بل إنها، قبل أن يتمكن من معالجتها بشكل صحيح، قد تدحرجت إلى قبضة شخص آخر.
لو كان الساحر الآخر من رتبة أدنى، لكان كيريان قد انتزعها منه بالقوة ولو سحقها.
*و كأنك مش أنت اللي بعتها له بالمقام الأول*
لكن الخصم كان جيليان.
ساحرٌ لا يمكن لكل سحرة روزماركس مجتمعين، حتى لو عزموا الأمر، أن يهزموه ولو بفارق شعرة.
ملك كل السحرة.
بل، كبير السحرة.
أن يبدي مثل هذا الوجود اهتمامًا ببيانكا، فذلك يعني أنه لا توجد لكيريان فرصة لتصحيح الأمر.
كل ما يستطيعه هو أن يدعو أن يفقد جيليان اهتمامه بهذا “العيب” في أقرب وقت ممكن.
“يا خادم.”
“نعم، سيدي رئيس العائلة.”
فجأة، استدار كيريان الذي كان على وشك الجلوس، ولوّح بيده نحو الخادم.
“هل كان هناك أي حديث آخر؟”
“ماذا تقصد يا سيدي؟”
“هل قيل أنها قد أيقظت المانا؟”
آه.
أظهر الخادم تعبيرًا بالغ الإحراج عند كلام سيده.
ذلك التعبير الذي يبدي توقعًا خفيًا وقلقًا… إذن هو…
أملٌ أحمق.
“للأسف، لا لم يحدث أي من ذلك. لو كان الأمر كذلك، لما بقيت السيدة بيانكا ساكنة. يُقال أن كل تفضيل تتلقاه الآن من السيد جيليان يعود إلى اقتراحاتها حول “النماذج الورقية”.”
“هل أنت متأكد؟”
تحاشى الخادم نظرات سيد العائلة الملحّة، ولم يستطع النظر إليه مباشرة.
“نعم، أنا متأكد. لم يحدث لها إيقاظ للمانا.”
كان سيد العائلة يبدو جديرًا بالشفقة، إلى درجة أنه لم يستطع النظر إليه مباشرة.
“هكذا إذن…”
ربما لهذا السبب، بدت نبرة صوت سيد العائلة مختلفة عن المعتاد، غريبة.
* * *
في تلك اللحظة بالذات، كانت بيانكا تقاتل الجوع بينما تنتظر جيليان الذي لم يأتِ بعد.
غرررر.
“آه.”
أمسكت بيانكا ببطنها الذي يصدر صوتًا مدوّيًا.
لقد استيقظت أصلاً من جوع شديد، والإحساس الذي كان كفيلًا بإيقاظ نائم أصبح أكثر قسوة وهي مستيقظة.
تمتمت بيانكا: “سأموت جوعًا”، وهي تمرر إصبعها على صحن كوكيز الشوكولاتة الفارغ.
“هل سيضاف سببٌ آخر للموت؟”
الموت جوعًا.
“هااا…”
عندما صدر صوت غررررر مرة أخرى، شعرت بيانكا بأن قوتها تنفد دون سبب.
في النهاية، استلقت على الأريكة كما هي.
نفسيًا، تشعر وكأنها محاصرة منذ أربعة أيام، لكنها لا تصدق أن أربعين دقيقة فقط مرت منذ استيقاظها.
دلكت بيانكا معدتها الصاخبة.
“اهدئي قليلاً.”
إذا استمر الأمر هكذا، فقد لا أموت جوعًا، بل موتًا من الخجل.
لأن هذه هي اللحظة التي يُكتشف فيها الأمر دائمًا، كما في الكليشيهات.
“صوتٌ مذهل.”
ألم أقل لكِ؟!
“أ، أأتيت؟”
عندما واجهت أسوأ لحظة توقعتها تمامًا، احمرت وجنتا بيانكا وهي تنهض من مكانها.
“ركضتُ خوفًا من أن تكوني باكية، لكن شيئًا آخر هو الذي يبكي.”
أشار جيليان بذقنه نحو بطنها، لكن بيانكا تجاهلت ذلك وغيّرت الموضوع.
“هل انتهى كل شيء؟”
“ألستِ مندهشة؟ أنا نفسي كنت مندهشًا جدًا.”
غررررر.
‘انظري، إنه حقًا مذهل.’
ليس مرة واحدة فقط!
كانت بيانكا على وشك فتح فمها بتعبير غاضب لنبرة الصوت المرحة، لكنها فجأة استدارت بوجه منتفخ.
ليس خوفًا من جيليان.
بل لأنها رأت أطراف أصابعه الرفيعة ترتجف بخفة.
مهما كان الأمر، فإن الحريق خارج الباب كان عبئًا ثقيلًا حتى على جيليان، ذلك واضح.
أن يرغب في التغطية عليه بهذه الطريقة، فلا بد من الاستجابة له.
وعلاوة على ذلك، إذا خرجت هكذا، فسيجوع هذا الجسد.
لذا…
تمتمت بيانكا بوجه أحمر:
“أنا جائعة.”
“لقد انتهى التنظيف، لذا يمكننا الخروج الآن.”
“ل، لكن الوقت…”
“الوقت؟”
“لا يوجد مكان مفتوح، فأين سنذهب…”
لم يكن جيليان يعرف ما في قلب بيانكا، فبدت عليه تعبيرٌ مندهش، كمن يسأل ماذا سيفعل بطعامه هو نفسه.
لم تكن تستهدف عشاءه أبدًا، لكنها شعرت بأنها تلقت بركة لأنها فعلت شيئًا طيبًا؛ الطعام كان رائعًا إلى هذا الحد.
حتى هي، التي لا تعرف شيئًا عن الطبخ، شعرت بأنه ليس طبقًا عاديًا، بل مجهودًا استثنائيًا.
يمكنها أن تقسم بأن هذا ألذ طعام تذوقته في حياتها.
تساءلت لماذا تغمض عينيها أثناء الأكل، ثم أدركت أنها تغمضان تلقائيًا.
بينما تمضغ، سمعت صوت سخرية.
“ستبكين الآن.”
شعرت بيانكا بالحرج لأنها بالغت في التعجب، فعرضت عليه الطعام بابتسامة محرجة.
“كُل أنت أيضًا، سيد جيليان.”
“نعم.”
لكنه، على عكس إجابته، لم يبدُ أي نية للمس الطعام.
من خلال جلسته المتراخية على الأريكة، وذراعيه المطويتان بخفة، كان واضحًا.
بل إن نظرته المنخفضة لم تكن مثبتة على الطعام، بل على بيانكا نفسها.
حاولت الأكل بهدوء خوفًا من أن تكون أكلت بشراهة، لكن نظرته لم تتغير.
مهما أمسكت، ومهما مضغت.
“سيد جيليان؟”
“لا تهتمي بي، كلي، كلي.”
كان صوت جيليان الذي يحثها على الأكل عاديًا، لكن نظرته لم تكن كذلك.
كانت لزجة كأنها توبيخ…
“…!”
فجأة، اتسعت عينا بيانكا عند فكرة خطرت لها.
إذا كانت يده ترتجف حتى وهي ساكنة، فكيف يمكنها أن تمسك شيئًا أو تقطعه؟!
ارتبكت بيانكا، فقطعت الستيك أمامها إلى قطع صغيرة سهلة الأكل، ومدتها نحو جيليان.
“تفضل.”
*استحيت بدالها 😭😭😭*
“…”
بدلاً من فتح فمه، رفع جيليان حاجبًا واحدًا.
كان يسأل بوضوح: “ما هذا؟”
حاولت بيانكا رسم ابتسامة لطيفة، وشدت عضلات وجهها بقوة.
“لقد اهتممتُ بفمي فقط، أليس كذلك؟ لقد تعاملتَ مع الوضع، وأعددتَ الطعام رغم إرهاقك، فكُل لقمة. إنه لذيذ حقًا.”
*بعيدا عن احراج الوضع، يعني اللي قدر يجهز مائدة مثل هذي، يعجز ياكل بايده؟ حتى لو ما يقدر يمسك الشوكة بايده، يقدر يسوي نقل آني للطعام و ياكله 😭😭*
أثناء حديثها، أدركت لماذا ينظر إليها جيليان كأنها خنزيرة جاحدة.
لقد عاد من تنظيم فوضى تحولت إلى بحر من النيران، وهي –مساعدته الإدارية– كانت نائمة طوال الوقت في الملاذ الآمن الذي أعدّه لها، ثم تستيقظ وتقول أنها جائعة.
كان من الطبيعي أن تبدأ بإطعامه شيئًا، لكنه لم يقل ذلك، فكيف تعرف؟
إذا استمر الأمر هكذا، فستصبح خنزيرة جاحدة بالتأكيد.
التعليقات لهذا الفصل " 27"