كانت أصابع اليد التي تمسح خدّه ناعمةً كالصوت تمامًا.
لكن الأظافر كانت حادةً بلا حدود، فكانت تترك دائمًا خدشًا طويلاً على الخد.
عندما مسح خدّه المُحترق، تلوّثت أطراف أصابعه بالدم الأحمر كالعادة.
فرك جيليان أصابعه الملوثة بالدم، ثم رفع رأسه وهمس:
“إنه حلم.”
في تلك اللحظة، تحطّم المشهد المحيط به كزجاجٍ مكسور، وانهار كل شيء.
استيقظ في تلك اللحظة بالضبط.
كانت عينا جيليان صافيتين إلى درجة لا تُصدَّق لمن كان نائمًا للتو.
نظر إلى الساعة، فلم تمر سوى ساعةٍ واحدة تقريبًا.
كان الخارج لا يزال غارقًا في ظلامٍ دامس.
كان الأمر غريبًا.
لم يشعر بأنه نام أصلاً.
صحيح أنه استخدم قوته أمس، لكن ليس إلى درجة يشعر فيها بالإرهاق.
فلماذا إذن…؟
أمال جيليان رأسه متعجبًا، ثم أصدر صوت “آه” فجأة.
ربما بسبب الوجبة النادرة؟
إذا كان جسمه معتادًا على تناول الحبوب للتغذية، فمن المنطقي أن ينهار بنعاس ما بعد الأكل.
كان يعلم أن جسمه أصبح متراخيًا بسبب وجبة غير مخطط لها.
وجبة…
ضحك جيليان بخفة، ثم تذكر فجأة بيانكا التي كانت تُدخل الطعام في فمه بطريقة غريبة كما تُهدئ طفلاً.
معاملته كطفل.
مع أنه يعلم أنها ستغضب وترفض معاملة غير لائقة، إلا أنه أصرّ على إيصالها إلى بيتها.
كان، إذا جاز التعبير، انتقامًا طفوليًا.
“انتقام؟”
بعد أن قالها، شعر بأنها طفولية إلى درجة مضحكة.
لكن بيانكا هي من بدأت أولاً.
بطريقة غير لائقة…
“غير لائقة؟”
عندما نطق بها، شعر بغرابة.
كيف لعضوة في عائلة سوليك أن تكون لديها خبرة في رعاية الآخرين؟
“آه~”
كانت ماهرةً إلى درجة غير لائقة.
“ما قصة الطائرة…؟”
ضيّق جيليان عينيه وهو يستعيد الحديث.
مؤخرًا، كانت ترتجف كمن يُهدد كلما رأته، لكنها فجأة انقضت عليه بقوة، فلم ينتبه لكلامها الغريب وسط الارتباك.
استخدمت بيانكا كلمة طائرة بطريقة طبيعية جدًا.
كما لو كانت ماهرة في تهدئة الأطفال.
بدون أي تعبير متكلف.
كلامها وسلوكها غريبان إلى حد كبير.
بينما كان جيليان يرتب أفكاره بهدوء، تذكر شيئًا آخر غريبًا.
“هذا أول حلم واعٍ لي.”
هو لا يحلم كثيرًا، لكن عندما يحلم، يغوص عميقًا.
كان من الروتين ألا يخرج من الحلم حتى ينتهي، لكن هذه المرة أدرك أنه حلم بعد وقت قصير من بدايته.
“…”
لم يقتصر الأمر على الإدراك، بل استيقظ من الحلم أيضًا.
هل لأنه نعاس ما بعد الأكل وليس نومًا عاديًا؟
نعاس ما بعد الأكل.
ابتسم جيليان ساخرًا من كلمة لا تناسبه، ثم نهض من مكانه.
كان جسمه خفيفًا بفضل الراحة غير المتوقعة.
والليل طويل وساكن، مما سيجعله وقتًا مثاليًا لرجل دائم الانشغال.
يمكنه التحقق من الغرابة بهدوء.
* * *
استيقظت بيانكا أبكر من المعتاد وفتحت النافذة.
على عكس توقعها بأن جسمها سيكون ثقيلاً بسبب أحداث الأمس، كان خفيفًا بشكل غير عادي بفضل الأكل الجيد والنوم العميق.
وكانت تُقرّ بأنها فضولية قليلاً بشأن ردود الفعل الخارجية.
كانت بيانكا في قلب الحريق أمس.
لكن للأسف، حبست نفسها طوعًا في المكتب، فلم تسمع شيئًا.
ولا يمكنها أن تسأل رئيسها الذي عاد من إطفاء الحريق عن “ماذا حدث؟” بإلحاح.
كفاها أنها تظاهرت بالجوع أمام رئيسها المنهك لتصبح وقحة.
“عارٌ سيستمر لثلاثة أجيال. حقًا…”
تمتمت بإحباط، لكن شعور الذنب لم يدم طويلاً لأنها فعلت ذلك من أجل جيليان.
تحركت بيانكا بعينين لامعتين.
كانت نافذة غرفة النوم تطل على الشارع، فإذا فتحتها، كانت تسمع أحاديث الناس المتجمعين بوضوح.
وعلاوة على ذلك، كانت بيانكا تمتلك سمعًا حادًا جدًا.
عندما تكون مستلقية على السرير، كثيرًا ما تسمع حوارات الآخرين سواء أرادت ذلك أم لا.
لذا اعتقدت أنها ستتمكن من الاستماع بسهولة لهذا الحدث أيضًا.
عندما فتحت الباب على مصراعيه، اجتاح هواءٌ باردٌ طرد الدفءَ فورًا.
ندمت المرأة التي استيقظت بعد نومٍ عميق وتمطّت، لكن الفضول لم يمت.
جذبت الغطاء السميك إلى صدرها، تاركةً رأسها فقط، وانتظرت طويلاً.
“…”
أصبح تعبير بيانكا أكثر غرابةً مع مرور الوقت.
لم تكن لديها نية سيئة في التلذذ بالفوضى.
كانت مجرد شاهدة على الحريق، فأرادت معرفة ما حدث.
لكن الشارع كان هادئًا إلى درجة مُريبة.
“هذا هو طعم الحياة حقًا.”
“نكهة الشاي هنا لا تُضاهى.”
“من ينكر؟ وإذا أضفت البسكويت…”
“ماذا؟ بسكويت؟ الشاي يُقدَّم مع السكونز¹.”
“ماذا سمعتُ الآن؟ سكونز؟ سكونز؟ سكووونز؟”
حتى هذه اللحظة، كان ساحران تحت النافذة يتنافسان بحماس على أفضل رفيق للشاي.
والغريب أنهما لم يكونا وحدهما.
كانت محادثات المارة في الشارع مملةً بنفس القدر.
“كيف تسير التجربة؟”
“لا تسأل. كدتُ أنتهي، لكن المواد نفدت، فتوقفتُ للتو.”
“ما هذا الكلام؟ ساحر لا يستطيع القيام بالتجربة لنقص المواد؟”
“هذا ما أقوله.”
“ماذا يفعل قسم الدعم؟ كيف يعيشون في روزماركس إذا لم يتمكنوا من توفير هذا؟”
“كلامهم دائمًا واحد: الميزانية، الميزانية.”
“كم ننفق أصلاً؟”
… هؤلاء الأوغاد.
تجمدت قبضة بيانكا فجأة، بعد أن كانت متبلدة.
حتى لو كان السيد جيليان موجودًا، فهذا مبالغ فيه.
كم من الأعمال لدى السيد جيليان؟ يطلبون من أناسٍ منشغلين برعاية روزماركس أن ينتجوا الذهب كإوزة تضع بيضًا ذهبيًا طوال اليوم؟
*هذي قصة مشهورة من قصص الأطفال، باختصار كان في فلاح عنده وزة كل يوم تبيض بيضة ذهبية، بس من الطمع قال اكيد بطنها مليان ذهب و هو ما عنده صبر فراح ذبحها و فتح بطنها بس لقاه فارغ، يعني العبرة في القصة اننا ما نطمع بأشياء ما تخصنا*
سوووش.
غضبت عندما فكرت في الأمر.
من ملابسهم، يبدون من قسم الحياة أو العقل، لا القتال أو الفيزياء.
يعني أنهم ينفقون الذهب بسخاء لصنع شيء قد يُستخدم أو لا.
كان السيد جيليان متعبًا حتى وقت متأخر من الليل لإطفاء الحريق!
وفرّوا الذهب قليلاً!
يبالغون لأنهم يُعاملون جيدًا!
رأت بيانكا الرجل الذي اعتقدته لا يُقهر يبدو منهكًا، فغضبت.
وبينما كانت تشتعل غضبًا، اقترب وقت الدوام، فركضت مذعورة، ونسيت…
أن لا أحد تحدث عن سبب الحريق أو من وراءه.
* * *
بعد صباحٍ حافل، جاء وقت الغداء.
كانت بيانكا تميل كأس الشاي بوجهٍ متجهم.
“لماذا جئت إلى أمام المكتب ثم رحلتِ دون كلام المرة الماضية؟”
عبست جين متأففة، لكن بيانكا لم تُصدر حتى سخرية.
“فكرتُ: لماذا أنا من يبحث عنكِ دائما؟ في حين أنكِ تهربين لوحدك، فما الجميل فيك؟”
“… آسفة على جبني.”
“همف.”
“لذا أعددتُ وقت الشاي.”
“همف.”
“هذا المقهى مشهور جدًا، حجز طاولة في الغداء كالتقاط نجمة من السماء.”
*يعني صعبة جدا*
“تتباهين بذلك؟”
“لا، أتوسل أن تقبلي إخلاصي. آسفة.”
كان وجهها وديعا بطبعه، وعندما توسلت بجدية، لم تستطع بيانكا المقاومة.
أصلاً، لم يكن خطأ جين كبيرًا.
كلتاهما مجرد جمبري صغير بين حيتان.
لو كانت مكانها، لهربت أيضًا صائحةً آسفة في قلبها.
فهمت الوضع، لكنها غضبت لأنها هربت دون تردد!
“إذا فعلتها مجددًا…”
“سأشتري شايًا وكعكة.”
“… جين، أنت أنانية جدًا. لا تتظاهرين حتى بالاعتذار.”
أعجبت بيانكا بصدقها، واعتذرت جين بحرج.
“سأعتذر مسبقًا أيضًا. آسفة.”
“ماذا؟”
شعرت بشيء غريب، فسألت، وفي اللحظة نفسها اختفت جين فجأة.
إنتقال فوري.
وبقيت بيانكا وحدها، فسمعَتْ في أذنها صوتًا لا تريد سماعه أبدًا:
“آه، من هذه؟”
صوت متكبر، ماكر.
كان إيليو سوليك.
ها.
جين، هذه لن تُحلّ بكعكة.
السكونز هو نوع من الخبز السريع التحضير والذي يعود أصله إلى المملكة المتحدة. يتميز بقوامه الهش وطعمه اللذيذ، ويُقدم عادة مع الشاي في الفترة المسائية.
التعليقات لهذا الفصل " 29"