1
“ما هذا الذي يحدث؟”
صوتٌ هادئٌ يكفي لجعل بتلات الزهور المتساقطة تتوقف عن الحركة.
بذلك الجمال الساحق والصوت الآسر، كانت بيانكا تُحدّق به من الأسفل.
بذراعين مثبّتتين على مسندي الأريكة، كان جيليان يحاصرها وكأنه يحاول احتضانها في حضنه.
“…ماذا؟”
أهذا حلم؟
بدون أيّ مقدّمات، وجدت بيانكا نفسها تحدّق في المشهد الغريب بذهول.
شعر جيليان الأبيض الذي يتلألأ تحت أشعة الشمس الخافتة، وعيناه الزرقاوان اللتان تشبهان المحيط، بدتا لها اليوم أكثر سحرًا من أيّ وقتٍ مضى.
وشش!
مع كلّ نَفَسٍ يخرج من فمه، تموّجت خصلات شعره الأبيض الطويل كالستار، لامست خدّها برقّة.
كان الإحساس بوخز تلك الخصلات على خدّها غريبًا وحقيقيًا لدرجةٍ جعلتها تتساءل.
“بيانكا سوليك، مساعدتي الإدارية العزيزة، لماذا أُغمي عليكِ فجأةً أثناء تقديم تقرير ميزانية مجلس الشيوخ؟”
“أنا؟”
لم تفهم بيانكا سبب تصرف جيليان بهذا الشكل. كانت تفحص الأوراق بشكلٍ طبيعيٍّ للتوّ، فما الذي حدث؟
بينما كانت ترمش بذهول، سمعت صوت ‘تسك’ خفيفًا، ثم شعرت بإصبعه يلمس خدها بنقراتٍ خفيفة.
“بيانكا سوليك، افيقي.”
مع كلّ نقرة، تسلّلت دفقةٌ من الطاقة السحرية الباردة من أصابعه إلى رأسها.
كانت صدمةً سحرية.
تلك الدفقة المنعشة والباردو كالماء الذي انسكب على رأسها جعلتها تستفيق فجأةً من ذهولها.
“آه؟”
أخيرًا أدركت بيانكا أنها كانت مستلقيةً على الأريكة، فحاولت أن تفهم ما يحدث.
“لماذا…؟”
“صحيح. لماذا أغمي عليكِ؟”
عند سؤال جيليان، رمشت بيانكا بعينيها.
أُغمِي عليّ؟ لماذا؟
ثم تذكّرت.
كانت تنظر إلى المبلغ الفلكي الذي طلبه مجلس الشيوخ …
“لابد أن المبلغ الذي طلبه مجلس الشيوخ كان كبيرًا جدًا، ففقدتُ وعيي للحظة.”
بالطبع ليس هذا السبب الحقيقي.
الحقيقة أنها كانت منهكةً من العمل الشاق لدرجة أنها لم تستطع حتى تحمّل صدمةٍ بسيطةٍ مثل تلك.
لكنها لا تستطيع أن تعترف بتعبها أمام رئيسها.
فغطّت الحقيقة بابتسامةٍ خجولة.
“حسنًا، سأذهب الآن.”
عندما حاولت النهوض للهروب، صُدٌمت لأن جيليان لم يتحرّك من مكانه.
“آه!”
هل كاد أنفه يلامس أنفها؟
شعرت بقلبها يخفق بقوّة.
“ما زال لونكِ شاحبًا. استريحي قليلًا.”
عندما مدّ يده، تذكّرت بيانكا صدمة الطاقة السحرية من قبل، فانسحبت بخوف.
لكن جيليان أمسك بها بسهولة.
بيده الكبيرة، أمسك خدّها بلطف، ثم وضع إصبعيه على رقبتها حيث النبض.
“…لماذا نبضكِ سريعٌ هكذا؟”
عندما تساءل جيليان بدهشة، بذلت بيانكا جهدًا كبيرًا لكي لا تتوتر.
يا إلهي!
ماذا يقول هذا الوسيم؟
مجرّد النظر إلى عينيه يجعل قلبها يرتجف!
لكن جيليان سيتون، أجمل شخصيةٍ في هذا العالم، لن يفهم أبدًا شعور أن يكون مسحورًا بشخص.
لذا، لا بد أن تبتعد عنه بنفسها.
“أنا … بخيرٍ حقًا.”
بتجنّبٍ ذكيٍّ للنظر، حاولت الابتعاد.
لكنها تحرّكت أكثر من اللازم، ففقدت توازنها وسقطت للخلف.
أهذا سلوكٌ مقبولٌ أمام رئيسي؟ بل في مكان العمل أساسًا؟
‘اللعنة.’
شعرت بالإحراج وهي مستلقيةٌ على الأريكة، لكن جيليان لم يتراجع أبدًا.
لا يوجد مفر.
طالما أن جيليان لا يتركها، فلا توجد طريقةٌ للهروب من تحته.
جيليان سيتون.
ملك جميع السحرة، وأعظم ساحرٍ في التاريخ.
رجلٌ بجمال إله حرب، يحطّم كلّ الصور النمطية عن السحرة.
أطرافه الطويلة مغطاةٌ بعضلاتٍ متناسقة، وهيكله العظمي الكبير لم يجعله يبدو ثقيلًا أبدًا.
أما أنا، بيانكا سوليك، الوحيدة في روزماركيت، المعروفة بأرض السحرة التي لا تستطيع استخدام السحر، مجرّد موظفةٍ إدارية.
وقبل عام، كنتُ موظفةً عاديةً في شركةٍ كبيرة.
بل أكثر من ذلك، كنتُ موظفةً ماتت من الإرهاق في العالم السابق، ثم انتقلتُ إلى عالم رواية <ملكة الطاغية>.
“….”
عندما تذكّرت وضعها، شعرت بيانكا بالندم.
لو كنتُ أعلم أن هناك حياةٌ أخرى، لكنتُ عشتُ بشكلٍ أفضل.
ربما ما كنتُ قد دُمِّرتُ في هذه الحياة أيضًا.
أن أكون مساعدةً للطاغية جيليان …
“هل أتخلّص منهم؟”
الآخرون يستيقظون في غرفة النوم، أو يبدأون كأطفال.
أما أنا، فاكتشفتُ أنني انتقلتُ إلى هذا العالم وأنا أقدّم تقريرًا للبطل الرئيسي.
آه، حقًا. مجرّد تذكّر ذلك اليوم يجعل عَرَقي باردًا.
لم يكن لديّ وقتٌ لأفكّر ‘أين أنا؟ مَن أنا؟’
كان لديّ شعورٌ يائسٌ واحدٌ فقط ‘يجب أن أنجو بأيّ ثمن’.
“بيانكا.”
لأن البطل الرئيسي، بعد أن استلم التقرير، كان يشعّ منه قتلًا يكاد يحرق الجلد—
“هل أتخلّص من قسم دعم مجلس الشيوخ؟”
يتخلّص منهم؟
فتحت بيانكا عينيها على اتساعهما.
ذلك الإحساس اللاذع على جلدها جعل كلّ الأفكار العشوائية في رأسها تختفي.
أو ربما لم يكن ما تبخّر هو الأفكار، بل روحها.
شعرت وكأن اللون يُسحَب من وجهها.
“ماذا… قلتَ للتوّ؟”
“هل أتخلّص من قسم دعم مجلس الشيوخ؟”
في أيّ شركةٍ عادية، كان العمّال ليثوروا لو سمعوا مثل هذا الكلام.
لكن جيليان قالها بلا تردّد.
كلّما رأته يتحدّث بهذه الطريقة، تذكّرت أن هذا عالم <ملكة الطاغية>.
كانت <ملكة الطاغية> رواية كورية.
تحكي قصة ساحرٍ متهوّرٍ بقوّةٍ تُنافِس التنانين، يشعر بالملل والوحدة لدرجة الجنون، فيتحوّل إلى طاغية.
ثم يلتقي ببطلةٍ طيبةٍ وحسّاسة، فيتغيّر بفضلها.
“تتخلّص… منهم؟”
بالمناسبة، الآن هو قبل عامٍ من لقاء البطل بالبطلة.
وفقًا للأحداث الأصلية، هذه هي الفترة التي يبدأ فيها ‘الطاغية’ داخل جيليان بالظهور.
أطلقت بيانكا تنهّدًا خفيفًا وهزّت رأسها.
“لا تقل ذلك. قد يُساء فهمك.”
“أيّ سوء فهم؟”
“إلغاء قسم دعم مجلس الشيوخ كان جزءًا من خطتكَ منذ وقتٍ طويل. لكن إذا قلتَ ذلك الآن، سيبدو كأنكَ تتخذ القرار بدافع التهوّر.”
“لا أبدو متهوّرًا… أيّ أنكِ تهتمّين بسمعتي؟”
كان جيليان يتمتم بهدوءٍ مخيفٍ حقًا.
“أقصد أن الوقت غير مناسبٍ لمثل هذه التصريحات.”
أثناء حديثها، نسيت مَن أمامها.
نظرت إلى جيليان بعينين باردة، وضمّت يديها في حركةٍ مؤدبة.
“عـ على أيّ حال، ما أعنيه هو… سأبذل جهدًا أكبر حتى لا تضطرّ للاهتمام بهذه الأمور مرّةً أخرى.”
“لا داعي لإرهاق نفسكِ، يمكننا تقديم الخطط قليلًا.”
لهجة كلماته كانت حنونةً تقريبًا.
ارتجف قلبها بلا توقف. هذا غير عادل! كيف يتكلّم بهذه اللهجة بوجهه هذا؟
أغمضت بيانكا عينيها بقوّةٍ وصاحت.
“لا يجب أن تقول ذلك!”
“لماذا؟”
لماذا؟
لأنكَ تجعلني أسيء الفهم!
الشخصية التي أعيش بداخلها، بيانكا سوليك، هي شخصية مثيرة للاشمئزاز في القصة الأصلية.
لا ينبغي إعطاء فرصةٍ لشخصيةٍ كهذه!
تعرف بيانكا مَن تكون.
فتاةٌ وُلِدت في عائلةٍ سحريةٍ مرموقة، لكنها شخصٌ عادي.
لطخة عائلة سوليك.
ومن منطلق احترامه لسمعة العائلة، منحها جيليان منصب مساعدةٍ إدارية.
كان اهتمامه بها نابعًا من الإنسانية، لأنها لم تتأقلم جيدًا مع العمل.
ليس لأنه يحبّها.
لكنها أساءت فهم هذا الاهتمام، وبدأت تتصرّف بطرقٍ مثيرةٍ للاشمئزاز.
هل هذا يعني أن بيانكا سوليك شخصيةٌ سيئة؟
لا.
هي فقط نشأت في عزلة، ولم تتعلّم سوى الأرقام.
لم تتعرّف على العالم الخارجي، وكان أوّل رجلٍ تقابله في حياتها هو جيليان.
أجمل رجلٍ في العالم، وأقواه.
أيّ فتاةٍ في سنّها ستقع في حبّه بمجرّد النظر إليه.
فكيف بها إذا اهتمّ بها بشكلٍ خاص؟
لا تلوم بيانكا الحالية الشخصية الأصلية.
فتاةٌ ساذجةٌ مثلها قد تخطئ.
لكنها ليست كذلك.
عاشت حتى السابعة والعشرين.
لم تعد صغيرة فقط، بل قد عانت في الحياة حتى كادت تموت من الإرهاق، لذا تستطيع أن تتباهى بأنها ذاقت مرارةَ الحياة وملحها
أستطيع فهم المواقف جيدًا، والأهم من ذلك، أنني أعرف محتوى ‘القصة الأصلية’ بوضوح.
جيليان لا يهتم ببيانكا إطلاقًا. علاوةً على ذلك، إن التورّط معه يعني الموت المحتوم.
لذا، لا أحلام ولا خفقان!
“لا أستطيع أن أفهم لماذا لا يمكنني حتى الاعتناء بمساعدتي بشكلٍ صحيح …”
“لقد اعتنيتَ بي أكثر من اللازم. هذا أكثر من كافي.”
حافظت بيانكا على تعبيرٍ مهذّبٍ وخفضت عينيها خوفًا من إغضاب رئيسها.
“سأصبح مساعدةً كفؤةً دون شك. لذا…”
“لذا من فضلكَ اعتني بي؟”
أهكذا هو الأمر؟
صوته الهادئ المليء بالضحك كان كالندى الذي يبلّل طبلة الأذن برقّة.
اللعنة!
بينما كانت تغلي من الداخل بسبب صوته الذي يُذيب القلب، أطبقت جفنيها بشدّةٍ حتى لا ترى.
تلك النظرة التي كان يرمقها بها من مسافةٍ تُقاس بالسنتيمترات.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"