17.

[الآلية الأساسية للتراكم المكاني هي كما يلي.]

كانت جملةً قصيرة.

لكن الكتابة السحرية كانت مختلفةً تمامًا عن الكتابة العادية، وكانت مساعدة جيليان الإدارية تُكافح حاليًا لفك شيفرة ذلك السطر القصير.

كان يراقبها وهي تُحاول جاهدةً فهمه لأكثر من عشر دقائق.

كان يتساءل لماذا تبدو دائمًا شبه ميتة كل يوم بينما لا يبدو أنها تعمل كثيرًا، والآن فهم.

ارتسم على وجه جيليان تعبيرٌ غريب.

هل يجد هذا لطيفًا… أم مجرد حزن؟

السحر فنٌّ قائم على التركيبات والترتيبات.

كانت النتائج تتغيّر تبعًا لكيفية تفكيك الصيغ الموجودة وإعادة تركيبها.

لهذا السبب كتب السحرة صيغهم بأنماطٍ مُصمَّمةٍ خصيصًا يصعب على الغرباء قراءتها. مع مرور الوقت، أصبحت هذه عادة، وتحوّلت كتاباتهم إلى ما يبدو الآن مجرد هراء.

بالطبع، لم يجد السحرة المُلِمّون بهذه الأنماط صعوبةً في قراءتها.  لكن، هل يحاول شخصٌ عاديٌّ فهم الأمر؟ من الواضح أنها كانت تعاني.

لكن ما حيّره هو أن بيانكا، المولودة من عائلة سوليك، لا تستطيع قراءة الأنماط إطلاقًا.

أحقًا لم تتعلّم أيّ شيءٍ سحري؟

لماذا تصل عائلة سوليك إلى هذا الحد؟

شعر بالفضول، لكن لم تطل أسئلته كثيرًا.

“هل يمكنني أن أقول رسميًا إننا نرفض أيّ شيءٍ لا يستخدم الصيغة القياسية؟”

لمعت عينا بيانكا وهي تسأل، واضطر جيليان للاعتراف، كانت لطيفةً بعض الشيء، لا، كانت لطيفةً جدًا هكذا.

أشرقت عيناها كأحجارٍ كريمة، تتوهجان فرحًا.

لكن… أيّ نوعٍ من الفرح هذا تحديدًا؟

“…بالتأكيد.”

جيليان، الذي تحمّل سنواتٍ من المغازلات الخفية (وغير الخفية)، لم يرَ هذا التعبير تحديدًا من قبل. كان فضوليًا.

“هل أعجبكِ حقًا؟”

“بالتأكيد.”

أومأت بيانكا بحماسٍ وهي تدفع كومة الوثائق المرفوضة من مكتبها إلى عربة.

“حتى العثور على واحةٍ في قلب الصحراء لن يكون مُنعشًا لهذه الدرجة.”

ما هذه الحالة النفسية؟

ابتلع جيليان السؤال الذي كان على وشك الظهور.

كان يُدرك تمامًا افتقاره للحس العاطفي.

مثل لماذا غروب الشمس أحمر؟ لماذا يظهر قوس قزحٍ غالبًا قرب شلال؟

حيث يرى الآخرون الجمال، كان جيليان يرى الآليات والسببية. بالنسبة له، كان العالم سلسلةً من النتائج، متوقعةٌ ومدروسة.

لكن بيانكا سوليك لم تكن كذلك.

كان الأمر مجرّد رفض الوثائق.

ومع ذلك، كانت تتحدث عن الصحاري والواحات.

بالتأكيد، شرب الماء وأنتَ على وشك الموت عطشًا أمر مُرضٍ، لكن جيليان لم يختبر اليأس قط.  لذا لم يكن لديه مرجعٌ يُتعاطَف معه.

وهذه كانت المشكلة.

فهم أنها سعيدة، لكنه لم يستطع استيعاب عمق سعادتها.

فراقبها بعناية، وجنتَيها المُحمرّتين، واتساع حدقتي عينيها، ونبرة صوتها، وإيقاع دقات قلبها.

وهذه العلامات…

“أجل. لا بدّ أنكِ سعيدةٌ جدًا.”

…لم يكن ردّ فعلها يطابق أيّ شيءٍ سبق أن عرفه.

حتى عندما كانت تدّعي حبّها له، حتى عندما حاولت خلسةً الإمساك بيده، لم تُبدِ هذه الاستجابة الشديدة قط.

ولكن لسببٍ ما، رؤية هذا الآن جعلت مزاجه يتدهور.

“….”

مرّةً أخرى.

وخزةٌ عميقةٌ تحت ضلوعه. حول ضفيرته الشمسية.

ها هو ذا مرّةً أخرى.

على حدّ علمه، لا ينبغي لجسمٍ بشريّ سليمٍ أن يشعر بأيّ شيءٍ هناك.

إذن ما هذا؟ 

بينما كان جيليان يمرّر يده ببطءٍ على بطنه العلوي، دخلت بيانكا، التي كانت قد وضعت أوراقها بسرعة، إلى الغرفة. عندما رأته، اقتربت من جيليان وتوقّفت أمامه.

“هل تشعر بتوعك؟”

“…همم. ليس تمامًا.”

“هل تشعر بالاختناق؟”

شعر بشدٍّ في جذعه، لكن ذلك لم يكن كافياً لوصفه بالاختناق.

“لا أعرف.”

اتسعت عينا بيانكا لإجابة جيليان الغامضة، الذي لطالما كان يتحدث بعباراتٍ دقيقة.

“ربما …”

ثم انفجرت بيانكا فجأة.

أين تشعر بالضيق تحديدًا؟

هل تشعر أحيانًا بخفقان قلبك؟

في الظروف العادية، ما كان جيليان ليجيب على مثل هذه الأسئلة أبدًا. فالاعتراف بالضعف الجسدي يُعدّ نقطة ضعف.

لكن الآن؟

كانت تخميناتها دقيقةً بشكلٍ مُريبٍ لدرجة أنه أومأ برأسه قبل أن يُدرك ذلك.

“أجل.”

عندها، صفقت بيانكا بكفّها بقبضتها مُعلنةً أنها تعرف ما هو.

“أعرف هذا المرض أيضًا. لأنني أتعايش معه.”

“مرض؟”

أومأت برأسها بجدية.

***

مرض؟

“….”

هل هي مجنونة؟

إينيكيل، الذي جاء مُسرعًا للاحتجاج على الرفض الشامل للوثيقة، انتهى به الأمر بالتنصّت على المحادثة دون قصد، ووقف جامدًا كالتمثال.

لم يكن متأكدًا تمامًا من أنه سمع بشكلٍ صحيح.

كان المتحدثان هما بيانكا سوليك وجيليان سيتون.

أول سببٍ لشكّه في سمعه هو استحالة أن يكونا يخوضان محادثةً طفوليةً كهذه. السبب الثاني كان ثقته بذكاء جيليان.

كيف لجيليان سيتون، المشهور عالميًا، أن يتأثّر بمثل هذا الكلام السخيف؟

للحظة، تساءل إينيكيل إن كان جيليان يماطل فحسب. لكن كلما استمع أكثر، اتضح جليًا أنه خُدع.

“لم أسمع من قبل بهوا بيونغ. هل هو مرضٌ حقيقي؟”

(مرض نفسي جسدي يُعرف في الطب النفسي الكوري التقليدي، وغالبًا ما يعني “اضطراب الغضب المكبوت” أو “متلازمة الغضب”.)

بالتأكيد لا! ماذا تقصد، هل هو حقيقي؟!

خارج الباب، كان إينيكيل يفقد عقله في صمت.

كان كبده صغيرًا جدًا لينفجر ويصرخ بأن بيانكا سولايك تكذب…
(أي أنه لا يملك الشجاعة)

صرخت غرائزه للبقاء ألّا يتورط مع أيٍّ منهما.

لم يكن البرج سينهار بسبب هذا.

ماذا لو خدعت بيانكا سوليك جيليان سيتون قليلًا؟

“هل تعاني من هذه الحالة بنفسك، وما زلتَ تشكّ في ذلك؟ استدعي الطبيب. انظر ماذا سيقول لك. أضمن لكَ أنه سيصف لكَ أدويةً تساعد على الهضم، وسينصحكَ أيضًا بالمشي. السبب هو سوء الهضم الناتج عن الجلوس طوال اليوم في العمل. سيصف لكَ شيئًا يُساعد معدتكَ وأمعائكَ على الحركة. لذا تحرّك قليلاً. المشي سيساعدكَ كثيرًا. هذا بالضبط ما سيقوله إذا استدعيتَه.”

بيانكا، لديكِ سعة رئةٍ ممتازة.

هزّ إينيكيل رأسه وهي تُلقِي خطابًا كاملاً دون توقّفٍ لالتقاط أنفاسها.

ظنّ أنها تثرثر عن شيءٍ لم تفهمه، لكن بينما كان يستمع، أصبح صوتها مألوفًا نوعًا ما.

لم يكن هناك مفر، فهذه هي الطريقة الفريدة التي يتحدّث بها الدكتور بنيامين.

بالتفكير في الأمر…

بحث إينيكيل في ذاكرته.

“لقد سمعتُ هذه الوصفة ثماني مرات.”

على مدار العام الماضي، كانت بيانكا تزور الطبيب باستمرارٍ تشكو من اضطرابٍ في المعدة.

أحيانًا كان صدرها يخفق بشدّةٍ أثناء عملها.

كانت تمسك صدرها وتتنهّد تنهيدةً طويلة.

في بعض الأيام، كانت تشرب الماء البارد فقط وتتجنّب تناول الوجبات تمامًا.

“وهل تعلم ماذا يحدث عندما أتناول الأدوية؟”

كانت الآثار مؤقتة.

بدا أنها شعرت بتحسّنٍ لبضع ساعات، ولكن عندما استأنفت عملها، تنهّدت بيانكا وتأوّهت من الألم.

لم يُجدِ المشي أو شرب الماء نفعًا بعد ذلك.

“إنها لا تُجدي نفعًا. لأنه مرضٌ نفسي.”

“لم أسمع به من قبل.”

“بالطبع لم تسمع به. إنه مصطلحٌ من القارة الشرقية. إنه اضطرابٌ عاطفي. ينتج عن غضبٍ مكبوت. أنا مجرّد مساعدةٍ إدارية، كنني أنزعج من الأمر بشدّة. فكيف بكَ أنت، يا لورد جيليان، مَن يُشرف على البرج بأكمله؟”

لو كنتُ مكانكِ، لانفجرتُ منذ زمن.

إينيكيل، الذي سخر منها للتوّ لاختلاقها قصصًا عشوائية، كان يومئ برأسه الآن موافقًا على كلام بيانكا.

هوا بيونغ، أليس كذلك؟

لقد جاء فقط ليتوسّل ألّا تُرفَض بعض الوثائق العاجلة… لكنه وجد نفسه بطريقةٍ ما منغمسًا تمامًا في قصة بيانكا، التي وصفها بأنها ‘كلامٌ سخيف’.

في اللحظة التي تحوّل فيها الحديث إلى كيفية تعامل بيانكا مع غضبها، حبس أنفاسه، منصتًا باهتمام.

وفقًا لها، بدا أنه هو أيضًا يعاني من حالة غضبٍ شديدة.

‘أولئك الشيوخ الأوغاد.’

صرّ إينيكيل على أسنانه، ولعن في صمتٍ سبب غضبه.

⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1