيد الإشعار!]”

“[(مهم) تأكيد الإشعار!]”

“[(مهم) تأكيد الإشعار!]”

 

مع صوت إنذار قوي كاد يمزق الأذنين، غمر النظام بنفس الرسالة.

 

‘ما هذا؟’ ‘بدت وكأنها لن تدعه وشأنه إن لم يتحقق منها فورًا.’ ‘لم يحدث مثل هذا من قبل.’

 

فتح دايل نافذة النظام على عجل. وما ظهر فيها كان.

 

“[تم العثور على هدف قابل للاتصال ─ أريشا]”

“[اتصال؟]”

“[نعم / نعم]”

 

“…الاتصال بالأميرة؟!” تحول عقل دايل إلى فراغ من هول الرسالة الصادمة.