نظرت له إلينا ببلاهة، بينما تحولت معالم إيفلين إلى الجمود؛ فهي كانت تتوقع أنه سيقول شيئًا غريبًا، ولكنها لم تتوقع أن يصل إلى تلك الدرجة.
نظرت إيفلين إلى جانبها، فرأت إلينا ووجهها يتحول ببطء إلى اللون الأحمر، ثم قبل أن تفتح إلينا فمها للتحدث، كانت إيفلين قد وضعت يدها على فمها لتمنعها من الكلام، فبالتأكيد كانت ستقول بعض الشتائم.
قالت إلينا بصوتٍ عالٍ بعد أن أبعدت يد إيفلين عن فمها:
“لا تمنعيني، كيف يجرؤ على أن يتقدم لخطبتك هكذا؟!!”
ثم نظرت إلى كاليوس، الذي ظل هادئًا رغم صراخها، وأكملت:
“هل تظن أن إيفلين ستقبل بك؟… مهلاً، انتظر هنا، وماذا تعني بالأشهر التي نقضيها هنا؟ هل ستخطبها ثم تتركها حين نرحل؟!!”
كادت إلينا أن تقول “أيها المجنون”، لكنه قاطعها قبل أن تتكلم مجددًا، وقال بعد أن تنهد:
“أنا أحتاج إلى خطيبة لفترة من الزمن. في الحقيقة، هناك فتاة ما تُطاردني، لا أستطيع منعها أو أن أفعل لها أي شيء. لذلك قررت أن أُخطب لفترة ثم ننفصل. بالتأكيد خلال تلك الفترة ستكون قد سئمت مني. وأيضًا يمكنني أن أقول بعد أن ننفصل إنني أحببتكِ حقًا، ولا أستطيع أن أخطب أي أحدٍ آخر.”
قالت إيفلين بملامح جدية، وهي تتوقع ما سيقوله تاليًا:
“وبهذا تكون قد ضربت عصفورين بحجرٍ واحد، أبعدت المطاردة وتخلصت من إلحاح والدتك للزواج.”
أومأ لها كاليوس.
فقالت إيفلين وهي تتصنع التفكير:
“حسنًا، وعلى ماذا سأحصل إن استمعتُ إليك؟”
قال كاليوس ببعض التردد:
“سأخبر أنا والدي بشأنكم، وأمنعه من أن يعاقبكم.”
ارتفع حاجب إيفلين باستنكار، وقالت:
“لا بأس، شكرًا لك. أنا سأتقبل العقاب بسرور، فحتى بعد أن اكتشفت الأمر كنت بالفعل سأذهب وأخبر الملك بالأمر.”
ضغط كاليوس على شفتيه بأسنانه، وقرر أن يتحدث ببعض اللين:
“أنا أعلم أنكِ بالتأكيد ستفعلين ذلك، لذلك قلت في البداية إنه مجرد طلب. إن وافقتِ فذلك أمر جيد، وإن لم تُوافقي فسوف أضطر للمعاناة قليلًا.”
بدا من كلامه أنه سيعاني كثيرًا بالفعل. نظرت له إلينا بتفكير في كلماته، لم تأتِ هذه الفكرة أبدًا إلى ذهنها وهي تحاول أن تُقنع والدتها بأنها لا تريد الزواج. وقالت في نفسها بسخرية:
(ولكن هل كانت ستنجح خطته أصلًا؟ بعد فترة سيجد والدته تُجبره فجأة على المضي قدمًا، كما فعلت والدتي بعد عدة سنوات من وفاة حبي الأول. فقد أخبرتها فجأة أن تكون عائلة حتى لا تكون وحيدة.
في الحقيقة، هي قد فقدت الشخص الوحيد الذي أشعرها بالرغبة في الحصول على عائلة، فكيف تُكوِّن عائلة هكذا؟ إن كانت ستشعر بالوحدة، بإمكانها تبني طفل.
الجميع أخبرها أن تتخطاه، حتى إيفلين أخبرتها بذلك، لكن قلبها الأحمق الذي أحبه لم يستطع أن يتخطاه.)
شعرت فجأة بالحزن، لكنها أخفت ذلك بمهارة، ولحسن حظها كان كاليوس وإيفلين يتناقشان ولم يلاحظا تغير مزاجها. ثم فجأة انتبهت إلى كلام إيفلين:
“حسنًا، أنا موافقة، لكن عليك أن تعلم أنك مدين لي الآن.”
ابتسم كاليوس ابتسامة مشرقة، قائلًا ببهجة:
“بالتأكيد، شكرًا لمساعدتك، وأيضًا سأخبر والدي بالأمر الليلة على العشاء.”
ثم رحل بسرعة كالريح، دون أن يعطيها أي فرصة صغيرة للاعتراض.
اتسعت عيناهما بشدة، وهما ينظران إلى الباب الذي فُتح وأُغلق قبل أن يرمش أيٌّ منهما عينيه.
في القصر الإمبراطوري:
كانت إيلا قد شُفيت تمامًا، ولكنها ما زالت تُلازم غرفتها، فهي تعلم أن هناك بالفعل في القصر جواسيس لوالدها. فهو بالتأكيد عاجلًا أم آجلًا سيطلب منها أن تُسيطر على القصر بصفتها خطيبة الإمبراطور والإمبراطورة المستقبلية للمملكة.
قد حاولت كثيرًا إقناع ليان بفسخ هذه الخطبة التي لن تُسبب لهم سوى المأساة.
هي قد حاولت وفشلت، فقد حاولت إقناع ليان أن يفسخ هذه الخطبة، لكنه دائمًا ما كان يتجاهل الموضوع بمهارة، بل في بعض الأوقات كانت تخبره فيجيب بإجاباتٍ غريبة.
فجأة تذكرت أول مرة أخبرته بذلك:
“أريد فسخ هذه الخطبة، أرجو أن تُوقّع على هذه الورقة.”
شحُب وجه ليان فجأة، ثم ظهرت ابتسامة على وجهه، كانت ابتسامة غريبة أشعرت إيلا بالقشعريرة.
نظر لها ليان فجأة وقال:
“بالتأكيد، سأريد الذهاب معك للتنزه، الجو جميل بالخارج. هل تريدين التنزه الآن أم غدًا؟”
دُهشت إيلا، ثم قالت باستنكار وشك:
(هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟ هل سمع سؤالي ويغير الموضوع أم لم يسمع جيدًا من الإرهاق؟!!)
أعادت عليه السؤال مرات عديدة حتى تتأكد، وبالفعل كان يغير الموضوع، بل بدا أنه يستمع لجملٍ مختلفة بالفعل. فقد كانت إجابته:
“ماذا؟ هل سئمتِ من التنزه؟ إذًا فلنذهب للتسوق أولًا.”
أو يقول:
“هذا الفستان بالفعل جميل، لكن إن كنتِ تريدين أن أشتري لك الجواهر فلنذهب إلى العاصمة، سأشتري لك جواهر نادرة التقطتها مؤخرًا.”
بعد العديد من الإجابات الغريبة، قررت إيلا الاستسلام بالفعل، وذهبت من أمامه، فقد بدا كآلة تعطلت فجأة عن العمل. بعد أن ذهبت في ذلك الوقت، لم تسمع تنهيدة ليان بعد رحيلها، ولم ترَ تعابيره الحزينة.
عادت إيلا بذكرياتها على طرق ليان للباب، فهو أصبح يأتي كل يوم في هذا الوقت. كانت في البداية تطرده للخارج، إلا أنه كان يلتصق بالغرفة مؤخرًا، حتى أصبح من الصعب إخراجه، لذلك تركته وشأنه. فكان يدخل ويشرب الشاي ويتحدث، وهي تتجاهله.
بعد أن دخل ليان إلى الغرفة، اتجهت إيلا ناحية السرير وجلست عليه، وأمسكت بأحد الكتب تقرؤه، وتجاهلته بالكامل. ثم بعد أن انتهت نصف ساعة، رحل.
بعد أن خرج، حاول ليان أن يمنع الابتسامة من الوصول إلى وجهه، قائلًا في نفسه:
(ماذا أفعل؟ إنها لطيفة جدًا، تبدو كالكتكوت الغاضب الذي ينظر إلى الحائط، مُظهرًا هالة تقول: أنا غاضبة، تعال وصالحني. كان يعلم أنها تتجاهله عمدًا حتى يرحل، لا تدري أنه قد كشف بالفعل أنها تستمع باهتمام بينما تدعي عدم الاهتمام. كانت تعابيرها التي حاولت إخفاءها ظاهرة بالفعل.)
ثم عاد إلى مكتبه ليكمل أعماله وهو في حالة مزاجية رائعة.
في قصر كانور:
كان قد اقترب موعد العشاء، ومعه اقترب موعد إعلان كاليوس إلى والديه الحقيقة.
ذهبت إيفلين إلى كاليوس وأخبرته أنها من ستخبرهم بنفسها، فأخبرها أنه لا يُمانع.
كانت إيفلين دائمًا تحاول كتم مشاعرها، وفي بعض الأحيان وصل الأمر إلى أنها لم تبكِ حتى لو مات شخص تعرفه. لكنها لم تتوقع أن تشعر ببعض التوتر الخفيف من هذا العشاء. هل هذا لأنها تكشف من هي؟ قالت في نفسها:
(لماذا أشعر بالقلق؟! حتى لو لم يسامحها أو حاول عقابها، هناك العديد من الطرق لعدم التعرض لأي عقاب. إذًا لماذا هذا القلق؟)
يبدو أنها كانت تحاول تجاهل مشاعر بدأت تحاول الانفجار من مكانها، نتيجة كتم مشاعرها لسنين ، غير مدركة أنه في يوم ما قد ينفجر السد الذي يكبح مشاعرها مسببا فيضان .
بدأ الجميع في تناول العشاء، وبينما يتناولون الطعام كان الجو مناسبًا للكلام. قالت إيفلين فجأة:
“هناك ما أريد أن أخبركم به.”
نظر جميع من في الغرفة إليها منتظرين حديثها. قالت ببعض التردد:
“أنا آسفة… لم أقصد خداعكم، لكن أنا هي الأميرة الرابعة لمملكة سون.”
ساد صمتٌ ثقيل على المائدة، صمتٌ أدركت فيه إيفلين أن هذه الكلمات، ما إن خرجت من فمها، لن يعود بعدها أي شيء كما كان.
التعليقات لهذا الفصل " 31"