انطلق الين وكاليوس والفرسان نحو القرية بأحصنتهم، فالرحلة تستغرق بالحصان نصف يوم فقط، فبدأ الجميع الانطلاق من الصباح الباكر. ومع تحرك الأحصنة السريع، وكلما اقتربوا من القرية، كلما اختفت آثار المدينة تدريجياً، وبدأت علامات الريف تظهر أمامهم. أخيراً وصلوا جميعاً إلى القرية قبل غروب الشمس .
ما إن دخلوا إلى القرية حتى أحسّوا بالهدوء بشكل غريب، فكانت أنحاء القرية خالية تقريباً من السكان. قرر كاليوس أن يقابل رئيس القرية أولاً ليعرف منه من تسمّم وكيف، وكل التفاصيل الخاصة بالأمر.
تجوّلوا في القرية حتى وصلوا إلى منزل رئيس القرية، ولكنهم لم يروا سوى اثنين فقط في طريقهم، مما أوضح أن الوضع سيّئ كثيراً. بعد عدة طرقات على باب منزله، أخيراً فُتح الباب وظهر الرئيس الذي بدا على ملامحه الهدوء والإهمال بشكل غريب، مما أثار ريبة كاليوس وقرر عدم الكشف عن هويته. لكن قبل أن يقول شيئاً، تكلّم الرئيس بفظاظة، ظناً منه أنهم مجرد فقراء متجوّلون غير منتبه لملابسهم ، التي على الرغم من أنها تبدو عادية، إلا أنّ جودتها هي الأفضل.
“القرية مليئة بحالات التسمم، إن كنتم تبحثون عن مكان للمبيت فارحلوا من هنا.” وأخذ يتثاءب مفكراً في العودة للنوم.
غضب كاليوس كثيراً حتى اشتدّت عروقه، وفكر في أن يضربه ضرباً مبرحاً، لكنه تمالك نفسه قائلاً وهو يجز على أسنانه: “نحن جئنا بأمر من الأمير للتحقيق في حالات التسمم.” جعل ذلك رئيس القرية يختفي النوم من عينيه، قائلاً بذعر: “أنا آسف على التحدث بفظاظة، ظننتكم بعض المتشردين. أنا رئيس القرية دان. أنا آسف لقول ذلك، لكن كما رأيت، لا يوجد أي نزل يستقبل زواراً خوفاً من نقل التسمم دون أن يدري أحد.”
كان يتحدث وهو يتعرق بشدة وتهتز عيناه، مما جعل الشك يدخل قلب كاليوس، ويشعر أنّ له علاقة بالتسمم. اقترب الين من كاليوس ثم همس في أذنه قائلاً:
(أظن أنّ من الأفضل أن نسأل أهل القرية، فهم سيكونون الأكثر إفادة لنا من هذا المسؤول المهمل. بدا لي أنه يحاول طردنا من هنا كي لا نكتشف شيئاً.)
أومأ كاليوس على كلامه مقرراً أن يوهمه برحيلهم، ثم يبحثوا بجدية في الأمر. قالوا له إنهم سيجدون نزلاً في قرية أخرى، وربما يعودون في الصباح لاستكمال التحقيق في سبب التسمم. حاول دان أن يُخفي ابتسامة صغيرة كادت أن تظهر على وجهه، لكنه سرعان ما أخفاها معتقداً أنّه لم يره أحد.
حاول دان إيصالهم إلى خارج القرية حتى يتأكد من رحيلهم، لكن نظرة كاليوس العنيفة جعلته يتراجع عن ذلك. بعد أن دخل دان إلى منزله، أمر كاليوس يون وليو وناي أن يراقبوه جيداً حتى يعرفوا ما يخفيه.
وهكذا انطلق كاليوس والين إلى وسط القرية لإيجاد أي أثر. أثناء سيرهم وجدوا نزلاً في المنتصف. بعد أن دخلوه وجدوا المكان مرتباً ونظيفاً وخالياً من السكان. خرج صاحب النزل وزوجته، وصُدما برؤية زوار.
قالوا بقلق: “نحن آسفون، ولكن لا نستقبل أي زوار هذه الأيام.”
قاطعهم الين قائلاً: “نحن قدمنا إلى هنا حتى نعالج المرضى، فنحن لدينا خبرة في معرفة السموم وعلاجها. لذلك، هل يمكنكم أن تخبرونا كيف بدأ السم وكيف انتشر، أو ما تعرفون عنه؟ ويُفضَّل لو رأينا إحدى الحالات.”
كان حديثه الصادق والجدي يصل إلى قلوبهم، فهناك من يتجنب المرضى كالوباء، لكنهم قرروا أن يكتشفوا علاجه. كانت زوجة صاحب النزل تذرف الدموع لتأثرها، مقررة أن تساعدهم.
بدأوا الحديث عمّا حدث باحتفالية العام الجديد التي يحتفلون بها كل عام، حيث يتجمع كل رجال القرية للاحتفال في نزلهم وتناول الطعام اللذيذ. وبعد أن تناولوا الكثير من الطعام وعادوا إلى منازلهم، استيقظ الجميع في اليوم التالي، بعضهم تسمم، والبعض الآخر تسمم بعدهم، وهناك من تسمم من الأطفال. لذلك لا نظن أن التسمم حدث من الطعام أو الشراب.
قرروا الذهاب لرؤية المرضى أولاً، قائلين لصاحب النزل وزوجته أن يكتبوا في ورقة كل أصناف الطعام والشراب الذي أكلوه في الاحتفالية. فقررت زوجة صاحب النزل أن تكتب هي المكونات، بينما يوصلهم صاحب النزل إلى بيت أول مصاب.
وفي طريقهم، شرح صاحب النزل ما يعرفه عن حالته. أول مصاب كان طفلاً صغيراً أُصيب بالتسمم بعد يوم من الاحتفالية، ومن بعدها ظل طريح الفراش، مصاباً بالحمى وفاقداً لوعيه دون أن يستيقظ حتى الآن.
ما إن وصلوا إلى بيته وطرقوا الباب، حتى فتحت لهم والدة الطفل بتعابير مرهقة، والتي تغيرت إلى بعض السرور عندما علمت أنهم قدموا لفحصه. كان الصبي الصغير لون وجهه قريباً من الأزرق الغامق، وينام على سرير، بينما الغرفة قريبة من العتمة بسبب منع ضوء الشمس من الظهور بسبب الستائر. كان جوّاً كئيباً يتناسب مع وجود مريض في المنزل.
فتح الين الستائر، وظهر ضوء الشمس الذي ملأ الغرفة وأزال عتمتها، وجلس على السرير قرب الطفل وبدأ بفحصه. فتح فمه، وراقب حركة عينيه، وحاول تحريك يده. استطاع بعد فحص قصير أن يستنتج أنه تسمم من طعام أو شراب تناوله، وليس من حشرة سامة أو أي شيء آخر.
قال الين بتعابير جادة بينما ينظر إليهم: “يبدو أنه تسمم عن طريق شيء وُضع في فمه، ربما طعام أو شراب. هل بإمكانك إخبارنا ماذا تناول من يوم الاحتفالية حتى الآن؟”
قالت الأم وهي تبكي، ناظرة إلى طفلها الصغير والوحيد فاقداً لوعيه: “هو لم يتناول شيئاً غير عادي، فكنا جميعاً نتناول نفس الطعام. في الاحتفالية تناولنا بعض السمك.”
فكر الين قليلاً، ثم قال محاولاً تجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات: “ما هو نوع ذلك السمك؟ وهل شربتم شيئاً وقتها؟”
حاولت الأم استحضار الأحداث، إلا أنها لم تتذكر سوى أنهم شربوا مشروب الاحتفالية الذي يشربونه كل عام، لكنها لم تتذكر نوع السمك. فردّت بتعابير قليلة الحيلة: “لقد شربنا المشروب الذي نشربه كل عام، لكنني لا أتذكر نوع ذلك السمك.”
قال صاحب النزل: “هل تقصدين السمك الرائج حالياً؟ ذلك الذي لديه عدة ألوان مختلفة وقشوره لامعة؟”
ردّت الأم بالإيجاب، شاعرة ببعض الأمل في علاج صغيرها: “أجل، إنه هو. لقد أعجب الأطفال بألوانه الساحرة، فاشتريته لهم.”
قال كاليوس وهو ينظر إلى صاحب النزل: “أين نجده؟ وهل أكله من كانوا في الاحتفالية في نزلكم؟”
أومأ صاحب النزل بينما يجيب قائلاً: “لدينا بعض منه نُخزّنه، في حالة مجيء أي زوار لنزلنا. لكن من الجيد أنه لم يأتِ أحد. لذلك بالتأكيد سنجده في النزل.”
طمأن الين وكاليوس الأم قائلين إنهم لن يتركوا القضية حتى يجدوا حلاً لها. وخرجوا باتجاه العودة إلى النزل، بينما تنظر الأم لهم بتأثر لاهتمامهم بطفلها، واستعدادهم لإيجاد علاج، في حين كان رئيس القرية يدّعي الجهل ويُظهر عدم الاهتمام. فاضت الدموع من عينيها وهي تنظر في أثرهم، تتمنى أن يجدوا علاجاً بسرعة.
كان الطريق مظلماً، فقد حل الليل بسرعة. وما إن وصلوا إلى النزل، حتى وجدوا زوجة صاحب النزل تنتظرهم ومعها القائمة التي أعدتها، وفيها كل الأطعمة التي تم تناولها. فمن حسن حظها أنها كتبت القائمة قبل الاحتفالية لتتأكد من أنها قامت بإعداد كل الطعام.
نظر الين نظرة متأنية في قائمة الطعام، حتى أوقفه اسم ثمرة غريبة لم يسمع عنها من قبل. حينما رأى صاحب النزل الثمرة التي يشير إليها الين، ظهر ليو فجأة هامساً لكاليوس:
“لقد تحرك رئيس القرية في الخفاء، وهو يُخفي بين ذراعيه صندوقاً صغيراً. يون وناي يتبعانه الآن.”
بينما كان الين على وشك ان يعرف تفاصيل تلك الثمرة ، اخبره كاليوس ان عليهم الرحيل لملاحقة رئيس القرية ، خرج كاليوس من النزل ومعهم ليو و الين الذى لاحقهم بعد ان اخبر صاحب النزل بانه سيعرف كامل التفاصيل عندما يعود.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"