شعر كاليوس أنه قد سمع كلامًا غير معقول، ثم حدّق في وجه الين بشدة، منتظرًا أن يقول إنه يمزح، إلا أن ملامح الين لم تتبدل، بل كانت أكثر جدية من أي وقتٍ مضى.
هنا تيقّن كاليوس أنه لا يمزح، لكن كيف بإمكانه أن يصدق هذا الكلام؟ كان ما يزال في مرحلة الإنكار، فلا أحد سيصدق ذلك أيضًا.
نظر إليه الين، ورأى تعابيره التي صُدمت بشدة. كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها الين مشاعر كاليوس تتغير بهذه السرعة؛ كان تغيرها كتحول الجو الصافي إلى عاصفة.
وعندما رآه يحدق فيه دون أن يتكلم، أراد الين أن يضحك بشدة حقًا. أين ذلك الرجل الذي كان يجعله غير قادر على الكلام من الصدمة؟ الآن انقلبت الأدوار، وهو من جعله يعاني من الصدمة.
فقرر أنهما قد تبادلا التحديق لفترة كافية، وأن عليه إنهاء الأمر، فقال:
“لماذا تنظر إليّ هكذا؟ أيهما أصعب تصديقًا: أنني فتاة أم أنني الأميرة الرابعة الحقيقية؟!”
قال كاليوس ساخرًا وهو يحاول الإنكار، رغم شعوره بأنها لا تكذب، لكن صوته، رغم سخريته، لم يكن ثابتًا كما اعتاد؛ كان يحمل ارتباكًا حاول عبثًا إخفاءه:
“الين، هل صدّقت مزحاتي السابقة؟ لذلك صدمت رأسك واعتقدت أنها حقيقة.”
كان هذا أسخف شيء سمعه الين حتى الآن، لكنه أخبره بهدوء:
“أنا لم أصدم رأسي، ولم أكذب. أنا بالفعل الأميرة الرابعة. إن أردت دليلًا على ذلك، يمكنني أن أريك الآن.”
لم يستطع كاليوس الإنكار؛ فقد قضى فترة مع الين، وكان يعلم أن كلماتها صادقة، لكن صدمته الشديدة جعلته في حالة إنكار، فقال بفضول:
“إذا كنتِ الأميرة حقًا، فلماذا ترتدين هكذا؟ ولماذا أنتِ قائدة الجيش؟ أنا لا أقلل من مهاراتك في السيف، فأنا أعترف أنكِ رائعة في المبارزة، لكن لماذا بدأتِ بها؟ وأيضًا، أنتِ لا تبدين كفتاة.”
شعرت إيفلين بالغضب من كلماته الأخيرة، فقالت وهي تطحن أسنانها، مقتنعة بأنه لا يسخر منها لذلك حاولت التحدث بهدوء :
“أنا أرتدي هكذا كتنكّر، وأنا بالفعل قائدة الجيش بسبب مهاراتي وذكائي الحاد. أما سبب بدئي بذلك، فلحماية نفسي من القتلة المأجورين. وإذا كنت تعتقد أنني لا أبدو كفتاة، فهذه مشكلتك أنت وليست مشكلتي.”
اقتنع كاليوس بكلامها، ثم سمع فجأة صوت إلينا الغاضب وهي تقول:
“بالتأكيد لن تستطيع رؤيتها كفتاة، فهي تُخفي ذلك عن عمد. لو رأيتها في صورتها الطبيعية كفتاة، ربما لَصُدمت أكثر من صدمتك هذه.”
نظر إليها كاليوس بعدم اقتناع قليلًا، ثم قال أحد مبادئه التي كانت ميزة جيدة له:
“أنا لا أهتم سواء كنتِ جميلة أم لا، فطالما الشخصية هي نفسها، فأنا أتقبلك كما أنتِ.”
شعرت إيفلين ببعض الدفء والراحة، مع لمحة من الحزن، فقد تذكرت كلماتٍ تمنت لو استطاعت محوها من ذاكرتها:
“أنا لا أصدق… إنها مجرد فتاة. لو كان قد أنجب ولدًا لاستطاع أن يرتاح وقلبه مطمئن، لكن يجب على الملك أن يعاني كل هذه المعاناة لأنها كانت فتاة.”
استيقظت من ذكرياتها فجأة، فقالت بهدوء:
“سوف نذهب الآن. أنت بالتأكيد ما زلت في حالة صدمة. عندما تقرر ماذا ستفعل، أخبرنا.”
ثم غادرت إيفلين الغرفة بسرعة، وتبعتها إلينا محاولة اللحاق بها.
بعد خروجهما، نظر كاليوس إلى الطاولة أمامه بشرود.
ماذا يفعل الآن؟ لقد جاء ليخبرهما أنه عرف سرّهما، حتى يستطيع إقناعهما بما يريد. توقّع أن يُصَابا بالصدمة، لكن على ما يبدو، كان هو الوحيد الذي تعرّض لها.
وضع كاليوس يده على عينيه، محاولًا التفكير بهدوء.
في غرفة إلينا:
كانت إلينا تجلس على طرف السرير، لا تريد التحدث مع إيفلين بعد ما حدث. قالت إيفلين محاولة استمالة إلينا الغاضبة:
“لا تغضبي. كما رأيتِ، لم يكن هناك مفر من ذلك. كانوا سيعرفون سواء الآن أو بعد عام.”
قالت إلينا، التي كانت تنوي تجاهل إيفلين وعدم الحديث معها:
“ولكنه لم يكن سيعرف الآن، أو بهذه الطريقة. ألم تفكري بأنه قد يستغلكِ؟”
قالت إيفلين بهدوء، على عكس النيران المتصاعدة من إلينا:
“لا تقلقي. حتى لو حاول استغلالنا، سأخبر أنا الملك بالأمر أولًا، وعندها لن يستطيع فعل أي شيء. كما رأيتِ، لا يستطيع عصيان أوامر والده، ووالده لم يكن شخصًا سيئًا، بل سمح لنا بالمغادرة في أول يوم.”
تنهدت إلينا، ثم قالت:
“حسنًا، افعلي ما تريدين. أنتِ لا تستمعين إليّ على أي حال.”
حاولت إيفلين أن تتكلم، أن تقول أي شيء، لكنها في النهاية لم تستطع سوى أن تقول:
“أنا… آسفة.”
نظرت إليها إلينا، ورأت ملامحها التي أوشكت أن تنقلب إلى حزن، فقالت وهي تضم شفتيها:
“لا أصدق… الأميرة بنفسها تعتذر لي. ليس أمامي خيار إلا أن أسامحها، لأنني فتاة طيبة القلب.”
ثم احتضنتها بهدوء وهي تقول:
“كنت فقط قلقة قليلًا، لكن لا تقلقي. إن حدث أي شيء، سأذهب وأضرب ذلك الأمير المختل بعصا.”
ابتسمت إيفلين بهدوء، وهي تحاول تخيل المشهد: إلينا تمسك عصا وتجري خلف كاليوس في ممرات القصر.
في القصر الإمبراطوري:
كانت إيلا تقضي أيامها بهدوء في غرفتها. في أول يومين لم تستطع النهوض من السرير، لكنها الآن تستطيع النهوض للنظر إلى النافذة. وضعت ميرا الشال عليها حتى لا تُصاب بالبرد، فابتسمت لها إيلا بهدوء.
تذكرت ذكرياتها القديمة، حين كانت تجري خلف ميرا في الحديقة في صغرهما، بينما كانت والدتهما تحذرهما من الجري بسرعة حتى لا تسقطا على الأرض.
لكن إيلا كانت دائمًا من تسقط، بينما تهدئها ميرا، على الرغم من أن إيلا كانت الأكبر.
انتهت تلك الأيام الجميلة بوفاة والدتها. لم تُدرك إيلا ذلك في البداية، لكن بالتأكيد كانت والدتها تحميها من أذى والدها. ربما كانت تخفي الأمر حتى لا تحزن أو تُصدم.
عادت من ذكرياتها، ونظرت بهدوء إلى الحديقة المليئة بالزنابق. كانت جميلة جدًا. لطالما تمنت إيلا رؤية حديقة كهذه، لكن أن تراها هنا… بالتأكيد ليان هو من فعل ذلك، ورغم أن هذا كان من المفترض أن يُسعدها،
إلا أن تلك السعادة تحطمت منذ زمن بعدما اكتشفت ما فعله والدها، لتكون خطيبة ليان الوحيدة.
في قلعة كانور:
كان كاليوس في طريقه إلى إيفلين، فقد اتخذ قراره أخيرًا، وكان يتمنى أن توافق على عرضه. وقال في نفسه:
(بالتأكيد لن أستسلم حتى توافق على عرضي.)
طرق باب غرفة إيفلين، ثم استمع إلى صوت إلينا من الداخل. دخل بعد أن أذنوا له بالدخول. كان يتمنى ألا تكون إلينا هناك، لكن لا بأس.
ما إن رأوه حتى تجعد حاجبا إلينا، بينما كانت إيفلين تعلم أنه سيأتي بالتأكيد.
جلس بهدوء على الأريكة وقال، وهو يراقب ردود أفعالهما:
“في الحقيقة، عندما عرفت أن إلينا ليست الأميرة، كنت سأطلب منها ذلك، لكن بما أن الأمور تعقدت كثيرًا، فسأطلب هذا الطلب من إيفلين. أنا لا أريد إجبارك، لكن هذا أمر مهم.”
نظرت إليه إيفلين باهتمام، لكنها تجمدت عندما سمعت ما قاله تاليًا، إذ قال بجدية:
“إيفلين، أريدك أن تكوني خطيبتي خلال الشهور التي ستقضينها هنا.”
التعليقات لهذا الفصل " 30"