‘إنه صهر المستقبل…’
لحسن الحظ، لم يبدُ رايدوكس متفاجئًا من تصرف سيكار. ولمَ يتفاجأ؟ فقد عانى من أمور أشد من هذا، لذا لا بد أن هذا يبدو تافهًا بالنسبة له.
لكنه لم يكن بوجهٍ بشوش تمامًا.
“يبدو أن سيدي الدوق لا يفرق بين اللطف والإغراء.”
“يبدو أنك لا تدرك مدى وقاحتك وأنت تتجرأ على إظهار اللطف لزوجتي.”
استدعى سيكار خادمًا يحمل المشروبات وناولني كوب ماء، لكنني لم أعد أرغب في الشرب.
فقد توقف الفواق من هول صدمتي بسبب سيكار دون الحاجة إلى الماء.
حافظ رايدوكس على تعبيرٍ رزين كعادته، ثم أطرق برأسه قليلًا.
“أتمنى لكِ وقتًا ممتعًا يا دوقة بليك.”
غادر رايدوكس دون أن يوجه تحية لسيكار.
“يا له من وقح”، قال سيكار.
“سيكار، إنه معلم كيان، وسيصبح صهرك يومًا ما، وصهري أيضًا. كيف تعامله بمثل هذا الجفاء؟”
“محاولة إغواء صهر تستوجب الإعدام.”
الإعدام بمعاييره الخاصة، على ما يبدو.
“لم يكن يحاول إغوائي. فقط أراد مساعدتي كما ساعدته من قبل.”
“كان بإمكانه أن يطلب من خادمٍ أن يفعل ذلك. لكنه تجرأ على تقديم الماء لكِ بنفسه بوقاحة.”
“سيصبح صهرنا في المستقبل، فمعاملته كما في السابق ستسبب المشاكل. كن أكثر لباقة معه من الآن.”
“هو من أثار استيائي أولًا.”
كنتُ أعلم أن طباعه السيئة السمعة لن تتغير بسهولة، لكن الطريق لا يزال طويلًا حقًا.
“من الآن فصاعدًا، تجاهلي لطف أي شخص سواي. هل فهمتِ؟ هابي لم تقبل شيئًا من أحد غيري ولو مرة واحدة.”
يبدو أنه يراني كزوجة أليفة بكل تأكيد.
“إذن، لا تقبل لطف النساء أيضًا؟”
“النساء استثناء.”
معاييره كطباعه، عشوائية حسب مزاجه.
“لماذا تستثني النساء؟”
“تسألين عن أمر بديهي. لأنهن من جنسكِ، أتساهل معهن.”
“لكن، وأنا أستمع، هناك شيء غريب.”
“ما الغريب في ذلك؟”
“أنتَ تمسك يد فيكا باستمرار.”
“هل تعتقدين أنني أمسكها لأظهر اللطف؟ أفعل ذلك لقراءة ذكرياتها فقط. كما أمسك السيف للهجوم، الذكريات بالنسبة لي كذلك.”
حسنًا، ليس خطأً.
“يبدو أنكِ تغارين من فيكا.”
كانت فيكا بعيدة عنا قليلًا، لكنني أعرف مدى حدة سمعها، فكدتُ أصرخ من الذعر.
“سيكار! احترس في كلامك. لماذا أغار منها؟!”
“مهما نظرتُ، هذا يبدو كغيرة.”
همستُ بصوت منخفض ليسمعه سيكار فقط:
“فيكا قد تسمع كل شيء. لا تقل شيئًا قد يسبب سوء فهمها، أرجوك.”
“فيكا لن تهتم على أي حال.”
“أنا من يهتم.”
“لا داعي لإهدار طاقتكِ على أمر تافه.”
على أي حال، من الأفضل إنهاء الحديث عن فيكا. لنغير الموضوع.
“بالمناسبة، هل جاء ذلك الرجل معك؟ أعني رجل هيرسيا.”
“بالطبع.”
“أين هو الآن؟”
“في غرفة الاستقبال بالطابق العلوي ينتظرني. المكان يطل على شرفة التراس مباشرة، لذا لن تكون هناك مشكلة في إنهاء الأمر.”
آه، لقد جعله ينتظر فوق التراس عمدًا. عندما يهاجم القتلة هيرسيا، يمكنه التظاهر بمحادثته ثم التعامل مع القتلة بسلاسة. خطة آمنة وطبيعية ببراعة.
فجأة، سمعتُ كلمات جمّدت عظامي.
“جلالة الملك يدخل.”
بعد صوت رئيس الديوان الثقيل، انفتحت الأبواب الداخلية الكبيرة لقاعة الاحتفال، ودخل الملك جيليان ودايين.
كانا قد استبدلا ثياب الزفاف بزي رسمي وفستان. مع تقدمهما، انقسم النبلاء إلى جانبي الجدران كالأمواج، و أحنوا رؤوسهم.
ربما بسبب عدم اعتيادي على لقاء جيليان، لكنه كان دائمًا ينشر هالة تخنق الأنفاس.
وكذلك الملكة. كنتُ قد هدأتُ قليلًا أثناء حديثي مع سيكار، لكن رؤية جيليان أعادت التوتر إليّ.
تنفستُ بعمق بهدوء داخليًا بينما اقترب الملك وزوجته منا.
تبادل جيليان وسيكار النظرات وأومآ برأسيهما تحيةً صامتة. ثم تحولت عينا جيليان نحوي.
“إنه لقاؤنا الثاني يا سيدة بليك.”
حقًا، لا أستطيع التعود على هذا الرجل.
شعرتُ بذهني يفرغ، ثم استعدتُ رباطة جأشي وأديتُ التحية.
“جلالة الملك، جلالة الملكة، أنا مغمورة بالامتنان لدعوتكما لي إلى هذا الموقع المجيد في ليكادور.”
هل قلتُها كما حفظتُ؟ لستُ متأكدة من فرط ارتباكي، لكن تعبير سيكار الهادئ أشار إلى أنني أديتُها جيدًا.
نظر جيليان إليّ بهدوء وابتسم ابتسامة خفيفة.
“إتمام حفل الزفاف الباهر بسلام يعود فضله إلى عائلة بليك التي أشرفت على العائلة الملكية. أنا من يشكركما على قبول الدعوة بسرور.”
هل يسخر منا الآن، مشيرًا إلى أن عائلة بليك تحاول التفوق على العرش؟
هذه العلاقات المعقدة لسيكار أن يتعامل معها، وعليّ فقط أن أنفذ ما يُطلب مني.
ابتسمت الملكة بأناقة وأطرقت برأسها قليلًا نحوي.
“كنتُ أتوق لرؤية الدوقة بليك، وها أنا ألتقيها أخيرًا.”
“أنا ممتنة لترحيبكما بي رغم نقصي يا جلالة الملكة.”
ابتسمت الملكة ابتسامة خافتة.
لم نتبادل حديثًا طويلًا، لكن النظرات المتبادلة كانت تحمل صراعًا خفيًا واضحًا. آه، هذا أمر قاسٍ ومرهق بالنسبة لي.
“بالمناسبة، سمعنا أن الدوق بليك كشف بنفسه عن اختلاس مدير دار الأيتام هذه المرة؟”
نظر إليّ سيكار بنظرة تعني “بسببكِ تورطتُ في أمر مزعج”، ثم أجاب:
“اكتشفته صدفة.”
“مذهل حقًا. لم أكن أتوقع أن يهتم الدوق بمثل هذه الأمور.”
“كواجب تابع لجلالتك، لم أستطع تجاهل جريمة بشعة حدثت أمام عيني.”
كان من طبعه أن يتهرب بإجابة عابرة، لكن تغليفه إنجازه بفضل جيليان يشير إلى أنه يتودد قليلًا هذه المرة.
شعرتُ بقلقي يهدأ قليلًا بفضل ذلك.
“مع وجود الدوق إلى جانب ليكادور، لا يمكن أن أشعر بأكثر من هذا الاطمئنان.”
“عائلة بليك ستظل دائمًا تابعًا مخلصًا لمملكة ليكادور، مع جلالة الملك.”
لم يقل مثل هذه الكلمات في الرواية أبدًا. كان دائمًا متعجرفًا أمام جيليان، مما جعله منبوذًا. لماذا يتصرف بلطف فجأة؟
في تلك اللحظة، رأيتُ هيرسيا تقترب بتعبير مضطرب بصحبة أحد الخدم. رآها جيليان ومد يده كأنه يستقبل أختًا صغيرة محبوبة.
“اقتربي يا هيرسيا.”
رحب بها جيليان، لكنهما بالكاد التقيا من قبل.
كان الاضطراب واضحًا على وجه هيرسيا التي لا تجيد إخفاء مشاعرها. ابتسمت بتكلف وقبلت يد جيليان.
“مر وقت طويل يا جلالة الملك.”
بعد تحية جيليان، حيت هيرسيا الملكة.
“أهنئكما على الزفاف يا جلالة الملكة. أنا هيرسيا موبيارت من عائلة الكونت موبيارت، عائلة والدة جلالة الملك، الدوقة الكبرى.”
“سمعتُ عنكِ كثيرًا. سعدتُ بلقائكِ، هيرسيا.”
لم تكن هيرسيا زوجة سيكار السابقة، بل زوجته في الرواية فقط، وكانت أصغر وألطف مما وصفتها الرواية. خجلها من الغرباء جعلها تشبهني كثيرًا.
“هذا الدوق بليك وزوجته. حييهما.”
أطرقت هيرسيا برأسها نحوي بوجه محمر وارتباك واضح.
“أهلًا، سيدي الدوق، سيدتي. شرف لي لقاؤكما. أنا هيرسيا موبيارت من عائلة الكونت موبيارت، عائلة والدة جلالة الملك، الدوقة الكبرى.”
شعرتُ بألفة غريبة وأنا أرى تعريفها الطويل أكثر من تعريفي.
كانت هناك رابطة أخرى بيننا: أن يتم حبسها مع سيكار حتى لو كان ذلك في الرواية فقط.
“جلالة الملكة، لدي حديث مع الدوق بليك، فتحدثي مع الدوقة قليلًا.”
“حسنًا، جلالتك.”
أشار سيكار بعينيه أنه سيعود، ثم غاب مع جيليان دون كلمة.
كنتُ أريد التخلص منه هنا، لكنه الوحيد الذي أعتمد عليه، فشعرتُ بالحيرة.
أردتُ قول “خذني معك”، لكن الذهاب مع جيليان لم يكن ممكنًا.
“يبدو أنه ذهب للحديث عن السياسة مجددًا.”
“آه، نعم.”
آه، أشعر بالضيق.
ربما لو كنتُ وحدي مع الملكة، لاختنقت. لكن رؤية هيرسيا ترتجف جعلتني أشعر بقرب منها.
لولاها، لكنتُ أنا من يرتجف هكذا. وجودها كان مواساة.
“يبدو أن السيدة هيرسيا تخجل كثيرًا من الغرباء.”
“لم أحضر مناسبة كبيرة منذ حفل الظهور الأول، لذا أنا متوترة جدًا. أعتذر.”
كانت هيرسيا ترتجف، لكنها تتحدث بوضوح. ابتسمت الملكة بلطف ووضعت يدها برفق على كتفها المرتجف.
“أنتِ ابنة خال جلالة الملك، فلا تخافي وكوني مرتاحة.”
“أنا في حيرة من لطف جلالتك.”
أنا أيضًا في حيرة حقًا.
بينما كانتا تتحدثان، كنتُ أبتسم ظاهريًا، لكنني كنتُ بالتأكيد أبدو متصلبة مثل هيرسيا.
“دوقة بليك.”
“نعم، جلالتك.”
“سمعتُ أنكما أقمتما زفافًا غير رسمي. يقال إن الدوق فعل ذلك لحماية زوجته الأجنبية، أليس كذلك؟”
الشائعات تُحاك ببراعة، لكن هذه بدت مبالغة أكثر من اللازم.
حتى هيرسيا، التي كانت تائهة كأنها لا تعرف أين هي، فتحت عينيها بدهشة.
“يا إلهي! هل هذا ليس مجرد شائعة بل حقيقة؟”
“نعم، هيرسيا.”
يبدو أن قصتنا المبالغ فيها أزالت خجل هيرسيا.
شعرتُ بالحرج وحاجتي لمروحة، لكنني حاولتُ الحفاظ على ابتسامة متواضعة.
“لم يكن لحمايتي، بل لأنني أجنبية، ربما أراد الدوق مراعاة الضيوف الذين قد يجدونني غريبة يا صاحبة الجلالة.”
“يبدو أن الدوق وقع في غرام تواضعكِ هذا.”
وقع في غرامي؟ لو علمت أنه يراني كإنسان أليف، لصُدمت.
لاحظتُ نظرات السيدات النبيلات تتسلل نحوي.
‘ما الذي قيل عني حتى ينظرن هكذا؟’
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 48"