حاول ألين أن يتذكر أين رأى تلك اللؤلؤة من قبل، إلا إن بعد أن عصف ذهنه من كثرة التفكير لم يجد شيئًا، إلا إصابته بالصداع الشديد. الذي لم يتركه لفترة، وشعر فجأة بالدوار، وحاول أن لا يُظهر ذلك، فتنقل بصره إلى كاليوس والبقية ليرى إن لاحظ أحد منهم الأمر.
وعندما رأى كاليوس مشغولًا بتهديد العصابة، وإلى جواره الفرسان، تنهد بارتياح لعدم ملاحظة أحد.
بعدها حاول التماسك جيدًا لعدم إظهار ضعفه، كان بالنسبة لألين إظهار ضعفك يعني أن تعطي عدوك السيف وتنتظره ليطعنك بكل هدوء، لا أحد يستحق الثقة، إن تركت نفسك تثق بأحد فسيطعنك بالتأكيد ذلك الشخص يومًا ما.
كان كاليوس ينظر إلى العصابة بغضب، ينوي ما إن يعود إلى القلعة حتى يعذبهم بشدة، على تجرئهم على العبث في إحدى قرى مملكته.
بينما كان يون يُفكر في زيادة مهاراته أكثر، والتدرب على تحسين مهاراته ليكون أكثر عونًا.
كان كل منهم غارقًا في أفكاره، بعضها المفيد وبعضها المضحك، فقد كان ليو يُفكر في أنه يرغب بتناول الطعام، فالأجواء المتوترة جعلته يشعر بالجوع الشديد، وكأنه لم يتناول الطعام منذ قرون.
بينما لم يختلف تفكير ناي عن ليو كثيرًا، فقد كان يحاول منع شفتيه من الابتسام، فبدت شفتيه وكأنها ترتعش، فقد أخذه خياله إلى منزله الدافئ، والطعام اللذيذ، وسريره الدافئ الذي يناديه الآن.
وبينما كان عالقًا في أحلامه، رآه ليو وفهم ما يحلم به الآن، فقرر إفساد أحلامه وقطعه عن عالم الأحلام، واضعًا يده فجأة على ناي، الذي ارتعش وسقط قلبه من المفاجأة.
ابتسم ليو وقال مغيظًا إياه، قائلًا بهمس حيث لا يسمع صوته إلا ناي:
“رأيتك تريد الذهاب لعالم الأحلام، فقلت يجب أن تذهب إلى عالم الأموات أولًا.”
كاد ناي يضربه، لكنه خاف أن يُلاحظه كاليوس، فتوقف على الفور.
كان الظلام قد اشتد، وقد تخطوا منتصف الليل، لكن ما زال كاليوس يريد استجواب العصابة، وقرر ألين معاونته، كانت الأجواء جدية ومثيرة للتوتر.
على الرغم من أن القائد مقيد بالحبال، إلا إن ذلك لم يُجبره على قول معلوماته.
سأل ألين مستغلًا نقطة ضعف القائد التي استطاع استنتاجها بسهولة من حديثه مع دان:
“كيف مات قائدك، ولماذا؟ ربما ترغب في أن تجيب على هذه الأسئلة، أليس كذلك؟”
نظر له القائد بتعابير حانقة من حالته الحالية، ولذكر ألين القائد، فهذه المسألة تثير حساسيته، فهو لا يتخيل كيف تدمرت حياته بأكملها بعد رحيله.
هو ما زال لا يعلم بمشاعره الحالية للقائد، هل هو حزن لوفاته، أم هو شفقة لشخص مات ميتة بائسة، أم هو حنين لأيام وجوده وقيادته للنقابة، أم لأن النقابة تدمرت وتدمر معها حياته المريحة والممتعة.
غير مهم الآن، فمهما كانت مشاعره فهو قد قرر بالفعل الانتقام لمن قتل القائد السابق، فبسببه حياته قد تدمرت.
واضطر للعيش كالمتشرد الهارب، فهو لم يقتصر على موت القائد السابق فقط، بل دمر النقابة تمامًا، ولولا تفرقهم في مهمات وقتها لكان الآن بجوار القائد في قبره.
نظر ببعض الترقب والشك، فبداخله صراع حاد بين أنهم ربما يستطيعون القبض على ذلك العميل الماكر، أو ربما يُفضح أمره بلا سبب.
لذلك كان عليه الحذر في حديثه معهم.
أراد أولًا أن يعرف من هم، فلم يبدو أنهم مجرد فرسان عاديين، فهذا الكلام لن يخدع سوى ذلك الأحمق دان.
فقال وهو يبتسم ابتسامة مصطنعة بدت كاستفزاز:
“ومن أنتم حقًا حتى أخبركم؟”
اقترب كاليوس منه بابتسامة اتسعت بشدة، وبدون سابق إنذار كان قد لكمه على وجهه.
ظل القائد على ثباته الانفعالي بدون أي ردة فعل، فهو قد توقع ذلك، فحتى في عملهم إذا قُبض عليك فسوف تُعاني ما هو أسوأ من ذلك.
أمسك ألين كُمَّ كاليوس مانعًا إياه من الاستمرار في ضربه بلا فائدة.
قال القائد بعدها منهياً محاولة استفزازهم، محاولًا أن يكون أكثر صدقًا، فالتعامل مع الأمور كصفقات هو أفضل شيء يجيده.
فقال مقاطعًا حديثهم:
“إن أخبرتني من أنت، سأُخبرك كيف قُتل القائد، والمكان الذي ربما يُخفي فيه أسراره.”
نظر في تلك اللحظة ألين إلى كاليوس نظرة تقول:
(ماذا سنفعل الآن؟ هل نخبره؟)
أومأ كاليوس قائلًا وهو يهز كتفيه بعدم اهتمام:
“أنا لا أهتم أن أخبره هويتي، فربما على الأقل إذا علم هويتي سيخاف؟”
نظر له القائد بعدم تصديق، شاعرًا أنه قد استخف به كثيرًا، فقال:
“ومن تظن نفسك تكون؟ لا تخبرني، دعني أُخمن، هل أنت الملك؟”
ضحك كاليوس كثيرًا، وضحك القائد معه، فقال كاليوس بعد أن توقف عن الضحك:
“أنت لا تجيد إلقاء النكات، حسنًا، وفيما قلته فهو صحيح جزئيًا، فأنا هو الملك المستقبلي.”
أساء القائد الفهم، معتقدًا أنه ربما ينوي التمرد والحصول على العرش، غير مقتنع بكون أمير يأتي إلى هذه القرية الفقيرة البائسة، فقال:
“أتَنوي التمرد؟ يبدو هذا جيدًا، أنت تشبه ذلك العميل في طموحه. أتعلم، لأجل طموحك الكبير سأخبرك بسر العميل الذي تسبب في موت قائدي، كان يحلم بما لا يستطيع تحمله.”
“لذلك عندما علم القائد بالأمر، قرر الهروب كالفأر، معتقدًا أن الفأر بذكائه يهزم القطة، لكنه لم يعلم أن القطة مع قوتها وبعض الذكاء تستطيع الإمساك بالفأر في قبضتها بسهولة.”
“وذلك العميل كان يتمتع بالذكاء الحاد، يا له من أمر مؤسف أنني لا أعرف هويته.”
قال يون بتجهم من هذه القضية المعقدة:
“لكن على الأقل ما زال لدينا دليل عليه، تلك اللؤلؤة ربما ستقودنا إلى مخبأ سري ما، يمكن أنه أخفى فيه معلومات تقود إلى من قتله.”
سأل كاليوس القائد عن اللؤلؤة، ومدها أمام وجهه حتى يراها جيدًا، قائلًا:
“هل تعرف عنها أي شيء؟”
قال بعد فترة من التحديق:
“لا، فقد كان القائد السابق ذكيًا، ربما لن يضع لغزًا سهلًا فيُكتشف الأمر.”
أومأ ناي وليو على كلامه، فذلك القائد بدا لهما كشخصٍ يتمنيان الحصول على بعض دهائه.
نظر ألين بشرود ناحية اللؤلؤة، فهي بدت بشكل غريب تناديه، شعر بأنه رآها منذ زمن.
لكنه شعر بالدوار الشديد، يبدو أن تأثير المسكنات قد انتهى، ويبدو أن تأثير السم قد أصبح أقوى بسبب إهماله وعدم أخذه للترياق.
شعر بانعدام رؤيته و كل ما يتذكره قبل أن يفقد وعيه هو وجه كاليوس الشاحب الذي اقترب منه فجأة قبل أن يسقط علي الأرض مانعاً إياه من ان يسقط أرضاً .
التعليقات لهذا الفصل " 23"