نظر كاليوس بضيق إلى الين الذي كان في الأسفل يتحدث إلى العصابة، فهو أعطى الإشارة على عجل دون أن ينتظر رده.
نزل كاليوس من الأعلى فجأة، مما جعل العصابة تنظر لهم بحذر، مترقبة الوقت المناسب للقضاء عليهم، لكن الين لم يهتم وأكمل قائلاً بابتسامة ساخرة تُزين وجهه:
“أليس كلامي صحيحاً، أيها القائد؟”
نظر له القائد بغضب، حتى كادت عروقه البارزة أن تنفجر من شدة الغضب. وقال ببعض المراوغة محاولاً أن ينفي الأمر:
“هل تعتقد أن مجرد فارسٍ مثلك يستطيع أن يجد الترياق؟”
ابتسم الين ابتسامة نصر، راغباً في استفزاز القائد حتى يصل إلى أقصى حدوده، وقال وهو يقترب منه قليلاً:
“لا تحاول المراوغة، فقد اكتُشف الترياق بالفعل، وفي غضون عدة أيام لن يبقى أحد مُصاب بالتسمم.”
نظر كاليوس إلى الين ببعض الغضب قائلاً في نفسه:
(ذلك الأحمق، يحاول استفزاز الخصم لنيل المعلومات، لا يهتم بنفسه حقاً. ربما في هذه الحالات عليّ أن أعلمه ألا يتصرف هذه التصرفات الهوجاء.)
أمسك كاليوس مقبض سيفه منتظراً الفرصة المناسبة للهجوم. بينما كان يون وليو وناي قد تفرقوا في جميع الأنحاء، حيث التفوا حول المكان بين الأشجار كالأسد الذي ينتظر فريسته أن تتحرك، أو ربما كالقط الذي يتظاهر بالشجاعة كبعض الأشخاص.
نقل بعدها الين نظراته تارة بين دان وتارة أخرى نحو العصابة، وقال عازماً على إنهاء لعبة القط والفأر التي أصبحت مزعجة:
“ما رأيك يا دان أن أجيب أنا على كل أسئلتك، أليس لديك الكثير من الفضول لمعرفة كيف تسببت في تسمم الجميع؟ لقد استغلتك العصابة لأهدافها، فهم يدركون أنك لست ذكياً بما يكفي لتكتشف الأمر.”
نظر له دان بغضب وهو يحاول إخفاء تعابير وجهه، إلا أنه لم يستطع التحكم فيها، وصرخ بغضب وهو يضغط على أسنانه بشدة:
“أنت!!! كيف تجرؤ على التحدث معي هكذا؟ أتظن أنكما حقاً ستنجيان؟ في غضون بضع دقائق فقط ستصيرون جثثاً هنا!”
قال كاليوس مقاطعاً كلامه وهو يحاول الصبر وعدم لكمه وإشباعه ضرباً:
“أنت حقاً تجعلني أصل إلى رقم قياسي في الصبر، إن لم تصمت الآن فسوف أمزق أنا ذلك الفم الثرثار.”
صعقت الهالة المظلمة والمخيفة لكاليوس دان وجعلته يرتعش بشدة، بينما نظر له الين بغير اهتمام كمن ينظر لحشرة وقال:
“والآن بعد أن انتهى طنين الذبابة، هل نكمل حديثنا؟!!”
لم يسمع بعدها أي إجابة، وهو لم يكن ينتظر إجابة حقاً، فأكمل:
“حسناً، لنبدأ بالأحداث منذ البداية. أولاً: ذهبت العصابة وأعطتك التعليمات التي يجب أن تنفذها بدقة، مدركة أنك مجرد غبي طامع في المال، لا يهتم بأي وسيلة كانت طالما يحصل على المال.”
نظر هذه المرة إلى العصابة بنظرة جادة وهو يذكر بالتأكيد ما أمروا به دان:
“دعوني أخمن… أخبروك أن في تلك السمكة سماً، وأنه عليك في يوم الاحتفالية التي يكثر بها الطعام والشراب ووجود العديد من الأكلات الغريبة أن تُطعمهم تلك السمكة بكثرة حتى يتسمموا، أليس كذلك؟”
عرف الين أن استنتاجه كان صحيحاً حينما رأى شحوب وجه دان واختفاء لون وجهه. فقد كان في داخل عقله الآن العديد من الأفكار التي تعصف به بشدة:
(هل كان يتنصت علينا؟ بالتأكيد لا… إذن كيف عرف حقاً؟)
نظر له بشدة وهو يقضم أظافره بغيظ.
أكمل الين حديثه غير مبالٍ بأحد:
“إذاً، هل قال لك أن عليك الترويج للثمرة مع اقتراب يوم الاحتفالية؟ وكم هي ذات فوائد عظيمة، حتى لا تجذب الشكوك؟ أو ربما أخبرك أن تقول بخبث لبعض الناس إنها تُعالج الأمراض وتقوّي الجسم؟ حسناً… أي جملةٍ قالها لك لإقناعك واثقاً من سذاجتك؟”
نظر دان فجأة إلى القائد بنظرة شك:
(هل قام بذلك فعلاً؟ هل خدعني حتى أنفذ ما يريد دون أن أكتشف كيف يُصنع السم؟)
تجنب القائد نظرات دان، محاولاً إخراج خنجره بهدوء، واضعاً إياه خلف ظهره، منتظراً لحظة انشغاله بالحديث حتى يقضي عليه.
لاحظ كاليوس حركاته الغريبة، مستشعراً ما أخفاه وراء ظهره، لذلك اقترب قليلاً من الين ووقف بجانبه، وقال وهو لا يرفع عينيه عن العصابة بينما يبتسم ابتسامة استهزاء:
“أكمل حديثك، فأنا بدأت أشعر بالفضول لأعرف ما ستقول.”
نظر له الين بغرابة من وقوفه بجانبه، لكنه سرعان ما أكمل حديثه:
“في الحقيقة، بعد العديد من التجارب اكتشفت أن السمك لا يُسمم أحداً وحده. بل إن الثمرة هي المسمومة.”
كتم ليو بسرعة فائقة صوت ناي المصدوم الذي خرج منه دون وعي من شدة صدمته من الأحداث.
قال ليو وهو يكمم فم ناي:
“أشعر أننا أصبحنا في قصة خيالية… للبحث عن المجرم.”
وضع يون إصبعه على فمه آمراً إياهم بالسكوت حتى يستطيع سماع ما سيتحدثون عنه.
قال القائد فجأة وهو ينظر بجنون إلى الين الذي كشف الأمر، رافضاً الاعتراف حتى النهاية:
“أحقاً؟ هذا ما وصلت إليه؟ بعد كل تلك الجهود؟ يؤسفني أن أخبرك بذلك أيها المحقق… يمكننا إحضار الثمرة الآن وسأتناولها أمامك حتى تعرف أنها ليست مسممة. يبدو أن ذكاءك الحاد قد اندثر فجأة.”
تجاهل الين سخريته مكملًا:
“أوه، هل تظن أن ذلك يفوتني؟ فأنا لم أقصد أن الثمرة كاملة مسممة، بل جزء منها… البذور التي بداخلها مسممة، وباقي الثمرة هو الترياق.
إذا تناول أحد البذور مع السمكة فإن السم يتضاعف بسبب مكونات السمكة الفريدة.
أنا لا أصدق حقاً ما فعلته… أولاً تقنع الناس بتناول الثمرة مفردة، الناس يتجاهلون الشيء المر ويحبون الأكثر حلاوة، فيتناولون البذور بكثرة. عندها تتفاعل البذور مع السمكة بشكل تلقائي حتى يتعرضوا لأعراض التسمم.
فتعطيهم العصير مختلطاً ببعض الأعشاب كترياق، لكن العصير يُصنع بخلط الثمرة بأكملها فلا يُعالج الناس بشكل مباشر. فتستمر بإعطائهم السم مع الترياق للحصول على المال. خطة حقيرة من أناسٍ أسوأ.”
نظر كاليوس إلى تعابير الين الغاضبة، ورآه يحاول التقدم نحو القائد، فمنعه بيده بسرعة محاولاً جعله يبتعد عنه.
ثم أخرج كاليوس سيفه بسرعة، راغباً في إنهاء الأمور عند حدها، قائلاً بابتسامة حقيقية مستمتعة ببدء القتال وهو يوجه سيفه أمام القائد:
“أنا بدأت أشعر بالملل… ما رأيكم بإنهاء الأمور بطريقة ودية ولطيفة؟”
منع ناي نفسه من الضحك على سخرية قائده قائلاً بصوت منخفض:
“ودية ولطيفة؟!! بتعابيره الجنونية هذه وهو يضع السيف قرب عنقه؟ إذاً لو كانت عنيفة… هل سيجلده ثم يقطعه لأشلاء ويلقي به للتماسيح؟”
أشار كاليوس إلى ناي ويون وليو للبدء بالخروج، فقد حان وقت المعركة. جفل ناي للحظة ثم تنهد، فقد اعتقد أن كاليوس قد سمع حديثه.
بينما أخرجت العصابة بأكملها سيوفها مستهزئين من وجود كاليوس والين فقط. وعندما رأى القائد فجأة الثلاثة فرسان، لم يُخفه الأمر، فقال باستهزاء:
“هل تظن أن حفنة الفرسان الذين معك تستطيع القضاء علينا؟”
رد عليه كاليوس:
“لا تتحدث كثيراً الآن… حتى نستطيع إخراج المعلومات منك لاحقاً.”
شعر القائد بالغيظ آمراً رجاله بالاستعداد والهجوم عليهم، وعدم ترك أحدٍ منهم على قيد الحياة.
فجهزوا سيوفهم وانطلقوا للقتال. كانت المبارزة مشتعلة بين الطرفين، ويمكن سماع صوت السيوف الحاد وهي تتصادم مع بعضها، ويمكننا رؤية قوة الين وكاليوس اللذين كانا يبارزان أفراد العصابة بسرعة فائقة، حتى قُضي على معظمهم، وكذلك ناي ويون وليو الذين قاتلوا بشدة.
بعد أن أسقط ناي وليو عدة محاربين، قال لهم يون:
“يبدو أنكم تستطيعون القتال جيداً، على الرغم من أنكم بلا عقل.”
ابتسم ناي ابتسامة واسعة رداً على كلامه وقال:
“أوه، إنها أول مرة تمدحنا بها، يون.”
قال ليو أيضاً:
“أجل، كنت أظنك ستوبخ… نا! ماذا قلت للتو؟ بلا عقل؟!!!”
نظر كل منهم إلى يون بصدمة قائلين بصوت يشبه الصراخ:
“ماذا تقصد بقولك إننا بلا عقل؟!!!”
تجاهل يون نظراتهم، وفجأة رأى دان يحاول الفرار بعيداً، فأمرهم بملاحقته.
عندما رأى دان أنهم يلاحقونه، بدأ في الجري بسرعة، لكن ما فرصة أن يستطيع رجل سمين لا يمارس الرياضة، وفي منتصف العمر، يكاد يكون عجوزاً، أن يهرب من الفرسان؟
لذلك لم يستغرق الأمر سوى بعض الثواني حتى أمسكوا به، وابتسموا ابتسامات واسعة بدت لدان مخيفة ومثيرة للقلق.
عندما عادوا كان كاليوس والين ويون قد انتهوا من القتال، وربطوهم جميعاً بالحبال حتى يستخدموهم كشهود ويُحاسبوا على فعلتهم بالكامل.
بعد أن أسقطوا دان على الأرض، أخذ الين منه المفتاح، بينما أخرج كاليوس الصندوق الحقيقي الذي كان معه. بدأ الين فتح الصندوق راغباً في معرفة ما تركه ذلك القائد السابق المزعوم.
وما إن فتح حتى شعر ببعض الغرابة، فما وجده كان لؤلؤة صغيرة مزيفة، شعر ألين أنه قد رآها في مكان ما من قبل لكنه لم يتذكر.
التعليقات لهذا الفصل " 22"