خرج دان من منزله، مفكرًا في التغيرات التي تسببت في فشل خطته، متضايقًا من أولئك الفرسان. كان يفكر بتسميمهم، لكنه شعر أن ذلك قد يُضخّم الأمور كثيرًا.
قرر أن يُرسل رسالة بالأحوال الحالية للقرية، فقد كان يحمل حمامة في إحدى يديه، وفي اليد الأخرى الرسالة التي سيرسلها، كان يمسك بها بإحكام. فهذه الرسالة شديدة الأهمية، فهو سيحذر بها الآخرين من أن يأتوا الآن، وسيطلب منهم المشورة في ما يجب أن يفعله.
في ذلك الوقت، كان ناي وليو يتبعانه، وهما يفكران فيما يفعلانه. كان ناي يمسك بشعره ويشدّه بصمت، شاعراً برغبة في البكاء، فإن فشلوا فسيتم معاقبتهم بشدة.
أما ليو، فكان عقله يعصف بشدة، يفكر: هل يذهب ويمسك به ليُريه الرسالة، أم يتركه يبعث الرسالة التي في يده؟ لكن ماذا لو سأله: ماذا كان في الرسالة؟! وهل إذا سمح له بارسال الرسالة، هل يستطيع انتظار مرور الحمامة بالقرب من القرية؟ هل يستطيع إنزالها؟
كان رأسه قد بدأ يؤلمه بشدة، ولم يعرف ماذا يفعل حقًا، وقال في نفسه:
(ربما الحل الأفضل أن أقتل نفسي… ماذا علي أن أفعل؟)
فجأة توقف كلاهما، وهما ينظران إلى الحمامة تطير في السماء ومعها الرسالة. دان يعود إلى منزله بعد أن أنهى مهمته بنجاح. يبدو أن أفكار يون الداخلية قد تحققت.
في نفس الوقت التي طارت فيه الحمامة، كان كاليوس يُراقب إحدى أطراف القرية. فجأة رأى حمامة تطير في الهواء بسرعة فائقة. كانت حمامة عادية، لكن ما كانت تحمله في قدمها لم يكن عادياً، فقد رُبطت في إحدى قدميها رسالة، مما جعل كاليوس يشك في دان على الفور.
فبالتأكيد، من في هذه القرية سيرسل رسالة بسرية وبطريقة عاجلة هكذا إلا هو. لم يستطع كاليوس انتظار ضياع الرسالة من يديه، فلم يجد حلاً سوى صعود إحدى الأشجار، واستطاع الإمساك بالحمامة التي لم تطر على مسافة كبيرة من الأرض بمهارة رائعة.
أدرك أنها بالتأكيد رسالة من دان لباقي المتورطين معه في هذه الجريمة. فقرر معرفة ما حدث من الفرسان، وأن يناقش مع الين ما سيقرؤونه من الرسالة. فعاد إلى النزل على الفور.
عندما عاد كل من ليو وناي خلف دان، كانت وجوههم تعكس بعض الخوف مما سيحدث بهم، قائلين لبعضهم:
“ربما سيتم أكلنا أحياء.”
“لا، ربما سيتم تعذيبنا بشدة.”
“أو ربما سيتم تجريدنا من عملنا كفرسان.”
“أو ربما سأقتلكم أنا.”
قالها يون، وهو ينظر لهم بغضب، ويشعر بأنهم بالتأكيد قاموا بمصيبة ما أثناء نومه. وودّ حقًا أن يقتلهم، لكنه ظل يهدئ نفسه:
(لا تقتلهم الآن… يجب أن تعلم أولًا أي مصيبة فعلوا.)
فقال بوجه مبتسم، ابتسامة بهالة مظلمة أو بالأحرى قاتلة:
“حسنًا الآن، من منكم مستعد لإخباري بما حدث؟”
بعد أن أخبروه بما حدث، كتم غيظه من أن يقتلهم، لكنه تمالك نفسه، مخبرًا إياهم:
“حسنًا، أنا لن أحاسبكم، لكن القائد أمرنا جميعًا بالتجمع، لذلك جهزوا أنفسكم لإخباره بما حدث.”
نظروا له نظرات شفقة، لكنه تجاهلهم، وعادوا إلى النزل.
عندما وصلوا إلى النزل، كان كاليوس ينتظرهم وهو غاضب، بينما كان الين ينزل من السلم بتعابير جادة.
ما إن رأوا وجهه هكذا، حتى اعتذروا قبل أن يقول أي شيء. قال كاليوس:
“حسنًا، يبدو على الأقل أنكم تعرفون ما هو خطأكم، تتركون إحدى الرسائل المهمة تضيع دون الإمساك بها.”
صُدم ليو وناي بشدة من معرفته بالأمر قبل أن يخبروه.
بينما أخذ كاليوس يلوح بإحدى الرسائل أمامهم، أدركوا أن قائدهم قد استطاع الإمساك بالرسالة. ففرحوا كثيرًا وأخذوا يمطرونه بالمديح، لكنه صرخ في وجههم بغضب:
“اصمتوا، ستُعاقبون جيدًا، لكن عندما نعود، حتى أتفرغ لمعاقبتكم جيدًا.”
أغلقوا أفواههم على الفور.
قال الين:
“ماذا ستفعل بالرسالة؟ ما رأيك أن نفتحها ونقرأها ثم نرسلها مجددًا؟ أنا أستطيع تقليد الخطوط، يمكنني أن أجرب تقليد خطه ونرسل رسالة جديدة، وبهذه الطريقة نستطيع أن نعرف أخبارهم.”
استحسن كاليوس فكرته وقرر تنفيذها، ثم أخبر يون بجدية أن يذهب معهم لمراقبة دان، قائلاً بتهكم:
“أنا آسف لأنّي أوكلت لك أمرًا مهمًا كهذا، لا، وأكثر من ذلك أن تصحب معك أطفالًا صغار. أرى أن مستقبلك سيكون جيدًا، وستُكافأ على كفاءتك عندما نعود.”
أومأ يون، ثم رحل هو وناي وليو.
فتح كاليوس الرسالة بعناية، وحاول تحليل كل ما كتبه لمعرفة ما أراد إرساله. فكان مضمون الرسالة:
“مرحبًا بأعز أصدقائي، أنا آسف لأنّي أكتب لك هذه الرسالة مبكرًا قليلًا، لكن هناك من يحتاج إلى الدواء الذي صنعته وهو مستعد للدفع أيضًا. كانت هناك مشكلة بسيطة واجهتني لم أستطع حلها بمفردي، ضايقت بعض الفئران نومي، لذلك كنت أسألك عن أفضل حل لإبعادهم. أتمنى أن تعطيني جوابك في أقرب وقت ممكن. أرسل أنا صاحب ألمع نجمة في سماء المملكة هذه الرسالة، أنا لست صيادًا، أنا أثمن الجمال.”
قال الين، بينما ينظر إلى الرسالة:
“يبدو أنه لا يستطيع التعامل معنا، فيحاول جلب الجميع حتى يبعدنا عن هنا.”
قال كاليوس بضيق، وهو يشير إلى آخر الرسالة:
“ولكن إلى ماذا ترمز آخر جملة؟”
رد الين مجيبًا:
“لا أعلم، لكن أحيانًا كان يُرمز للمجوهرات على أنها نجوم، ربما سرق بعض المجوهرات الثمينة، ويطلب منهم التعاون مقابلها.”
أومأ كاليوس مقتنعًا برأيه، ثم نظر بجدية إلى الين وهو يفكر في خطتهم القادمة، فسأله:
“كيف يسير تقدمك في فحص المكونات؟ هل وجدت سبب التسمم؟”
قال الين:
“حسنًا، أعتقد أنني وجدته، لكن بسبب عدم وجود ما يكفي من الوقت، فقد جربت السم على نفسي، حتى أستطيع إيجاد العلاج.”
نظر له كاليوس بصدمة:
“هل أنت مجنون؟ كيف تتناول السم هكذا؟ وما هي مكونات السم من الأساس؟”
استغرب الين من صدمته، فيبدو أن كثرة تجاربه على السم، جعلت جميع من حوله معتادين على الأمر، لذلك أذهله صدمة كاليوس، فاجاب عليه:
“لا تقلق، فأنا أشك فقط في العلاج، أعتقد أنني استطعت إيجاده، لكنني لا أعلم الكمية التي يحتاجها المريض للتعافي. لذلك احتجت أن آخذ السم بنفسي. مكونات السم أعتقد أننا سنكتشفها بدقة عند التحدث مع والدة الطفل الصغير.”
تنهد كاليوس بقلة حيلة من أفعال الين، لكن لم يكن بوسعه فعل شيء. أعادوا كتابة الرسالة حتى يرسلوها مجددًا، وسيخبرون يون في طريقهم أن يراقب أطراف القرية لمعرفة الرد.
قال الين، وفمه قد ارتعش قليلاً لكنه تحدث بثقة:
“أنا واثق أننا إذا ذهبنا إلى منزل الطفل هذه المرة، سأستطيع أن أجد الترياق.”
ابتسم كاليوس على ثقته، وخرجوا من النزل.
عندما انتهوا من أعمالهم، وأخيرًا وصلوا إلى منزل الطفل، بعد عدة طرقات، أخيرًا فتحت لهم والدة الطفل، التي كانت معالم وجهها قد ازدادت شحوبًا، على الرغم من مرور أقل من يومين منذ آخر مرة زاروها.
سمحت لهم بالدخول، فتحدث الين بجدية:
“أنا أتمنى أن تحاولي التذكر جيدًا هذه المرة، فمعرفة كافة تفاصيل ذلك اليوم سوف تكشف لنا ما هو الترياق.”
نظرت له الأم بحيرة، وحاولت التذكر، لكن الذكريات لا تأتي دائمًا كما نريد. ضغطت على عقلها أن يستجيب، حتى شعرت ببوادر الصداع. ثم نظرت إلى طفلها الصغير بحزن، وأثناء استدارتها لإلقاء نظرة على الين، فجأة شاهدت من خلفه، في النافذة من بعيد، بعض ثمار التفاح الجميلة على إحدى الأشجار.
وكأن البرق قد ضرب رأسها، فجأة تذكرت شيئًا مهمًا قد نسيته.
قالت بلهفة، آملة بشدة أن تساعد هذه الذكرى في شفاء ابنها:
“ابني في ذلك اليوم لم يشرب العصير الذي نشربه في الاحتفالية، بل تناول ثمرة الانانس نفسها. في ذلك الوقت لم يعجبه العصير أبدًا. حاولت معه كثيرًا، حتى أصر على أن يتناول الفاكهة فقط، فقطعتها له.”
ابتسم الين بسمة خفيفة بعد أن أدرك صحة شكوكه، لكنه سال مؤكداً استنتاجه أكثر:
“وهل في ذلك الوقت، تناوله ببذوره أم تناوله من غيرها؟”
قالت الأم وقد عادت بذكرياتها، متذكرة أغلب التفاصيل:
“لا، نزعت البذور، لأنها كانت مرة.”
أخبرهم الين بالأخبار السارة، سعيدًا بإيجاده الحل:
“يبدو أنني وجدت العلاج، وقد عرفت كيف تسمم الجميع أيضًا.”
ثم أسرع بالرحيل لإعداد الترياق للجميع.
كاد أن يسأله كاليوس في الطريق عن كيفية تسميم الجميع، لكن مجيء يون مسرعًا قد منعه، فقد أتى بخبر خطير:
“سيدي، لقد جاء رد من بقية العصابة، يبدو أنهم سيأتون الليلة، وينتظرون دان خارج القرية.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 19"