قبل فترة من ذهاب يون إلى كاليوس والين:
قال يون لناي وليو:
“أنا سأذهب لمراقبة أطراف القرية، للإمساك برد الرسالة، حتى نستطيع وضع خطة لمواجهتهم.”
نظر كلٌّ من ليو وناي له بصدمة، والتي أول من أفاق منها كان ناي، وهو يقول بنبرة جعلته يبدو وكأنه يبكي:
“ماذا ستفعل؟ تتركنا وحدنا هكذا، لنواجه مصيرنا المحتوم بدون دروع ولا حماية.”
نظر يون إليه بملل، وأشار إلى السيف الذي يحمله ناي.
نظر ناي إلى ما يشير إليه قائلاً:
“وهل تظن أن ذلك السيف سيحميني حقاً، أمام رجل خطير مثله؟”
كاد يون أن يجيبه، لكن ليو قاطع كلامه مضيفاً على كلام ناي:
“ألا تعلم أنه بمجرد رحيلك، يتحرك دان فوراً؟ ما إن تتحرك للمغادرة، لا تمضي ثانية حتى يخرج ليقوم بأمر سري.”
سئم يون منهم، فقرر إنهاء هذه المناقشة حتى لا يضيع الوقت هكذا.
فأجابهم بابتسامته المعتادة المظلمة:
“إن كنتم تعتقدون ذلك، فسوف أساعدكم.”
أضاء وجه ناي بسماعه هذه الكلمات، لكنه سرعان ما انطفأ بسماع تكملة جملته:
“سأساعدكم بجعل طردكم أقرب، فقط بكلمة واحدة للقائد، وسوف ترتاحون كلياً.”
كلماته الحادة أسكتتهم تماماً، مما جعل يون يرحل بسلام.
سأل ناي ليو:
“ماذا سنفعل الآن؟!!”
رد عليه ليو بكلام حاول جعله متفائلاً، وهو ينظر بعيون مترددة إلى باب بيت دان:
“ربما هو لن يخرج اليوم، أو حتى لو خرج لن يبتعد عن القرية.”
فجأة انفتح الباب وخرج دان منه.
قال ليو بجدية وهو ينظر إلى ناي:
“ربما هو ويون يخططان معاً، ويرتبان توقيتهما، حتى حين يرحل أحدهم يخرج الآخر.”
نظر له ناي ببلاهة من كلامه الذي اعتقد أنه سيكون جدياً، ثم رد عليه بنظرة جدية مماثلة وهو يحاول الابتعاد عنه:
“ربما أنت هو سبب هذا، فما إن قلت إنه لن يخرج… خرج بعدها. ربما أصبت بالحظ السيئ.”
نظر له ليو بصدمة، لكنه قبل أن يكمل تذكر فجأة أن عليهم ملاحقة دان، الذي ولحسن الحظ لم يذهب بعيداً، فأخذوا يسرعون ليلحقوا به.
ذهب دان إلى إحدى أطراف القرية، وظل يراقب السماء، وكانت ملامحه القلقة ظاهرة بشكل كبير. فهو لم يستطع إخفاء القلق الذي انتابه، فبعد أن يعلم أفراد العصابة بالشيء الخطير الذي معه، فربما يقتلونه بدل التفاوض.
الشيء الوحيد الذي طمأنه أنه قد أغلق الصندوق بإحكام، فلا يستطيع أحد فتحه بدون المفتاح الذي يخبئه.
بقي لبعض الوقت ينتظر، لكنه شعر بالقلق أكثر من أن يكتشف أحد غيابه، لذلك قرر العودة إلى المنزل وانتظار الحمامة هناك.
وما إن عاد إلى منزله، حتى تنهد ليو وناي بارتياح.
قال ناي ممازحاً ليو:
“لماذا لا تقول الآن: أتمنى أن يخرج من البيت لمدة يومين، حتى يتحقق العكس؟”
رد عليه ليو بغضب:
“أتعلم؟ لقد وجدت شيئاً أفضل… أتمنى أن أراك أمامي طوال حياتي!”
ارتعش ناي، وقال بينما يقترب منه ينوي ضربه:
“هل تتمنى موتي، أيها الحقير!”
وقبل أن يستطيع ضربه، وجد فجأة من يمنعه، وحين استدار ليلقي نظرة وجد يون من يمنعه.
كان يون قد انتهى من تسليم الرسالة إلى الين وكاليوس، ومن تعابيره شعر ناى انه ربما كان قرار الاستقالة المخبأ في منزله قد جاء وقت استخدامه.
كان الين وكاليوس قد عادا إلى النزل، بينما كان الين يكتب الرسالة حتى يعيدوها إلى دان، حتى يتم القبض عليه متلبساً.
وبعدها كتب مكونات الترياق، بعد أن قام بعدة تجارب وأدرك الكمية المناسبة.
كان كاليوس يفكر في عصابة اللصوص تلك، وكيف استطاعوا صنع ذلك السم، ولماذا.
فسبب دان كان معروفاً: أراد الحصول على الكثير من المال، وربما كان ليستغل القرى المجاورة أيضاً بنفس الحيلة.
لكن… ما سبب فعل العصابة لهذه الطريقة المعقدة قليلاً والمثيرة للشك؟ فإن كان هدفهم المال، لكانوا سرقوا أو هددوا القرية.
هل خوفاً من أن يُكتشف أمرهم للفرسان؟
تنهد كاليوس، فلأول مرة يقابل عدواً بدون هدف واضح، لكن الجميع لهم أهداف، وسوف يكتشف هدفهم بالتأكيد.
أمام منزل دان، تقريباً خلف الأشجار التي أمام منزله:
قال يون – وأمامه ناي وليو جالسين على الأرض ويرفعون أيديهم إلى الأعلى – فهو ما زال يوبخهم على استهتارهم.
بعد أن أنهى أخيراً توبيخه، أخبرهم بالاستعداد للقتال، فعليهم مقاتلة أفراد العصابة اليوم والقبض عليهم.
فقال وهو يملي عليهم الكثير من الأوامر:
“يجب عليكم أولاً أن تعيدوا جميع التدريبات التي تدربتم عليها، ثم عليكم اتخاذ الحذر جيداً، فأي خطأ بسيط سينتهي بقتلكم.”
نظروا له باقتناع، وأومأوا برأسهم يستعدون للمعركة القادمة.
في النزل:
كان قد أنهى أخيراً الين عمله، بعد أن انتهى من إعداد ما يكفي من الترياق لأغلب حالات التسمم.
صعد إلى غرفته، والتي ما إن دخلها حتى كاد يسقط على الأرض، لكنه استطاع الوقوف مجدداً.
فيبدو أنه بينما كان يفحص المكونات أحياناً بفمه حتى يعلم أيّها مسمّم، قد أصيب بالسم بشكل أقوى.
لكن أخيراً سيقبضون على تلك العصابة، وبعدها يصنع الترياق، فالمكونات قد نفدت على أي حال.
شحذ كاليوس سيفه جيداً، وأعد بعض الملابس الجيدة للتخفي وتسهيل الحركة.
ثم طرق باب الين، الذي فتح بعد عدة طرقات.
شعر كاليوس بشعور غريب، كان وجه الين يبدو شاحباً قليلاً.
لكن الين، الذي لاحظ مراقبة كاليوس له، وأنه قد يكتشف أمر حالته التي ازدادت سوءاً، قال فجأة مقاطعاً أفكار كاليوس:
“لماذا كنت تطرق الباب؟”
قال كاليوس بعد أن تذكر لماذا جاء:
“كنت أخبرك أن تستعد، فقد اقترب موعد مجيء العصابة.”
أومأ له الين، وأخبره أن يسبقه للأسفل، وأنه سيلحق به.
بعد رحيل كاليوس، شعر الين بقلبه ينبض بشدة.
أمسك بملابسه بشدة، لكنه لم يتخلص من الألم.
فتناول بعض المسكنات، ثم غسل وجهه بالماء البارد، ثم خرج من الغرفة وهو يحمل سيفه مستعداً للمواجهة.
تلقى دان رد الرسالة، وخرج قبل الموعد المحدد بفترة بسيطة من المنزل.
كان ليو ويون وناي يراقبونه بشدة، مراقبة الصقر للفريسة.
ذهب دان للمكان الذي أخفى فيه الصندوق، ثم حفر وأخرجه، دون أن ينتبه أنه ليس صندوقه حقاً. فالصندوق الذي احضره يون كان مشابها له تماما.
ثم توجه إلى المكان الذي اتفق فيه مع أفراد العصابة.
في نفس الوقت، كان كلا من كاليوس والين يراقبان المكان الذي سيتقابلون فيه، دون إصدار أي صوت، فلم يكن يُسمع إلا صرير صرصور الليل، الذي كان يملأ المكان ويضيف التوتر على الموقف.
مضت فترة، حتى سُمع من بعيد صوت حوافر الأحصنة.
واستطاع كاليوس أن يرى مجيء العصابة وتوقفها في المكان، وكان عددهم قليل بالنسبة لمدى خطورتهم.
توقف أفراد العصابة، ونظروا إلى الطريق أمامهم ببعض الحذر.
كان من السهل معرفة قائدهم، فقد كان الذي على مقدمتهم.
وقد سأله أحد الأفراد خلفه:
“قائد، هل علينا أن نثق به حقاً؟ فقد يكون يخدعنا. من أين سيعرف هو القائد السابق؟”
نظر له القائد بصرامة، فالحديث عن القائد السابق محرم لديهم، وقال:
“ألم أقل ألا نتحدث عنه الآن؟ حتى ننتقم، لا أريد أن أسمع شيئاً عنه.”
سكت الباقون بعد سماع كلماته، منتظرين بصمت، حتى أتى أخيراً دان من بعيد، وهو يحاول أن يمثل الشجاعة…
لكن ما كان واضحاً حقاً على وجهه من مشاعر هو الطمع والجشع والتوتر. ما إن ظهر دان أمام أفراد العصابة، حتى ارتفعت أسلحتهم جميعًا ووجّهت صوب عنقه. ارتعد دان وتسارعت دقات قلبه، مدركًا أن أى حركة خاطئة قد تكون الأخيرة في حياته، وكأن الموت يراقبه من كل جانب.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 20"