The villain found out that this place is a novel - 40
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- The villain found out that this place is a novel
- 40 - أسلوب الشريرة في الأبوة (5)
تنهّد رايدوكس بحيرة، وكأنّه لا يصدّق ما يراه أمامه، فقد كان المشهد يتجاوز حدود التصوّر. حتى لو كان صديقه ساحرًا متمرّسًا، لما شهد مثل هذا العجب قطّ. كان هذا المكان، غرفة التدريب، فضاءً فريدًا لا مثيل له في هذا العالم، لا يتكرّر إلا بين جدرانها وحدها. ولو أردنا سرد أصلها وتاريخها، لاحتجنا إلى العودة عبر أمدٍ سحيق، ننسج حكايةً طويلة تتشابك فيها خيوط التفاصيل العميقة.
“هل أعدّه الدوق بنفسه؟”
“نعم، قال إنّ السيد جيرمي قد ساعده.”
“يا للعجب! يبدو أنّ الدوق قد أصبح أبًا بكلّ ما للكلمة من معنى.”
وافقتُه الرأي في صمت. من كان ليظنّ أنّ ذلك الشرير سيُبدع فضاءً كهذا من أجل الأطفال؟
“لهذا دعوتُ التوأمين اليوم. شعرتُ أنّ هذا المكان سيمنح كيان فرصةً لنسج ذكرياتٍ أجمل معهما. ما رأيك أيها الماركيز؟ هل تعتقد أنّ التوأمين سيسعدان به؟”
كان السؤال بديهيًا، لكنني طرحته من باب المجاملة، فأجابني رايدوكس بما أرضى فضولي:
“أعتقد أنّهما سيسعدان به جدًا.”
“إذن، دعنا نستدعي الأطفال فورًا.”
جاء التوأمان يقفزان بخفّة ونشاط، حتى في تلك المسافة القصيرة التي قطعاها سيرًا.
كان نموهما البهيج، بكلّ تلك الحيوية، ثمرة عناية رايدوكس الغامرة بالحبّ. وعلى النقيض، بدا كيان -الذي يتجاوز رزانته ما يليق بسنّه- يثير شيئًا من الشفقة في قلبي. ففي عمرٍ يفترض أن يكون مليئًا بالطيش البريء، كان كيان يبدو ناضجًا أكثر من اللازم.
دخل التوأمان إلى الممرّ الطويل الفارغ، فتلفتا ببلاهة وتساءلا: “أين نحن؟” “ما هذا المكان؟”، وجوههما تعكس الحيرة. لذا، فتحتُ باب غرفة التدريب على مصراعيه، متعمّدةً أن أذهلهما.
وتحقّق ما توقّعته: فغرا أفواههما دهشةً، وبدلاً من الكلام، باتا يرمشان بعيونهما الصغيرة، يتأمّلان الغرفة في صمتٍ مندهش. ولم يكن كيان بمنأى عن ذلك؛ فقد وقف هو الآخر، يحدّق إلى الداخل بوجهٍ يقول: “ما هذا بحقّ خالق السماء؟”
فجأة، استعاد “رويد” وعيه، فاقترب بحذر، يدسّ قدمًا داخل الغرفة ثمّ يسحبها، ثمّ يكرّر الحركة مرّة بعد أخرى.
“ما الذي تفعله؟” سألته لوسي بنظرةٍ تعجّ بالفضول، فأجابها “رويد” بوجومٍ مشوبٍ بالشكّ:
“الأمر غريب، أتأكّد فقط إن كان هناك خطر!”
نظرت إليه لوسي ببلاهة، ثمّ عندما همّ رويد بخطوةٍ أخرى، دفعته من ظهره فجأة. سقط رويد داخل الغرفة، فانكمش على نفسه، يحتضن رأسه بيديه كمن أصابته صاعقة، وصرخ:
“آه! ما الذي تفعلينه؟ آه! أبي! أبي! أنقذني!”
ضحك رايدوكس بهدوء، ثمّ دخل ورفع رويد بين ذراعيه. تشبّث رويد بعنق والده بقوّة.
“انظر، روید. هذا المكان ليس خطرًا. إنّه مجرّد فضاءٍ للعب أعدّ لأجلكم.”
بنبرةٍ دافئة مطمئنة، رفع “رويد” رأسه، وتبع نظرات والده نحو السهل الشاسع. انعكست أشعّة الشمس المبهرة متعدّدة الألوان على وجهه الصغير، حيث لا تزال دموعه تلمع في عينيه.
“حقًا يا أبي؟”
“بالطبع. لو كان هذا المكان خطرًا، لما أحضرتكم إليه.”
ابتسم رويد مطمئنًا أخيرًا، فأنزله رايدوكس على العشب، قائلاً:
“اركضوا واستمتعوا. هذا المكان آمن.”
ركض رويد فاكتشف دودةً صغيرة تسير ببطء على العشب، فأخذ يحدّق بها مفتونًا:
“دودةٌ ملونة!”
ثمّ حمل رايدوكس لوسي، التي كانت تقف متسمّرة، ودخل بها، بينما أمسكتُ بيد كيان وتبعتهما.
“هذا المكان أعدّه الدوق لكم كي تلهوا دون شجار، يا كيان.”
لم يبدُ كيان متفاجئًا كالتوأمين، لكنّه بدا مندهشًا وهو يتفحّص المكان بخطواتٍ هادئة.
“لم أكن أتوقّع وجود مثل هذا الفضاء داخل المنزل.”
في المستقبل، عندما يكبر كيان أكثر، ربما يتدرّب هنا مع سيكار. وربما لن أكون موجودةً حينها. تلك الفكرة أثارت في نفسي شعورًا غريبًا. ربما، دون أن أدرك، تعلّقتُ بهذا المكان.
“فيكا ستراقبكم، فاطلبوا منها كلّ ما تحتاجونه. استمتعوا جيدًا.”
أنزل رايدوكس لوسي وخرج، بينما انشغل الأطفال بالركض في السهل، غافلين عن وجودنا تمامًا.
أوصيتُ فيكا بالاعتناء بالأطفال، فاكتفت بابتسامةٍ خفيفة وإيماءةٍ سريعة، ثمّ أغلقت الباب بقوّة. تنهّد رايدوكس بقلقٍ خفي:
“أتمنّى أن يلعبوا هناك دون شجار.”
“التوأمان يُرهقانك يوميًا حقًا، أيها الماركيز.”
“الأطفال دائمًا يستنزفون طاقة الكبار.”
“هذا صحيح.”
“لكن بفضلهم، أستطيع الراحة في يومٍ كهذا.”
“ما رأيك أن نشرب الشاي الآن؟”
“أن أستمتع بالشاي بهدوء في هذا الوقت؟ لا أذكر متى كانت آخر مرة!”
***
جلسنا، رايدوكس وأنا، أمام المدفأة المتّقدة، نرتشف الشاي في دفءٍ مريح.
كان هدفي من هذا اللقاء هو كيان؛ كنتُ أتوق لمعرفة تفاصيل تقدّمه في دراسته. وبما أنّ رايدوكس يحمل قلب أبٍ، استبق أسئلتي وقال:
“أتريدين معرفة مستوى تعليم سموّ الأمير؟”
“نعم، أنا فضولية جدًا. أثق بأنّه يؤدّي جيدًا، لكن…”
“لا أعرف مدى توقّعاتك، لكنّه يتجاوزها بكثير. تركيزه استثنائي، ويستوعب كلّ شيء بسرعة. لقد أتقن الكتابة بشكلٍ لافتٍ بالفعل.”
“أوه، هل بدأ يكتب بالفعل؟”
تحدّث رايدوكس بفخرٍ لا يخفيه، كأنّه يمدح ابنه:
“بالطبع! ليس فقط الكتابة، بل يبدي اهتمامًا كبيرًا بالتاريخ والمجتمع والاقتصاد. بينما يغطّ التوأمان في النوم وأفواههما مفتوحة، تظلّ عينا سموّه متّقدتين بالذكاء.”
تخيّلتُ لوسي و رويد نائمين ببراءة، بينما كيان يتابع الدرس بنظراتٍ متّقدة، فبدت الصورة رائعة. كيف لصبيّ في السابعة أن يبدو بهذا التألّق؟
“يا له من بطل! إلى أين ستصل بجمالك هذا، يا كيان؟”
تنهّد رايدوكس باعتزاز وهو يرفع كوب الشاي:
“حقًا، يبدو سموّ الأمير ملكًا بالفطرة.”
“وهو سيكون صهرك في المستقبل!” فكرتُ في نفسي. على أيّ حال، يبدو أنّ العلاقة بين رايدوكس وكيان تسير كما في القصة الأصلية.
إذا واصل رايدوكس تهذيب كيان حتى يعتلي العرش، وأصبح والد زوجته، فسيكتمل كلّ شيء. وربما يكون سيكار حينها قد أصبح جزءًا من العائلة الملكية أيضًا. يا لها من صورةٍ مثالية لصهرٍ ووالد زوجته!
بينما كان رايدوكس يبتسم بسعادة، تغيّر وجهه فجأة إلى الكآبة:
“لكن هناك أمرٌ يقلقني.”
“يقلقك؟”
“أحيانًا… تبدو ملامح سموّه مظلمة جدًا.”
“بسبب باليجيه، على الأرجح.” تذكّرتُ حلم كيان الأخير، حيث كان يعاني من الشعور بالذنب. تخيّلتُ قلبه الصغير المثقل بالهموم، فآلمني ذلك.
“حتى يعثر الدوق على جثمان باليجيه، لن يزول الظلّ من وجه كيان. لكن مع جهود الدوق، أرجوك لا تضعف وواصل دعم كيان لينمو بتألّق.”
“هذا واجبي. يؤلمني رؤيته هكذا، لكنني سأظلّ ثابتًا في تعليمه ومساندته.”
“وجودك معنا يمنحني طمأنينة لا توصف، أيها الماركيز.”
“للصراحة، كنتُ أتمنّى ألا أتورّط مع الدوق يومًا.”
‘بالطبع، فأنتم أعداء قدامى.’ فكرتُ في نفسي.
“لكن في اليوم الذي زار فيه جيرمي قصر الدوق، قال لي إنني سأكون معلّم الأمير.”
‘ما هذا؟ هل يرى جيرمي المستقبل؟ هل حصل على كرة بلّورية؟’
“أحقًا؟”
“نعم، قال إنّ ذلك سيكون لصالح مستقبل المملكة. لم يسبق له قول مثل هذا، فأدهشني.”
شعرتُ أنّ جيرمي قد يكون يعرف شيئًا عن القصة الأصلية. أم أنّه في الأصل كان يرى المستقبل، وأنا من نسيتُ ذلك؟
استمرّ حديثنا عن كيان ورايدوكس لساعتين دون أن نشعر.
ثمّ عاد الأطفال: لوسي بوجهٍ شاحب كمن فقد روحه، رويد بظلالٍ داكنة كأنّه رأى ما لا يُرى، وكيان فقط يتنهّد بهدوء.
ما إن رأت لوسي والدها حتى ركضت إليه باكية:
“أبيييي! واآآآآ”
“ما بكِ، يا أميرتي؟”
احتضنها رايدوكس بحنان، لكنّ بكاءها صار أعلى
“واآآ! أوووه! آهههه!”
كان صوتها يصمّ الآذان. “لماذا تبكي هكذا فجأة؟” تساءلتُ. بدا رايدوكس منشغلاً بتهدئتها، فاقتربتُ من كيان وسألته بهدوء:
“كيان، هل تعرف لماذا تبكي لوسي هكذا؟”
“حسنًا، الأمر…”
قال إنّهم بدأوا بلعب الكرات، لكن رويد بدأ المشاغبة، فتشاجرا، وفي كلّ مرة يظهر فارس الموت حاملاً مطرقة. أفزع ذلك لوسي و رويد حتى صارا كما هما الآن.
“لهذا وافق سيكار على هذا المكان بسهولة! برمجَه ليظهر فارس الموت عند الشجار!” أدركتُ الأمر، وفهمتُ ابتسامة سيكار الماكرة تلك. كأنّه يقول: “من يمسّ أطفالي يموت.” يا للأب المفرط! فارس الموت لأطفالٍ صغار؟
“كيان، وأنت؟ كيف تصرّفت؟ ألم تخف؟”
“لم أفزع كثيرًا.”
“صحيح، اعتاد الذئاب في الجبال الثلجية. وبطل القصة لا يرتعد لأيّ شيء.” فكرتُ.
“لحسن الحظّ أنّك لم تخف. أنت رائع حقًا.”
“لم أخف، لكنّ لوسي كانت مرعوبة، فغطّيتُ عينيها.”
خدش كيان أنفه بخجل، لكنّه في عينيّ كان بطلًا صغيرًا متألّقًا. “كم أنت رائع، يا كيان! حقًا بطل!” فكرتُ. لا عجب أنّ البطلة وقعت في حبّه. كان هذا الصبيّ، ابن السابعة، يشعّ بهالةٍ ملكية.
– ترجمة إسراء