الفصل 005:
نظر ثيون إليّ بدهشة وهو يتأمل في عينيّ.
“ربما… أعتقد ذلك،” أجاب بحيرة.
“أنت طفل سيء! كنت أظن أننا سنكون أصدقاء جيدين.”
غضب راي وأخذ ثيون بعيدًا عني.
كان يبدو غاضبًا جدًا، حتى أنه أظهر عدائية واضحة بنظراته لثيون.
“دوروثيا لم تبكِ هكذا من قبل، حتى عندما كانت طفلة!”
راي، الذي تمسك بي منذ أن كنتُ رضيعة، كان يعلم أنني لا أبكي كثيرًا.
وبالطبع، فهذا طبيعي، كوني شخصًا بالغًا عاد بالزمن إلى الوراء إلى جسد طفل، لكن بذكريات البالغ.
الرضع العاديون فقط، أولئك الذين لم تتطور أجسادهم بعد بما فيه الكفاية لاستخدام اللغة، هم من يبكون للتعبير عن مشاعرهم.
حتى لو وقعت وأنا أجري، أو حتى إن تركتني المربية وحدي لبعض الوقت، لم أذرف دمعة واحدة. لقد كانت المربية قلقة جدًا من كوني لا أبكي كما يفترض، لدرجة أنها استشارت طبيبًا.
“ماذا فعلت بدوروثيا؟”
“صاحب السمو رايموند، إن الأمر…”
“لم أبكِ بسبب ثيون!” صرخت في وجه راي، الذي كان غاضبًا من ثيون دون أن يعرف الحقيقة.
“أليس الأمر بسبب ثيون؟”
“لأن الغبار دخل عيني.”
أمال راي رأسه باستغراب من عذري الضعيف، وشعرت أنني سأموت من الإحراج لأنني ضُبطت وأنا أبكي.
“حقًا. شيء ما دخل فعلاً وكان يؤلم بشدة…” أضفت.
“هل أنت بخير الآن؟” سألني أخي بقلق.
ذلك الأحمق نظر في عينيّ ليتأكد ما إذا كان هناك شيء خاطئ فعلًا.
عينيه الزرقاوين، النقيّتين، جعلتني أشعر بالاشمئزاز.
“لقد بكيت وسقطت وحدي. أنا بخير.”
“هذا مطمئن.” قال راي، وهو يبتسم مرتاحًا.
ثم وصلت المربية، التي كانت قد لحقت براي، وبدت مذهولة عندما رأت حالتي، فركضت نحوي بسرعة لتجفف وجهي الذي تلطخ بالدموع.
“يا إلهي، أميرتنا! لقد كنتِ في الحديقة منذ ثوانٍ فقط، كيف وصلتِ إلى هنا!” صاحت بدهشة.
بشكل مدهش، وجود المربية وراي بدأ يهدئ قلبي المتسارع.
“دوروثيا، أريد أن أقدّم لكِ صديقي الجديد،” قال راي، محاولًا تغيير الأجواء، وهو يدفع بثيون ليقترب مني.
مهلًا، هل ثيون هو الصديق الذي كان يريد أن يعرفني عليه؟
“أعتذر لأنني أخطأت في لقائنا الأول، الأميرة دوروثيا. اسمي ثيون فريد.”
انحنى ثيون بتحية رسمية وقبّل ظهر يدي.
رغم أنني سلكت طريق الندم من قبل، إلا أن قلبي كان يركض مثل حصان بري لا يمكن ترويضه، متجهًا حيث يشتهي.
ابتسامة ثيون كانت تملؤني في السابق بأمل لا ضمير له.
نحن الآن في بداية جديدة. لم يكن بيننا ماضٍ بعد.
فهل يجوز لي، التي تاقت للحب بقسوة، أن أتخلى عن مآسي الماضي وأبدأ من جديد؟
إن أحببتك أكثر قليلاً، ألا تنظر إليّ هذه المرة؟
ربما منحني القدر فرصة جديدة بالفعل.
لكن حلمي الساذج تحطم سريعًا.
“ثيون، لماذا ذهبت وحدك؟” قال صوتٌ ما.
وفي لحظة، غزتني خيبة الأمل، وسحقت أملي الفتيّ.
“جولي! قلت لكِ انتظريني،” أجاب ثيون.
تحول نظره من عينيّ إليها.
إلى فتاة ذات شعر وردي وعيون بنفسجية.
عيونها اللامعة كالأماثيست وصلت إلى أطراف نظرات ثيون. ابتسامة مشرقة كأن الظل لم يمر بها أبدًا. وسرعان ما ركضت تلك الفتاة الجميلة لتقف بجانب ثيون.
جولي ديلفيني.
الحب الأول والوحيد لثيون.
بسبب وعود العائلة وعنادي، لم يكن أمامه خيار سوى الزواج بي، لكنه أحبها هي فقط حتى النهاية.
لقد كانا صديقين منذ الطفولة، وكانا مثل قطعتين من أحجية تكمّل إحداهما الأخرى. مميزين جدًا لبعضهما لدرجة أنه لم يكن هناك مكان لي بينهما أبدًا.
في النهاية، كانت حياتي دائمًا كذلك. لماذا ظننت أنها ستتغير فجأة؟
توقّت حب كارنان ولم أحصل عليه.
توقّت حب ثيون ولم أتلقه أبدًا…
كنت محكومة بحياة لا يُحبني فيها أحد.
حتى بعد زواجنا، كان ثيون يبحث عن جولي.
تبادلا العشرات من الرسائل من خلف ظهري.
وعندما علمتُ بذلك، لم أسمح له بالذهاب إليها. لم أفعلها بتهور، بل تأكدت من أنهما لن يلتقيا أبدًا لأنني كنت أحبه بجنون. كنت أعمى بالغيرة من جولي، وصليت أن تختفي من حياة ثيون. لا، تمنيت أن تموت.
وعندما قدّم لي أحد تابعيّ المخلصين تهمة ملفقة يمكن بها قطع رأسها، ابتهجت، معتقدة أن ثيون سيحبني أخيرًا بعدها.
لكن في النهاية، هرب ثيون مني إلى الموت، وذهب إليها.
مات بسبب جشعي.
حبي الأناني قتله.
هل يمكنني حتى أن أُسميه حبًا؟ هذا الشعور الذي يمزق قلبي حتى الآن؟
“جولي هنا أيضًا!” قال أخي بحماسة.
رحّب راي بالفتاة وناداها باسمها بحرارة.
“دوروثي. هذه جولي ديلفيني. كانت في دوقية فريديا الكبرى مع ثيون وقررت أن ترافقه إلى القصر.”
قدمني أخي إليهما رسميًا، قبل أن يشرح كل من ثيون وجولي أنهما أتيا مع والديهما لحضور حفل تنصيب راي.
بعد التعارف، انحنت جولي بأدب أمامي قائلة: “مرحبًا، الأميرة دوروثيا.”
ابتسمت لي ابتسامة مشرقة، ملؤها اللطف والحنان، لدرجة أن غيرتي تجددت من جديد.
لا. عليكِ أن تبتسمي، دوروثيا. لا يمكنكِ أن تسمحي لنفسك بكراهية جولي.
“مرحبًا…” قلت بصعوبة.
حاولت رفع زاويتي فمي في ابتسامة، لكنني فشلت. كانت مشاعري تتفاقم كل دقيقة وتخرج عن السيطرة.
وعلى عكس ابتسامتها البريئة، كانت ابتسامتي ملطخة بكل المشاعر السلبية.
ربما بسبب الطريقة التي كانا يمسكان فيها بأيدي بعضهما، ويلتصقان بأكتافهما أمامي.
ماذا كنتِ تتوقعين، يا دوروثيا؟ ماذا كنتِ تتوقعين كمن قتلتِ ثيون ذات مرة؟
“تعرفين، دوروثيا…”
“أريد أن أذهب إلى غرفتي، مربيتي.”
قبل أن يُكمل راي جملته، أمسكت بمئزر المربية الأبيض، طالبةً مغادرة هذا المكان.
لم يكن لي مكان هنا. ليس بين الأمير الذي قتلته بيدي، والرجل الذي فضّل الموت عليّ، والمرأة التي أحبّها حبي.
لم أستطع تحمل الألم الذي سببه لي مجرد وجودي بينهم.
“نعم؟” قالت المربية بارتباك، “ألن تلعبي مع أصدقائك الجدد؟”
“أشعر بالتعب.” أجبت ببساطة.
ثم أدرت وجهي عنهم وركضت نحو غرفتي. دون أن أُدرك أن يدي لا تزال تمسك بمنديل ثيون.
{الترجمه : غيو}
التعليقات لهذا الفصل " 5"