تصبّب دان عرقًا من الخوف، وقال محاولًا إخراج صوته حتى يستطيع أن يُحافظ على حياته:
“اهدئوا جميعًا، وأرجوكم أبعدوا سيوفكم هذه عني. لديّ بعض المواضيع المهمة التي سنتناقش فيها، أليس كذلك؟”
أنهى كلامه وابتسم ابتسامة صغيرة مصطنعة محاولًا عدم إظهار أي تردد. بينما نظر له قائد العصابة بشك، لكنه نزع سيفه وأمر الجميع بأن ينزعوا سيوفهم. وقال وهو يحرك سيفه باتجاه عنق دان حتى كاد يخترقه:
“أنت تعلم بالتأكيد أننا لا نرحم، لذلك إن لم يكن كلامك صحيحًا، فأنا لا أظن أنني سأكتفي بعنقك فقط، بل ربما أجعلك تتمنى الموت أولًا ثم أقتلك.”
ابتلع دان لعابه وهو يفكر بعمق قبل أي كلمة سيقولها. يبدو أنه أخطأ في التعامل معهم، لكن لم يكن له خيار غير ذلك، فإن علموا بما يخفيه دون أن يُخبرهم هو أولًا… فربما كان سيعاني معاناة أشدّ. فقرر أن يبدأ بالتحدث، فتحدث بثقة لا يدري من أين جاءت… ربما من طمعه الشديد في المال:
“لقد جاء إليَّ قائدكم السابق منذ بضع سنين، وترك لي أمانة لكم، وقال إنه إذا بحث عنه أحد من أفراد العصابة أن أعطيه إياها فورًا.”
نظر له القائد بشك وبعض الغضب، فهو يكره أي حديث عن القائد السابق، وبالأخص بعد أن خانهم. فقال راغبًا في كشف كذب دان:
“ولماذا سيعرف القائد شخصًا مثلك؟ لا تبدو كشخصٍ مهم ليعرفك حقًا.”
قال دان متوقعًا شكه، لكنه لم يكذب، فهذا ما حدث بالفعل:
“لقد كنت أعرف قائدكم من قبل… كنت أذهب إلى نقابتكم التي كنتم تعملون بها، نقابة الثعابين. كنت أذهب للحصول على المال مقابل الأشياء التي كنت أجمعها، وقد رأيته هناك في ذلك الوقت، بل وسلّمت عليه أيضًا. ظننت وقتها أنه ربما قد استفاد من معرفته.”
أخذ قائد العصابة يتذكر نقابة الثعابين التي كانوا يعملون فيها. على الرغم من أن حجمها كان متوسطًا، إلا أنها كانت الأفضل بالنسبة لهم. وكانت تضم النخبة، من يستطيعون القتل أو السرقة أو الاختطاف… تعددت أعمالهم هناك. كانت أيامهم هناك جيدة، بل رائعة بالنسبة إليه، لكنها اختفت بعد إحدى الطلبات المشؤومة التي طُلبت منهم، والتي تسببت في موت القائد السابق.
كان القائد السابق الأكثر دهاءً من بين كل من قابلهم في حياته، فقد كان يستطيع أن يهزم بدهائه عدة مقاتلين يفوقونه حجمًا… لكن الدهاء له وجهان. فعلى الرغم من أنه قد ينقذ صاحبه، إلا أنه قد يقتله في حين آخر. فقد جاء في أحد الأيام عميل غريب، كانت ملامحه مخفية بالعديد من الملابس وغطاء الرأس، وصوته الذي حاول إخفاءه عن طريق جعله كصوت رجل عجوز… كل ذلك جعل الشك يتسلل إلى القائد السابق حتى استطاع معرفة هويته. فهو عرف عمره رغم محاولته إخفاء نفسه. وليس ذلك فقط، بل إن المهمة الخطيرة التي كلفه بها جعلته يعرف من هو… فالعميل لم يرد قتل شخص واحد، بل أراد القيام بمذبحة كاملة.
قال دان مقاطعًا أفكار القائد:
“ما زلت أتذكر حالة القائد ذلك اليوم… فقد كانت غريبة خلافًا للمعتاد. فبينما كان يكلمني كان يشرد كثيرًا. ثم أخبرني أنه بمجرد أن أخبرك بتلك الكلمات وأعطيك ما داخل الصندوق… فستفهم ما يريد إخبارك به.”
بعد أن فكر القائد بعمق في كلمات دان، فقد اعترف بأن قائده السابق كان حقًا ذكيًا… حتى بعد موته. يبدو أن ذلك العميل قد قتله، ولذلك ربما شعر قبلها أن العميل سيقتله، فأعطاه أدلة قبل أن يموت حتى يُنتقم له.
كل ذلك كان يدور بين دان وقائد العصابة، تحت نظرات كاليوس المراقِبة من فوقهم بهدوء، وألين الذي يراقبهم رغم شحوب وجهه، ونظرات يون وليو وناي الذين يراقبون من الأسفل.
قال ناي همسًا:
“أنا لا أفهم شيئًا… عمّ يتكلم هؤلاء؟”
قال ليو بسخرية:
“ومنذ متى تستطيع الفهم كالأشخاص الطبيعيين؟”
قال يون بتعابير غريبة:
“يبدو مما سمعناه أن قائد زعيم العصابة السابق قد مات… وترك وراءه ذلك الصندوق حتى يُعطى لنائبه.”
نظر له ناي وليو بإعجاب، ثم قالا بفضول:
“حسنًا… أهذا كل شيء؟”
تنهد يون مكمّلًا حديثه:
“يبدو أن ذلك القائد قد قُتل… لذلك يبحث عن الانتقام بعد وفاته.”
لكن رغم إكمال يون حديثه، إلا أن تساؤلات ناي وليو لم تنتهِ:
“وكيف عرفت ذلك؟”
أجابهم يون ببعض الحكمة، محاولًا تنويرهم آملا أن تحدث معجزة و يلتقطوا بعض حكمته :
“تعابير وجهه وهو يفكر بدت كذلك… وأيضًا بكل بساطة، في أفراد العصابات أو القتلة المأجورين، لا أحد يترك للآخر إرثًا بعد موته. فإما أن يترك ديونه… أو يترك ثأره.”
فهموا أخيرًا كلامه، ثم تابعوا بصمت، بينما ينتظرون الإشارة من ألين وكاليوس ليهجموا عليهم بالجرم المشهود.
قال زعيم العصابة بعد أن جمع أفكاره وشعر بالهدوء أخيرًا:
“أعطني الآن الصندوق… أو ما تركه القائد.”
شعر دان بالسعادة، فهو الآن يستطيع عقد الصفقة التي أرادها. فقال بمكر خلافًا لحالته الأولى:
“حسنًا… بالتأكيد سأعطيك إياه، لكن أليس هناك ما يجب أن نتفق عليه أولًا قبل ذلك؟”
نظر له الزعيم باستفهام، فأكمل دان:
“ألا تتذكر أن بيننا صفقة أخرى؟ يجب أن توفّر لي الزجاجات حتى أستطيع بيعها والحصول على المال. على الرغم من فساد خطتنا الأولية… إلا أنها ما زالت مستمرة، أليس كذلك؟”
بعد أن تذكّر الزعيم الصفقة بينهما، قال دان عندما رأى ملامحه تتراجع:
“حسنًا… ما رأيك أن تخبرني بكيفية صنع السم أولًا… ثم أعطيك الصندوق. ففي النهاية، لولاي لربما عرفت بالأمر متأخرًا.”
نظر له الزعيم بغيظ وقال بسخرية:
“أوه… هل تهددني الآن؟ وتظن أنك أخبرتني بالأمر مبكرًا؟ لقد مات القائد السابق منذ سنوات. هل تمزح معي؟”
عضّ دان شفته، راغبًا في إيجاد أي ثغرة لمعرفة كيفية صنع السم، فهو إن عرف الطريقة ستكون كالدجاجة التي تبيض له ذهبًا… أو ربما ألماسًا.
قال الزعيم وهو ينظر مباشرة في عيني دان:
“يجب أن تتبع اتفاقنا. ألم أخبرك أننا سنتشارك المال سويًا؟ ألا يكفيك حقًا؟ نحن من صنعنا السم، ونحن من نصنع الترياق المزوّر. لذلك ستكون لنا الحصة الأكبر. توقّف عن الجدال.”
قال جملته الأخيرة وعيناه تطلقان شرارًا.
نظر ألين إلى كاليوس وقال بهمس شديد:
“أعتقد أننا يجب أن نمسك بهم عندما أعطي الإشارة.”
أومأ كاليوس موافقًا… فقد سمعوا ما يكفي.
رد دان بنبرة حاول جعلها لطيفة:
“ولكن… ألا يمكن أن تزداد حصتي قليلًا؟ كما تعلم… أنا من أقنع الناس بشرب السم، وأنا من أدخلت ذلك السمك الغريب إلى القرية كما أمرت.”
وضع الزعيم سيفه أمام وجه دان قائلًا بغضب:
“أنا لا أتحدث كثيرًا. إن انتهيت… فافتح هذا الصندوق بسرعة.”
توتر دان قليلًا، ثم أخرج المفتاح الذي خبّأه في ملابسه، وبينما يحاول فتح الصندوق، حاول محاولة أخيرة لمعرفة كيفية صنع السم:
“ولكن يا زعيم… أليست فكرة مبتكرة أنّك عندما تشرب عصير تلك الثمرة الغريبة مع وجبة السمك تُصاب بالتسمم؟”
“أنت تقصد أنّه عندما تأكل جزءًا من الثمرة مع تلك السمكة… تتسمم.”
قالها ألين الذي ظهر فجأة من فوق الأشجار بعدما أعطى الإشارة للجميع بالظهور للقبض عليهم.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 21"