كان ليان يشد لجام حصانه بشدة، يسابق الريح والزمن حتى يستطيع الوصول إلى إيلا بسرعة، وكان قلبه ينبض بسرعة من شدة القلق. فبالنسبة له، قصر رئيس الوزراء كالسجن أو المستنقع الفاسد الذي يضم كل الأعمال غير القانونية والجرائم الشنيعة.
تذكر فجأة حديثه مع إيلا منذ عدة سنوات، حيث كان قد أخبرها وهو يمسك بيدها:
“إيلا، لا تبقي هناك في ذلك المنزل، لقد ماتت والدتك، الشيء الوحيد الذي كان يربطك بهذا المنزل.”
لكن إيلا قالت بعينين بلا روح، على الرغم من نزول الدموع:
“أنا لا أستطيع الرحيل من هنا، على الرغم من أنه شخص سيئ وقاسٍ، إلا أنه لا يزال والدي.”
ثم تركت يده، وأخبرته بالرحيل من هنا.
كان يعلم أنها تكذب، والأسوأ أنه يعلم السبب الذي بقيت من أجله، لكنه خائف عليها. إذا استمرت في الحفر وراء والدها، فقد يتسبب في إيذائها يومًا ما.
لذلك حاول بقدر الإمكان أن يضمن أن تكون إحدى خادماته، والتي كانت تجمعها مع إيلا علاقة طيبة، جاسوسةً له هناك.
لكنه لم يتوقع أن إيلا ستمنعها من إخباره بمرضها. شعر بالعجز الشديد، واستمر في المضي قدمًا بحصانه.
حتى وصل أخيرًا إلى منزلها. فتح له الحارس الذي فوجئ برؤية الإمبراطور أمامه. وبينما وصل أخيرًا إلى الباب الأمامي وكان يصعد السلالم، رآه رئيس الوزراء الذي كان يخرج من غرفته.
تحدث بترحاب، وكانت تعابير السعادة على وجهه، وكانت ذات مغزى واضح لليان. فهو يعلم أنه لم يسعد لأنه يزور خطيبته، بل بالتأكيد هو سعيد لأنه يستطيع استخدام إيلا للسيطرة عليه.
فهو منذ صغرها، وهو يراها كأداة يستخدمها حين يشاء للوصول لأهدافه. لكن على عكس طبيعته الشريرة، كانت إيلا طيبة القلب ولطيفة، تأثرًا بوالدتها. وكانت تكره والدها منذ صغرها، لكن بعد عدة حوادث في الماضي أصبحت تمقته بشدة.
تجاهل ليان تحيات رئيس الوزراء الفارغة التي لا يهتم أحد منهم بها، ثم سار في طريقه إلى غرفة إيلا التي كانت تقع في الطابق الثالث.
لقد اختارت هذا الطابق لأنه كان بعيدًا عن غرفة والدها التي كانت في الطابق الثاني، ولأنه لا يوجد أحد يسكنه سواها.
وصل أخيرًا إلى غرفتها، طرق الباب، ثم سمع صوتها المنخفض والمتعب وهو يأذن له بالدخول.
ما إن دخل حتى تجمد في مكانه، فقد كان وجهها الشاحب قد ازداد شحوبًا، وجسدها قد أصبح نحيفًا لدرجة مخيفة. شعر بقلبه يسقط من حالها الذي لا يسره، وشعر برغبة في قتل والدها للمرة التي لا يعرف عددها.
رأى بجانبها الخادمة التي عينها، ولم يلاحظها أثناء دخوله لانشغال عقله بالعديد من الأشياء، فقال بغضب، فهو لن يمرر الأمور مرور الكرام:
“لماذا لم تبلغيني بأنها مريضة؟”
لم يهتم سواء لاحظت إيلا أم لا، فهو يعلم أنها تعلم بالفعل أنها جاسوسته. لكنه لا يجعلها تبحث في أمور رئيس الوزراء، بل كل مهمتها هي نقل أخبار إيلا في حالة حدوث أي شيء غير عادي، حتى ولو كان بسيطًا.
نظرت له إيلا بضعف قائلة بصوت يكاد يخرج من حنجرتها:
“أنا من أخبرتها ألا تخبرك، أنا بخير، أنا فقط لم أستطع تناول الطعام لعدة أيام.”
نظر لها ليان بعدم تصديق لما تقوله، فصرخ في وجهها:
“ماذا تقولين الآن؟ لم تتناولي الطعام… ولعدة أيام أيضًا؟ هل تمزحين معي؟”
ثم عندما رآها تنكمش لصوته العالي، لم يجد أي حل سوى أخذها معه إلى القصر. فهو قد تحمل الأمر بما يكفي.
فقال بنبرة لا تحتمل النقاش:
“إيلا، لقد طفح الكيل، ستأتين معي إلى القصر شئتِ أم أبيت.”
وعندما همت أن تعترض على كلامه، وضع إصبعه على فمه مخبرًا إياها ألا تجادله. وقال بعدما هدأ قليلًا وهو يوجه حديثه للخادمة:
“جهزي حاجياتها، سأنتظر في الخارج حتى تنتهوا.”
أومأ الاثنان بطاعة لكلامه، فقد كان الغضب يشع في عينيه. شعرت إيلا أنها إن فعلت أو قالت أي شيء يغضبه، فربما سيصرخ في وجهها مجددًا. لذلك كان أسلم حل هو مسايرته، فهي مريضة لا تقوى على الجدال.
وبعد أن انتهوا، كانت إيلا لا تقوى على الحركة، فحملها ليان ونزل بها. وعندما وصلوا إلى منتصف السلالم، رأى والدها قد نزل ورآهم، ثم ابتسم ابتسامة خبيثة قائلًا:
“أوه، هل ستأخذ معك إيلا إلى القصر؟ أنا رجل يهتم بسمعته، لذلك ألا تظن أنه عليك أن تعجل الزفاف الآن؟”
أدرك ليان نواياه، لكنه لن يُظهر أي انزعاج، فقال بابتسامة واسعة:
“بالتأكيد، في الوقت الذي أفرغ فيه أعمالي، وأيضًا ليس الآن، فأنا أريد أن أتزوجها في الربيع.”
نظر له رئيس الوزراء بعدم رضا، ثم تركوه ورحلوا. كان الفرسان قد جهزوا عربة لتجلس بها إيلا، ثم انطلقوا إلى القصر.
أخيرًا، اقترب كاليوس والين والجميع من قلعة كانور، ووصلوا بسلام.
بعد أن تم وضع المجرمين في السجن، أخبر كاليوس الين أن يذهب ليرتاح، ثم بعدها يلتقوا على الغداء.
لكن الين رفض قائلًا:
“أنا سأكمل باقي العمل، نحن ما زلنا في ساعات العمل.”
تمتم كاليوس بصوت منخفض لم يصل إلى الين:
“مدمن عمل مثلي.”
فذهبوا إلى المكتب واستكملوا العمل، وجاء ليام إلى المكتب وأخبر كاليوس بالتقرير الذي يخص ما حدث أثناء غيابه.
ثم بعد ساعتين من العمل الشاق، حان موعد الغداء.
عندما وصلوا إلى غرفة الطعام، وجد الين الينا تنتظره وهي قلقة. ثم عندما رأت أنه بخير، هدأت قليلًا، إلا أنها قررت أن تعرف التفاصيل الدقيقة عما حدث في الرحلة لاحقًا، فهي تعلم أنه يستطيع إخفاء ألمه جيدًا.
ثم عندما توقفت عن التفكير ونظرت له، رأته فجأة يتجنب عينيها لا إراديًا، مما جعل الشك يزداد داخل قلبها.
بعد الغداء، استأذنت الينا من كاليوس، وسحبت وراءها الين بالإجبار حتى تعرف ما حدث.
ثم بعد رحيلهم، عاد كاليوس إلى المكتب. وبينما يكمل عمله، طرق أحدهم الباب، فسمح له بالدخول.
دخل بهدوء، فنظر كاليوس لمن دخل وقال بوجه جاد:
“ما الذي أتى بك إلى هنا؟”
كانت ليندا من دخلت، فقالت وتعابيرها مليئة بالبريق:
“لقد أتممت المهمة، لقد تجسست عليهم في القلعة. ومما جمعته من معلومات، فإن تلك الفتاة ليست الأميرة، بل اتضح أنها رئيسة الخدم، وهي في القلعة منذ صغرها أيضًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 27"