25.
بدلاً من التعبير عن شكوكه، أجاب إينيكيل قائلاً إنه سينظر في الأمر.
“سواءً كان طلبًا أو تجربة تتطلب الكثير من الكواشف، فليست هناك معلوماتٌ كافيةٌ للاعتماد عليها.”
“حسنًا، إذا كان الأمر كذلك… ماذا عن هذا إذًا؟ ربما لا تعرف، لكن السحرة يفترضون دائمًا أنني موجودةٌ فقط لأداء مهامهم.”
إنهم أشخاصٌ من الصعب إرضائهم حقّا.
“سأعرف بحلول ظهر اليوم. بالمناسبة، هل اللورد جيليان موجود؟”
“نعم، إنه يتحدّث مع اللورد ريتشارد الآن…”
“ممتاز. كنتُ بحاجةٍ إليهما لمراجعة شيءٍ ما. أراكِ لاحقًا إذًا.”
أومأ إينيكيل برأسه، واختفى فجأة.
“….”
أطلقت بيانكا تنهيدةً طويلةً وهي تحدًق في المكتب الذي أصبح فارغًا فجأة.
كان لدى السحرة بالفعل هوسٌ غريبٌ بالانتقال الآني.
ألم يُفكّر أحدٌ منهم في مدى الإحراج الذي قد يشعروا به الأشخاص العاديين الذين تركوهم وراءهم هكذا ؟
تذمّرت بيانكا، ثم غادرت المكتب ببطء، ولكن ليس إلى مكتب جيليان.
لم تكن تعرف كيف تسير المحادثة مع ريتشارد، وبالتأكيد لم تُرِد أن تدخل ويتم استفزازها مجددًا كما حدث سابقًا.
والآن مع انضمام إينيكيل إليهم أيضًا…
“ربما سأطلب بعض الشاي.”
خطّطت لتمضية بعض الوقت قبل العودة.
فأخذتها قدماها إلى قسم المالية، حيث كانت الخائنة جين.
***
حتى أنها خطّطت لشراء بعض الكعك أثناء وجودها هناك.
“يا له من حظٍّ سيء.”
اختفت بيانكا عن الأنظار قبل أن تصل إلى لافتة قسم المالية مباشرة.
خلال العام الماضي، أصبحت بيانكا بارعةً في إخفاء وجودها.
تسبّبت بيانكا الأصلية في سلسلةٍ من الحوادث المتنوّعة لدرجة أنها لم تستطع حتى إظهار وجهها بشكلٍ صحيح.
من الصعب كسب الاستياء من كلّ حدبٍ وصوب، لكن بيانكا الأصلية نجحت في ذلك، وبمهارة.
لذا ربما كان من حسن حظها أنها استطاعت الآن تجنّب شخص كهذا.
“أليس هذا إيليو سوليك؟ ما الذي أتى بكَ إلى قسم المالية؟”
“مررتُ للتوّ لأتفقّد اقتراح الميزانية الذي قدّمتُه سابقًا.”
“تفضل بالدخول.”
لم تُحرِّك بيانكا ساكنًا وهي تختبئ في زاويةٍ خافتةٍ من الردهة، تنتظر رحيله.
حتى أنها قلّدت نبرته المزعجة في نفسها، وكأنها لا تستطيع تمالك نفسها.
“مَن يظن نفسه، رئيس القسم؟ ما الذي ‘يتحقّق منه’؟”
“أعلم، صحيح.”
“آه!”
كان سماع ردٍّ على ما ظنته همسًا خاصًا أمرًا مُفاجئًا بما فيه الكفاية،
“يا إلهي، هل أخفتُكِ؟”
لكن الأكثر إثارةً للرعب هو أن بيانكا لم تلاحظ وجود أيّ شخصٍ قريبٍ حتى تحدّث.
ارتجفت وحاولت التراجع، لكن الرجل ابتسم فقط، وهو يراقبها وهي تتراجع للخلف.
“بيانكا سوليك، المساعدة الإدارية، إلى أين أنتِ ذاهبة؟”
“هاه؟”
“ألم تكوني متّجهةً للتوّ إلى وزارة المالية؟”
“لا؟ إطلاقًا. ما العمل الذي لديّ هناك حتى أذهب؟”
“حقًا؟”
هناك خطبٌ ما.
فرك الرجل ذقنه الناعم، وهو يتمتم في نفسه.
“هذا الممرّ يؤدي فقط إلى وزارة المالية. إذا لم تكوني تزورينها، فماذا تفعلين هنا؟”
“…أنتَ تدرك أنني أسمعك، أليس كذلك؟”
“قلتُ ذلك حتى تسمعيه.”
كانت نبرته مهذّبة، وصوته ناعمًا، لكن بيانكا لم تخفّف من حذرها.
لم يكن أحدٌ في روزمارك ينظر بإيجابيةٍ إلى بيانكا سوليك.
لماذا يختلف هذا الرجل عن غيره؟
إمساكه بشخصٍ مختبئٍ بوضوحٍ وإطالة الحديث، كان بحدّ ذاته تأكيدًا كافيًا.
بعد نظرت إلى إيليو وتأكدت أنه قد دخل مكتب المالية، نهضت بيانكا.
لم يبدُ هذا الرجل عاقلًا. وإذا بقيت، فقد تصطدم بإيليو.
“حسنًا إذًا، لديّ عملٌ لأقوم به، لذا-“
“آه، توقيتٌ مثالي. اللورد إيليو قادم، انتظري، ماذا تفعلين؟”
قبل أن يُنهي كلامه، غاصت بيانكا خلف ردائه.
كان الأمر سريعًا كالبرق، مبالغًا فيه قليلًا.
همس الرجل، الذي يُستخدَم الآن كغطاءٍ بشري.
“هل تُدركين أنه ما زال يستطيع أن يراكِ؟”
“شش! اصمت. إذا أُلقي القبض عليّ، أقسم أنني سأنتقم منك.”
“…يا إلهي، أنا مرعوب.”
سمعت بيانكا رده الهادئ فصرّت على أسنانها.
أصبح القبض عليها مسألة وقتٍ لا أكثر.
كان يتحدّث بصوتٍ عالٍ، كيف لن يتم القبض عليها؟
بينما بدأت بالنهوض، مستعدةً للتخلي عن هذا التصرف –
ضغط الرجل برفقٍ على كتفها.
“صباح الخير، سيد آرتي.”
“أهلًا.”
“كنتُ خارجًا للتوّ من قسم المالية. كدتُ أفقد طريقك، لكنني سعيدٌ بلقائنا.”
“حسنًا، لقد رأيتَني الآن. أتمنى لكَ يومًا سعيدًا.”
حوّلت نبرة الرجل الودودة محاولة إيليو لإجراء محادثةٍ أكثر تركيزًا.
لكن إيليو لم يكن من النوع الذي يثنيه أمرٌ تافهٌ كهذا.
“في الواقع، لديّ سؤالٌ لك، رئيس.”
“هل يريد أحدٌ من قسمٍ آخر استجوابي؟”
“آه، لا، ليس هكذا…”
“إذن، هل هو رئيس قسمك؟ هذا أيضًا غير لائق.”
بسؤالين محدّدين فقط، تم إسكات إيليو، الذي جاء ليضغط على رئيس المالية بشأن الميزانية.
سواءً كان سوليك أم لا، لم تكن له أيّ مكانةٍ هنا.
رؤساء الأقسام ليسوا أشخاصًا يمكن لساحرٍ عاديٍّ أن يتحكّم بهم.
كان فارق الرتبة أشبه بفارقٍ كبيرٍ بين رئيس عائلةٍ نبيلةٍ وعضوٍ صغيرٍ في عائلة، شاسعًا وبعيد المنال.
‘يا إلهي! حتى أنا أعرف ذلك، وأنا مجرّد شخصٍ انتقل إلى هنا. كيف لا يفهم؟’
أم أنه يعرف ولا يكترث؟
اعتقدتُ أنه يفتقر إلى الحس السليم من طريقة معاملته لي، لكن يا إلهي، هذا مستوًى آخر.
ضحكت بيانكا، متخيّلةً تعبير إيليو المضطرب.
لم يدم الصمت طويلًا.
“…معذرة.”
تراجع إيليو أخيرًا، وانتهت المواجهة.
كانت نهايةً مخيّبةً للآمال، لكن بيانكا شعرت بالارتياح لأنها لم تصادفه مباشرةً.
بمجرّد أن غادر إيليو، وأصبحا هما فقط، ابتسمت للرجل بشكر.
“شكرًا لك.”
“لماذا؟”
…هل وُلِد هذا الرجل وقحًا؟
بالكاد استطاعت بيانكا تعديل تعابير وجهها بعد هذا الرد.
وفي تلك اللحظة، كادت أن تفهم سبب استمرار جين في محاولة الهرب.
لو اضطرّت للعمل تحت قيادةٍ كهذه، لرغبت في الهرب أيضًا.
وكما أصبحت بارعةً في الاختباء، ربما أصبحت جين بارعًا في الهرب.
مع هذه الفكرة، استدارت بيانكا لتغادر.
أو حاولت ذلك.
“إلى أين أنتِ ذاهب ؟”
“إلى المكتب.”
“ألم تأتِ إلى قسم المالية؟”
“أخبرتُكَ أنني لم آتِ.”
“لكنك أتيتِ.”
هذا الأحمق!
رأت بيانكا رئيس قسم المالية يتجادل بوجهٍ جامد، فشدّت قبضتها غريزيًا.
ما الخلل في شخصية هذا الرجل؟
“قلتُ إنني لم أفعل!”
لم تستطع كبح جماح نفسها، وصرخت أخيرًا.
“كفى تجوالًا.”
جذبها صوتٌ خافتٌ وهادئ، بينما شُدّ جسدها فجأةً إلى الخلف.
عندما رفعت رأسها، بعد أن ارتطم كعبها بشيء، رأت جيليان هناك يبتسم لها.
“ما الذي يحدث؟”
“لم تكوني في الأنحاء، لذا أتيتُ لأبحث عنكِ. ظننتُ أنكِ ربما تتجوّلين.”
ضحك رئيس قسم المالية ضحكةً خفيفةً على ذلك.
“إذن، لم تكوني كذلك حقًا؟”
نظر إلى بيانكا بنظرات فضول، ثم التفت إلى جيليان وانحنى له بأدب.
“لا بد أنكَ لا تشعر بالملل.”
“هل تعتقد ذلك؟”
“نعم.”
“إذن، هل سمعتَ الشائعات أيضًا؟”
“الأخبار تنتشر بسرعةٍ هنا، أليس كذلك؟”
تبادلا كلماتٍ قصيرةٍ لم تفهمها بيانكا، وسرعان ما أومأ رئيس قسم المالية لجيليان إيماءةً خفيفةً واختفى.
في هذه الأثناء، كانت بيانكا معتادةً على اختفاء الناس في الهواء.
شعرت بخيبة أملٍ طفيفةٍ لأنها لم تحظَ بفرصة شرب الشاي.
“ما الأمر؟”
بما أن جيليان لم يكن ليبحث عنها دون سبب، سألته ببساطة ما الأمر.
لكن إجابته تركتها مذهولة.
“أخبرتُكِ، جئتُ لأخذكِ.”
“لماذا؟”
“لماذا؟ أنتِ مساعدتي. بالطبع، من واجبي الاعتناء بكِ.”
لم تكن هناك كلمةٌ واحظةٌ صعبة الفهم في جملة جيليان.
لكن الغريب أن بيانكا لم تستطع فهم كلمةٍ واحدةٍ كما قاله إطلاقاً.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 25"