الفصل 32
لم تكن تتوقّع أن تسير الأمور هكذا.
شعرت بيانكا بالحماس لأنّها حصلت على فرصةٍ غير متوقّعة للدفاع عن نفسها.
الأصل أنّ من يرتكب ذنبًا لا يفتح فمه أبدًا.
هذا قانونٌ أبديٌّ لا يتغيّر.
فالاعتذار اللفظيّ والإصلاح لا يعنيان شيئًا.
لذا، لم تتحدّث بيانكا عن نفسها أبدًا.
حتّى عندما اضطرّت لترتيب ما أفسدته بيانكا الأصلية التي لم ترها ولم تسمع بها.
اعتذرت بـ”آسفة” وتقبّلت الأمر بهدوء.
ليس لأنّها بخير، بل لتبقى حيّة.
الأعذار لن تنفع، والصدق سيؤدّي إلى نهايةٍ سيّئة، أمرٌ يُدرَك بسهولة.
لو ذكرت الاستحواذ أو التناسخ، لأمسكها السحرة الفضوليّون وجعلوها موضوع تجربة.
لذا، أغلقت فمها.
تخطّط لترتيب الأمور ثمّ الاستقالة بهدوء.
لكنّها حصلت على حقّ الكلام؟
بل إنّ رئيسها الذي رأى مظالمها القاسية مهّد لها الطريق.
ارتجفت شفتاها من الحماس لسرد كلّ ما أثقل صدرها.
“… في الحقيقة، مجلس الشيوخ وحده كافٍ. أنا مساعدة إدارية بالاسم، لكنّني في الواقع مساعدة مكتبيّة. وسابقًا، كنتُ زينةً للمكتب.”
سردت بيانكا حالتها دون زيادة أو نقصان.
مساعدة مكتبيّة؟
كانت بيانكا الأصلية تتردّد في قول هذه الكلمة، لأنّها بالكاد عملت.
كيف تتجوّل في المختبرات وتفتّش هنا وهناك رغم أنّها لا تملك سحرًا؟
كانت الدقائق التي تجلس خلالها في المكتب تعدّ على الأصابع.
تفهم تمامًا لماذا يحدّق إينيكيال فيها بنظراتٍ حادّة ويسخر كلّ مرّة.
“إذن؟”
“ومع ذلك، كان مجلس الشيوخ مبالغًا.”
“لماذا؟ هل ضربوكِ أيضًا؟”
نطق جيليان بالعنف بنبرةٍ لطيفة.
كان سلوكه طبيعيًّا جدًّا، فتأخّرت بيانكا في فهم معنى كلامه.
“آه، لا؟ الضرب… لا، هذا النوع من العنف الأوّل…”
أليس كذلك؟
“هنا فقط.”
“متأكّدة؟”
لم تُورَّث ذكريات “بيانكا” إليها.
عندما أصبحت بيانكا، كانت الذاكرة فارغةً كصفحةٍ بيضاء، فعرفت كلّ شيء من السماع.
لذا، يربكها مثل هذا السؤال.
“ربّما؟”
“لماذا؟ هل صدمة اليوم محت ذاكرتك؟”
تنفّست بيانكا الصعداء لرؤية جيليان يسأل مازحًا.
كالعادة، لا يبدو أنّ لسؤاله معنى كبيرًا.
وهو أصلاً لا يهتمّ إلّا بتجارب صنع العالم، فسيُنسى اليوم سريعًا.
“يبدو كذلك.”
أجابت بيانكا بخفّة كما فعل.
شعرت بالراحة لأنّ كلّ ما تقوله سيمرّ عليه دون أثر.
“لماذا إجاباتكِ خالية من الإخلاص؟”
“خالية من الإخلاص؟ لقد صُدمتُ حقًّا، رأسي أصبح أبيض.”
همس جيليان بنبرةٍ أكثر برودًا:
“تعرفين، تتحدّثين عن أمركِ كأنّه شأن غيركِ الآن.”
“نعم، حسنا…”
“لماذا؟”
“لأنّ بيانكا السابقة مختلفة عن بيانكا الحالية.”
تمتمت بيانكا، ظنًّا أنّ كلامها منطقيّ.
“بيانكا السابقة وبيانكا الحالية شخصان مختلفان؟”
“نعم.”
“وُلدتُ من جديد.”
اعترفت بالحقيقة ككذبةٍ عابرة.
لا حاجة لمعرفة الحقيقة.
يكفي أن يصل معنى كلمة تجدّدتُ.
لكن لا بأس إن لم يصل.
فالأفعال، لا الكلام، تثبت التغيير.
خلافًا لبيانكا الأصلية، ستثبت كفاءتها واجتهادها وعدم اهتمامها بغير العمل في السنة المتبقية.
أرادت بيانكا فقط أن تترك أثرًا صغيرًا في جيليان، حتّى لو مرّ الحديث.
لكي يتذكّر يومًا ما:
آه، هذا ما كانت تعنيه بـ”وُلدتُ من جديد”، ويبتسم.
“إذن، من ضربكِ؟”
ماذا؟
لم تتوقّع أن يسأل عن قصّةٍ ظنّتها انتهت، فاتسعت عيناها.
* * *
لم تستطع بيانكا الإجابة حتّى النهاية عن أمور “السابق”.
عندما انتُزعت من قبضة إيليو، قالت بوضوح أنّ هذه أوّل مرّة.
لكن عندما أُعيد السؤال في المكتب وهي في كامل وعيها، تلعثمت.
وعندما أُعيد بإلحاحٍ شديد، ادّعت أنّ الصدمة محت ذاكرتها عذرٌ لا يُصدَّق.
هل بيانكا حقًّا لا تعرف؟
أنّها كانت تتذكّر نفسها السابقة كشخصٍ آخر.
ربّما اعتقدت أنّها أخفت الأمر جيّدًا، لكن جيليان لم يترك كلمة “وُلدتُ من جديد”.
بل كان يخفي خلف موقفه اللامبالي فخًّا مشحوذًا.
وبيانكا وقعت فيه.
بكمالٍ يجعل المرء يتمنّى لو كان وحده يراه.
“وُلدتُ من جديد.”
بالنسبة لجيليان، لم تكن هذه كلمة إصلاح.
ربّما ظنّت أنّ لعبة الكلمات ذات المعنيين نجحت، لكن لا.
غياب ذكريات الماضي، وتصرّفها منذ لحظةٍ معيّنة كشخصٍ آخر، كانا يدعمان الكلمة تمامًا.
“من أين أتت تلك؟”
ابتسم جيليان وهو يتذكّر مساعدته التي تحولت إلى حيوانٍ صغيرٍ خائف.
لم يُكشف شيء بعد، وهذا ما يجعل الأمر مثيرًا للاهتمام.
أكثر بكثير من تجربة صنع العالم التي ذاقها مرّة.
لو علمت بيانكا بأفكار جيليان، لارتجفت حتّى تسقط، لكن مهما كان ردّ فعلها، لم يكن جيليان ينوي تفويت هذا المتعة.
طق طق—
“ادخل.”
رحّب جيليان بليهارت الذي جاء من المختبر.
*بعد ما ركزت مع دور ليهارت، فهمت انه هو ذراع جيليان اليمنى، اللي كانت مها مسميته ريتشارد*
توقّف ليهارت لحظةً أمام وجهه الودود غير المألوف، ثم فتح فمه.
“تبدو في مزاجٍ جيّد؟”
“هكذا أبدو؟”
“نعم. هل حصلتَ على نتائج جيّدة في التجربة؟”
آه.
بعد كلامه، أدرك جيليان أنّه لم يُجرِ تجربة صنع العالم منذ فترة.
ضحك ضحكةً قصيرة.
“لا. ليس كذلك.”
كان من المتوقّع أن يسأل “إذن ما الأمر؟”، لكن ليهارت لم يفعل.
كان يأمل فقط أن يتحوّل هذا المزاج الجيّد إلى تجربة.
كان ليهارت هكذا.
ساحرا يذبل من فضولٍ لمعرفة الحدّ الذي ستصل إليه قدرات البشر.
لذا كان يفكّر الآن كيف يفتح الموضوع.
لأنّ…
“وصل اتصالٌ من الإمبراطوريّة. يريدون مناقشة جدول الزيارة.”
“يا للأسف…”
لم يستغرب ليهارْت تعبير جيليان الذي برد فورًا عند سماع زيارة وليّ العهد.
لأنّ جيليان يحتقر سلطة “البشر”.
من الطبيعي أن يتضايق من أمرٍ سخيفٍ كهذا.
“ظننتُ أنّني رفضتُ جيّدًا سابقًا، ألم يفهموا؟”
بيانكا لا تعرف، لكن جيليان الذي رأى شحوبها عند ذكر الحرب أمر ليهارْت بإنهاء الأمر بسلامٍ قدر الإمكان.
خلافًا لتوقّع ليهارْت بأنّ جيليان سيقطّع الإمبراطوريّة فورًا.
بفضل ذلك، كتب ليهارْت رسالةً مليئةً بتعابيرٍ لم يستخدمها في حياته، يرفض فيها الاهتمام، لكن يبدو أنّ وليّ العهد فهمها خطأً وتصرّف بجرأة.
“يبدو أنّهم لم يفهموا. أو أساؤوا الفهم.”
“أساؤوا الفهم؟”
“ربّما ظنّوا أنّ سلطة الإمبراطوريّة تؤثّر في روزماركس.”
هذه المرّة، اختفى تعبير جيليان تمامًا.
“سلطة البشر في روزماركس؟”
“لأنّها أصبحت مملكة، ربّما ظنّوا أنّها خضعت لمنطق القوّة في عالم البشر، أو أنّ هذا الحدث ذريعة…”
أراد قول شيءٍ إيجابيّ، لكنّه استحال.
وليّ العهد متغطرس.
الرسالة في يد ليهارْت مليئةٌ بتعابيرٍ مزخرفة، لكن جوهرها:
“سنتفقّد لنرى ما إذا كانت هناك تحرّكاتٌ مشبوهة.”
يتجرّأ ويتحدّث عن سلام القارّة كأنّه وكيلها.
“ذريعة…؟”
“قد يكون من الجيّد أن تعلّم روزماركس وليّ العهد درسًا هذه المرّة.”
ضحك جيليان لكلام ليهارْت.
“نعم.”
أعجبه الكلام، فكان ردّه منعشًا.
••••◇•••••••☆•♤•☆•••••••◇••••
ترجمة : 𝑁𝑜𝑣𝑎
تابعونا على قناة التلغرام : MelaniNovels
التعليقات لهذا الفصل " 32"