ذهب ليان لمقابلة قائد الفرسان، وعندما اقترب من مكتبه وجده ينتظره هو ونائبه أمام الباب. دعاهم للدخول، وبعد أن جلسوا على الأريكة قرر ليان أن يدخل في صلب الموضوع، فهذا الموضوع لا يحتمل التأجيل.
قال بوجهٍ جاد:
“زافير، أنت لست قائد الفرسان فقط، بل صديقي أيضًا، رفيقي في ساحات المعارك.”
أومأ له زافير بهدوء، متطلعًا إلى ما سيقوله تاليًا.
تنهد ليان، ثم قال:
“أريدك أن تحرس خطيبتي، لا أريدها أن تتعرض للأذى. أنت تعلم كم من محاولات اغتيال حدثت، لذا أنا أعهد إليك بحماية خطيبتي. ما رأيك؟”
بعد ثانية من التفكير وافق زافير.
فرح ليان برده، ثم اتجه بنظراته لنائب زافير قائلًا:
“أريدك أن تقوم بأعمال زافير في غيابه، حتى يعود.”
أومأ النائب بسرعة، فهو قد سمع الكثير من الشائعات عن الإمبراطور، مما جعله حريصًا على كلماته أمامه.
فوجئ زافير للحظة، لكنه وافق بصمت، فهو لا يهتم حقًا، طالما أن الطلب جاء من رفيقه في التدريب لعدة سنوات، فهو لم يمانع.
بعد أن خرجوا من الغرفة، تنهد النائب بارتياح لمرور الأمر، فهو قد ظن في البداية أنه ربما قد فعل شيئًا خاطئًا، بينما سأل زافير عن مكان غرفة الأميرة، فهو عليه منذ الآن أن يبدأ في الحراسة.
بعد أن اطلعته الخادمة على مكان غرفة الأميرة، وقف أمام الباب للحراسة، ثم بعد فترة خرجت من الغرفة فتاة ما. ذُهل زافير للحظة، فهو قد ظن أن الأميرة وحدها بالداخل، وبالتأكيد الفتاة التي أمامه ليست هي الأميرة.
فعلى الرغم من أنه قائد الفرسان، إلا أنه لم يرَ الأميرة شخصيًا، لكنه سمع أنها ذات شعرٍ أسود وعينين بنفسجيتين، لكن من كانت أمامه كانت ذات عينين عسليتين وشعرٍ أحمر لامع، لذلك قرر أن يسألها عن هويتها وماذا تفعل هنا:
“من أنتِ؟ ولماذا أنتِ هنا؟”
تفاجأت ميرا، وشعرت ببعض الخوف، لكنها أجابت ببعض التردد:
“أنا هي الخادمة المسؤولة عن رعاية الآنسة الشابة، لقد أمر الإمبراطور بذلك. أعتذر لعدم التعريف عن نفسي مبكرًا، سيدي.”
كانت ميرا قد عرفت هويته بسرعة، فمن لن يستطيع التعرف عليه بشعره الفضي البارز بشدة وسيفه ذو المقبض الذهبي؟
فقد كان زافير ذا لون شعر نادر، ولم يتواجد أحد بلون شعره في القصر.
عندما عرفت عن نفسها، أومأ زافير بتفهم، ثم رآها تتردد في الحديث، لذلك شجعها قائلًا:
“هل كنتِ تريدين قول شيء ما؟”
اتسعت عينا ميرا من معرفته لذلك، فقالت بسرعة:
“لقد استيقظت الأميرة، فظننت أنه يجب أن نبلغ سمو الإمبراطور بذلك.”
بعد أن سمع زافير كلماتها، تحرك قليلًا، ثم أوقف إحدى الخادمات وأخبرها أن تحضر الإمبراطور. وبعد أن انطلقت الخادمة لتنفيذ أمره، شكرته ميرا بصوت منخفض، ثم أعادت قفل الباب.
في قصر كانور:
كان الين مشغولًا بالأعمال الورقية التي أمامه، وبالصدفة ألقى نظرة على كاليوس، فرآه قد توقف عن العمل، وينظر بنظرات غريبة إلى إحدى الرسائل في يده.
لم يفهم الين حالته الغريبة، حاول ألا يكون فضوليًا، لكنه سأل ساخرًا دون قصد:
“لماذا توقفت عن العمل؟ هل ترى جوابًا غراميًا؟”
كان كاليوس قد ضايقه دائمًا من قبل، قائلًا:
“هل الأميرة الصغيرة تخاف الحشرات؟”
أو يقول:
“هل يجب أن أنظف المكان حتى لا تخاف الأميرة من الحشرات؟”
كانت استفزازاته هذه تضايقه كثيرًا، وكان يعلم أنه ربما يرد عليه ردًا ساخرًا، لكن هذه المرة كان الين هو من بدأ.
لكن على عكس ما كان ينتظره الين، جاء الرد بنبرة غريبة غير ساخرة، قالها بشرود:
“إذا أردت أن تمنع طفلًا مدللًا من الحلوى، ماذا تفعل؟”
نظر له الين باستغراب، وقال في نفسه بسخرية:
(هل يُربي طفلًا سرًا أم ماذا؟!)
لكنه، على عكس تفكيره، أجاب بهدوء:
“فقط أخبره بأنه لم يعد هناك حلوى.”
قال كاليوس بعد بعض التفكير:
“وماذا أفعل إذا كان يعلم بالفعل أن معي حلوى؟”
قال له الين بضجر من أسئلته الغريبة:
“فقط ارمِ كل الحلوى أمامه، ثم أخبره أنه هكذا لم يعد هناك أي شيء. سيتضايق في البداية ويبكي، لكنه بعد فترة سيتقبل الأمر.”
أومأ كاليوس، وتعابير وجهه أظهرت أنه قد حل مشكلة كبيرة كانت تُؤرقه. لم يفهم الين الأمر، لكنه قرر عدم السؤال، وندم لبدئه الحديث، وأكمل باقي عمله غير مكترث بتعابير كاليوس المريبة.
كان ليان قد انتهى أخيرًا من عمله الذي تراكم منذ عدة أيام، وبينما كان يريح ذهنه قليلًا، سمع طرقات خفيفة على الباب. أذن للطارق بالدخول، فكانت إحدى الخادمات تخبره باستيقاظ إيلا.
بعد ذهابها، نهض ليان بسرعة للذهاب إليها، ولولا وجود الخدم لكان جرى إلى هناك.
كانت إيلا، التي استيقظت وأخذت بعض الدواء، تشعر ببعض التحسن. وصل ليان أمام الغرفة، ورأى أن زافير ما زال واقفًا يحرسها، فأخبره أنه عندما تكون إيلا بصحة جيدة سيعرفها عليه كحارسها الشخصي. أومأ له زافير، ثم طرق الباب ودخل عندما سمع صوتها يأذن له بالدخول.
عندما رآها مستيقظة وتنظر إليه، شعر بارتياح، فحالتها قد تحسنت قليلًا. وبعد دخوله أتى الطاهي بالطعام الذي أوصى به ليان. كانت إيلا ضعيفة جدًا، لذلك أخبرها أن تتناول الحساء أولًا. كانت لا تشعر بالجوع، لكن مع نظرات ليان وميرا المُلحّة لم تستطع سوى أن ترضخ لهما وتتناول الطعام.
لم يترك ليان جانبها إلا بعد أن تناولت الطعام وقامت بطرده خارجًا. كان أي شخص سيتضايق أو يغضب إذا عومل بجمود، لكن أن تتكلم إيلا معه ببرود كان يشير إلى استعادتها لعافيتها. ولننظر إلى الجانب الإيجابي من الأمر، بما أنها صارت الآن في القصر يستطيع رؤيتها كل يوم.
فقد كانت إيلا تلتزم بشدة بقوانين اللقاءات العتيقة التي نظمتها الإمبراطورية، إذ كان هناك قانون ينص على أن يتقابل الأمير وخطيبته مرتين في الشهر على الأقل، لكن يبدو أن إيلا لم ترَ ذلك على الأقل، بل ربما ظنته على الأكثر.
في قصر كانور، تحديدًا في غرفة كاليوس:
كان كاليوس يفكر بالأمر منذ الصباح، فحل مشكلته أصبح بيد الأميرة، وقد استنتج ذلك من حواره مع الين في الصباح. هو يعلم أن الين لن يوافق على ما قد خطط له، لكنه ليس خائفًا، فقد قرر أنه بمجرد أن يخبرهم بأنه قد عرف بخداعهم له ولوالديه سيشعرون بالصدمة، وبعدها يخبرهم أنه سيسمح لهم فقط إن ساعدوه أيضًا.
ابتسم كاليوس لأفكاره، متخيلًا ردة فعلهم، وبالأخص الين. أراد أن يراه في حالة ذعر بدل تعابيره المتجمدة تلك، لكنه لم يتخيل يومًا أن من ستتجمد تعابيره غدًا هو، وليس الين.
في صباح يومٍ جديد:
كان كاليوس يبتسم ابتسامات واسعة، حتى شعرت إلينا أنه ربما تناول شيئًا خاطئًا، أو ربما الين قد أعطاه سمًا غريبًا في السر.
لكن الين نفى ذلك بسرعة، قائلًا إنه ليس السبب.
بعد أن انتهوا من تناول الفطور، وبينما كانت إلينا ستغادر لغرفتها، وكان الين كاد يتجه إلى المكتب لإنهاء أعماله، أخبرهم كاليوس بالتوقف لحظة لأنه يريد الحديث معهم.
استغرب الاثنان الأمر، ثم أخذهم إلى غرفة استقبال الضيوف حتى يستطيعوا الحديث دون مقاطعة. كان الصمت هو السائد لبرهة بعد جلوسهم، ثم تحدث كاليوس فجأة قائلًا:
شحب وجه إلينا، فقد كانت عيناه الجادتان تخبرهما أنه قد تأكد بالفعل. حاولت إلينا الحديث، لكن الين أمسك بيدها ليمنعها.
قال الين بهدوء:
“صحيح، إنها ليست الأميرة، لكننا لم نخدعكم.”
نظر له كاليوس بغرابة، فهو لم يفهم كيف لم يخدعوه.
نظرت إلينا له بعد أن أدركت ما سيقوله، وضغطت على يده التي تمسك يدها، لكن الين طمأنها بنظرته أن الأمور ستكون بخير. وعندما رأت العزم في عينيه، وعلى الرغم من إدراكها أنه تهور، لم تستطع قول شيء.
نظر لهم كاليوس بترقب لما سيقوله الين للخروج من هذه المعضلة التي لا مفر لها.
لكن ما قاله الين جعله يفتح فمه من الصدمة، ولم يستطع أن يتكلم، فقد قال:
“أنا آسفة أيها الأمير على التحية المتأخرة، ولأنني أخفيت هويتي.
أنا هي الأميرة الرابعة لمملكة سون، الأميرة إيفلين.”
التعليقات لهذا الفصل " 29"