نظر لها كاليوس بدهشة خفيفة، فهو قد شعر بذلك إلى حد ما، كانوا مثيرين للريبة كثيرًا. فهي لم تخرج طوال الرحلة، حتى إن وجهها بأكمله كان مغطى منذ خروجهم من قلعة سون، حتى وصلوا قلعة كانور.
على الرغم من أن كاليوس أحس بالريبة، إلا أنه كان مقتنعًا بحكمة الين، وأنه لن يُخاطر هكذا. كان الأمر ليكون مشكلة كبيرة لو أن لوالديه نفس عقليته، لربما قرر بعدها غزو سون، لكن أبيه متسامح مع مملكتهم حتى إنه سمح لهم بالمغادرة.
سأتجاهل الأمر، فهو غير مهم على أية حال، فمن أراد أن يأتي به من مملكة سون قد أتى وهذا يكفي. ثم ابتسم ابتسامة خفيفة شاعرًا بالتسلية، فقد فكر ما ستكون ردة فعل الين إذا أخبره أنه كشفه، بالتأكيد سيسليه كثيرًا رؤية ارتباكه الشديد.
شعرت ليندا بقشعريرة مفاجئة، فقد كانت تخبر رئيسها للتو أنهم قد خانوه، بل حاولوا خداعه أيضًا، لكنه بدل أن يغضب ويعلن الحرب، ابتسم ابتسامة عريضة.
قررت ليندا في نفسها أن تسأل الفرسان بعد خروجها إن كان الرئيس قد أُصيب في رأسه.
قالت مستغلة أنه بدا بمزاج جيد خلاف ما توقعته:
“سيدي، ألا أستحق مكافأة؟ لقد عملت كجاسوسة وبقيت لمدة شهر في مدينة غريبة عن مدينتي.”
حاولت ليندا أن تُظهر بعض الدموع، ليتناسب مع ما تقوله لإظهار معاناتها.
بينما ضيّق كاليوس حاجبيه بضيق من التمثيل الدرامي الفظيع الذي تقوم به، لذلك قال:
“حسنًا، هي معلومة جيدة إلى حد ما، يمكنك أخذ ضعف راتبك لهذا الشهر.”
فرحت ليندا بذلك، وبعد خروجها أخذت ترقص بالأرجاء، سعيدة بالحصول على مكافأتها التي انتظرتها طويلًا.
نظر كاليوس بعد رحيلها في الأوراق بشرود، لم يظن أن الين متهور إلى تلك الدرجة، قرر أنه سيتجاهل الأمر في الوقت الحالي.
في غرفة الينا:
قالت الينا بتعابير صارمة على وجهها:
“هل ستخبرني بالتفصيل بما حدث، أم أبحث أنا بنفسي؟”
كان الين يعلم أنها لو بحثت بنفسها، لربما لن تتحدث معه لفترة طويلة، فهو يعلم شخصيتها جيدًا.
لذلك لم يستطع أن يفعل شيئًا سوى أن يتنهد، ويخبرها بكل ما حدث.
بعدها انتظر أن تغضب، لكنها لم تقل شيئًا. ظن الين أنها ربما أخيرًا لن توبخه، لكنه سحب كلامه في الثانية التالية، فقد كاد صراخها في وجهه أن يصل إلى آخر قرية في المدينة.
أخبرها الين أن تهدأ، وأنه كان سمًا خفيفًا، لكن الينا شعرت أنه ليس كذلك، فقالت له بصرامة:
“توقف عن إيذاء نفسك بهذا الشكل المروع، لا أريد أن أفقد شخصًا آخر.”
كان يكفي أن يموت حبها الأول، لا تريد أن يموت الين أيضًا، فهي لا تريد أن تفقد عائلتها بالكامل.
في القصر الإمبراطوري:
وصل ليان أخيرًا إلى إحدى الغرف الفخمة في القصر، ووضع برفق إيلا التي كانت قد نامت من شدة المرض والإرهاق.
تنهد ليان بارتياح لأنه استطاع إجبارها على ترك ذلك القصر الذي كان أسوأ من السجن بالنسبة لها.
خرج من الغرفة، فرأى إحدى الخادمات، فأمرها أن تذهب لتحضر الطبيب بسرعة، وأمر أخرى أن تأتي بقائد الفرسان ونائبه بسرعة.
ثم أمر الخادمة التي كان وضعها بجوار إيلا في ذلك القصر أن تعتني بها، وقال بتحذير:
“ميرا، إذا لم تعتني بها جيدًا هذه المرة فسوف أطردك. أنا أعلم أنك صديقتها منذ الصغر، لكن لا يجب أن تستمعي إلى أوامرها كلها، هل هذا مفهوم؟”
كان مجرد تحذير فارغ، فهو لن يستطيع أن يفعل أي شيء لها، وإلا لكانت إيلا قد قتلته بالفعل.
كانت ميرا تعتبر إيلا أختها الكبرى، فهي كانت تعتني بها منذ الصغر. كانت ميرا ابنة بارون غير معروف نسبيًا، وكانت والدتها إحدى أصدقاء والدة إيلا. للأسف مات والداها في حادث عندما كانت في الخامسة من عمرها.
كانت إيلا في ذلك الوقت في العاشرة، وعندما سمعت والدة إيلا ذلك انهارت من البكاء على صديقتها العزيزة، وقررت تربية ميرا كابنتها، فهي لن تتحمل أن تبقى في الشوارع بدون أحد.
لذلك تربت ميرا مع إيلا في نفس المنزل، وكان يتم التعامل معها جيدًا، وكأنها مثل إيلا تمامًا.
لكن الوضع انقلب فجأة بعد وفاة والدة إيلا، فقد قرر والد إيلا طردها من القصر، ولم تستطع إيلا الاعتراض.
لذلك لم تجد مفرًا سوى أن تطلب من ليان أن يعينها في القصر لتقوم بأي عمل.
لم ترد أن تتأذى إيلا، وأرادت أن تكون مستقلة عنها، فهي تعلم أنها مجرد ابنة بارون ميت، ولم تعد نبيلة بعد أن خسرت كل شيء.
لم تعلم أنه سيأتي اليوم الذي تعود فيه لتكون بجوارها هكذا، أو أن ترى إيلا بهذه الحالة المزرية.
أخذت ميرا تبكي بصمت وهي تمسك بملابسها بقوة.
أثناء ذهاب ليان إلى مكتبه ليكمل الإجراءات ليحميها، وجد نفسه يتجه فجأة ناحية مطبخ القصر الإمبراطوري، ثم أمرهم أن يعدوا حساءً بسيطًا من أجلها، ومن أول الأسبوع أن يعدوا قائمة طعام صحي ومتوازن حتى تسترد صحتها بسرعة.
في المكتب بقصر كاليوس، كان كاليوس يعمل بشدة على بعض الأوراق، بينما ذهب الين لإحضار بعض الحبر.
ثم فجأة قطع تركيزه طرقات سريعة على الباب.
سمح للطارق بالدخول، وكان ليام الذي جاء مسرعًا حاملًا بيديه رسالة.
نظر له كاليوس بانزعاج لإفساده تركيزه على العمل، لكن ليام لم يُبالِ بذلك، وقال ببعض الذعر:
“سيدي، لقد وصلت لك رسالة من تلك الآنسة.”
جعد كاليوس حاجبيه، وقال ببعض الضيق:
“ألم أقل لك أن ترمي كل ما ترسله، أو تحرقه بعيدًا؟”
فرد ليام بسرعة:
“أجل، ولكن الأمر عاجل، لقد قرأت الرسالة تحسبًا، وقد قالت فيها إنها ستأتي قريبًا.”
صُدم كاليوس بشدة، ونظر إلى ليام الذي كان قد تعرق من مجرد فكرة مجيئها.
فأمره كاليوس بالخروج، بينما أخذ يفكر في طريقة للتخلص منها بهدوء.
التعليقات لهذا الفصل " 28"